ذهول الألوان الميتة : البــــحر ... !*
----------------------------------
حينما تتهدل أعطاف الخريف علي وجدان القمر ..
ويرعف الضباب حانقا .. نداوة السحر ..
ويغسل النزيف قشرة الشحوب من أعنة المطر ،
ينهمر الظمأ الخاوي من لجة نافذتي ، بحرا
يتسربل أهداب فنارات الإيماء الجامحة الحبلي ،
بالفجر يدب علي ناصية الاقيانوس المتوثب للإظلام ..
يتلاطم في كهف الأزمان عيونا .. تصل من شبق الأكفان
نبيذا ..يصرخ مقهورا يتمزق بين قوارير الإصغاء
ينثال ..يغور .. يعربد في أحشاء الأفق الجسر المشروخ
فأنظر .. أعلم .. أحلم .. أجتاح خطوط اللق اللدنة
أتحسس قلبا .. بين الأجداث النتنة
فيضمخ منقار الهدهد ،
إنجيل الطحلب .. – أكسيد الكلمات العطنة
أتدفق من كوات الرعد المهجور
أعاين أروقة الصلوات البور
أحلب شريان نوافير الظلمة
وأحاصر خلجان الغسق المترنح تحت حفيف الأضواء ..
أعاقر أنفاس خفافيش البرق .. السندس بين النورس والعتمة
والصيف الآسن يرنو ،
إلي حبيبات الضوء الأخضر الشفيف .. كسيحا ،
علي رصيف الإغماء المتحجر ..
* * * *
ما أروع هالات الفناء ياحبيبتي ..
أو تنظر كيف تشيخ النجمة في ثبج الأكواب ،
حين الصل يضاجع أحلام الزهرة .. تحت مرايا الأحقاب ..
ويهيم الزبد الصهد البللور وريفا ،
يسرح من مرج الأسرار نزيفا .. يجمح في محراب صليبي ،
نجما .. نهرا .. نمرا .. قمرا .. قنديلا من خمر
فأعانق تنور الغبطة
أمضغ عنقود الرغبة
- حنظلة الشفق المتوجس في أرشيف العصيان ، وأغفو
بين أفاوفيف الزرقة .. أهفو ،
لدعاش الحب توسد عاصفة الشوك الغجرية
أتوهج عبقا قزحيا
أقتات نعاب البوم المذبوحة في صدر يهوذا .. وأغني ،
لنجيع الحلم الغارق في بركة أصفاد ..
والرب الصمت ينام علي عرش مشاغله العلوية
يستدفئ بالبلح المتساقط من برج الأوراد المنسية
يتفجر من إزميل القهر عويلا ..
ينهش خاصرة الجزر المصلوبة في إبهام البحر
أحد .. أحد
وتموء القطة خلف رتاج الليل المغلق ..
* * * *
ما أسعدني في هذي الغربة
- زخات المتعة بالصدر الثيب
أتلاشي دوما .. أولد دوما ..
بين ضفاف الموج الصاخب في غور العينين ..
ديونوس .. إلهي .. ياشيخي شوقي .. عشقي للمهمة
تكتنز الأصفاد علي شفتيه .. فيرقص
كالطل النازح .. يمرح .. يمتح فوح رضاب الأبهاء القمرية
يرقص بين سيول أقانيم الحنظل
فوق شعاع السم الشاخب من ضرع الأفعي
يتأرجح حمما .. صمما .. ينهل إيقاعات الطبل المشنوقة في لفح الخدين
يهدهد أعراف الموت النهم الجارف شقشقة الأطفال
فأرقص مخمورا .. فوق نشيج الصخر المخمور ،
يأسرني الحسن علي فوهة بركان ..
يسحقني المجداف المتوسل خلف عيون الفجر
كقميص الدرويش المنسوج بإغفاء الدهر ،
أتحدر خلف رذاذ ثريات الأحلام
تتوقد أصفادي في عنق الشمس
كالبرق المشبوب علي أجنحة الأيام ..
وعلي صهوة سيف الأسطورة ،
تبحر أصداء الزيجة في قلب العصفور ..
* * * *
والقوس المتوتر يسترخي ،
في أرخبيل الشتاء المقفر الوديع .. حزينا ،
يلتحف وشوشة الموجات الصغيرة الشائخة ،
في أعماق بذور الإنشاد
ويتعري الإنسان في غيبوبة السكينة !
- حسونة بدوي حجازي -
كسلا : 84/1981
-----------------------------------------------------------------
* حسونة بدوي حجازي ، من مؤسسي " رابطة أولوس الأدبية " بكسلا ، الشقيق الأكبر للروائي محمد بدوي الفائز بجائزة الطيب صالح عن روايته " باب الحياة " ، ولشاعر الجزيرة المعروف حمزة بدوي حجازي ، ويعتبر حسونة أستاذا لهما في الأدب والشعر و ... نموذجا مثقفا . حسونه يعد – في ظني – أحد أغرب الشعراء المحدثين المعاصرين ، غريبا في أطوار حياته اليومية و ... غريبا في شعره ! هذه القصيدة ، مثلا ، أراها من بواكير الشعرية الجديدة عندنا ، وكان شعره ولايزال ، غريبا يشوبه الغموض وعصيا علي فهم العديدين ... فرفض هو ، بإصرار وتصميم راسخ ، أن يتخلي عن نهجه في كتابة القصيدة ، وظل ، أيضا ، يبتعد عن الأضواء وعن النشر ويتحاشي المنابر ، لكنه في الثقافة ويكتب الشعر ويعيش حياته الغريبة المصادمة للمجتمع وإشتراطاته كلها ، يكسر ، في يومه الواحد ، ألف قاعدة ومسلمة و ... يصادم الأعراف حين يسخر منها ثم يذهب إلي شأنه ... لايزال الشاعر يعيش في كسلا متواريا عن كل شئ تقريبا إلا الشعر و ... الخمر !
----------------------------------
حينما تتهدل أعطاف الخريف علي وجدان القمر ..
ويرعف الضباب حانقا .. نداوة السحر ..
ويغسل النزيف قشرة الشحوب من أعنة المطر ،
ينهمر الظمأ الخاوي من لجة نافذتي ، بحرا
يتسربل أهداب فنارات الإيماء الجامحة الحبلي ،
بالفجر يدب علي ناصية الاقيانوس المتوثب للإظلام ..
يتلاطم في كهف الأزمان عيونا .. تصل من شبق الأكفان
نبيذا ..يصرخ مقهورا يتمزق بين قوارير الإصغاء
ينثال ..يغور .. يعربد في أحشاء الأفق الجسر المشروخ
فأنظر .. أعلم .. أحلم .. أجتاح خطوط اللق اللدنة
أتحسس قلبا .. بين الأجداث النتنة
فيضمخ منقار الهدهد ،
إنجيل الطحلب .. – أكسيد الكلمات العطنة
أتدفق من كوات الرعد المهجور
أعاين أروقة الصلوات البور
أحلب شريان نوافير الظلمة
وأحاصر خلجان الغسق المترنح تحت حفيف الأضواء ..
أعاقر أنفاس خفافيش البرق .. السندس بين النورس والعتمة
والصيف الآسن يرنو ،
إلي حبيبات الضوء الأخضر الشفيف .. كسيحا ،
علي رصيف الإغماء المتحجر ..
* * * *
ما أروع هالات الفناء ياحبيبتي ..
أو تنظر كيف تشيخ النجمة في ثبج الأكواب ،
حين الصل يضاجع أحلام الزهرة .. تحت مرايا الأحقاب ..
ويهيم الزبد الصهد البللور وريفا ،
يسرح من مرج الأسرار نزيفا .. يجمح في محراب صليبي ،
نجما .. نهرا .. نمرا .. قمرا .. قنديلا من خمر
فأعانق تنور الغبطة
أمضغ عنقود الرغبة
- حنظلة الشفق المتوجس في أرشيف العصيان ، وأغفو
بين أفاوفيف الزرقة .. أهفو ،
لدعاش الحب توسد عاصفة الشوك الغجرية
أتوهج عبقا قزحيا
أقتات نعاب البوم المذبوحة في صدر يهوذا .. وأغني ،
لنجيع الحلم الغارق في بركة أصفاد ..
والرب الصمت ينام علي عرش مشاغله العلوية
يستدفئ بالبلح المتساقط من برج الأوراد المنسية
يتفجر من إزميل القهر عويلا ..
ينهش خاصرة الجزر المصلوبة في إبهام البحر
أحد .. أحد
وتموء القطة خلف رتاج الليل المغلق ..
* * * *
ما أسعدني في هذي الغربة
- زخات المتعة بالصدر الثيب
أتلاشي دوما .. أولد دوما ..
بين ضفاف الموج الصاخب في غور العينين ..
ديونوس .. إلهي .. ياشيخي شوقي .. عشقي للمهمة
تكتنز الأصفاد علي شفتيه .. فيرقص
كالطل النازح .. يمرح .. يمتح فوح رضاب الأبهاء القمرية
يرقص بين سيول أقانيم الحنظل
فوق شعاع السم الشاخب من ضرع الأفعي
يتأرجح حمما .. صمما .. ينهل إيقاعات الطبل المشنوقة في لفح الخدين
يهدهد أعراف الموت النهم الجارف شقشقة الأطفال
فأرقص مخمورا .. فوق نشيج الصخر المخمور ،
يأسرني الحسن علي فوهة بركان ..
يسحقني المجداف المتوسل خلف عيون الفجر
كقميص الدرويش المنسوج بإغفاء الدهر ،
أتحدر خلف رذاذ ثريات الأحلام
تتوقد أصفادي في عنق الشمس
كالبرق المشبوب علي أجنحة الأيام ..
وعلي صهوة سيف الأسطورة ،
تبحر أصداء الزيجة في قلب العصفور ..
* * * *
والقوس المتوتر يسترخي ،
في أرخبيل الشتاء المقفر الوديع .. حزينا ،
يلتحف وشوشة الموجات الصغيرة الشائخة ،
في أعماق بذور الإنشاد
ويتعري الإنسان في غيبوبة السكينة !
- حسونة بدوي حجازي -
كسلا : 84/1981
-----------------------------------------------------------------
* حسونة بدوي حجازي ، من مؤسسي " رابطة أولوس الأدبية " بكسلا ، الشقيق الأكبر للروائي محمد بدوي الفائز بجائزة الطيب صالح عن روايته " باب الحياة " ، ولشاعر الجزيرة المعروف حمزة بدوي حجازي ، ويعتبر حسونة أستاذا لهما في الأدب والشعر و ... نموذجا مثقفا . حسونه يعد – في ظني – أحد أغرب الشعراء المحدثين المعاصرين ، غريبا في أطوار حياته اليومية و ... غريبا في شعره ! هذه القصيدة ، مثلا ، أراها من بواكير الشعرية الجديدة عندنا ، وكان شعره ولايزال ، غريبا يشوبه الغموض وعصيا علي فهم العديدين ... فرفض هو ، بإصرار وتصميم راسخ ، أن يتخلي عن نهجه في كتابة القصيدة ، وظل ، أيضا ، يبتعد عن الأضواء وعن النشر ويتحاشي المنابر ، لكنه في الثقافة ويكتب الشعر ويعيش حياته الغريبة المصادمة للمجتمع وإشتراطاته كلها ، يكسر ، في يومه الواحد ، ألف قاعدة ومسلمة و ... يصادم الأعراف حين يسخر منها ثم يذهب إلي شأنه ... لايزال الشاعر يعيش في كسلا متواريا عن كل شئ تقريبا إلا الشعر و ... الخمر !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق