Powered By Blogger

الخميس، أكتوبر 11، 2012

كتابة الجسد ... !

                                                       * اللوحة لهنري ماتيس *


الكتابة في العشق ، وفي الجسد ،
أشراق أم وجع وإحباط ؟
-----------------------

   من المعلوم إن الكتابة عن الجسد ، والشعر منها علي وجه الخصوص ، هي من " التابوهات " التي تؤرق ضمير الكتابة ، فتجعلها في محظورات ومحرمات المجتمع . ويعاني الكتاب والشعراء العنت الكثير والإحباط والكآبة حين يكتبون عشقهم وجسدهم ، بعضهم – يصيبه ما يصيبه من رهق وتعب – فيبتعدون عنه ويكتبون في موضوعات أخري ، و ... " يا دار ما دخلك شر " !  هذا الأمر تجده في أبشع صوره وأكثر ألمه لدي النساء الشاعرات ، فقمع التابو يكون إزائهن مضاعفا ، يطالهن بعسف وقمع مخيف !
إحداهن ، شاعرة بمفردة مبتكرة وصورا زاهية ودلالات ومعان بهيجة ، تكتب الحب والعشق والجسد شعرا جميلا ، موجودة في هذا " الفيس المبجل " وتنشر شعرها أحيانا ، تفعل تحت توقيع أسمها الحقيقي فتواجه ذلك القمع فور نشرها لنتاجها الجميل ، لكنها – مثل الكثيرات والكثيرون أيضا – يصيبها ما يصيبها من ذلك المجتمع القاسي ويكاد يدمي منها قلبها ورؤاها ، تعيش حالة خشية ويأس وتسود الدنيا في ناظريها ، تكاد تهرب من فعل الكتابة نفسه أحيانا كثيرة ! من شعرها ، نقرأ مثلا :

"يا سيدي ها قد عدت تغريني 

 بسحر الشعر من خدع ٍجديدة ..

 وتعلم انني مجنونة مفتونه بالنص

 يوجعني ويجعلني سعيدة..

 يصطادني شرك القوافي

 والقراءات المجيدة ..

 ويحي انا من مأزق الحرف الشهي

! " وابتلاءات القصيدة..

وتقول أيضا :
خبرو ذلك الانيق انى اشتاقه ,,

 اشتاق عطره وشِعره وحديثه

 وطريقته التى يحبنى بها ,,

 هو يعلم انى جسورة فى عشقى

 وفى شوقى وجنونى ..

 يعلم اننى اقول ما احسه فعلا..

 يعلم اننى اسقط تلك الفواصل الوهمية

 بين خط الاشتهاء وخطوط الذكر والانتى

 وعندما اصمت

 يعلم ان سكوتى ليس علامة (الرضا)

 بل لأن شيئا ما .. يشغل تفكيرى ..

 وعندما اقول انى اشتاقك ,,

 فانا فعلا فى هذه اللحطة مملؤة شوقا

! " . ومعبأة به ,,,

نا امرأة حرة ..

 اقلع وقتما اشاء..

 واهبط وقتما اشاء ..

 لم يعيرنى احد حناجيه ..

 ولم اتوسل احدا ما ..

 صنعتهما بنفسى ..

 فقط اتوقف فى المحطات الكبيرة

 لازود روحى بالوقود

 وعندما اشتم رائحة حريق القلب

 اهبط اضطراريا على محيط الكتابة

 .. اهٍ .. تلك الكتابة ..

 اظننى اهبط عليها غيرة مضطرة .. ايضا..

 الشئ الوجيد الذى يستوعب جنونك

 واعطابك ويصلحها بلا مقابل...

 هذا الحرف يخلق كيمياء عجيبة

 بينك وبين شخص ما ..فى مكان ما..

! " . وينجب اطفالا تحت الارض .. بعظمة السماء..

هذه الشاعرة يصيبها التعب أحيانا ، تتعب جدا جراء الحصار والقمع ، فتقول وجعها :
"
تعبت يا سيدى .. لم استطيع ان اكون انا

فى العالم الدينى الذكورى لم اقدر ابدا ، حاولت كثيرا تمردت كثيرا ثم وجدت نفسى فى نقطة البداية .. منتهى الاحباط !! " .
أصابني الفزع إذ أري التشوهات تذهب من محيط النفس إلي الجسد ، فتصيبه بالعطن ، النفسي يطال الجسدي ، فتبدأ تشوهات الجسد ، لا ، ليست هنالك مسببات عضوية أو بيولوجية هنا ، لكنه القمع المجتمعي يمارس في قسوة وغلظة ضد الجسد ، عندما يتم حصار وقمع الكتابات والشعر الذي يكون موضوعه الجسد أو الحب والعشق ، وهما حالتان لا يكونان في تمام الحياة إلا بمصاحبتهما الحميمة للجسد ، في إنفعالاته وصحوه وعواطفه ، ففي ارتعاشاته جراء حالات الحب والعشق ، يبدأ يكون مزهرا وحيويا ومليئا بعنفوان وعافية الحياة ! ولكن ، المؤلم المفجع هنا ، هو ما يصيب الجسد والمخيلة من تشوهات تقعد بهمها عن وظائفهما الحيوية في الحياة . عندما تصل الصراعات والتناقضات التي يؤججها عنت المجتمع وقمعه للجسد ورؤاه ، يصبح عندذاك الجهاز النفسي غير قادر علي الحفاظ علي الضغط الداخلي ضمن سيطرته ، وعندها يرفض الجسد الأستمرار في هذه " اللعبة " المجنونة  التي نمارسها وتفشل وسائل دفاعنا في الحفاظ علي التوازن المطلوب ، أو عندما يصل التنافر إلي مرحلة عدم إمكان تحقيق الأنسجام بين مفهوم الفرد لذاته والممارسة الواقعية لهذا المفهوم ، أو عندما يتهدد نظام المنظومة بالإنهيار نتيجة عدم التوازن في علاقات المنظومة الأجتماعية أو الأسرية ، وقتذاك ، يتمرد جسدنا علينا بأسلوبه الخاص ، بإجبارنا علي حل الصراعات أو التنافر المسبب للصراعات ، وإن كان ذلك بطريقة رمزية ولا شعورية علي الأرجح ، وعلي حساب إحساسنا الجسدي بالراحة والعافية أيضا ، إنه يتمرد حتي لو كان في ذلك إحساس بالألم الجسدي ، ولكن ، ربما كان الألم الجسدي أخف وطأة من الألم النفسي تماما كما في حالة شاعرتنا ، التي نال منها التعب النفسي وألمه حتي كاد يجعلها تكف عن الشعر !

قضية الكتابات الشعرية عن الجسد ، وعن الحب والعشق في سماتهما الجسدية ، محفوفة بالمغامرة ، يحفها ويحيط بها الخطر والمحظورات والنواهي التي تعد حصارا قاسيا عليها وعلي رؤي الشاعر نفسه ، ولعلنا – في الكتابة علي هامش الجسد – في هذا القروب ، نتيح قدرا كبيرا ونافذة مشرعة لهذه الكتابات أن تنشر هنا في الناس ، ونأمل بذلك أن نفتح " ثغرات " في ذلك الجدار السميك ، ولكي نجعل ، في وعي وقلوب القارئين والقارئات ، أضواء من قبسات التنوير التي تسهم - عبر تلك الكتابات – في معارك التحرير والتغيير ، تحرير المجتمع والجسد معا ، ندعها ، إذن ، النوافذ مشرعات للضوء البهيج !
------------------------------------------------------------------------
* سبق نشره في موقع " الكتابة علي هامش الجسد  " علي الفيسبوك .

ليست هناك تعليقات: