Powered By Blogger

السبت، سبتمبر 22، 2012

الخونــــــــــــة ... !

                                                                      - الثورة -

الخونــــــــــــــــــــــــة ... !
حكاية مدام لافارج :
------------------

أيقتلك البرد؟
أنا يقتلني نصف الدفء.. ونصف الموقف أكثر
سيدتي.. نحن بغايا مثلك
يزني القهر بنا.. والدين الكاذب.. والفكر الكاذب..
والخبز الكاذب..
والأشعار.. ولون الدم يزور حتى في التأبين رماديا
ويوافق كل الشعب.. او الشعب
وليس الحاكم أعور
سيدتي.. كيف يكون الإنسان شريفاً
وجهاز الأمن يمد يديه بكل مكان
والقادم أخطر !
                              - مظفر النواب -
في الشارع ، حيث التظاهرات الجسورة قد أندلع لهيبها الحارق يحرق وجه الطغيان ، وفي الزنازين وأقبية الأمن في بيوت الأشباح وفي مكاتبهم ودوائرهم ، في العلن أحيانا وفي السر أحيانا كثيرة ، يقوم كلاب الأمن بتعذيب قاس جبان للمعتقلين السياسيين ، بهدف كسر شوكة نضالهم وصلابتهم ، يمارسون إذلالا بشعا لآدميتهم بقصد تشويه قيمهم ومبادئهم العالية النبيلة في حب الوطن والشعب ! يفعلون هذا الأرهاب البشع والنذالة القميئة بدم بارد دون أن يطرف منهم جفن أو يرتعش إليهم ضمير . أنهم مغيبون، وقد أسكرتهم الدولة الباغية بصولجانها وأمتيازاتها وعطاياها التي يتنعمون ويعيشون حياتهم من ثديها المر . بل لقد تمادوا في غيهم وبغيهم فأعتدوا علي النساء وطلاب الثانويات والجامعات ، ثم بلغت بهم الخسة أن نالت أيديهم الملطخة بالدماء رجالا ونساء شرفاء وعلماء وهم في حرمة دور العلم والمعرفة ... كثيرا جدا سألت نفسي : هل فعلا هؤلاء من صلب وأحضان هذا الشعب الأصيل السمح المعلم ، هل هم فعلا سودانيون مثلك ومثلي ؟  أنني لا أتصور أن يوجد مجتمع ما تحدث فيه مثل هذه النذالة ثم لا تثور فيه رعشات الغضب ، وهو غضب لو تعلمون عظيم !
   مدام لافارج ، أمرأة فرنسية في الخامسة والسبعون من عمرها حين إندلعت الثورة والمقاومة الفرنسية ضد الأحتلال النازي . لديها أبنها الوحيد " شار " في العشرين عندما أنضم للثوار في المقاومة ، ناشطا بحيوية ووعي كثير ، كان يأتيها ليلا تحت عباءة الظلام فيزودها بأخبار وأحوال الثورة والثوار ، يحضر إليها الطعام ونشرات المقاومة . كان الشيوعيون والديمقراطيون وفصائل اليسار في طليعة المقاومة وهم المنظمون لها ووقودها ... كان " أراغون " يتولي أمر كتيبة المثقفين وجبهة الشعر في عمل المقاومة، فأصدروا " منشورات نصف الليل " فأنتشرت في طول البلاد وعرضها ، تسعي بين الناس وتستنهضهم للمقاومة ودحر الأحتلال ! كانت مدام " لافارج " تقرأ النشرة بنهم وحرص شديد ، ولما رأتهم يتحدثون عن الخونة من الفرنسيين الذين تعاونوا مع الأحتلال فأرشدوه إلي مواقع المقاومة الحصينة وإلي الثوار أنفسهم ، لتعدمهم سلطات النازي بالرصاص في الميادين العامة والساحات بغية كسر شوكة المقاومة وأرهاب الثوار ، ولقد مارسوا – وياللمفارقة – نفس الأساليب وأدوات التعذيب التي يستعملونها الآن عندنا ضد المعارضين ، فيبدوا أن الحقد والغدر والنذالة واحدة عندما تسكن القلب البشري ، إذ يغدوا الإنسان متحولا إلي شيئا كالذئاب والضواري ! فأجأتهم ، إذن ، مدام " لافارج " ذات ليلة بفكرة باسلة سرعان ما وافقوا عليها ونفذوها علي أكمل وجه ! قالت لهم : " أريد أن أكون في الثورة مثلكم وذات نفع إليها ، لأحس أنني في المقاومة مثلكم . هاتوا لي الأقمشة والخيوط ولدي الأبر والأنوال ، وزودوني بأسماء ومواقع الخونة وأتركوا لي الأمر حتي أنجز هديتي للثورة في يوم أنتصارها " ! في الليلة التالية كانت مدام لافارج تعكف علي خياطة القماش الأحمر وتحيك عليه بالخيوط البيضاء أسماء الخونة ، والثوار أخذوا – عبر واحدا بعينه منهم – يأتونها بكشوفات الخونة وما تحتاجه من القماش والخيوط ، عكفت السيدة المناضلة علي عملها بحماس كثير وبسالة هزمت سنوات عمرها وشيخوختها فغدت يانعة في سيماء الثورة وملامح الثوار ، وليلة أثر ليلة يزداد القماش المستطيل الأحمر طولا وتتلألأ الحروف البيضاء مشعة كقطع الفضة و ... يزداد في قماشها ودفاترها أعداد الخونة ! كانت المقاومة – بفضل تلك الفكرة الباسلة – قد أتقنت عمل آلية لرصد وحصر وتسجيل الخونة ، فيذهب " الأرشيف الخائن " ليلة من بعد ليلة إلي مدام لافارج ، إلي صدرها المحب لوطنها ولشعبها ، ولبغضها الذي يتنامي لخونة بلادها وهي تحت الأحتلال والنير النازي !
عند أنتصار الثورة ودحر النازية وأحتلالها البغيض ، والشعب في أهازيج وأناشيد النصر وأغانيه ، علقت المقاومة الوشاح الأحمر أعلي برج " إيفل " وتدلي يسطع في أفق الثورة والبلاد ، راية حمراء تطلع من ضمير الشعب وتجاريب نضاله الجسور ... خمسمائة مترا من الخونة تدلت من أعلي البرج حتي كادت تلامس ثري الوطن و ... عند أسفل البرج ، تحت الوشاح مباشرة يشرئب تمثالا صقيلا شامخا لمدام لافارج ! أخذت الثورة تقتص من الخونة واحدا واحدا حسب ترتيب أسمائهم علي الوشاح ، فعلت ذلك بتصميم ثوري شجاع حتي أتت عليهم جميعا ! تذكرت ذلك كله وأنا أري الخونة من سدنة النظام وزبانيته ومن أفراد أمن النظام وهم يطاردون الثوار ويعتقلونهم ثم يعذبونهم وينكلون بهم ! ونحن لن نكون باعة للتسامح المريض ، فللثورة أيضا قوانينها ... فيتوجب علي قوي المعارضة ومجموعات الناشطين فيها أن يقوموا بمثل هذا الرصد لمن ينال من الثورة والثوار وليس هنالك من الخونة من سيكون بمنأي عن غضبة الشعب ، وأنني أعرف أن خطوات للرصد والحصر والتسجيل قد بدأت ، لكنها تحتاج التنظيم والأعداد الجيد و ... ليكن " الأرشيف الخائن " واحدا موحدا في موقع حصين أمين أشبه بمركز معلومات حقيقي وسجلا للخونة في بلادنا ، ثم عظة وعبرة – أن وعوها – لمثل هؤلاء الصنف في البشر !

ليست هناك تعليقات: