* ديشاب *
ديشاب* ، الكائن الشعري ... !*
---------------------------
ما هذا الذي يتقوض في نص ما
و ... يتسكع ،
هذا الذي يجب الإنصات إليه ،
وعي الكتابة ،
أم كتابة الوعي ؟
كتابة ...،
لم يقل لها أحد بمراجع
ولا الدوزنات في كون
غدا في التسارع .
مرح الكتابة حين تلامس الجسد
تراوغه ،
فتعريه ...
حتي تصير في بهائه الأبد !
ديشاب ، رأيته الشاعر منذ أن كان ، شاعرا في زمان خشن بأمثولاته الضاجة بالفحيح في جهاته كلها ، في بلبال السائد المشوه ، حيث الصراخ لغة ، حين يهان المعني فيبدأ الشعر ويطلع . فليس ثمة " ألعاب " في الشعر ، بل مجازفات دموية تستنزف اللغة ... ، كالفصد ، لتحيا أو تموت كما يقول بركات . الشعر ، إذن ، جزء ناصع من القدر الإنساني ! لهذا أمتهن ديشاب اللغة ، أحتفي بها ، ثم جعلها في شعره بستان ورد و جرح . كان غريبا في أطواره حياته ، ولا يزال ، غريبا في لغته و شعره حين إلتقيناه آواخر سبعينيات القرن الماضي ، وهو – غارقا وسط الرعيل الباسل – يؤسسون " رابطة أولوس " بكسلا ، فتصالح الشاعر معها ومنحها رحيقا ولغة وضوء و ... شعرا ! كنت أراه ، وقتذاك ، كأنه يمنحها الصور البديعات مؤجلا فكرة القصيدة نفسها بإستمرار عبر تهجيرها من مسكن كينونتها وتعويضها بأطروحات برانية ، لأن القصيدة لديه – هكذا رأيته يومذاك – صارت " لحمته " الجوانية ، ماهيته التي يتكلمها كلامه وعالمه في آن ، تماما كما هي ملاذا حتميا تسكنه وتساكنه الكينونة ذاتها ! ولأنني – وقتذاك أيضا – كنت أري في الشاعر حافظ وجوه الكائن اللامتناهية كما يقول رونيه شار . فلقد سألت نفسي كثيرا و ... سألته : ما الذي يجعلك " أساسيا " في الشعر ، هل هي " الوجازة " الغمامية التي تسم شذراتك أم هي سيلانات اللغة إذ تنسكب لديك في كينونة الأقامة الأصيلة داخل زمن الصباحيين ، والإنصات الحميم / الرحيم / الرجيم للتراب ، لترسبات أسرار ترقص وترتعش بنشوة شاعرية الصحو المحتشم و ... " بجينات " رشيقة تسعي لنحت ممرات ممكنة داخل مناطق رؤي غرائبية تراها أنت موصدة ؟ هل هو التجاور الخلاق الذي بلورته تجربته بين الشعر واللغة ، بين النوبية والعربية ، أم هو تأكيده المستمر لطرحه الشاعر في الناس كحافظ لوصايا وحيوات الآلهة في وضع غياباتها التاريخية وأوجاع الدين والتدين في سماتها المرعبة / المنافقة الكاذبة ... أم – وهو الشعري في إبداعية كينونته نفسها – ليبدع صيغة شعرية نحو " المقدس " ، والمقدس عنده هو اللغة لا غيرها ، أم هي كثافة الإلتزام التي تجعل منهما – الشاعر والشعر واللغة – وحدهما يهمانه بهذا القدر الكبير الغريب ، إلي حد " تشييد " الكتمانات في دواخله كأرقي أشكال تمظهرات القول واستنطاق الفواصل الصامتة ، الرابطة بين فصولها ووجوهها ؟ لا ... ، لم يكن ، أبدا ، ديشاب مجرد شاعر ، بل هو الكائن الشعري بإمتياز . فهو من يجعل الكلمات إحالات وإشارات ... ياااه ، رأيت هنا أيضا ، الشاعر يشير فيكتفي بالإشارة ، شأن عراف معبد دلف ، الذي لا يكشف ولا يخفي لكنه يشير و ... يكتفي بالإشارات ، يتكلم من خلالها ، لا يشرح ولا يبين ، فيفضي إلي موطن عتماته الشمسية التي يراها عبر صور ملمومة علي بذخ معانيها ، يسمي الأشياء ، لا عبر إخضاعها لسلطة " التسمية " بل عبر إستدعائها من إنكتامها ، من عنفها وتشوهاتها ، ليجعلها حرة طليقة تمشي مفكوكة الشعر تغني هذياناتها ، لكنه ، الآن ، يذهب بها – وهو برفقتها – نحو إرثها المعتم غير المعروف ، ليكشف عنها سترها لنراها ...، ذهب ، عميقا ، نحو مادتها الخام حيث تكون متجذرة في لمعان عناصرها التي لا تخبو . يكتب ديشاب كثيرا ويتعذر عليه الغياب طويلا عنها ، وهو الكائن الشعري ، ليس جسدا منسوجا من اللغة وحدها ، بل من " الخيمياء " الحميمة أيضا ، من المعيش الخلاق لحياته والحيوات من حوله ، محكوما بضرورياتها الإبداعية السيدة ... ، بتجربة الكينونة / كينونته ، داخل العالم التي تنخرط في أعمق تجلياتها وأكثرها أشراقا وشفافية ، تعتصر نسغ كلامها من نداءاته ، وتجعل " الشروخ المعتمات " التي يراها ، مضاءة بعزلته المجيدة في وطنه وادي حلفا الذي أبي إلا يكون المهاد لتلك العزلة المجيدة وإنتساباته الرحبة : يفكر ديشاب ، إذن ، شعريا في اللغة النوبية والنوبيات بإتجاه حضور الراهن وفي معيته ، الذي يغدوا فضاءا مفتوحا علي رحاب إتيان يحرر اللغة ، لغته الأم كما يسميها ، من سكونها وسياجها ، ويدفع بمصابيحه ، الكاشفات العاريات كلها ، إلي إضاءات الدغل ! شذرات ديشاب النوبية هي – في ظني – وثبات شعر ، هي الحياة المستقبلية داخل الإنسان المؤهل لقراءتها ثانية ، وثبات متناسلة ، إستغوارات تنتخب كل مرة أسئلتها الشعرية : هل بامكان العتمات أن تصير في الضوء داخل " قول " يدرك ، ويزن ، بحدس العراف ذاك ، رهانها وفداحتها ؟ و ... إلي أي حد يستطيع الشاعر أن يقود تجاربه للمكنات عبر وعورة الطريق وخشونته ، قولا وفعلا ، وهو القول / اللغة التي تظل بكرا رغم إبحاره الجسور فيها ؟ وأين ستجد عنده تجاريب اللغات ، بكثافتها الباذخة ، سيادتها ، وأين سيكون مستقرها ، وهي المولعة بالزواج ولقاحاته الحامضة ولذاذاته ، ثم كيف سيصير ، مجنون اللسانيات واللغات هذا ، عرافا يتكهن بما ستكون عليه تلك الجميلة في الجميلات ؟؟
أيكون لهذا قد توجه صوبها : اللغة النوبية ، ثم جعل يقلب منها وجوهها وأرديتها وفساتينها ورائحتها الشذية ؟ وفي النوبية – وهي اللغة – إيقاع وصور ومعاني ، فيها الغناء والرقص الرشيق ولذة الإيحاءات والإيماءات والنداءات التي تلامس الأفئدة فترقشها وتوشحها فتجعلها أسيرة فتنتها ، هي ، مثل ما رأها ذات يوم بعيد ، " صبية تخرج مبتردة من النهر " جميلة مثل الآلهات أخوات السماء في الأرض فلاذ بها ، أم تكون هي التي إلتجأت لأحضانه الرحيمات ؟ كنت ، لما رأيته يذهب فيها ، هذا المذهب مجنونا بها ، دارسا ومنقبا وباحثا بهذا القدر الكبير التي الذي تنوء عنه المؤسسات ، ليس كتابيه اللذين صدرا له مؤخرا : " النوبية في عامية السودان العربية " و " النوبية في شعر بوادي السودان " فقط ، بل في أكثر من عشرين مخطوطا في النوبيات تنتظر الطباعة والنشر ... لما رأيته في هذه الحفريات الشاقة ودروبها ذوات الوعورة التي تستوجب التوفر والصبر الكثير علي مشقاتها ، سألته ، مشفقا وقلبي علي شعره العظيم وشعريته الباذخة : "لقد أخذتك النوبيات عن حديقة الشعر إلي شعرية اللغة ، فما وجدت لديك شعرك المجيد كالذي كنت ، في ما سبق ، تقراءه فينا !!" . لتوه بادرني بضحكته الطفولية التي يفصح عنها ، دائما ، قلبه البرئ كقلب طفل : " الشعر موجود ... موجود ! " . ثم منحنا - مأمون التلب وأنا – عشر قصائد كاملات مؤرخات بزمان كتابتها ، حين نظرتها وجدتها من شعره القديم ، وقرأت تعابيرا في بعضها سبق لي أن أطلعت عليها وعلقت بقلبي منذ سنوات عديدة ، لكنني ، لا أزال ، أنتظر جديده الشعري الذي سيطلع يوما ما في الناس لا محالة ! وهكذا إذن ياصديقي، تري أن المخيلة هي القدر نفسه واقعا في العالم ، والحقيقة " الواقعية " ما هي إلا ثرثرة في علوم القدر ، فواجه إذن ، أيها الكائن الشعري الجميل ، تجليات ثرثرات مخيلتك الرحبة وثرثرات علوم القدر ... وياديشششششششاب : " كأسك ياوطن " !! .
-------------------------------------------------------------------------------------
* كان مقدرا لهذه الكتابة أن تنشر اليوم الثلاثاء بملف " تخوم " الثقافي بصحيفة " الأحداث " ولكن – للأسف العميق – توقفت ، منذ الأمس واليوم ، الصحيفة عن الصدور ، ولربما لن تصدر إلا مطلع الأسبوع القادم بحجة " عدم توفر الورق وإنعدام الدولار " ، تلك هي الحجة المعلنه ، لكنني أري أصابعا قد عبثت أيضا لتصنع في الناس هذا الحجب البغيض ! كان الملف بكامله قد خصص عن تجربة ومشروع " ديشاب " ، الشعري وفي درس اللغات والنوبيات في وجهاتها الفسيحة ... ننتظر ، أيضا ، لنراها كلها تلك الكتابات حول إنشغالات هذا الإنسان الجميل !
* " ديشاب " : هو الشاعر السوداني والباحث في اللسانيات والنوبيات ميرغني ديشاب !
---------------------------
ما هذا الذي يتقوض في نص ما
و ... يتسكع ،
هذا الذي يجب الإنصات إليه ،
وعي الكتابة ،
أم كتابة الوعي ؟
كتابة ...،
لم يقل لها أحد بمراجع
ولا الدوزنات في كون
غدا في التسارع .
مرح الكتابة حين تلامس الجسد
تراوغه ،
فتعريه ...
حتي تصير في بهائه الأبد !
ديشاب ، رأيته الشاعر منذ أن كان ، شاعرا في زمان خشن بأمثولاته الضاجة بالفحيح في جهاته كلها ، في بلبال السائد المشوه ، حيث الصراخ لغة ، حين يهان المعني فيبدأ الشعر ويطلع . فليس ثمة " ألعاب " في الشعر ، بل مجازفات دموية تستنزف اللغة ... ، كالفصد ، لتحيا أو تموت كما يقول بركات . الشعر ، إذن ، جزء ناصع من القدر الإنساني ! لهذا أمتهن ديشاب اللغة ، أحتفي بها ، ثم جعلها في شعره بستان ورد و جرح . كان غريبا في أطواره حياته ، ولا يزال ، غريبا في لغته و شعره حين إلتقيناه آواخر سبعينيات القرن الماضي ، وهو – غارقا وسط الرعيل الباسل – يؤسسون " رابطة أولوس " بكسلا ، فتصالح الشاعر معها ومنحها رحيقا ولغة وضوء و ... شعرا ! كنت أراه ، وقتذاك ، كأنه يمنحها الصور البديعات مؤجلا فكرة القصيدة نفسها بإستمرار عبر تهجيرها من مسكن كينونتها وتعويضها بأطروحات برانية ، لأن القصيدة لديه – هكذا رأيته يومذاك – صارت " لحمته " الجوانية ، ماهيته التي يتكلمها كلامه وعالمه في آن ، تماما كما هي ملاذا حتميا تسكنه وتساكنه الكينونة ذاتها ! ولأنني – وقتذاك أيضا – كنت أري في الشاعر حافظ وجوه الكائن اللامتناهية كما يقول رونيه شار . فلقد سألت نفسي كثيرا و ... سألته : ما الذي يجعلك " أساسيا " في الشعر ، هل هي " الوجازة " الغمامية التي تسم شذراتك أم هي سيلانات اللغة إذ تنسكب لديك في كينونة الأقامة الأصيلة داخل زمن الصباحيين ، والإنصات الحميم / الرحيم / الرجيم للتراب ، لترسبات أسرار ترقص وترتعش بنشوة شاعرية الصحو المحتشم و ... " بجينات " رشيقة تسعي لنحت ممرات ممكنة داخل مناطق رؤي غرائبية تراها أنت موصدة ؟ هل هو التجاور الخلاق الذي بلورته تجربته بين الشعر واللغة ، بين النوبية والعربية ، أم هو تأكيده المستمر لطرحه الشاعر في الناس كحافظ لوصايا وحيوات الآلهة في وضع غياباتها التاريخية وأوجاع الدين والتدين في سماتها المرعبة / المنافقة الكاذبة ... أم – وهو الشعري في إبداعية كينونته نفسها – ليبدع صيغة شعرية نحو " المقدس " ، والمقدس عنده هو اللغة لا غيرها ، أم هي كثافة الإلتزام التي تجعل منهما – الشاعر والشعر واللغة – وحدهما يهمانه بهذا القدر الكبير الغريب ، إلي حد " تشييد " الكتمانات في دواخله كأرقي أشكال تمظهرات القول واستنطاق الفواصل الصامتة ، الرابطة بين فصولها ووجوهها ؟ لا ... ، لم يكن ، أبدا ، ديشاب مجرد شاعر ، بل هو الكائن الشعري بإمتياز . فهو من يجعل الكلمات إحالات وإشارات ... ياااه ، رأيت هنا أيضا ، الشاعر يشير فيكتفي بالإشارة ، شأن عراف معبد دلف ، الذي لا يكشف ولا يخفي لكنه يشير و ... يكتفي بالإشارات ، يتكلم من خلالها ، لا يشرح ولا يبين ، فيفضي إلي موطن عتماته الشمسية التي يراها عبر صور ملمومة علي بذخ معانيها ، يسمي الأشياء ، لا عبر إخضاعها لسلطة " التسمية " بل عبر إستدعائها من إنكتامها ، من عنفها وتشوهاتها ، ليجعلها حرة طليقة تمشي مفكوكة الشعر تغني هذياناتها ، لكنه ، الآن ، يذهب بها – وهو برفقتها – نحو إرثها المعتم غير المعروف ، ليكشف عنها سترها لنراها ...، ذهب ، عميقا ، نحو مادتها الخام حيث تكون متجذرة في لمعان عناصرها التي لا تخبو . يكتب ديشاب كثيرا ويتعذر عليه الغياب طويلا عنها ، وهو الكائن الشعري ، ليس جسدا منسوجا من اللغة وحدها ، بل من " الخيمياء " الحميمة أيضا ، من المعيش الخلاق لحياته والحيوات من حوله ، محكوما بضرورياتها الإبداعية السيدة ... ، بتجربة الكينونة / كينونته ، داخل العالم التي تنخرط في أعمق تجلياتها وأكثرها أشراقا وشفافية ، تعتصر نسغ كلامها من نداءاته ، وتجعل " الشروخ المعتمات " التي يراها ، مضاءة بعزلته المجيدة في وطنه وادي حلفا الذي أبي إلا يكون المهاد لتلك العزلة المجيدة وإنتساباته الرحبة : يفكر ديشاب ، إذن ، شعريا في اللغة النوبية والنوبيات بإتجاه حضور الراهن وفي معيته ، الذي يغدوا فضاءا مفتوحا علي رحاب إتيان يحرر اللغة ، لغته الأم كما يسميها ، من سكونها وسياجها ، ويدفع بمصابيحه ، الكاشفات العاريات كلها ، إلي إضاءات الدغل ! شذرات ديشاب النوبية هي – في ظني – وثبات شعر ، هي الحياة المستقبلية داخل الإنسان المؤهل لقراءتها ثانية ، وثبات متناسلة ، إستغوارات تنتخب كل مرة أسئلتها الشعرية : هل بامكان العتمات أن تصير في الضوء داخل " قول " يدرك ، ويزن ، بحدس العراف ذاك ، رهانها وفداحتها ؟ و ... إلي أي حد يستطيع الشاعر أن يقود تجاربه للمكنات عبر وعورة الطريق وخشونته ، قولا وفعلا ، وهو القول / اللغة التي تظل بكرا رغم إبحاره الجسور فيها ؟ وأين ستجد عنده تجاريب اللغات ، بكثافتها الباذخة ، سيادتها ، وأين سيكون مستقرها ، وهي المولعة بالزواج ولقاحاته الحامضة ولذاذاته ، ثم كيف سيصير ، مجنون اللسانيات واللغات هذا ، عرافا يتكهن بما ستكون عليه تلك الجميلة في الجميلات ؟؟
أيكون لهذا قد توجه صوبها : اللغة النوبية ، ثم جعل يقلب منها وجوهها وأرديتها وفساتينها ورائحتها الشذية ؟ وفي النوبية – وهي اللغة – إيقاع وصور ومعاني ، فيها الغناء والرقص الرشيق ولذة الإيحاءات والإيماءات والنداءات التي تلامس الأفئدة فترقشها وتوشحها فتجعلها أسيرة فتنتها ، هي ، مثل ما رأها ذات يوم بعيد ، " صبية تخرج مبتردة من النهر " جميلة مثل الآلهات أخوات السماء في الأرض فلاذ بها ، أم تكون هي التي إلتجأت لأحضانه الرحيمات ؟ كنت ، لما رأيته يذهب فيها ، هذا المذهب مجنونا بها ، دارسا ومنقبا وباحثا بهذا القدر الكبير التي الذي تنوء عنه المؤسسات ، ليس كتابيه اللذين صدرا له مؤخرا : " النوبية في عامية السودان العربية " و " النوبية في شعر بوادي السودان " فقط ، بل في أكثر من عشرين مخطوطا في النوبيات تنتظر الطباعة والنشر ... لما رأيته في هذه الحفريات الشاقة ودروبها ذوات الوعورة التي تستوجب التوفر والصبر الكثير علي مشقاتها ، سألته ، مشفقا وقلبي علي شعره العظيم وشعريته الباذخة : "لقد أخذتك النوبيات عن حديقة الشعر إلي شعرية اللغة ، فما وجدت لديك شعرك المجيد كالذي كنت ، في ما سبق ، تقراءه فينا !!" . لتوه بادرني بضحكته الطفولية التي يفصح عنها ، دائما ، قلبه البرئ كقلب طفل : " الشعر موجود ... موجود ! " . ثم منحنا - مأمون التلب وأنا – عشر قصائد كاملات مؤرخات بزمان كتابتها ، حين نظرتها وجدتها من شعره القديم ، وقرأت تعابيرا في بعضها سبق لي أن أطلعت عليها وعلقت بقلبي منذ سنوات عديدة ، لكنني ، لا أزال ، أنتظر جديده الشعري الذي سيطلع يوما ما في الناس لا محالة ! وهكذا إذن ياصديقي، تري أن المخيلة هي القدر نفسه واقعا في العالم ، والحقيقة " الواقعية " ما هي إلا ثرثرة في علوم القدر ، فواجه إذن ، أيها الكائن الشعري الجميل ، تجليات ثرثرات مخيلتك الرحبة وثرثرات علوم القدر ... وياديشششششششاب : " كأسك ياوطن " !! .
-------------------------------------------------------------------------------------
* كان مقدرا لهذه الكتابة أن تنشر اليوم الثلاثاء بملف " تخوم " الثقافي بصحيفة " الأحداث " ولكن – للأسف العميق – توقفت ، منذ الأمس واليوم ، الصحيفة عن الصدور ، ولربما لن تصدر إلا مطلع الأسبوع القادم بحجة " عدم توفر الورق وإنعدام الدولار " ، تلك هي الحجة المعلنه ، لكنني أري أصابعا قد عبثت أيضا لتصنع في الناس هذا الحجب البغيض ! كان الملف بكامله قد خصص عن تجربة ومشروع " ديشاب " ، الشعري وفي درس اللغات والنوبيات في وجهاتها الفسيحة ... ننتظر ، أيضا ، لنراها كلها تلك الكتابات حول إنشغالات هذا الإنسان الجميل !
* " ديشاب " : هو الشاعر السوداني والباحث في اللسانيات والنوبيات ميرغني ديشاب !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق