Powered By Blogger

الأحد، نوفمبر 15، 2015

وداعا عثمان إبراهيم ، العامل الشيوعي ، قائد الحزب في شرق السودان !





كان عثمان 
عطرا من بنفسج ،
في صباحات المدينة ندي للعاملين 
ولرفاقه ،
في المساءات 
طوق عوسج ...
وغماما ليليا لطيفا
مسامرة ونجوي للمختفين !
وللاطفال في الحي العريق 
قطعا من الحلوي 
وإبتسامات الرحيق .
هكذا كان عثمان الرفيق 
يركب الأهوال وهو يغني ،
يغني
أغاني النصر والأمل الملوح 
للقادمات من السنين !
النبأ المرواغ في المساءات الصديقة :
كنت قد غبت عنه سنوات وسنوات ، فلم أراه منذ أن غادرت مدينتي كسلا بعد حوالي عام منذ إنقلاب الجبهة القومية الإسلامية 1989 ، فإنقطعت بيننا الأواصر والأخبار ! لكن المسافة فيما بين أقامته في حي الختمية العريق وبين سكني في حي العمال بالضفة الغربية للقاش ، كانت بحرا من الأشواق والآمال ومشاوير النضال اليومي في وجهات المقاومة ضد ديكتاتورية نميري وهي في ذروة بطشها وقمعها الضاري للشعب وللعمال . كان عثمان وقتها سكرتيرا للحزب الشيوعي لمنطقة كسلا وحلفا الجديدة ، ورئيسا منتخبا لإتحاد العمال بالأقليم الشرقي وعضوا باللجنة المركزية للأتحاد العام ، ورئيسا لنقابة عمال سائقي العربات الحكومية ، تلك المهنة التي كان حفيا ومعتزا بها طوال حياته ، صعد ولمع نجمه كنقابي حر شريف من مصلحة الغابات ، ذلك الصرح الشامخ للبيئة وأخضرارها الذي قضت عليها الإنقاذ خطوة خطوة بنهج بائس وحقد كثير حتي نالت منها يوم أزاحت عن قيادتها المثقف العالم الشريف د . عبد العظيم ميرغني ، وفي ظني ، أن تلك أحدي الحسرات التي أصابت قلب عثمان ، وكانت – وتلك المنغصات تتري – الحسرة الكبيرة حقبة إنهيار الاتحاد السوفيتي وبعضا من الدول الإشتراكية مطلع تسعينيات القرن الماضي . ذهبت إليه ، وقتذاك ، فوجدته في ذات قلقي وحيرتي ، لكنه ظل يقول من بين ضحكاته " المختلسة " ، " هي تجربة عظيمة ، معليش إنتكست لكن الفكرة لم تهزم ، أكيد ستنهض وتكون في الدنيا من جديد " ، هكذا ، كان يربي الأمل علي قول درويش ، فيتخذه محفزا للحياة وللنضال . قبل أقل من شهرين قبلت علي صفحتي في " الفيسبوك " صداقة أحمد نمر ، لم أتمعن في صورته الشخصية ولا في أية معلومات عنه من علي صفحته ، قبلتها صداقته ، فشرع يقرأ منشوراتي ويعلق عليها وكذلك أفعل أنا ، فيما بعد ، إتضح جليا لي أنه يحمل فكرا تقدميا مستنيرا ، ثم ، من بعد ، رجحت أن يكون شيوعيا . قبل حوالي أسبوع نشر صورة لوالده ويخبر أنه في طريقه للعلاج بالقاهرة ، تمنيت إليه يعود معافي وفي تمام صحته ، حتي عاد أحمد بعد حوالي أربعة أيام لينشر الصورة نفسها لوالده الذي توفي بالقاهرة ! لخيبتي ، لم أدقق النظر للصورة ولكني قدمت إليه عزائي في رحيل والده . بعد يومين فقط نشر صورة عائلية للوالد مع أسرته وحديثا عنه ، كتب هنا ، للمرة الأولي ، أسم والده كاملا : عثمان إبراهيم محمد نمر ، بدأت ، عندها فقط ، أنتبه قليلا لهذا الهول ، أيكون هو ؟ كان هذا يوم الأثنين 2نوفمبر الجاري ، فسارعت اهاتف الرفاق بكسلا مستفسرا عمر حسين وعثمان بخيت وكمال أحمد علي ، فشلت في الوصول إليهم رغم محاولاتي حتي منتصف ليل الأثنين ، فنمت وبي قلقا وبعض خشية ، حتي جاءت في الصباح " الميدان " بالنبأ الأليم الذي ظل يراوغني قرابة خمسة أيام ، أنه هو ، خشيتي وهلعي ، الشيوعي النقابي الجسور عثمان إبراهيم ، وأن أحمد هو أبنه الذي سار نهج حياته علي ما كان عليه والده الرفيق الكبير الذي رحل عنا !
سيرته في مسيرة حياته :
أبدا لم ترافقه الخشونة والقبح في القول ، حتي مع معارضيه من السياسيين ، كان عف اللسان موضوعيا في طرحه برامج وسياسات حزبه ، مبينا بلسان فصيح عفيف عن معتقداته الفكرية والسياسية ، بقلب العامل النبيل في دواخله ظل أنيق الكلمة وعلميا في رؤاه المزهرات ، هادئا ووديعا مثل طفل برئ أمام الآخر الذي يواجهه بشرف الكلمة وسماحة الحكمة ، لكنه ، في ذات شخصيته الوديعة ، كان صلبا وشجاعا ومقداما جسورا لا يلين أمام أحد ولا في مواجهة الجلاد أيا ما كان! عندما كنت أسأله ، علي طريقة حسن الجزولي في تقصي أطوار الرموز والأحداث في حياة وطننا ، عن شقيقه الأصغر الشهيد الباسل محجوب طلقة الذي أعدمه النميري مع رفاقه من ضباط حركة يوليو 1971 ، كان يبتسم ، وبريق عينيه يلتمع فلا يستقر علي حال : " لو كنت في الجيش وقتها كانوا أعدموني ألف مرة ، تلك ضريبة لابد أن تدفع ثمنا لحرية الوطن ، ولو كان الثمن هو الحياة نفسها " ! أنتمي عثمان منذ بواكيره للحزب الشيوعي السوداني حوالي منتصف خمسينيات القرن الماضي في فرع الحزب ببيت المال حيث كان يقيم وقتذاك ، نقل من بعد – لربما إبعادا له عن العاصمة جراء نشاطه النقابي والسياسي – إلي كسلا التي ظل مقيما فيها حتي رحيله . وبسبب من حماسه الطاغي وتصديه الجسور دفاعا عن مصالح وقضايا العمال والشعب فقد عرف الإعتقال عشرات المرات ، إعتقل في عهد عبود ، ثم في أحداث يوليو 71 في عهد نميري ، ومن المفارقات أنه وأبنه أحمد قد تزاملاء في الإعتقال ثلاث مرات ، الأب وأبنه معا ، وهما ، أيضا ، معا في الحزب الشيوعي ، أحد مآثر عثمان لاشك ، أن جعل في سلالته وجها ومواقفا للحزب . حتي الإنقاذ لم يكن بمنأي عن معتقلاتها وعسفها ومطاردتها لقادة العمال في اتحاداتهم ونقاباتهم . أوفده الحزب إلي موسكو مطلع السبعينيات فتلقي هناك الأسس العامة للماركسية في وجوهها جميعا ثم تلقي ، في ذات بعثته ، دراسات في العمل النقابي . ولنا أن نتأمل ، كيف تبوأ هذا العامل البسيط مراكز القيادة في مؤسسات عمالية نقابية عديدة بإجماع ديمقراطي علي مدي سنوات طوال : رئيسا لنقابة سائقي العربات الحكومية بالغابات ومصعدا منها للجنتها المركزية الأم ، نائبا لرئيس إتحاد نقابات العمال بالأقليم الشرقي ، عضوا في المكتب التنفيذي لإتحاد نقابات عمال السودان ، ظل يشغل كل هذه المسئوليات وصامدا في مواجهة الديكتاتوريات حتي إنقلاب الإنقاذ المشئوم ! ثم إلي جانب كل ذلك ، تم تصعيده ليشغل مسئولية السكرتير السياسي للحزب الشيوعي لمنطقة كسلا وحلفا الجديدة في أقسي مراحل العمل الحزبي وأشدها خشونة ومعاناة ، فظل وثيق الصلة والترحال فيما بين كسلا وحلفا والقضارف وبورتسودان ، وهناك ، في بورتسودان التي ذهب إليها في مهمة حزبية عمل مع الراحل فاروق زكريا لحل مشكلة مياه بورتسودان التي كانت تنذر بكارثة كبيرة وقتذاك ! قيادة عثمان للحزب في حقبته تلك أعطت الحزب في منطقة كسلا وجهه العمالي ، ناصعا وصقيلا ومصادما ، فجمع من حوله عمال شيوعيين ونقابيين أفذاذ : الراحلان محمد خير سيدأحمد وعبد الله البشير ، وخضر الفكي وحسن عثمان فضل وعثمان بخيت ومكي قسوم والتاج أحمد النور ، قادة نقابيون من سلالة قاسم أمين والحاج عبد الرحمن ، ظلوا في مؤازرة قيادة عثمان للحزب في تلك الحقبة المزهرة من تاريخه النضالي . أستطيع أن أقول ، مطمئن القلب ، أن عثمانا كانت حياته تسير علي نسقين ، حزبه وأسرته ، فجعل من الحزب معبرا وجسرا سار عليه في وجهة قضايا وطنه وشعبه ، منافحا لأجل غدهم الأجمل الوضئ ، ملحا في طلب الحرية والديمقراطية والسلام لأجلهما طوال حياته ، ثم أسرته التي كان فيها النموذج الإنساني في لطفه وحنانه وحبه وتواضعه ووداعته ، ديمقراطيا في محيطها وموجها لها بلطف وحكمة صوب الحياة العفية ، فغرس فيها من فكره ووعيه وسماحته أجمل البذور حتي كانت الثمار ، اليوم ، في تمام نضجها وعافيتها ، هذه الأسرة هي وجهه في الناس ، ووجه حزبه في الحياة ، نعم ، عاش حياة واحدة ، لكنها متعددة وخصبة ، حد خلق منها حيوات تعيش الأمل وتغني للحياة لا للموت ، تلك حياته قد أبتدأت فيهم أيضا ، غرس يديه المريدتين .
الرحلة أبتدأت :
يرجح أحمد نمر أن والده لربما حدث أن تعرض لضربة في الرأس قبل أكثر من ثلاثين عاما مضت . ويبدو أن عثمانا لم يكترث لها خاصة أن ألمها فارقه بعد حين قصير فلم ير منها خطرا يستوجب الإهتمام بها والحديث عنها حتي للمقربين منه ، فتركها لحالها ! ولكن ، وياللمفارقة ، أن يتضح بعد مرور كل هذه السنوات الطوال أن التجلط جراء تلك الضربة المحتملة قد تحرك كثيرا وأمتد ليقضي علي الجانب الأيمن من المخ الذي تبقي منه، عند فحصه أخيرا ، حوالي ربعه . نرجح أن الضربة المحتملة حدثت في أواخر عهد نظام السفاح نميري إبان أشتداد بطشه للشيوعيين والديمقراطيين والشرفاء من نساء ورجال بلادنا ، وشخصيا ، لا أستبعد فرضية أن تكون الضربة جراء تعذيب تعرض له فسكت عنها حيث لم يراها ذات خطورة ليقول بها في الناس وللرفاق ! مثل تلك الممارسات البشعة ، أري أنها تستوجب منا درسا وتوثيقا دقيقا لحالاتها وشخوصها تحت عنوان كبير " تعذيب الشيوعيين السودانيين في معتقلات الديكتاتوريات" ، بدأ من ديكتاتورية الجنرال عبود ومرورا بالديكتاتورية المدنية للأحزاب اليمنية ، وديكتاتورية نميري حتي جرائم نظام الإنقاذ الحالي ، ويالها من جرائم وبشاعات ! بسبب من ذلك كله ، كان طبيعيا أن تبدأ ذاكرته تتشت عنه أواخر أيام حياته فتضيع عنه تفاصيل اليومي من حوله ، تأتيه مرة وتتلاشئ عنه مرات ، ثم أخذت صحته العامة في التدهور، وجسده ، النحيف أصلا ، في التداعي ، حتي تقرر أن يذهبوا به للقاهرة طلبا للعلاج . هناك ، أجريت له عملية أزالة الجلطة من جانب المخ ، وبحسب أحمد ، أن العملية قد نجحت ، ولم تكن هي سببا ومدعاة للوفاة بأية حال . إذ حدث ، فجأة ،إنهيارا كاملا للجهاز التنفسي جراء إلتهاب حاد جدا في الرئتين ، الشئ الذي أصاب القلب بجلطة أخيرة ، هي التي كانت السبب الحقيقي للوفاة ! تذكرت ، للتو ، حالة درويش في لحظاته الأخيرة ، حيث – فجأة أيضا – ضربت شظايا الكلوسترول الكثيرة شديدة الإنتشار المخ والرئتين وضربت القلب أيضا فأدت للوفاة ! أيكون شيئا مثل هذا قد حدث لعثمان ؟ تلك ، في ظني ، المهمة الضرورية والملحة أمام أبنته د . سعاد لتقوم بهذا التقصي الطبي لتحكي لتاريخ والدها كيف ولماذا حدثت وفاته ، فمن حق سيرته ، ومن حق حزبه وشعبه أن يعرفوا ما حدث!
عزاء ، لكنه ليس بكاء :
العزاء كاملا للحزب الشيوعي في رحيل أحد أنبل وأشجع أبناءه ، لرفاقه ومحبيه الكثار ، ولشعبه الذي نذر إليه حياته كلها ، والتعازي ملء القلب لأسرته : سعاد وأحمد ونوال وعبد الخالق وسكينة وعبد المنعم وليلي ، ولأهله ورفاقه في كسلا ، فالأولاد ، ياعثمان ، والبنات ، هم الآن في نهج حياتك ، ومعك سيظلوا كما كنت تودهم ، مثلهم مثلك ، نبيلا وعظيما ومناضلا جسورا وإنسانا في دراما اليومي من حياة الناس ، وستظل في قلوبنا جميعا ، خالدا فيها وفي السجل الحافل للشرفاء من أبناء وبنات شعبك وحزبك ، فكن في الخالدين أيها الشيوعي النبيل !

السبت، سبتمبر 12، 2015

الشيوعيون أيضا ، يحبون عثمان بشري !



الشيوعيون أيضا ، يحبون عثمان بشري !
-------------------------------------------------------------


" الشعر هو فعل قائم علي تحريك مفاصل اللغة ، من أجل أن تكون في العميق ، وصولا إلي الثمار الصعبة . دون تلك الحركة ، ودون ذلك النشاط ، لا قيمة للنص ! " ...
                                                          - الشاعر العراقي أسعد الجبوري -

الشعر ، كما أراه ، هو تحريك ، وهرولة ، وتسلق عال و ... سقوط ، من دون كل ذلك ، وبغير غرائبيته ودهشته التي يلبسها أردية وصورا ومعان ، لا يكاد ينجو ، وقد لا يكون شعرا مؤثرا ! فالشاعر ، الجدير بأن نقول عليه شاعر ، هو الذي يراوغها اللغة ، ويشاكسها ، وينشي ، من تلقاء تلك القدرة عنده معاركه مع اللغة ، وفي دواخله الآخرين ، بكل ما لديهم من تعقيدات وتناقضات وصراعات وخيبات حياتهم ، وهو
أيضا قادرا علي " العيد " في أشد الأمكنة وعورة وعتمة ورعبا وحساسية . و دخول الشعر حقل التجريب مهم جدا هنا ، فالشاعر يبدو ، تلك البرهة ، كائن " فصامي " قادرا علي خلخلة وتفجير الأنظمة الشعرية السائدة ، تلك التي تحد من إنطلاقته الحرة وتطوره ، يفعل ذلك بقدرة اللغة والمعاني ، بالصور والدلالات ، ثم يعيد تركيب " معماره " المبتكر ضمن " فوضي " ذات إنسجام وإتساق هو منشئها وسيدها ، وقد يعيق بها حين تطلع في الملأ " المزاج " الشعري السائد ، وقد يحاكمها بأقسي ما لديه من نصال ، لكن ، ذاك الشعر بالذات ، هو ، أصلا ، عمق تخيلي / واقعي ، لا توقفه ، ولا تحد من مسيرته لا الحواجز ولا الجدران ولا العسس ولا الجمهور وقد تعودت ذائقته ذلك السائد القديم ! الشاعر ، إذن ، سيد " محرقة " شعرية غريبة ، يجمع فيها بؤرة ناره التي تتمدد بالمعاني وتنتشر جراء جراء الحرائق فتنثر صورا ومجازات وبنيات لغوية بتناغم يعتمد علي طقوسه " الجوانية " فتلك هي الشاعر نفسه والشعر معا وقد أصابهما الحريق ، تلك محارقه ، ميلودراما داخلية مكتملة للغة وللمعاني .

كيف هو عثمان بشري ؟

هو نفسه ، باطنه هو ظاهره ، وهما – معا – سمت واحد : الشعر ، فبشري يعيش حياته تماما كما شعره ، يعيش شعره في حياته ، فهو في كينونة وجوده نفسه ، تري ملامح شعره في تفاصيل حياته ، ومن يصدق للشعر يكون رداء له و ... يكسوه ، لا قناعا ، بل حياة تراها وتعايشها تلك الحياة فتزداد معرفتك لشعره كلما أمعنت النظر إليه وهو يعيش تلك الحياة . نعم ، تشوب حياته بعضا غير قليل من الغرابة ومغايرة للسائد ، فلم يلق بالا لما يقول به المجتمع أو يكترث لإشتراطاته وسياجه وسقوفاته وخطوطه " الحمراء " . قالوا عنه بالجنون ثم روجوا لذلك ، بخاصة بعد حادثة سقوطه الشهير بالقاهرة من الطابق السابع ، فيوضح الأمر بقوله " كنت مرهقا ، أردت أن أسقط في السرير ، فسقطت في الهاوية " ، هكذا ! . قالوا – أيضا – أنه " منفلت " في حياته ولا مبالي ، ووصفوه بإدمان الخمر ، مقل في تناول الطعام فيكتفي بالقليل منه وغير ميال لحياة الترف فأكثر ما يحب هو أن يكون بين الفقراء من شعبه ، فيعيش مثلما يعيشون الحياة . هو البسيط في مظهره ، يرتدي ملابس متواضعة مثل عامة الناس ، فلم نراه يوما يرتدي " البدلة وربطة العنق " مثلما جل المثقفين والشعراء حين يواتيهم الحظ فيكونوا مثلما الأثرياء في لباسهم ونمط حياتهم الناعمة ، لهذا فهو عصيا علي " التدجين " ولو " منحوه الذهب " علي قول أمل ، قانعا بتجليات حياته الفقيرة وهو الغني بالشعر الذي يعيشه كل لحظاته ، أبدا لا يفارقه حد صار له الصاحب والخل الوفي ، فأغدق الشعر عليه الهبات وعطاياه حتي صار هو نفسه وجها واضحا لشعره أينما حل وأرتحل ! وهو في بلبال هذه الحياة ، يعييش قسوتها فيخلق منها " نعيما " رحيما يظلل شعره اليومي من حياته ، وهو ، بهذي الصفة ليس أبدا ذلك " الكائن الخلوي " كما  أصبح أسم علم عليه ، والتسمية ، هي أصلا ، جعلها هو عنوانا لمجموعته الشعرية الأولي ، هو ، إذن ، مطلقها في الناس وسرعان ما تناولوها وجعلوها أحد أهم العناوين عليه ، وذلك ظلما فادحا بحقه كما أري ، لأن جوهرة شعره في سيرورة متغيرة بأستمرار ، فقصيدته أبدا لا تكرر نفسها ، لا في اللغة ولا في الصور ولا في المعاني أيضا ، قصيدته صاعدة إلي ذري شعرية كل أوقاتها . بشري ، إذن ، كائن شعري مديني بإمتياز حين يكون في المدينة ، ريفيا قحا حين يكون في الريف وضواحي المدن وهوامشها ، تلك هي حياته التي هي من صلب حياة الناس الذين يعيش بينهم بإصرار حاذق وإنتباهات بصيرة ، وتلك هي " الحدوس " في قصيدته . يقول عن شعره : " ... فهو ليس رهينا للحظة ، بإعتبار أن النص أصلا قابل لكل أزمنته القادمة ، ولأنه يري أكثر ، فالنص شايف إلي أبعاد عميقة ." * ، هكذا ، يري بشري أن النص الشعري في حالة تغير دائم كل برهة ، فلا يستقر علي حال ، لا الشعر ولا هو ، لأنه هو نفسه " قصيدة متحركة " علي حد قوله * . شعره ، أيضا ، ذو ملامح واقعية ، إشارات ورموز وصور ومشاهد ومعان ودلالات ، ليست تشبه الواقع لكنها تلامسه ، تمسك بلحظته في توهجها ، فتصوغ منها " مزيجا " مبتكرا فيما بين الخيالي والواقعي ، ف " الخيالي هو الواقعي الأكيد " علي قول درويش .

وكيف هو شعره ، و ... سرده الشعري ؟

أشتهرت قصيدته " توما أمرأة الغيم " وقت نشرها حوالي العام ، وكانت تجربة شعرية معايشة لليومي من حياة الناس والوطن ، حملها في دواخله يسعي برؤياها فيما بين الشوارع والمعتقلات ، فقك كتب جزءها الثالث بمعتقل كوستي ، فهو ممن يصرخون ، بالشعر ، في وجه القبح السائد ومساخر الأنظمة ، لم يحذق يوما " الصمت " والإنكفاء المراوغ علي شعره ، بل يجعل منه متفجرة ملتهبة وسط ركام الواقع ، تحرق وتشفي و ... تضئ !
" فرقة ساورا " المجيدة تلقفتها بفرح وجعلتها أغنية فرح وأمل وأشواق لوجدان شعبنا ، وتدافع صوبه ، من بعد ، المغنون الشباب ، أحاطوه بالألحان وبالإيقاع الذان هما حلية في خاصرة شعره كله ، العامي منه والفصيح ، يقول في بعض " توما " :

"
قتلوك
وجايين مأتمك
عُرسك اظن ما .. مأتمك
لم أفهم الحاصل على وجه الخصوص
فقط إعترفت بإنى ممكن
أفقدك وبكُلِّ ذوق
فاقد خطوط الذاكرة
مضيت على العقد المُوشَّح
بالهتافات الكضب
وبَصَمتَ إنى معاك زول
وافر بصحة وخير وحال
بقدر أقول..
وأقول بصمت :
إنك حبيبتى وست شقاى
بالحيل بتشبعى رغبتك
بالحيل بتسندى جوعتك
بالحيل ديمقراطية إت
أو حتى بتمدِّى البيفضل
من فُتات ، للجارة قبال
تشحدِك.. " ...






" ذاكرة الماء والإشتعالات والطبول " ، عنوان دال ومؤشر ذي لحال الضجيج والحراك والرغبة العارمة للتغير ، للحياة العفية وللنضال رغم الجراح والقيح ومثبطات الفعل المضئ ، الماء ، ليس المحايد كما يشاع ، بل هو في سيرورة الموج والهدير ، ربيب الرياح ورفيق العواصف والدوامات في تفجراتها المفاجئة ، الشعر هنا ، في حياة الناس وفي صخب تلك الحياة ، بإشتعالات ورزيم الطبول لتكون وتمضي إلي حيث أشواقها وأحلامها ، يقول في بعضها :

" ...غًنيلى ، يا صابر : حباب..
طينة وبحبك يا نصوص..
طينة وبحبك يا لصوص..
على مين أيقّن مفردات الريح؟
إذا كسَرَ القزاز؟
على وين أقبّح إفتراءآت الظروف
ساعة يموت فينا الحراز؟
ما خَرَّ نهرك فينى.
لكنى إشتكيت من كُتر سُقَّات النَّزاز.
خَمجانه إيد كُلَ السَّعوك قِرِقير
وسَمُّوك إنتقاذ.
ماهُو كنا لابسِّنك حرير
وأكلَّنا من ريقك عُزاز
ومرقنا حامدِّنك دليل
ورقدنا طارينك ملاذ..
فبأى آلاء الرغيف
وبأى آلاء الطمى..

كذبت مواويل الهمى
وشكينا من شُحَ الرذاذ.. ! " ...

كيف نقرأ عثمان بشري ؟

بشري يقرأ في سياقين : في قصيدته بعامية أهل الوسط ، التي هي غنائية في الأساس ومشحونة بالإيقاع الموسيقي ، واللحن موسيقي تلازمها وتلح أن تكون في الأغاني ، لكنها تبدو بلغة رشيقة راقصة وذات جرس ناعم ، ليس فيها صراخات الشعار ولا الهتاف ، بل تتوسل مسارها بنعومة سلسة فتتسلل برفق حنون إلي الوجدان العام ، تماما كما في " توما " وفي " ذاكرة الماء والإشتعالات والطبول " . والسياق الثاني لشعره هو الشعر الفصيح في أدغال اللغة ، حيث الكثافة والبريق وأمتدادات الوصول إلي الذري العاليات للوجه الشعري في تألقه ووميضه غير المألوف ، صورا منسوجة بالعشب والأغصان والماء والطين ، تجد فيها حلم الحرية والرغيف ، والفقراء في سمت " الملائكة " ، وأما العشاقفهم  ينعمون بالبهجة في الملكوت ، كل شئ حسن هنا وجميل ، إلا صراخ الجوعي و حسرات الخيبات وجراح الهزائم ، فلو لم يكن " الوعي " بالراهن والحلم العفي بالغد المشرق حاضرين هنا لإنكفأت ، خائبة ، دورات شعره هنا ، فلديه بعضا من " عتمات " تكاد تنال من شروق القصيدة هنا أو هناك ! يقول عن غنائياته بالعامية أنه يجد نفسه فيها خاصة أنه يمتلك " قاموس ضخم جدا من الدراجة السودانية بشقيها الهامشي والمركزي إذا جاز التعبير " علي حد قوله ، وفي ظني ، أنه من هنا بالضبط تكمن إنتشار غنائياته أينما حلت في بلادنا ، وذلك دواعي نيلها ذلك القبول العالي عند الناس كافة ، أمتلكها ، إذن ، لغتهم في مواضعها الحميمة منهم ، في  لسانهم وفي وجدانهم فكانوا من عشاقها . وهو يصف شعره " الفصيح " ، مثلما في " توما " وأخواتها ، بأنه يندرج تحت مسمي " المسرحة الشعرية " ، هذا علي خلاف المسرح الشعري كما زاع وساد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، أكيد أن جل قصائده قابلة للمسرحة ، أن تضئ نفسها أكثر في مشاهد مسرحية ، وهذا مما كان الشاعر والمسرحي الراحل محمد محي الدين في السعي المثابر علي نهوضه وأشاعته . ولقد حدثني بشري نفسه أن محي الدين قد أبدي رغبته أن يقوم بمسرحة بعضا من نصوصه وأنتظرها تأتيه منه ، فجاء موته المفاجئ ليعطل هذه التجربة التي كانت لاشك ستكون أضافة غنية لتجربة بشري الشعرية . يوجد ، بالطبع ، في بعض الشعر ، قدرة ما ، نابعة منه تجعله قابلا ليكون " ممسرحا " ، وهذا ممكن فقط ، في حالته من القابلية تلك ، لكنني أتحفظ شيئا علي قدرة " مصطلح بشري للتداول والبقاء ! أما فيما يخص تجربته الجديدة في الشعر ، فتلك خطوة مدهشة للأمام ، ولنا أن نراهن علي نجاحها قليلا هنا أو كثيرا هناك ، بحسب المنتج منها فيما يخص العلاقة الملتبسة / الشائكة وشديدة الوخر فيما بين الشعر والسرد ، في مدي " تلاقحهما حتي يكون المنتج مولودا معافي ، بهيا ومشرقا . أن أجمل ما في الشعر علي الإطلاق هو أنه لا يحدد ولا يؤطر ، ومتي حددته أو أطرته قتلته ، فهو لديه مطلق القدرة علي يتجدد ، يتجدد من تلقاء نفسه وأن يتخذ من الأشكال ما يناسبه لأن هنالك لهيبا ما ، حريقا في داخله ، مصهرا يعمد إليه لغته وصوره ومعانيه . بشري ، في ظني ، يسير في شعره ، الذي هو حياته في ذات القوم ، هذا المسار المعذب العذب . تراه ، مشغولا وفرحا بتجاريبه الجديدة تلك ، إبتكارات تجعله مهرولا فيها ، فرحا بها ، ميلادا جديدا ربما يأخذ شكل التؤامة بين الشعر والسرد . يقول في خاتمة نصه " الهنااااك " ، الذي يعبرعن أحد وجوه هذه التجربة عنده :

" ... عين تراني بغيابها الحاضر في الحدس،بمآلات الواقع..وبيننا يقف جدار دهنه النسيان الافتراضي بوحشة أكيدة..وإذ كنت أقول: لا يمكن للجسور التي أبنيها في أقاصي أنهار الروح إلا أن تصلني بك لابد..وكوة في البعيد الذي أسسته،شكرا لعين ترقبنينني بها،بمزيد من الخوف
..
هل أنت هناك أصلا .؟
أيكون السؤال هكذا لائقا بتفاحة مثلك في حجمها الاشتهائي الفادح .؟
لربما كان علي أن أستدرج صياغات شاعرية أخري إلي فخاخك المخاتلة تلك التي لسعت مسامات يقيني بعسلك الاستوائي الرجيم،وابقتني في خدر الإنتظار العظيم ..صياغات تليق بخرير الأحلام المؤجلة في جدول الأمس واليوم وغدا..صياغات جسورة لا تكتفي بجلدك في وضح القلب وأنت بين ظهراني شوفي حين كانت الإبانة تقتضي الإفصاح بما أنت عليه من جسامة حضور والق..ولا تنتهي بك إلي مجاز بل أن تعلقك من أعلي جهة في أنثاك الفعلية وتنادي الجهات الأربع:أن فاشهدي علي مزاداتي الإنسانية فيك .!! هذا قدر التخوم للأنهار لا تكتشف عذوبتها إلا في دلتاها عند البحار البعيدة ..
اليوم وأنا أصلي علي أسفي صلاة الحاضر الأبدي،تذكرت سفرا كنت قد خباته لك حين ميسرة ....
يا ندمي في النظام
يا حيازتي للتهلكة..
النجاة مسألة حظوظ
والقيامة من رحم التجربة
عندما كل شيء معلق فى الحلم
والأماني بنات الكظيم..
أوقفي الباب علي عقبيه
فالخارج أنا والداخل الانتظار ! " ...

و ... هكذا ، سننتظر لنري وجهها وجسدها في ضوء هادي حين تختال ، بدلالها الشبقي في لغتها وصورها ، فقد خرجت للتو من مصهرها ، ننتظر قليلا لنراها أكثر و ... نتأملها !

لماذا نحب عثمان بشري ؟

تمهل .
تمهل ،
وكن في التأمل إن أردت .
لكن ،
أبدا ... أبدا
لا تستكين !

بشري أبدا لا يعيش الدعة والركون إليها ، هو القلق وفي السعي إلي محارق اللغة ، إلي الصراع الذي يتناوش اليومي والعادي ويشاكسه ، هو ، دائما ، في النزوغ الملح / المعذب في طلب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، في الرؤي البهيجة التي يتصورها لشعبه ووطنه ، يطلبها ويعيشها بفرح " طفولي " طاغ ، يعايش ، يوميا وفي كل لحظات حياته ، فرح الغد وسط الفقراء والكادحين من أبناء وبنات شعبه ، يغني لهم ويراقصهم ويشيع فيهم الأغاني والأناشيد و ... يدق طبول المسرات إليهم . ولأجل هذه الروح البهيجة التي تسكنه ويسكنها فقد ذاق حرمانا وقسوة جوبه بها وإرتاد سجون النظام وناله ما ناله من جروحات أصابت جسده بأدوات القمع لدي العسس وأجهزة الإمن ، فظل ثابتا علي رؤياه وعلي عرشه الشعري ، ينال منهم بالشعر ما لا يستطيعون له ردا ، فيتجاوزهم ويمطرهم شعرا وهو بين أحضان شعبه ،هكذا يحوز المحبات كلها من شعبه ، وهكذا ، أيضا ، يحبه الشيوعيون ، و ... ياله من حب !
-------------------------------------------------------
* نشرت في " الميدان الثقافي " يوم الخميس 10 سبتمبر 2015 .








الثلاثاء، يوليو 28، 2015

أعراس محمد محي الدين !





 

السبت، فبراير 28، 2015

في مدني ، واسيني الأعرج يتجلي فيمتدح الأمير !





أمسية الجمعة 2/2/ 2015 الماضية حظيت مدني بالروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج بقاعة قصر الثقافة . وكان واسيني قد حضر للسودان ضمن المدعوين لحضور فعاليات جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي وهي الجائزة التي تمولها بالكامل وترعاها " شركة زين للإتصالات " . هي المرة الأولي التي يأتي واسيني للسودان ، وتلك ، لا شك ، فرصة حظ عظيمة القدر أن يشاهد بعضا من بلادنا ويلتقي بعضا من مثقفينا . واسيني ولد في 8 أغسطس 1954 بقرية سيدي بوجنان تلمسان الحدودية ، وهو أستاذ كرسي بجامعتي الجزائر والسوربون في باريس ، ويعد أحد أهم الأصوات الروائية في
العالم العربي ، له أكثر من عشرين عملا روائيا ويكتب في النقد وجماليات الكتابة الروائية ، يكتب بالعربية والفرنسية وترجمت أعماله لأكثر من عشرين لغة ونال العديد من الجوائز وشهادات التقدير العربية والعالمية . جل رواياته تتمحور حول جواهرها بالذات ، حيث كرست ، في جميع وجوهها تقريبا ، في تبيان مظاهر الطغيان وذمه وتبيان قبحه الوحشي الخشن وتأثيره في حياة ومصائر الإنسان . لقد جاء واسيني الخرطوم ، مثلما جاء غيره من ضيوف الجائزة العرب ، في اعقاب إغلاق إتحاد الكتاب السودانيين وإلغاء تسجيله بلا أي مبرر مقبول ، لا من الناحية القانونية ولا
الإجرائية ، تم ذلك " الحظر " التعسفي علي نشاط الإتحاد مباشرة بعد إستضافته الروائي والكاتب المغربي الكبير محمد بنيس !  وهما معا ، واسيني ومحمد بنيس وغيرهما لا شك قد جاءوا تحت الظلال الوريفة لسيرة وأعمال كاتبنا الكبير الراحل الطيب صالح ، نوعا ما من الإلفة وتلويحة إنسانية لمقامه العالي وذكراه المزهرة في ضميرنا الثقافي . لكن ، للأسف العميق ، لم تشير فعاليات الجائزة ، ولو بإشارة خجول للهجمة الضارية علي إتحاد الكتاب ، وذلك الإجرء التعسفي هو ، في ظني ، أحد أهم الأحداث في راهننا الثقافي . تري هل لم يعلم واسيني ، وهو الذي يعنينا هنا دون
سائر ضيوف الجائزة ، بأمر ذلك الحدث التي طالت تداعياته جل وسائط الميديا الأقليمية والعالمية ، أم جري " تغييب " هذا الأمر الجلل عنه بالقصدغير الحميد ؟ 

الرواية والتاريخ ...

واسيني ، له منهج عرف به في شأن كتابة الرواية ، وإلتزم جانبه ورؤياه في كل أعماله بلا إستثناء : سلك دروب الكتابة " الحرة " في سمتها الجديدة ، وسار في تجاريب الكتابة حيثما تأخذه إليها ، فلم يلتفت ، وهو يكتب رواياته ، إلي تلك " المدارس " الكلاسيكية للرواية وأشراطها ، بل ظل وفيا للنهج الحر الذي يجعل الرواية تتخلق من ذات نفسها ، من جواهرها الذاتية ومسارات مصائر حيواتها ، لهذا ، في ظني ، ومن هذا النبع السيال إكتسبت أعماله فرادتها وتوهجها وإبتكاراتها التي تنمو في بؤرتها شواردها كلها حتي تغدوا ، وهي في نموها وتطورها ، في ملامح وجهها هي في غير
مألوف الكتابة الروائية علي ما تعارفنا عليها و ... لا تزال سائدة بيننا بهذا الحضور أو ذاك . وأسيني ، إذن ، هو الوحيد ، فيما أري ، الذي حمل هذا الوجه الروائي الجميل من بين كل ضيوف الجائزة سواء في الرواية أو الشعر ، فهو شاعر ، يكتب الشعر ويقول به في أعماله كلها ، مزهوا يبدو في كتابته و ... ناصعا كما ضوء النجوم في أفق معتم . له ، أيضا ، تجوال و" تنقيب " كثير في لغة الرواية ، لم يجعلها ، أبدا ، في أي وقت تستقر علي حال واحدة ولا لحظة واحدة ، في كل مرة كان يصنع لها شكلا هو شكلها بالذات وملامحا هي ملامحها وحدها . يقول واسيني ، كما جاء في حديثه بمدني
أنه " لا يردد صدي التاريخ وأحداثه " ، هكذا ، كيفما أتفق ، بل هو " يبحث في وجوه السرد الضائعة / المبهمة فيه و ... عن نظمها الداخلية " لكي يرينا إياها بعد أن يلبسها أرديتها الملونات في زهو ألوانها العديدة ... ، يظهر ذلك جليا في عمله الرائع " الليلة السابعة بعد الألف " في جزءيها : " رمل الماية " 
و " المخطوطة الشرقية " . ذلك هو التجلي الأهم و الجوهري في أعماله الروائية كلها تقريبا . ولعلها ، هي المرة الأولي التي تنفتح فيها الرواية العربية فتدخل ردهات التاريخ ، علي كثير عتماتها وادغالها الكثيفة المتشابكة ، لا لكي تنظر وتسرد وتصور أحداث التاريخ ، بل لأجل تأمله والبحث في أحداثياته عما هو إنساني فيجلوه ويكتبه في الإبداع الذي هو شأن عظيم القيمة في أي عمل إبداعي ، وللرواية ، حتما ، صيرورتها الجمالية وسط ذلك الركام الهائل للتاريخ ، تلك مآثرة واسيني الأعرج في طلوعها البديع ! 

إمتداح الأمير أم البحث عن إنسانيته وروحه الثائرة ؟

لست أدري لم إختار واسيني أن يبدأ حواره مع الحضور بالحديث عن عمله المهم " الأمير " ، وفي البال ، عند النظر إلي عنوانه ، كتاب ميكافيللي الشهير " الأمير " ! لعله بسبب من نظرته ، وقناعاته ، بالغوص عميقا في التاريخ ، فكتاب ميكافيللي كتاب سياسي بالدرجة الأولي ، وقد كتبه في تمجيد سياسة الأمر وضمنه " نظرياته " ونصائحه إليه بشأن الدولة وسياساتها لكيما تحظي بالقبول من الجماهير وتظل في تعاليها عليها وتحكم وتوجه كل أمورها وشئونها !
أما " أمير " واسيني فهو الثائر الجزائري عبد القادر الجزائري ، وقد كانت " ثورته " أشبه ما تكون ، في عديد وجوهها بثورة محمد أحمد المهدي عندنا . لواسيني الحق ، كل الحق طبعا ، أن يري من تاريخ الجزائر وجه الثائر عبد القادر و يجله فيجعله في " ثيمة " جوهرية واساسية في عمله الروائي ، ولكن ، هل يملك حق أن لا ينظر من تاريخه الشخصي ومصائره في حياته النضالية سوي تلك الأضواء الباهرة فلا يكاد يري غيرها من سوءات و " تشوهات " أحاطت بها ؟ تماما كما ظل يحدث عندنا عند النظر إلي المهدية وحقبتها التاريخية ؟ ذلك مما تجيب عليه القراءة البصيرة العادلة لأحداث
ووقائع التاريخ عندما يتناولها العمل الروائي وفق المنظور الإبداعي للروائي نفسه !  وأسيني ، إذن ، يري أن التاريخ ليس مادة " جاهزة " ، بل تكمن خطورتها في جاهزيتها تلك ، في وقائعها المعقدة وكيف علينا أن ننظر إليها لكيما نوظفها في العمل الروائي ، تلك هي المسألة ! هو ، أيضا ، يطرح " وظيفة " الكاتب وهو في مقام أسئلته العديدة للتاريخ ، وتلك الأسئلة " حيوية جدا وضرورية " بالنسبة إليه كما قال .  أما ، لماذا الأمراء و ... هذا الأمير ؟ فيقول أنه قد كتب رواية " الأمير " لمحاولته الإجابة علي السؤال الوجودي ( العربي – العالمي ) حول مصير البشرية وتشوهاتها
وجراحاتها بسبب من الخلافات الدينية المتكاثرة وغيرها ، ورأي أن الأمر برمته ، لديه ، هو سؤال الحضارة في راهننا المزرئ . وتبعا لذلك ، كما يري ، وجد في عبد القادر الجزائري أبن المنطقة وأبن بيئته وظروفها ، ومعبرا ، كما رأه ، عن ما هو إسلامي و ... ما هو ديني ، في بلبال تلك الحقبة من تاريخ وطنه الجزائري والوطن العربي . لهذا نراه ، قد ضمن رواياته أضواء تاريخية وثبت وقائعا  منه في العديد من رواياته ، فليس ممكنا ، كما يقول ، أن يظل غير معنيا بأحداث ووقائع هذا العصر الذي يعيش فيه . 
هكذا ، كانت ، صوب هذه الوجهة ، " سياحة " واسيني الأعرج في ود مدني التي ذخرت في الأسابيع الماضية بزخم ثقافي وفني كبير . إليك التحية أيها الروائي الجميل وشكرا لتلك اللحظات الباهرة في كنف الرواية العربية فجعلتنا فيها .
---------------------------------------------------------------------
* ود مدني هي ثاني أكبر مدن السودان بعد العاصمة الخرطوم ، حاضرة ولاية
  الجزيرة في وسط السودان .

الجمعة، يناير 09، 2015

ود المكي وكت نزل مدني ...

                                           
 
                                               * ود المكي في غرفته بقصر الضيافة بمدني *


   

ود المكي وقت نزل مدني ...
---------------------------

" يحب بلادا ، ويرحل عنها
( هل المستحيل بعيد؟ )
يحب الرحيل إلي أي شئ
ففي السفر الحر بين الثقافات
قد يجد الباحثون عن الجوهر البشري
مقاعد كافية للجميع .
هنا هامش يتقدم . أو مركز يتراجع
لا الشرق شرق تماما
ولا الغرب غرب تماما
لأن الهوية مفتوحة للتعدد
لا قلعة أو خنادق /
كان المجاز ينام علي ضفة النهر ،
لولا التلوث ،
لاحتضن الضفة الثانية ! " ...
                                       - محمود درويش -

مجذوبا من يومو ...

محمد المكي إبراهيم ، ساح في الدنيا وفي الملكوت و ... عاد . عاد للبلاد التي كم عشقها وتغني بها ، غناها في ذات مواجدها ، وجعل جل شعره جدائلا وتاجا عليها ، فقد ظل " مجذوبا " إليها ، متيما بها حد يأتيها وأن كانت في خبائها وفي ليلها ، قد أسماها العامرية حين دخل إليها خباءها ليجعلها في الضوء فيراها أكثر ! ومنذ مبتدأ شعره أعلن في الملأ عشقه وجنونه بها وبشعبها . فكان ديوانه الأول " أمتي " الذي صدر العام 1968 معبرا عن ذلك العشق الكبير ، تجلله " الأكتوبريات " ، ذلك الغناء العذب في حب الوطن . أما تجلياته في الشعر فقد سارت مساراتها بالذات ، لا تشبه إلا نفسها وإلا نفسه هو ، نفسه الشاعرة التي درجت تكون في صحبته وهو يعيش الحياة ملء قلبه هنا أو هناك ، لقد عاش مجد الشعر وهو يتشكل في دواخله حتي أصبح رؤيا حياته ورؤياه . تخرج في كلية القانون بجامعة الخرطوم وإلتحق العام 1966 بوزارة الخارجية ، أصبح ، من بعد ، معدودا من رعيل الدبلماسية السودانية المرموقين ، فشرع يجوب العالم و ينثر شعره من حيث يكون : " بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت " 1972 ، " يختبئ البستان في الوردة " 1984 ، " في خباء العامرية " 1988 .  وجميعها تم جمعها ونشرت في مجلد واحد بالقاهرة عام 2000م . يعد أحد مؤسسي تيار " الغابة والصحراء " ، وقريبا جدا من " أبادماك " ، فأشاع عنه بعض النقد أن شعره تطغي عليه ملامح " الأفروعربية " . لكنني أراهم لم  ينصفونه بذلك القول ، ففي شعره تنوع مثير وتأملات عميقة في الحياة والعشق وفي حب الوطن ، بل تري عنده شذرات تشي بصوفية رائقة ، صوفية " أرضية " علي قول البياتي عن متأخر شعره ، شيئا ما مثلما عند التجاني يوسف بشير ، مع الفارق الذي بين شعرهما بطبيعة الحال . ثم جاء وقت كتب فيه في غير الشعر وإن لم يبتعد عن وجهته ، كتب مثلا : " ظلال وأفيال " ، و " في ذكري الغابة والصحراء " ، و " الفكر السوداني أصوله وتطوره " ، " كتابات عن ثورة أكتوبر 1964م " . كان الخليل يختلس الفرح فيغني " روحي ليه مشتهيه ود مدني / جيت أزور أبويا ود مدني " ،  ثم يهرع إليها ، إلي المدينة وإلي أهلها ، وإلي تلك الرائحة التي تخالط قلب المحب كالعافية . ود المكي فعل شيئا كثيرا من ذلك ، فما أن بعثنا إليه ندعوه ليكون في مدني ويلقي فيها شعره حتي هرع إليها ، لكأنه النسيم قد سري في تلك المسافة تقصر عنه رويدا رويدا وينقصها رحيلا ، حتي كان فيها ، ومنها في فؤاده رحيق الأغنية .

في مدني حلولا ثانيا ...

قال أنه زارها برهة قصيرة ، هي بعض يوم حين جاءها محاميا أول عهده بالمحاماة ، فمثل أمام المحكمة ثم أسرع ليغادرها إلي الخرطوم التي أتي منها ، وهذه هي زيارته الثانية برغم حبه لها ، ولكن أين كان شاعرنا وهي التي لم تكن إليه في خبائها ؟ قال ، أيضا ، إنها جميلة ، خضراء ويحيط بها النيل ، توقعها تمتلئ زحاما بالسيارات والضجيج و الدخان والغبار ، مثيرات الغبار والدخان التي " غزت " السودان ، لكنها الحسناء مجلوة في جمالها ، رأيتها ، يقول ، جميلة جدا وأهلها طيبون ورائعون ، سأكون دائم الصلة بها و ... في حبها ، وحين يشتد بي الشوق سأهرع إليها ! فود المكي يرغب ويود أن يتنقل في أرض السودان ولسوف يزور بورتسودان التي أعلن عنها حبه أيضا ، سيكون ، إذن ، في ذلك السفر الحر بين الثقافات ، في وطنه الذي جاء إليه منه ليكون فيه ، حتي آوان عودة عائلته إليهما من أمريكا .  كنت والأستاذ مبر محمود في إستقباله أمام قصر الضيافة قرب النهر ، حيث شغل الغرفة رقم (1) في الطابق الأول ، وياللمفارقة ، هي نفس الغرفة التي حل بها وردي لدي آخر زيارة له لمدني عام 2008م . كنا قد جلسنا معه حوالي ثلاثة ساعات أو نحوها ، نحتسي القهوة التي يتناولها بلا سكر ، وتذكرنا درويشا وقصيدته البديعة عن القهوة ، ثم شرعنا نأتنس . شرعنا نسأله وهو يسترسل في الحديث ، بفرح ظل يبرق من خلال عيناه ويلون نبرات صوته إلفة ومحبة . قلنا له أن هنالك تغيرا جوهريا قد طرأ علي راهن شعرنا ، في لغته وصوره وفي مضمونه وتنوع اشكاله ، لكنه  تغيرا صوب الأفضل ، علي غير مألوفنا الشعري كما في شعر الستينيات التي فيه جل شعره في مرحلته الأولي تلك ، لكن – كما رأيناه – أن شعره المتأخر الآن يكاد يكون ، في العديد من وجوهه ، في ذلك المنحي " الجديد " الذي درج علي انتاجه شباب الشعراء اليوم .  قال ود الوكي أنه أيضا يري ذلك التحول قد طرأ علي قصيدته فصارت في السمات نفسها والتوجه نفسه ، فهنالك قصيدة له تسمي " شئ " قال أن الشباب قد وجدوا فيها شيئا جديدا ومغايرا لشعره في مرحلته الأولي و ... أنهم معجبون بها . مثلما في قصيدته البديعة " قتل الجنجويد غزالي :

( قال لي فارس الجنجويد:

هاتها

قلت :اسورتي؟

قال لي هاتها

كنت وحدي

كنت خائفة ً،

والمخيَّم كان بعيداً

والبنات اختفين وراء السياجِ ،

واصبحت وحدي

قلت:

خذها

وبسطت يدي

سطع البرق من يدهِ،

ورأيت يدي وهي تسقط في الرمْل هامدةً،

ورأيت غزالاً يوليّ

ودمٌ احمرٌ يصبغ الرمل حولي

قال لي فارس الجنجويد:

ارفعيها ! ) ...

و أضاف ، حين أشار مبر محمود لضعف النقد في تناول الشعر ، أن قصيدة " في خباء العامرية " لم تقرأ نقديا بعد ، وتعجب كيف لم يتناولها النقد ،  حيث إن " العامرية " فيها هي الوطن في جمال تجلياته فينا ، لهذا فهو يسعي لطباعتها ونشرها من جديد مع إجراء بعض الحذف لما لا يشابهها في الديوان لأجل أن تكون أمام الناس من جديد وعلي واجهات النقد فيراها. وعلي نفس المنحي رأي أن " معلقة الإشارات " لعبد الحي هي أيضا لم تنال حظها من النقد ، لم تقرأ أيضا علي حد قوله ، ولأجل ذلك فهو قد كتب عنها مقالا أسماه " القصيدة الضوئية " ، فقد رأي فيها ، كما أشار ، النار والهواء والطين والماء و ... الضوء . لهذا فهو يري أن نقدنا يجب عليه أن يغوص عميقا في ذلك المنحي ، لأجل الكشف عن الجواهر في الشعر .  وفي الغرفة ، بعد أن وضع أشياءه في مواضعها علي المنضدة ، أتكي علي السرير وشرع يقرأ لنا قصيدته العجيبة " مناغاة أكتوبرية " ، قال أن عمرها شهر واحد ، لعلها آخر ما كتب ، فقد بدت في طفولتها زاهية ومشرقة وتحلق عاليا في أجواء الثورة وفرح أكتوبر :

( هي خمسون عاما مضت
  مثلما يؤمض البرق مرت .
  وها أنت لازلت خضراء ، زهراء ، حسناء
  أثواب عرسك زاهية
  وطوالع سعدك أكتوبرية .
  أخرجي ياجميلة من ظلمة القبة
  سيري إلي البهو ... ) ...
  ...   ...   ...
( إننا الآن أقوي وأكثر
  إننا الآن أجدر .
  فهبي علينا لينتفض القلب ياغالية
  ويخلع أثوابه البالية
  وتجلس أرواحنا في المكان المخصص للروح
  أو نشتعل مرة ثانية . ) ...

هي في الروح " الأكتوبرية " ، والشاعر لا يزال في رؤيا الثورة ، ويري الرياح مواتية والأناشيد تراقص القلب وتعلو راية عالية ، أليس محقا شعبنا حين أطلق عليه " شاعر الأكتوبريات " ؟

في رحاب الشعر في الأمسية ...

الأمسية كانت إحتفاء بذكري عيد الإستقلال في القاعة الكبري لقصر الثقافة أمسية الثلاثاء 30 ديسمبر الماضي ، نظمها " منتدي الخريجين " بالتعاون مع وزارة الثقافة بولاية الجزيرة ، وبيد ممدودة للترحاب والمحبة من المهندس الفاتح أحمد الفكي وزير الثقافة ، وكان الحضور بهيا كما هي عادة ود مدني السني في السماحة وحب الأدب ، فقد حضرها د . محمد يوسف علي والي الولاية ، والأستاذ الأمين الهندي وزير الثقافة الأسبق ومستشار الوالي ، والأستاذ عبد الرحمن عامر رئيس المؤتمر الشعبي بالولاية ، والأدباء من رابطة الجزيرة للأداب والفنون ومنتدي كنار و منتدي الخريجين . القاص والروائي مبارك الصادق و. الطيب علي ، والأستاذ الأمين وداعة مدير الإذاعة والتلفزيون بالولاية واللواء شرطة م جعفر بري ، ود . مدني ، والمهندس علي خليفة ، ومحمد المبارك ، وخليفة النوحي ولفيف من وجهاء المدينة ومن الناشطات من النساء . وحده الشاعر الكبير محمد محي الدين هو الذي لم يكن حاضرا ، ولست أدري ، بعد ، دواعي تخلفه رغم أنه كان قد وعدني بالحضور باكرا ليكون معي علي المنصة فنتولي إدارة الندوة معا ومن ثم يلقي بعض شعره ! بدأ ود المكي مرحبا بالحضور ، ومعبرا عن سعادته بكونه الآن في مدني المدينة التي يحبها ، وإنسجاما مع أجواء المولد النبوي الشريف وذكري الإستقلال فقد بدأ بقراءة قصيدة " مدينتك الهدي والنور " والتي سبق ونظمها بعد زيارة له للأراضي المقدسة . ثم قرأ " بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت " ، ثم " الخلاسية " من ذات المجموعة . ثم أخذه ، وهو المجذوب ، إليها ، إلي الإكتوبريات أعني ، فقرأ منها النشيد الثالث " أحمد القرشي " وتلاه ب " للإنتصار " : بأسمك الشعب إنتصر ...  ، توقف برهة بسبب من دخول الوالي للقاعة ، ثم واصل ليقرأ قصيدة " واحة " ، وطفلته البهية " مناغاة إكتوبرية " . كنت قد سألته عن علاقته بوردي ، كيف إلتقياء فكانت تلك الثمرات الناضجة في الأناشيد ، فقال : " كان صديقي ، يبدو أنه قرأ شعري فقد تعرفت إليه عبر أحد الأصدقاء ، وحين إلتقينا في الأبيض بفندق " هوتيل لبنان " الذي حل فيه ، وجدته عارفا لشعري . فكان أن أخذ يتصفح جريدة " الأيام " فوجد قصيدة " للإنتصار " فأخذها وقال لي دي قصيدة ملحنة جاهزة .  من يومها صرنا أصدقاء ونلتقي كلما سمحت لنا الحياة . ثم إلتقينا في كلفورنيا حين أتاها للعلاج قبل اجراء العملية . " . ومنهما ، الشاعر والفنان معا ، طلعت أجمل الأغاني والأناشيد .

و ... كان في الناس الوطن ...

توقف الشاعر برهة ، نظر مليا إلي الحضور ، في هدوء المساء وإنتباهات مستمعيعه جميعهم ، ثم إلي والي الولاية ووزير الثقافة وهم جلوسا أمامه ، ظننته سيختم الأمسية شاكرا ومحييا المدينة والحضور ، لكنه أطلق في الملأ النداء :

نداء ود المكي لإطلاق سراح فاروق وأمين مكي :

ليلة الثلاثاء 30/ /12/2014 ، في قصر الثقافة بمدني ، أشاع الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم طقسا من الفرح والمحبة والتفاؤل وعبق الذكريات الحافلة في إحتفالات الولاية بذكري الإستقلال . تلي من قصائد الإكتوبريات وفي تذكر الشهيد القرشي ثم نادي إليها ، للبلاد الحبيبة ، بالرحيق وزهر البرتقال ثم أزاح الخباء عن وجه العامرية فبدت في الناس وطنا ورؤيا وحلم . كان والي الولاية حاضرا ووزير الثقافة المهندس الفاتح الفكي ، ووسط غلالات الشعر وبهجته المشاعة ، طلب ود المكي ، برجاء وأمل  مخاطبا الوالي والحكومة عبره أن يتم إطلاق سراح إبني مدني من الحبس : فاروق أبو عيسي و د . أمين مكي مدني . كانت بادرة مضيئة من شاعر الأكتوبريات الكبير ، وأملا تقدم به تحت أجواء الذكري المجيدة للإستقلال .
بعده النداء مباشرة ، قرأ قصيدة " الرحيل " التي طوف فيها فيما بين المفازات في أدغالها ، حيث العتمة والضوء وحلم البشارات و ... التمني ، هي قصيدة في عشق الخرطوم كما وصفها ، وكان قد أعلنها قصيدة ختام الأمسية ، لكن الأستاذ عبد الرحمن عامر صاح فيه ملحا أن يقرأ " من غيرنا يعطي لهذا الشعب معني أن يعيش وينتصر " ، فإستجاب الشاعر إليه وتلي القصيدة التي تجاوب مع إيقاعها ومعناها كل الحضور ، فكانت خاتمة أمسية مدني السني في حضرة الشاعر الكبير .
محمد المكي إبراهيم ، كن ، كما رأيناك ، راية عالية في الوطن ، و ... بوركت أيها المجيد في أبناء شعبنا ، شاعرا تعانق في الأناشيد الوطن .