Powered By Blogger

السبت، سبتمبر 29، 2012

موت جيفارا : ثلاث لوحات ، و ... ووردة !


اللوحة الأولي :
السبت ، 12 يوليو 1997م ، عند العاشرة من صباح ذلك اليوم الشتائي البارد ، كانت بعثة علمية تنقب لأكثر من شهر في أدغال وأحراش بوليفيا تبحث عن مقبرة جماعية تضم رفات الزعيم الثوري والقائد الأممي الشيوعي " أرنستو تشي جيفارا " ورفاقه ! البعثة العلمية ضمت علماء آثار وتنقيب ، وعلماء في التاريخ السياسي والطبيعي ، أكاديميون متخصصون وعلماء حفريات ، ومؤرخو حقب معاصرة ، ومتطوعون يدفعهم توقهم الأنساني النبيل لمعرفة الحقيقة ، وكشفها للملأ ! في ذلك الصباح البارد المتلفع بالغيوم الدكناء ويخالطها البياض ، ، فجأة ، رن معول أحدهم فوق عظام أنسان فصاح في وجه الكون بفرح طاغ مجنون : " وجدته ... وجدته ، هنا يرقد رفات أسطورة القرن العشرين ! " بحرص وبطء كثير توسعوا في الحفر ، ومن وسط ركام التراب الرمادي الداكن المخلوط بالحشائش الخضر ، والنباتات البرية الشرسة ، من بين أكوام التراب المبتل الرطب ، أخرجت هياكل بشرية لستة آدميين ! ومن بينها جميعا كان رفات جيفارا ، واضحا كما الحقيقة و ... ساطعا كما التاريخ ، ومحدد كمقصلة : كان أطولهم ، أطرافه العظمية محددة جدا ومعلومة بسبب من شهرته العالمية وسماته المعروفة ... أطراف يديه ورجليه مقطعات ، ومسجيات بعشوائية فوق هيكله العظمي ! أصابع يديه ، ويديه نفسهما وساقاه ، كانت معروفة بتفاصيلها كلها لعلماء وخبراء البعثة عالية التخصص ! أما الجمجمة ، فقد كانت هي جمجمته بلا أدني شك ، فقد أجريت عليها في حياته أبحاث ودراسات كثيرة عظيمة ، كشأن جماجم العظماء في التاريخ البشري ! بدأت البعثة تعمل بنشاط كثير وحماس علمي كبير ، في ذلك الصقيع والبرد ، فأستخرجت ست هياكل كاملة لهؤلاء الأبطال ، الذين اغتيلوا جميعهم ، في ليلة واحدة ، وبآلة القتل نفسها ، وبالبشاعة ذاتها ، وبأصرار " دولي " غريب " خططت إليه وقادته ثم نفذته الولايات المتحدة الاميريكية ! عند ترتيب رفاتهم ، بدأوا كأبطال خرافيين كبار ، رجال عظماء بقامات باذخة ، يضيئون - كالشموع والرايات - في الجوهر من قلب التاريخ الأنساني للبشرية ! سبعة عشر عالما وقفوا ، دقيقة كاملة ، تحية وأجلالا للرجال الأسطوريين ! بعد ثلاثين عاما ، يظهر للدنيا كلها ، الرفات الذي يلخص الثورية والشجاعة والنبالة والجسارة ... فيعود جيفارا ورفاقه أحياءا في الدنيا وفي الضمير الأنساني علي أمتداد الحقب ، أبطالا يطالون العلا ويعيشون في ذاكرة الكون و ... يضيئون !
اللوحة الثانية :
في التاسع من أكتوبر العام 1967م ، في يوم غابت عنه الشمس و غادرته الغيوم ، وبعيدا عن ضمير العالم ، وسط الأحراش وأشجار الصنوبر العاليات والحشائش الطويلة الخشنة ، في يوم دبق كالصمغ ، مالح وغامض كما الملح والليمون ، حيث لاهواء ولا رياح ، في الهدوء الحزين والسكينة التي تبكي ، وعواء الذئاب يجلل المكان ، حيث كان الرعب حاضرا ، والحقارة والكراهية حاضران ، في ذلك الذرئ الكئيبة ، أغتالت مجموعة ضخمة من جيش بوليفيا ، بتخطيط وتدبير وتمويل من الأستخبارات الامريكية ، وتحت قيادة