Powered By Blogger

الأربعاء، أكتوبر 24، 2012

هيا ... ، لنقرأ كل شئ !

READ , READ , READ ,
READ , READ , READ...
EVERY THING !

* W. FAULKNER *

الغول القبيح ، والتلميذة الجميلة ، حكاية أغتيال ملاله !

                                                                     * ملاله *




التلميذة الصغيرة ، لكأنها كانت تغني ، مع شاعرنا الكبير محجوب شريف ، ذلك الصباح ، مع زميلاتها في الفصل الدراسي ، وهم في حافلة الترحيل في الرحلة من منازلهم الفقيرة ، إلي مدرستهم :

" رك قمري طار
قيره قيره قيره
نطط الصغار
صفق الترولي
طمن ... القطار
حلقت ... وحلقت
حمامة المطار
كل طلقه ... بينا
نحن تبقي وفره
سمسما ... و" بفره "
سكرا ... وشاي
تترا سايكلين
جاي وجاي وجاي
مافي حاجه ساي
كلو عندو دين
كلو عندو راي
تكتب أنت تقرأ
تعرف السياسه
في محل حراسه
حجرة الدراسة
تمشي أنت تلقي
في الضلمه ... لمبه
ألف ضحكة حلوة
تسندك بجنبه
بي تمن طبنجه
أحسن الكمنجه
أحلي شتل منقه
أحسن الحليب " ! .

" ملاله يوسفزي " ، التلميذة الباكستانية ، ذات ال 14 عاما ، تعيش مع أسرتها في أحد ضواحي باكستان الفقيرة . تسيطر علي تلك المنطقة حركة طالبان الباكستانية ، يديرونها وفق تصوراتهم الظلامية ، ويمنعون
- بقسوة العنف الأسلاموي الفج – تعليم البنات ، بل تمادوا ، فأعلنوا في الناس " تحريمه " :
" آآآآه ...
يا أخوان " حتحوت "
الذين إستمرأوا ظلمة المستنقع
الأثم دهرا
وتمادوا ،
أوصموا الأطفال إلحادا وكفرا
هل رأيتم ،
ياقطيع الضأن يوما ،
كف عجز شوهت تاريخ أمة ؟ !" .

" ملاله " ، التلميذة النابهة ، بحليب قلبها الأبيض ، كانت تدون خواطرها المجنحات ، في كراسة مدرسية صغيرة ... تحلم – كما أي طفل برئ في مواجهة العالم – بالمستقبل ، وترسمه ، بأقلامها الملونات ، مرة وردة ، ومرة طيرا أبيض ، ومرة غماما و ... مطرا في الحقول ، وتخطط ، بحروف صغيرة متداخلة ، لكنها جميلة ، خططا كبيرة لمستقبلها ، ومستقبل بلادها " المنكوبة " بآغربة التآبين ...
عرفها العالم ، لأول وهلة ، حين بدأت ال  " بي بي سي " تذيع في الناس حكاياها وخواطرها من ما دونته علي كراستها المدرسية الصغيرة ، وتكشف – بمصباح طفولتها نفسه – ما تتصوره طالبان أصلاحا أسلاميا للمجتمع ، وما تفعله بالنساء والأطفال ، تسجل ما يجري ، ثم تكتب أحلامها ! ال " بي بي سي " كانت رحيمة حين نشرت خواطرها تحت أسم مستعار ، لكن ، ال " نيو يورك تايمز " ، نشرت موضوعا كبيرا عنها ، وعرفت العالم إليها ، باسمها الحقيقي هذه المرة ! هكذا ، بإنتباهة وسيمة النية ، عرف العالم ، التلميذة النابهة ، " ملاله " ، حمامة بيضاء صغيرة ، محلق بفرح ، وتواقة للحرية ، في سماوات بلادها !
   جن جنون العقل الطالباني الدموي ، وأشرأب الذئب الشرس لدم الطفلة ! بدأت حملات السعار المجنون صوب الطفلة ، أرسلوا – كعادتهم – إليها تهديدات بالقتل ، إن لم توقف " حملاتها العلمانية ، وحديثا إلي الغرب ، كل هذا الكفر " ، هكذا كانت رسائل القتلة !
صباح يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 2012 ، والجو صحو بهيج ، والتلميذات ، في فرحهم الصباحي ، تقلهم حافلة الترحيل المدرسي في طريقم لمدرستهم ... فجأة ، كما نذير الشؤم ، أعترض أحد الطالبانيين المسلحين ، سير الحافلة ، صعد بوجهه الكالح ، ولحيته الشيطانية لكأنها تنز بالدم والكراهية ، إلي الحافلة ، مشهرا سلاحه ، كالفاجعة ، في وجوه الصغيرات ، وطلب أن تنهض " ملاله " واقفة ليراها ، وإلا فسوف يطلق النار عليهن جميعا ، وكان – علي التأكيد – سيفعلها ، ليكون القتل جماعيا ! التلميذة النابهة ، سارعت لتوها واقفة ، تجللها البراءة ، شامخة ، باسمة عالية ، كنجمة ، وبشهوة الأفتراس وشراهة القتل ، أطلق المتأسلم ، المشعوذ الكريه ، النار علي رأس الطفلة و ... كتفها ، فسقطت طفولتها مضرجة بالدم القاسي ، في ذلك الصباح ، ماتت ألف شوكة وأنكسرت ، في حقل الأسلاميات الدامي ، الملطخ ، دائما ، بالدم ورائحة الموت الحامض ...
يااااااااه ،
رصاصتان
بألف وجه للوجع والماسأة
وألف حنجرة تصرخ في وجه العالم
بألف لا ... ولا
ياوحوش الغاب والدم
لا
ياسفاكي الدماء
لا
ياقتلة الأطفال
لا ... لآ !!
" ملالة " ، نقلت في اليوم التالي إلي بريطانيا للعلاج ، يقول الأطباء في باكتان أن أحتمال الخطر علي حياتها حوالي 70% ، هي ، منذ ذلك الوقت ، في العناية الفائقة / المركزة ، غائبة عن الوعي ، فأصابة الرأس خطيرة ...
قالت طالبان : " سنعيد الكرة ، إن نجت ، فنقتلها ، إنها تنشر قيما علمانية وغربية ، ضد الأسلام " !!
ياللبشاعة ، ويالحقارة ما يقولون ! تماما ، مثلما قال يوما ، الشهيد حسن مروة : " لن ينصلح حالنا في هذا العالم ، إلا إذا أعدنا النظر والفكر ، جادين ، في هذا التراث " ، في هذا الدين كله ، الذي ، باسمه ، وتحت مظلته الفضفاضة المهترئة ، تسفك كل هذه الدماء ، كل يوم ، بل كل ساعة !

" ملالة " ، ياطفلة السلام والمحبة والنقاء ، قلوبنا ، وأمانينا ، كلها معك ، ونتمناك في الشفاء والسلامة ، يا طفلة السماء الملائكية ، في الزمان الخطأ ، والمكان الخطأ !!

الثلاثاء، أكتوبر 23، 2012

قفزة " فيليكس " ، شهادة لصالح قدرة الإنسان !




ضوء شاحب :





الألواح السبعة ...




في هذه الملحمة ،: (حينما في الاعالي) ، ثمة دلالات ثقافية وفكرية قاطعة حول انساق المعتقدات، خرافات وأساطير، التي كانت تتملك اذهان البابليين في تلك الأثناء البعيدة. نستنتج ان فكرة الخليقة، كوناً وانساناً، كانت تهيمن على عقولهم وتحثهم على استشراف ما يجعل حياتهم على الارض رهناً بنظام ما ،  يدخل الطمأنينة الى قلوبهم ،  ويبدد قلقهم ويقلص مساحة الحيرة التي كانت تشد على اعصابهم .  تروي الملحمة، في هذا المجال، وفقاً للألواح السبعة المكتشفة، ان الشخصية الرئيسية فيها، ويدعى "مردوك" ، تمكن من القضاء على منافسته الأخطر، وتدعى "تئامت" ، وبدد شمل زمرتها وأوقعهم في الاسر.ثم   شطر جسدها نصفين ، خلق منهما، كما تنص على ذلك الالواح السبعة، السماء والأرض، ثم خلق الانسان من دم احد الآلهة. يلاحظ، في هذا السياق، ان الانسان، كما جاء في هذه الاسطورة، خلق من دم إله ، ممزوجاً بالطين، ويشير هذا الامر الى عنصرين اثنين يشتركان في تكوين الانسان: احدهما إلهي خالد، والثاني ، من طين فان ... وظيفة العنصر الإلهي ، ان يجعل الإنسان يشاطر الآلهة في الفهم ، كما يعبر حكيم بابل في زمن الاسكندر" بيروسس " ، ووظيفة العنصر الطيني، كما يرد في هذه الخرافة، أن يحرم الانسان من الخلود لأن الآلهة إستأثرت وحدها بالحياة، كما جاء في ملحمة "جلجامش"! وجاء في الألواح السبعة، انه لو خلق الإنسان من دم الآلهة فقط، لشاطرها الخلود والفهم في آن معاً، لكن الالهة أرادت ان يكون الموت من نصيب البشر!
هكذا ، كانت تصورات الإنسان بدائية ، في الألف الثاني قبل الميلاد ، حسبما قالت به هذه الأسطورة البابلية في ذلك الزمن السحيق . لكن الإنسان في تطور مستمر ، أبدا لم يتوقف سريان ذلك التطور في متواليات لولبية ، تصعد بالإنسانية كل يوم جديد إلي الذري العاليات من تطورها العالي !

ضوء منير...
  " فيليكس باومجارنتر " ، النمساوي ذوال 43 عاما ، حقق يوم الأحد 14 أكتوبر 2012 ما يعد ، بحق ، أعجازا بشريا هائلا ، أشبه بالأساطير ، التي يصعب علي العقل الإنساني ، تصديقها ، والإطمئنان إليها ... لكن ، قفزة " فيليكس " ، حدثت واقعا شاهدناه ، مع الملايين في عالمنا علي شاشات التلفزة وعبر النت في كل أصقاع العالم في ذلك الصباح الهادئ ، الذي فضل الغمام أن ينسحب عنه ، وهدأت الرياح ، حتي لا يفسدا مشهد تلك اللحظة التاريخية النادرة في عمر البشرية وانجازاتها الباهرة .
صعد " فيليكس " عبر كبسولة معلقة في منطاد من مادة " الهيليوم " ، إلي حيث حدود الفضاء الخارجي ، خارج الكرة الأرضية ، خارج عالمنا ، بعلو 39 ألف متر ، بجملة أرتفاع 128 ألف قدم ، أي 39.014 كيلومتر ، مسجلا بذلك أعلي قفزة في تاريخ الإنسانية كله ... فعل ذلك حين قفز من ذلك العلو الهائل ، معتمدا علي جسده وحده ، دون الإستعانة بأي جهاز دفع أو محرك ... كانت قفزته ، مباشرة ، فوق صحراء نيومكسيكو الاميريكية ، بسرعة مهولة ، بلغت 1173 كم / في الساعة ، في ما يعد – حتي الآن – مأثرتان بمثابة المعجزات والأساطير :  أعلي سقوط حر سجل في تاريخ الإنسان ، وفي ذات البرهة ، أعلي رحلة بمنطاد مأهول ! بلغت فترة القفزة 9.03
دقيقة ، شاهدها ملايين البشر من جميع بقاع العالم في ذات حدوثها المثير ، عبر شاشات التلفزة  وعبر النت ... للعلماء ، الآن ، أن يفرحوا ، ويضيفوا إلي كتاب المعرفة ، كيفية تغلب جسم الإنسان علي الظروف الصعبة علي حافة الفضاء الكوني !
في لحظة الإنتصار بتحقيق الفكرة ، لأجل تطور الإنسانية والعلم ، في أجواء تلك اللحظات الباهرة السطوع و ... الفرح الأبيض في دواخله وقلبه الكبير ، وهو في ضحكات الإنتصار نفسها ، لحظة أحتضنه العلماء بعد هبوطه ، قال " فيليكس " : " لعل القفزة التالية ستكون من فوق سطح القمر نفسه " !
عندما عم ضوء التنوير
أرجاء الكون
وسجل " فيليكس " قفزته التاريخية
حيث عانق السموات العلا
وحلق ...
مجنحا كطائر خرافي ،
أمام الملأ
إنسحبت الآلهة ...
تاركة رحابة الملكوت كلها
للعقول النابهة ،
غدت ، هي لا سواها ،
في عالمنا ، الآلهة !

كم نجلك ، أيها القدوس ،
الإنسان ، والطائر الخرافي المجيد في السموات ، شكرا أيها العلم ، شكرا " فيليكس " العظيم ، جعلتم في سماواتنا عظمة المعرفة ... شكرا !
نكتة مظلمة ، صارخة ، كذئب مجروح ، يحتضر ، نكتة " المتأسلمين " حول قفزة " فيلكيس " ، كم أحتقرت مثل هذه العقول التي لاتزال تعيش في ظلام العصور المظلمة ، لن أذكرها النكتة ، تعرفونها ، لا شك ، فقد سمعتموها ، ومثلي ، ضحكتم من جهالتهم !
.

الأحد، أكتوبر 21، 2012

أكثر من مسألة حوار ... !

                                                         * اللوحة لخليل الصليبي *


* ماري القصيفي ...



***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

هي: كأنّني برتقالة معصورة.

هو: لا بأس، فثمّة من شرب العصير. وهذا هو المهمّ.

***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

هي: كأنّني جورب مثقوب يجد صاحبه صعوبة في رميه.

هو: لا بأس، فالمهمّ أنّ هناك من يتمسّك بك.
***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

كأنّني عاهرة سئمت من حكايات الرجال.

هو: لا بأس، فالمهمّ أنّك تتعلّمين أمورًا كثيرة.

***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

هي: كأنّني مريض ضجر أبناؤه من عيادته.

هو: لا بأس، فالمهمّ أن يستمرّوا في دفع فواتير المستشفى.

***

هي: يريحني الحوار معك.

-------------------------------------------------------------
* نقلا عن : " صالون ماري القصيفي الأدبي " .

السبت، أكتوبر 20، 2012

عشتار أيضا ، قصيدة لجسدها ... !


                                                        * عشتار في المتحف البريطاني *

* شاعرة ، وصديقها الشاعر ، لعنا عشتار بالفيسبوك !


حبك  ،
ياحبيبتي
يفتح لي عروة فستانك
كي أعطره جسدك بماء الورد
والياسمين .
أهذا الذي يورق الآن في راحتيك حمام ؟
أهذا " البياض " الذي يبدو إليك خلف زيتونهم
قمرا في تمام الغرام ؟
أراها في عينيك ،
تطل العشيات علينا بالوداد
خصرك بالندي
بالركض صوب الحنان عراة ...
لكنهم ،
أتوا يعصرون صغار العناقيد بالحزن
لو قمر مر - سهوا – عليك
ومد أمام زنابقك سلما
للغيوم ...
يفر دخان تبغنا من الفجر المسهد ،
المعرق بالشبق ...
يحط علي شرفة الجرح
كالقبرات .
ولكن ، ياخضراء قلبي
ألست أنت من تنسج علي شالها
ألف سوسنة يانعة ،
كلما ذكرتك الأغنية :
" أخفيت حبكم فأخفاني أسي ...
  حتي لعمري ، كدت عني أختفي " !!.
وجسر لرؤياك
يؤسس الآن في وجده للمهرجان ...
تراءي كظل وحيد
وخبأ أحزانه خلف غصون
الكروم والكهرمان .
ملائكة يعبرون السماء إليك
صغارا ...
يفرون مثل زغب الغمام
ويرتحلون
قصيا ... قصيا
إليها ...
إلي حضن " عشتار " الرحيم
لا ، ليست بغيا ،
ولا قسوة الحجر في قلبها ...
إلهة الجنس والحب والموجدة
نجمة الصباح والمساء
تضوع بأضواءها الثمان
منتصبة ، كقوس ،
علي ظهر الأسد
علي جبينها تاج الزهر
وبيدها باقة ورد
إلهة الصباح والمساء
للصداقة
للإلفة
و الوفاء
للعاشقين الخميلة
تبكي ، حين تبكي ، وحدها
وتفرح في الملأ
لوجدها
مساء صبايا النجوم
وليلهن الدموع !
هبيني إذن ،
قبلة أيها الفاتنة ...
لأرسم قوس نهديك نافذة لضوئك
أخط علي جسدك خارطتي
قصيدة
وأحتفي !

الجمعة، أكتوبر 19، 2012

حدثها عن جسدها ، فخاصمته ... !


* مثقفة ، وشاعرة ، رفضت لعاشقها أن يكتب عن جسدها إليها !

الجغرافيا
هي التي جعلتهما في التراسل
يتبادلانها كل يوم ...
وفي ما بين الشعر والنثر ،
بين المعاني والصور ...
أزهر الحب بينهما
وأينع .
قرابة 3000 رسالة حتي الآن !
هي : شاعرة
أنثي جميلة
تعشق الحياة والياسمين .
هو : عاشقها ،
كاتب مغمور ،
يورق الورد في دمه
ومن عواطفه يسيل الحنين !
تقول له :
" لست شرقية ،
وأكتب في الجسد " ! .
ويقول لها :
" إن ندائي للجميلات
أن يستجبن إذا تمني العاشقون
تمرير الأصابع بين النهد والسرة " .
كمن لسعت نجمة قلبها ، قالت له :
" أسمع ،
أنت تعرف طريقتي ...
أضع النقطة فوق رأس الفكرة ...
أبد لم أمنح جسدي لأحد ! " .
بتمن ، يقول لها ،
ياخضراء قلبي
حدقي في نصوصي ،
خصرك حاضر أمامي كدرس ...
وليس ثمة خدعة في تلامسات الجسد
ضعي " النقطة فوق رأس الفكرة " ،
كما تعودت ...
لتنهض الشهوة من عتمة الشاشات ،
ولتشرحي للملأ
كيف كانت تمسيدة النهد ،
عند إندلاع الإشتباكات في الحي ،
بعضا من روائح الجسد
وهلع الصغار ...
مشهد بالغ الرأفة ، رأفة القذائف ،
بما تبقي من الروح
وأهل الحي ...

نهداك حاضران كدرس ،
من حيث إنهما من شبق الآلهات ...
وليس من خدعة هنا ،
لأن العاشق كان في التمني ...
بينما تطوف به حاملات القرابين ،
مرجعات أغاني الجسد !

" كان يقول لسرتها ، هيا ،
تقول السرة حينا ، هيا ،
وتقول السرة أحيانا ، هيهات ! " .
فتطل الرغبات / النزوات
من الفستان الأسود
والشعر الأسود
والكعب العالي أسود
والشال علي كتفيها ،
أسود !
مرر العاشق اللسان علي العنق ،
ناعما ،
بطيئا ، كغمام محمل بالماء
وبالندي ...
" يلحس " حرير جلدها ،
ويمر ...
نسيما دافئا علي شفتيها ...
يضعهما في فمه
و " يمصهما " ! .

أصابها الفزع عندما قرأت النص ،
غاضبة كتبت إليه :
" لا ولن ولن ولن ولن أحتمل هذا
لن أحتمل أحدايقترب من جسدي ...
لا أرغبه مكتوبا ،
فلم أمنحه أحدا حتي الآن ! " .
و ... خاصمته !

تاه العاشق في سلالة نداهات
في سريرته يهتف شجرا أنثي
وأها ،
فيكثرها شجر ذكر ،
وآهات " !.

ضعي " النقطة فوق رأس الفكرة "
فإذا أعمته التهيؤات
فأسمعي الأغنية :
" علي بلد المحبوب وديني زاد وجدي
والبعد كاويني ...
ياحبيبي أنا قلبي معاك ،
طول الليل سهران وياك ! " ...
غناها مرتين ،
مرة في بهاء حضورك
ومرة حين وضعت النقطة فوق رأس الفكرة ...
حين كان يردد – ببراءة الأطفال -
جسدك حاضر في الدنيا
كدرس ...
وعندما أمرر كفي عليه ،
في قلبي يسري الدم
ويزهر الجسد ! " .
خاصمته ...

فيا إلهة الجسد والقلوب النادمات ،
خذي شريحة من الذاكرة
وشريحة من عواطف الفهم ...
وأعط الشرائح كلها
للسيدة التي تحرس جسدها
من رفيف الكلمات ...
وبلغيها السلام !

الحريق ... وأحلام البلابل !

                                                               * غلاف الديوان *
* " الحريق ... وأحلام البلابل "
     قصائد جيلي عبد الرحمن ...
     إلي شهداء الحركة الثورية في السودان ،
                                                      وفاء و إنحناء !


1.البحر ... والمنفي !
                       إلي الشهيد عبد المجيد شكاك .
-----------------------------------------------
وأعذروني ...
أن سئمت الكأس ،
والصرخة تنفي في قيود المجد،
من يرسف دوني !
فدنان الخمر ،
هذا البحر شرياني الذي ينزف في الغربة ،
أشباح جنوني
وتجاعيد التراب الجهم ...
في قيد سنيني
وأنحناءات الجبين !
ودعاء الأم يقظي خلف باب الفجر
تدعوني
وقلبي نقرته لقمة العيش المهين !
...   ...   ...
وأغفروا لي
إن رقصنا في خريف العمر ،
في ورد الذبول !
وإرتشفنا رائق " البيرة " من كفين
كالسحر الهيولي
وأراكم في البوادي
مثل أشباح صواد
وأستبحت الليل في عينين ،
في سجنين ...
صحراء تذر الرمل في البحر الجميل
وإستحالت جوقة السهرة ،
أنات صليل !
ياعزاري النشوة الخضراء ...
غاص الدفء ... من وجه القتيل .
...   ...   ...
وأتاني
كشراع البحر مفتون الأغاني
أينا العاجز في سجن الزمان ؟
أينا المفلول في بئر الهوان ؟
قم وعانق واحة الفرحة ،
بارك نبعها من أجلنا
وتخطر مثل نجم
في صحاري ليلنا
إن داء الحزن أرداك القفارا !
لن يسوقوا البحر للمنفي ،
وقاع الموج فينا
لن يجف الحب في القلب ،
دفينا
والمنافي ، اللعنة الغبراء
أشعلنا دياجيها ... نهارا
معبد العمر جليل
كيف تطويه إنتحارا ؟
أيها الخيام ...
آتون علي نبض الأغاني
شعرك الغجري رعاف المعاني
فأفتحي الأبواب ياخرطوم
زغردن يتامي ، وعذاري
" وأذكرونا مثل ذكرانا لكم "
نحن أسري الشعر ،
و" الدوبيت " ألقانا ... سكاري !
...   ...   ...
أصدقائي
مترع كوبي من ريح الصحاري
نحن دون الحب ،
دون العزم ...
أشباح حياري .
نحن منكم دفقة الخير وعرسا في الدماء
فأعذروني أصدقائي
إن رفعت الكأس في هذا المساء
لنسور ظامئات ...
جنحها المشبوب طارا
خلفت في العتمة المنفي
وسجن الكبرياء !

2. الفداء !
    إلي شهيد الطبقة العاملة الشفيع أحمد الشيخ .
---------------------------------------------

ينوء قلب الشاعر
إن كان دم الشفيع
تشربته الأزاهر
وا خجلتا للربيع !
...   ...   ...
في السهد ما انتحبت ، ما بكيت
حين ضم مأتم النهار بيت .
ما بكينا رهبة ، أو شفقة
لكن عينيك الكحيلتين
بالنور ، والنبيلتين
تسامتا ... كراية ممزقة
تقاوم السقوط في الوحول المطبقة !
أواه ، ما ركعت ،
ما انحنيت !
وعندما أعتدي المرتزقة
عليك قبل الموت
فأفتديت
مرتين  ...
ياشفيع الطبقة !
...   ...   ...
في ساحة الأعدام
كان الردي ينام
توسدت عظامه ،
عبير هذي الزنبقة !
...   ...   ...
أعمي دبيب الريح
تعوي ولا ضريح !
...   ...   ...
كان الضحي مناحة
عمال موسكو ... يزرعون الساحة
دقيقة من الحداد
رهيبة الأبعاد
صمت تشيب في صخوره الجرداء ،
أضلع الجلاد
كأنما من حقده الكظيم
جزء عنقه !
...   ...   ...
وأنت عبر كل هامة
متوج الجبين ... بالعمامة
حمامة  ... من فوقها حمامة
وتزدهي علي جبيني مطرقة !
المجد للمسيح
علي حبال مشنقة
فلتلعنن الريح
والجباه المطرقة !
إن أعولت في صمتها
تسربلت بموتها
ولم يضئ خطوها الضرير
رعد صاعقة !
                                       - 1971 -
* الصورة : الشفيع يؤدي القسم وزيرا للعمال في حكومة اكتوبر 1964م ، أمام سر الختم الخليفة رئيس الوزراء و عوض الله صالح رئيس القضاء !


3- الحريق وأحلام البلابل
    إلي الشهيد عبد الخالق محجوب ...
------------------------------------
1- رؤية ...
وأراكم عبر هامات الليالي
والمهانات ، المسافات الطوال
تحنتون الجدر الهدباء ... في صمت الظلال
صرختي أزت علي الجير ... شيوعي
                                  شيوعي
وأنا أعلم رجل العمق ، وعمق الدجل
كلمات نيئات في الخوان الثمل
وضمير السادة النقاء
ألوان المونيكير ... الربيعي
لا رتوش الآن ، فالحرف مفاصل
سيداتي ، سادتي
يبصق في وجه المخاتل
شاهدي الزور، وأشباه الرجال!
قدنسيت الهمس والأيحاء ،
أشكال التواصل
فلتنوموا في المواخير ...علي الفن الرفيع !
2- المنحني ...
أيه ياطلق المحيا ... والحجي
                       ها أنا أرسف في قاع السلاسل
والأفاعي مثل أنياب الدجي
                       تنفثالسم علي وجه السنابل !
هل مضي الصيف ؟ وقد لقنته
                      قصة الموت الذي قام يقاتل !
وخريف العمر يصفر علي
                    همهمات الريح ... في الحور الزوابل
عاود الروح أساها ، أطبقت
                      في جدار الصمت ، آلام المفاصل !
أيه هل عدت إلينا ... كالسني
                     حين أرعبت أراجيح المقاصل !
الجماهير أشرأبت والعنا
                     يستبيها الصوت ، والميدان حافل !
ياصباح الخير كم أوحشتنا !
                    يمساء الخير تشجيك المنازل !
...   ...   ...
لم يعد للنبع غير المنحني
                 أرهف القلب علي نبض المناجل !
ما المنايا ؟ أنها أقدارنا
               وأمتداد البحر ... أحضان السواحل !
لا ألوم الدمع أن هامت به
                    وحشة النخل ، وأحلام البلابل !
لا ألوم الليل ، والنجم هوي
                  يعتلي الفجر المتاريس الجنادل !
أيها الشاعر ضوأت المشاعل
                 فأنبثق ثأرا وصخرا ، وجداول !
3- من الطارق ؟
               عبد الخالق !
يا أيادي الله ... قالوا ضعت من غير سرادق !
أين أخفو زهرة الليمون ،
               والعطر ... حدائق ؟
نصبوا للموت أعواد المشانق !
ياحبيبي
      تدلف الفرحة من سجن الشرانق !
ورأيت القتلة ،
مثل فئران الخنادق !
وهدير المقصلة
          مثل أفراح البيارق !
كانت الخرطوم شعرا
يشعل الليل حرائق !
                            - 1971 -
---------------------------------------------------------------------------------
* جيلي عبد الرحمن ، من ديوان : " الحريق وأحلام البلابل " .



4- العريس وطحالب القاع !
      
                              * إلي الشهيد عبد الخالق محجوب
                                                                   مرة أخري ...
إنتظرناك علي الشوك طويلا
ولهثنا في حقول الغيط ،
سنطا ، ونخيلا
كنت تزهو في ذراع الثائر المهدي ،
سيفا
يحتسي المحروم منه ،
قطرات الشهد صيفا
كان سيفا ... أحمر الحد ، صقيلا
وعبابا من جماهير ...
تغني للنسائم !
كيف سال الحزن مهراقا
علي زغب الحمائم ؟
وارتعدنا ، وانتفضنا ،
حين أزمعت الرحيلا
...   ...   ...
خوذة الجندي ،
قيظ
مثل دبابة نار
تنفث الشمس لظاها
فوق أشلاء النهار
في بيوت القش
والطين
وأسفلت الشوارع
تفغر الظلمة فاها
والمتاريس ،
المدافع !
وأفتديناك ... أختفينا
وأحتفينا بالبنادق
وأدخرناك نشيدا ،
وشهيدا ،
وبيارق !
وأقتلعت الطحلب القاعي
والصمت ،
الجذورا !
وأمتشقت الراية الشماء
غضبانا ،
جسورا .
أيها المصلوب
والإنسان الخرافي ...يرود
ملحمات العصر
والأيام للدنيا وقود
القرابين تطوف
والمزامير ، الدفوف
ياعريس الغبش
والحزب
أمانيك القطوف !
...   ...   ...
قبضة السيف نعاس
هزها الشعب ، فقاما
في شغاف القلب وسدناك سهما  ،
ومساما
هل تري ريح الهبوب ؟
أم قناديل الغروب ،
أم ، مرايا الماء ،
تسقيهن بالورد الخضيب !
ذاك تموز الدافئ
مرة أخري يجئ
يارياح الشهداء
أقشعي الحزن القمئ !
...   ...   ...
شامخ الجبهة مزموم الشفة
في جدار الغرفة المرتجفة
أتملاك إذا ما الشوق يهطل
في دمائي ...
يختلي اليتم ، ويجفل
كأرتعاش الأرصفة
في العيون الواجفة !
...   ...   ...
أعولت ريح تسف
ذكريات لا تحف
أشهر دوت كطلقات ،
وأطياف ترف
يايناير
ياهزيج الشعب " يا أم الضفائر "
رحت ترنو
تبسم الشفتان
والدنيا بشائر !
...   ...   ...
لا تقولوا
أخطأ الحزب
وهاشم
لم يساوم !
غير أن الغفلة الكبري ،
وأشياء ... طلاسم !
لا تقولوا
يستحي القول الجميل
قطرة الدمع تقاوم
قطرة الدمع تقاوم !
...   ...   ...
يا أبي أنت ، وأمي
أتزيح اليوم ... همي ؟
ياعمادي
كيف يهوي مرة ... طود أشم !
في بلادي
كان ثوريا شيوعي القلم
أنه صخر أصم
والمنايا ... حينما العمر أرتطم !
خضت بحر الموت نسرا
يتهادي للقمم
عم مساءا
أوغل الليل
فنم !
...   ...   ...
وأنتظرناك علي الشوك المدمي
مثلما يشتاق في الظلمات أعمي !
ياعريس الشهداء
طفلك المطعون يوليو في السماء
صانك المجد  وحب الفقراء
وأفتداك الشعب ...
دوما !
------------------------------------------------------------------------------
* القصيدة هي الرابعة التي ضمتها المجموعة ، التي كرسها جيلي عبد الرحمن لشهداء الحزب الشيوعي والحركة الثورية العام 1971 ، إذ ضم الديوان خمس قصائد فقط ، وسبق أن نوهنا عند بداية نشرنا لها في هذا " الفيس المبجل " أنها قد طبعت بهذا الشكل الفقير ونشرت بجهد طلابي خالص في براغ ... ، وسننشر القصيدة الأخيرة " الملاك جوزيف " لاحقا !

5- المــــــــلاك جـــــــوزيف ...
                              
إلي الشهيد : جوزيف قرنق

مآذن المعز صامتة
والنيل كالضحايا ... في المياه الباهتة
من ذا أثار الخفق بالشوارع المسفلتة ؟
عصفورة العرايا ، والمرايا الميتة !
...   ...   ...
لم تحك لي عن رقصة الزنوج حول النار
ووحشة الأعشاش في مستنقع النهار
وعن ذوات الخرز ، الأصداف ، والأبقار
كيف أنتحبن كالرعود ... في هواطل الأمطار؟
حكيت لي عن عامل يبيع عرقه
ودودة تكتظ من خلايا الطبقة
و " جودة " السبايا ... في سجونها المختنقة
كأنني أراك ، في ذراك
قبل المشنقة !
...   ...   ...
واليوم نصطفيك في أعيادنا المخضبة
نهديك ما منحتنا بالعين ، بل ... والرقبة !
ورسمك المرسوم في قلوبنا ...
كالهضبة !
توسدت من حوله ...
أضلعنا الملتهبة !
...   ...   ...
صحائف المساء تنعي للوري الضحايا
و " جودة " السبايا ،
قد جاش في دمايا !
وإنهار فينا حائط ...
مزقنا شظنا
يازمن الطغاة ،
والأباة ،
والعرايا !
لطخت هذا المغرب المشجوج بالدماء
مشانقا نصبن في أروقة المساء !
وكيف مد خطوة ...
كالعاصف الشتاء
وأوثقوه بالسنا ،
والمسك  والحناء !
...   ...   ...
أدعوك ياجوزيف ،
عفو الآلهة
أن هام طيف بسمة ،
مشرقة و والهة
مولدنا العظيم في لاذراك الفارهة
ورفقة الخرطوم  ...
يحصبون أبرهة !
                                 - موسكو 6/10/1976 -
------------------------------------------------------------------------
* هذه هي القصيدة الخامسة / الأخيرة من ديوان " الحريق وأحلام البلابل " لجيلي عبد الرحمن ...
* قصدنا ، بنشرنا كل قصائد هذا الديوان " النادر " ، لشاعرنا الكبير الراحل جيلي عبد الرحمن ، أن نجعل هذه القصائد في التوثيق ، ومتاحة للقراء ، فقد كتبت في شهداء حركة 19 يوليو 1971 في السودان ، وهي المجذرة البشعة التي أقامها للشيوعيين الديكتاتور السفاح جعفر نميري ! نشرت الديوان في براغ رابطة الطلاب الشيوعيين السودانيين في أكتوبر 1986 لمناسبة الذكري الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني !

الأربعاء، أكتوبر 17، 2012

مياهها بيضـــــــاء !

                                                           * الحالمة : بيكاسو *
* إلي : السوسنة ...

ضوء واضح كالبرق
أرسمه كخط مستقيم
في ردف
تطارده لواحظ الرغبة
أني مال ...

كليل شمعة
خفيفا إليها أسعي
أجتر مواويل خيبتي
دون التورط في نقاء
لا أقوي عليه ...

هل علي أن أزأر ، كفريسة مذبوحة ،
كلما مسني غيابها
أو داهمتني عري اللغة
وتأويلات مراياها
في حضرتها ...

كيف تشهر صمت خريفها
في أصابع خطوي الحثيث
وتسلم جسدي لحريق العرق ؟

معا ...
كنا نشعل الرجاءات
فكيف يخبو شجن الوجد
ويزهو " زعلا " بيننا ...
كل هذا الصمت ؟

موجها وحده ،
الذي يحمل قاربي إلي بحرها
فلسعت ساعاتي
الظمأي لقصيدتها الشاردة ...
تنبت زهوري اليانعة
علي جسدها
تزهر شبقا تعرفه
تورق تلك " الغيرة " المجنونة
في مجازي !

هي من أسمتني " أبيضا "
قهوة بسكر قليل
وكأس نبيذ أحمر
في ليل مطير
يسامرها حتي حضور الغياب !

هي من وهبتني
تذكرة السفر إليها
نثرت وجدا
سال كالعسل الأبيض
علي أجفاني ...

قلت :
أخلط زرقة مياهها
علي بياض قلبي ،
فيغدو اللون حنان ...
يرسو
كما شفتاي
علي خدها ...

ياااااااه ،
أي رحم يسع الآن لغتي
شوقي ،
واشتهاءاتي ...
سوي صدرك الرحيم
ياسوسنتي ؟

الخميس، أكتوبر 11، 2012

كتابة الجسد ... !

                                                       * اللوحة لهنري ماتيس *


الكتابة في العشق ، وفي الجسد ،
أشراق أم وجع وإحباط ؟
-----------------------

   من المعلوم إن الكتابة عن الجسد ، والشعر منها علي وجه الخصوص ، هي من " التابوهات " التي تؤرق ضمير الكتابة ، فتجعلها في محظورات ومحرمات المجتمع . ويعاني الكتاب والشعراء العنت الكثير والإحباط والكآبة حين يكتبون عشقهم وجسدهم ، بعضهم – يصيبه ما يصيبه من رهق وتعب – فيبتعدون عنه ويكتبون في موضوعات أخري ، و ... " يا دار ما دخلك شر " !  هذا الأمر تجده في أبشع صوره وأكثر ألمه لدي النساء الشاعرات ، فقمع التابو يكون إزائهن مضاعفا ، يطالهن بعسف وقمع مخيف !
إحداهن ، شاعرة بمفردة مبتكرة وصورا زاهية ودلالات ومعان بهيجة ، تكتب الحب والعشق والجسد شعرا جميلا ، موجودة في هذا " الفيس المبجل " وتنشر شعرها أحيانا ، تفعل تحت توقيع أسمها الحقيقي فتواجه ذلك القمع فور نشرها لنتاجها الجميل ، لكنها – مثل الكثيرات والكثيرون أيضا – يصيبها ما يصيبها من ذلك المجتمع القاسي ويكاد يدمي منها قلبها ورؤاها ، تعيش حالة خشية ويأس وتسود الدنيا في ناظريها ، تكاد تهرب من فعل الكتابة نفسه أحيانا كثيرة ! من شعرها ، نقرأ مثلا :

"يا سيدي ها قد عدت تغريني 

 بسحر الشعر من خدع ٍجديدة ..

 وتعلم انني مجنونة مفتونه بالنص

 يوجعني ويجعلني سعيدة..

 يصطادني شرك القوافي

 والقراءات المجيدة ..

 ويحي انا من مأزق الحرف الشهي

! " وابتلاءات القصيدة..

وتقول أيضا :
خبرو ذلك الانيق انى اشتاقه ,,

 اشتاق عطره وشِعره وحديثه

 وطريقته التى يحبنى بها ,,

 هو يعلم انى جسورة فى عشقى

 وفى شوقى وجنونى ..

 يعلم اننى اقول ما احسه فعلا..

 يعلم اننى اسقط تلك الفواصل الوهمية

 بين خط الاشتهاء وخطوط الذكر والانتى

 وعندما اصمت

 يعلم ان سكوتى ليس علامة (الرضا)

 بل لأن شيئا ما .. يشغل تفكيرى ..

 وعندما اقول انى اشتاقك ,,

 فانا فعلا فى هذه اللحطة مملؤة شوقا

! " . ومعبأة به ,,,

نا امرأة حرة ..

 اقلع وقتما اشاء..

 واهبط وقتما اشاء ..

 لم يعيرنى احد حناجيه ..

 ولم اتوسل احدا ما ..

 صنعتهما بنفسى ..

 فقط اتوقف فى المحطات الكبيرة

 لازود روحى بالوقود

 وعندما اشتم رائحة حريق القلب

 اهبط اضطراريا على محيط الكتابة

 .. اهٍ .. تلك الكتابة ..

 اظننى اهبط عليها غيرة مضطرة .. ايضا..

 الشئ الوجيد الذى يستوعب جنونك

 واعطابك ويصلحها بلا مقابل...

 هذا الحرف يخلق كيمياء عجيبة

 بينك وبين شخص ما ..فى مكان ما..

! " . وينجب اطفالا تحت الارض .. بعظمة السماء..

هذه الشاعرة يصيبها التعب أحيانا ، تتعب جدا جراء الحصار والقمع ، فتقول وجعها :
"
تعبت يا سيدى .. لم استطيع ان اكون انا

فى العالم الدينى الذكورى لم اقدر ابدا ، حاولت كثيرا تمردت كثيرا ثم وجدت نفسى فى نقطة البداية .. منتهى الاحباط !! " .
أصابني الفزع إذ أري التشوهات تذهب من محيط النفس إلي الجسد ، فتصيبه بالعطن ، النفسي يطال الجسدي ، فتبدأ تشوهات الجسد ، لا ، ليست هنالك مسببات عضوية أو بيولوجية هنا ، لكنه القمع المجتمعي يمارس في قسوة وغلظة ضد الجسد ، عندما يتم حصار وقمع الكتابات والشعر الذي يكون موضوعه الجسد أو الحب والعشق ، وهما حالتان لا يكونان في تمام الحياة إلا بمصاحبتهما الحميمة للجسد ، في إنفعالاته وصحوه وعواطفه ، ففي ارتعاشاته جراء حالات الحب والعشق ، يبدأ يكون مزهرا وحيويا ومليئا بعنفوان وعافية الحياة ! ولكن ، المؤلم المفجع هنا ، هو ما يصيب الجسد والمخيلة من تشوهات تقعد بهمها عن وظائفهما الحيوية في الحياة . عندما تصل الصراعات والتناقضات التي يؤججها عنت المجتمع وقمعه للجسد ورؤاه ، يصبح عندذاك الجهاز النفسي غير قادر علي الحفاظ علي الضغط الداخلي ضمن سيطرته ، وعندها يرفض الجسد الأستمرار في هذه " اللعبة " المجنونة  التي نمارسها وتفشل وسائل دفاعنا في الحفاظ علي التوازن المطلوب ، أو عندما يصل التنافر إلي مرحلة عدم إمكان تحقيق الأنسجام بين مفهوم الفرد لذاته والممارسة الواقعية لهذا المفهوم ، أو عندما يتهدد نظام المنظومة بالإنهيار نتيجة عدم التوازن في علاقات المنظومة الأجتماعية أو الأسرية ، وقتذاك ، يتمرد جسدنا علينا بأسلوبه الخاص ، بإجبارنا علي حل الصراعات أو التنافر المسبب للصراعات ، وإن كان ذلك بطريقة رمزية ولا شعورية علي الأرجح ، وعلي حساب إحساسنا الجسدي بالراحة والعافية أيضا ، إنه يتمرد حتي لو كان في ذلك إحساس بالألم الجسدي ، ولكن ، ربما كان الألم الجسدي أخف وطأة من الألم النفسي تماما كما في حالة شاعرتنا ، التي نال منها التعب النفسي وألمه حتي كاد يجعلها تكف عن الشعر !

قضية الكتابات الشعرية عن الجسد ، وعن الحب والعشق في سماتهما الجسدية ، محفوفة بالمغامرة ، يحفها ويحيط بها الخطر والمحظورات والنواهي التي تعد حصارا قاسيا عليها وعلي رؤي الشاعر نفسه ، ولعلنا – في الكتابة علي هامش الجسد – في هذا القروب ، نتيح قدرا كبيرا ونافذة مشرعة لهذه الكتابات أن تنشر هنا في الناس ، ونأمل بذلك أن نفتح " ثغرات " في ذلك الجدار السميك ، ولكي نجعل ، في وعي وقلوب القارئين والقارئات ، أضواء من قبسات التنوير التي تسهم - عبر تلك الكتابات – في معارك التحرير والتغيير ، تحرير المجتمع والجسد معا ، ندعها ، إذن ، النوافذ مشرعات للضوء البهيج !
------------------------------------------------------------------------
* سبق نشره في موقع " الكتابة علي هامش الجسد  " علي الفيسبوك .

ياعاصم الفرح ، سلاااااااام !

                                      * الأصمعي يقرأ المساهمة وعاصم يستمع *

* التحية التي ساهمت بها في فعالية " منتدي مشافهة النص الشعري " بمركز علي الزين الثقافي بالخرطوم بحري
   مساء الخميس 3/ أغسطس/ 2012 ، حول تجربة الشاعر عاصم الحزين وقراءات لنصوصه ، قرأ المساهمة
   الشاعر الأصمعي باشري نيابة عني ...
--------------------------------------




تحية في بهاء مساءكم ...
إليكم ، وإلي عاصم الحزين !

----------------------------------------

يامساء الشعر .
يالهذي الليلة في فرح " الحزين " سلام .
ويا " مشافهة النص " سلام .
ويا أصمعي سليل الإضاءات سلام .
وأنتم ، أيها الأعزاء / العزيزات في خاصرة الليل الرحيم حضورا بهيا سلام .
وأنت ، ياعاصم الفرح النقي ، سلام .
إستأذنك فأستلف من فيوضاتك عبارتك الرشيقة نفسها لأقول إليك أمام محبوك :
" هاااي ...
  ياصديق المسافات .
  تعرف :
  أنك قريب ياقريب ! " .
نقول الآن إليه سلام ، حين يقول / حين يفصح في القول / يفصح بالحب والعشق / يفصح ، وهو الحزين ، للحياة وللبلد ، للناس وللبلد ، للأصدقاء ، وللبنيات الجميلات الصبايا ، للغمام وللحمام ، لا يفعل فعلا في يومه العادي إلا ويفصح ، بالشعر الوسيم الملامح مديد الرؤيات ، خصيم القبح أينما حل !
مزدحم بالصداقات وبالصحاب : صديق المسافات / الخيانات / الريبات / الكتمانات / الهواجس / الدموع / الصراخات / العذابات / الغمامات / المطيرات / الأغنيات / الزغاريد ورقص الفاتنات / الموسيقي والنداءات / الأناشيد والرايات / الهتافات والتظاهرات / الحريات  ، هنا أتوقف برهة لنقرأ  لعاصم :

" فتحت السما
  لقيتك هنا
  ندهتك تعال
أجاب الهناك
بأنك براك .
  وقفت ف ضراك
  ألملم هنا
  لأرحل هناك
  تماما أراك وما أندهش !

  أهو الضد رمي
  وسادة رؤاك
  إذا ما به
  كلام الهنا
  إذا من دماك
  مشيت لي براي
  كشاهي المزاج
  أكيف أساي
  وأكتب غناي
  لبكره الهناك " ! .

ضوء المستقبل في مرآته ، علي قول شيللر ، هل ترونه ؟  يكيف حتي أساه الذي هو وجعه اليومي ورؤاه ، فيجعل منه فرحا ، علي كيفه يصنعه ولا هماه !   الآن تذكرت أنه في وقت قريب ، قريب أيضا إلي قلبه أقتبس من رواية " أصابع لوليتا " هذا النص لواسيني الأعرج ، لكأنه أحبه حين رأه بمثل حالته في بعضا من وجوهها المتنوعة ، يقول النص :
" أفكر أحيانا إذا لم تكن الكتابة عبثا مجنونا ؟ مقتنع تماما بأن حياة الإنسان أجمل من أي نص في الدنيا نكتبه أو يكتبنا ، لا يهم ! " .
ولكم أن تنظروا إلي حياته لتروا شعره ، وفي شعره سترون حياته لا ريب !  فللإبداع داخل كل مبدع بذرة مختلفة عن سواه ، ويبدو أن لا مندوحة من إختلافهم ، وهذا الحزين / الفرح مختلف ، وفي إختلافه شروق ، مسكون بالرؤيا المحرقة ، يحيا ويعيش بالشعر ، لا ، ليس إنسانا عاديا يعيش أطوار حياته كيفما أتفق له ، بل حالة شعرية تمشي بين الناس ، تنثال منه القصائد أثناء سيره في الطرقات وممرات الغمام ، يصنع طقوسه من رحم وجعه نفسه و ... الوجع العام ، وينهض في الناس صادحا برؤياه ، بالكلام الجميل الرقيق الشفيف ، أستغرب أنا ، كيف أستطاع – ثانية – أن يحافظ علي تماسكه حتي الآن ؟  فأنا ، حتي لحظتكم البهية هذه ، لست متأكدا أنه ينتمي إلي مألوف حياة الناس ... وفي هذا المقام ، أتضرع إليكم ، أن تدعونه لحياته ، لا تأخذوه من الندي إلي حياتنا الرتيبة التي نعيشها خانعين ، تقتلون منه الشعر لو تفعلون !
وهو ، قد بات الآن فاعلا في حراك وهموم مجتمعه وبيئته ، مشاركا ومساهمات بقدرات شعره في ذلك الحراك ، يكتسب بفضله المجتمع عنفونا ويتألق بالمقابل شعره وينمو ثم يحلق في فضاءات البلاد ووعي شعبنا :
" ويعني أيه سرطان
  من حرقة الأشجان
  ذابل في غصنو أمان
  الكون ملخبط وشين
  مرسوم بدون عنوان
  طفل حرنان
  طفل فرحان
  مش مهم ...
  يكتب علي الجدران :
  ويعني أيه سرطان ؟ ! " .

تلك أغنية برسم المستقبل ونبالة الإنسان في دواخله ، فهو في حلمه ويقول أغنية من أجل الحياة ، ومنح أطفال السرطان عمرا أطول  ، وكتب أيضا عن الشماسة وأطفال الشوارع ياعائشة حسن ، كتب عن تلك الفواجع التي نري نزيفها اليومي ثم لا نراه ، ويا ويلنا من ما نسكت عن ما نراه ، لكن الحزين أخذ ضوءه وسار به إلي تلك العتمات ، نكاد الآن نري أضواء شموعه تلتمع بها أفئدة شبابنا هنا وهناك !
ولم سيسأل عن الواقعي / الزفافي في شعره ، أين يكون ، نقرأه :
" يا حالة حب للناس
  مين أوحالك إنك ماف
  وفي باكر ختيت الساس
  حالك مشروح بنضالك
  وكل ما نقيل ونطراك
  نلقاك موجود
  بتسلم ...
  تتكلم عن وطنك
  وتأشر للصاح ! " .

أنه يتذكر الراحل نقد ويغنيه ، ولكم أن تروا ماترونه في مدلولات القصيدة ومؤشرات إيقاعها ! ويخاطبها ،

البلاد الجميلة :
"
لا أقول الرحيل يناسبني

 لأقود دمي و أغادر هذي الوسامة..

 بل هيكلي يفضح الوقت

 إنِّي وسيم

 و يكفي لتسمعني أن تغنِّي

 هي الروح ترفل في زيِّ تحليقها

 و أري الاصدقاء بجانبها

 يرقصون كما شاءت العاصفة

 ينزفون أناقة

 يكتبون علي خشب الذات

 معني العلاقة بيني و بيني

 يحلّون أوتاد صمتي،

 و صمتي عنيد

 و عيناي تخلع أذهارها النائمات

 و تأوي لخدِّي

 كلامُ حميمُ هو الدمع

 يغتسل الله بالدمع

 حين يرانا تجف البساتين في بوحنا

 و البلاد نحيفة،

 أنا لا أقول الرحيل يناسبني

 إنّّه جسدي

 " ! في مقام الطريدة .

عارف ما كفاكم ، وهو بينكم ، ينثرها في حضوركم الوسيم مزهرات !
أما في الحب ، أما في العشق فله باب ، مثل " طوق الحمامة " ، من يدخله " يتوهط " ولا يود مغادرته ،
ما حوش الحزين فسيح عاد :
" الحوش فسيح .
  صحيت لقيت الحوش نضيف
  شلت بوحي
  دخلت جواي
  شفت روحي
  ضحكت مني
  غسلت معناي
  ضج فرحي
  دا كان صحيح ! " .
وللمحبين والعشاق أقول : عليكم ببابه الفسيح " مكابدات النسمة في سهي الريح والهجير " ، فياللهنا ، يا للنهي وياللسني !
أخيرا ، أوصيكم : لا تسألوه ، هذا " الصعلوك الرحيم " عن إشتراطات للشعر وعن قواعده ، دعوه ، فهو يكسر ما يشأ له جنونه أن يكسر ، لكنه ينشئ ، في ذات الوقت ، الجديد المبتكر ، دعوه يخرب كل شئ يرغب في تخريبه ، بما في ذلك شعر رأسه وهيته ، فسيعمل لفوره في إعادة الترتيب والتصفيف ، وليكن ، فليفعلها بشئ من العبثية التي ربما لا تزال تلازمه ، هذا النحيل الجميل المختلف ، يعيد الآن إلي وجدانه توازنه ويشتغل علي المشهد كما يراه ، وهو المناكف العذب ، لا نملك حياله إلا أن نحبه ولو أطلق علينا النار ، دعوه يعشق الحياة كما يشتهيها ، فستهطل فينا قصائده كالمطر الموسمي في خريف مدرار ، لتعيد رسم المسارب وطرقات الطين ، يمشي وراء محاريث الأرض وينظر إلي الغمام ، إلي " السما الهناك " ، يحمل نايا وينتظر المطر ، رغما عما شاب حياته من بعض تعقيدات وإرباكات ، إلا إنه الآن في عشق الحياة ، في شعرية المعني بالذات ، يجرب طاقته الروحية الكامنة في أعماقه وشغاف قلبه ، يجعلها في قول الشعر ، فليجرب ويجرب ويجرب ، وسنصغي ، فنحن في صف حبيبنا درويش إذ يقول : " أن كل شئ قابل للإحتراق في إحتمالات الكتابة ، في ولادات الشعر ! ".
أراني قد أطلت إليكم ، فعذرا إليكم
وشكرا يا أصمعي ، فقد جعلتني في رحاب هذا الشاعر الجميل والإنسان النبيل ...
و ... ياعاصم  الحزين :
أنا غايتو بحبك ياأخ ...
والسلام !