مجموعة متخصصة من الجنود الامريكيين ، أغتالت - بدم بارد مقزز شنيع - قلب المجموعة الثورية لامريكيا اللاتينية كلها : أرنستو تشي جيفارا ورفاقه المغاوير ! حاصرتهم ، تلك القوات الكثيرة ، لأكثر من ثلاثة أسابيع متصلة ، فصمدوا وقاوموا الجوع والعطش ، وأنعدام التموين والأتصال بالعالم ! وفي اليوم الرابع والعشرين هاجموهم بتلك القوات كثيرة العدد والمجهزة بالاسلحة والعتاد الفتاك ، ضربوهم بالقنابل والغاز والرصاص ! كانت مجزرة دامية ، قرح دام علي وجه الزمان ، وعارا كبيرا سيظل أبد الدهر يجلل وجه امريكيا ، ويدمغها بالبشاعة والنذالة ! أكثر من خمسمائة جندي بوليفي وأكثر من خمسون جنديا أمريكيا ، أصطفوا علي شكل حدوة الحصان ، ليواجهوا ستة رجال يتقدمهم جيفارا ، أعملوا فيهم القتل البشع ، وأبقوا علي جيفارا حيا ، مثخنا بالجراح وبالدم الكثير ! كانت المداهمة ليلا ،والقتل تم ليلا ، ليل بلا قمر ، ولا ريح ، ولا شاهد ! قيدوه ، فأوثقوا حول يديه ورجليه وعنقه ووسطه القيود الغلاظ ، ثم " قطعوا " أطراف يديه وأرجله ، فعلوا ذلك بحقد مجنون وبتشفي الوحوش المفترسات ، وهو يبتسم ، أنهالوا عليه ، علي جسده كله ووجهه ، بأعقاب البنادق والهراوات ، وهو يبتسم ، ويقول لهم من بين الألم والنزيف : " الثورة سوف تنتصر ... حتما ستنتصر يوما ما ! " ... ثم سددوا إلي رأسه رصاصات ست ، أستقرت علي جبينه وأعلي رأسه ، فمات البطل لتوه ! جروهم ودفنوهم في حفرة واحدة و ... ذهبوا ، مجللين بالعار والخزي الشنيع ! وبعد أقل من أسبوع عرف العالم بالجريمة المروعة ... ، وأصبح جيفار ا ، من يومذاك ، أغنية كاملة البهاء في النشيد الأممي وفي الضمير العالمي للأنسانية جمعاء ! وظل قبره مجهولا و ... رفاته مفقودا ولا أثر إليه ! اللوحة الثالثة :
يوم الأحد 13 يوليو 1997م حملت طائرة خاصة رفات جيفارا ورفاقه إلي كوبا العظيمة ... أستقبله بالمطار رفيق كفاحه فيدل كاسترو ، أستقبله ، كمشهد في ملحمة تراجيدية علي مسرح أغريقي باذخ ! وفي " سانتاكلارا " ، علي بعد ثلاثين ميلا غربي هافنا ، كان هنالك ضريحا قد شيد وسط اشجار السرو والأزاهير ، ليرقد فيه إلي الأبد ما تبقي من جثمان الثائر وأسطورة القرن العشرين أرنستو تشي جيفارا العظيم ورفاقه الأبطال !
الوردة :
يوم الجمعة 17 أكتوبر 1997م ، وفي أحتفال أسطوري مهيب ، حيث المكان كله قد أكتظ بالجماهير ، جاءت حشودا من كل أنحاء كوبا وبقيت في المكان ، تظللهم الأحلام والأمنيات والأناشيد ، كما الطيور ، كانت الرؤي الجليلة والنبيلة للأنسانية تجلل المكان ، وبحضور " كاسترو " أبن جيفار ، وحضور فيدل كاستروا نفسه وزعماء ثوريون ورؤوساء وشخصيات وطنية ، وكتاب وشعراء وفنانون ومفكرون من جميع أركان الدنيا ، في ذلك الأحتفال / الأحتشاد الرسمي والشعبي الكبير ، تم دفن أسطورة القرن العشرين : أرنستو تشي جيفارا العظيم ، ووضعت باقات ورود كثيرة علي قبره ، وردة واحدة كبيرة كانت بحجم العالم كله ، كبيرة بما يكفي لتكون ممثلة لكل شعوب العالم المحبة للحرية والديمقراطية والتقدم ، وضعت بحب مبجل كبير علي قبر الثائر العظيم !

ليست هناك تعليقات: