Powered By Blogger

السبت، نوفمبر 23، 2013

تغزل في نساءهم شعرا ، فأحرقوه حيا ... !







--------------------------------------------

سحيم عبد بني السحاس ، هكذا كانوا يسمونه ، ولا أسم له سواه !  كانت القبلية والعنصرية لا تزال في عنفوانها حين أدركها الإسلام ، فظلت وجها بغيضا من وجوه الحياة في ظلاله ، الرق كان فاشيا ومسنودا بالتقاليد شديدة الرسوخ للعصبية القبلية ، يباع الناس في مجتمعاتها ويشترون ، ثم يوصمون في المجتمع عبيدا وإماء ! سحيم كان " عبدا " أسودا ، نوبيا أعجميا ، مطبوعا ومتألقا في الشعر . فأشتراه بنو الحسحاس وهم بطن من بني أسد بن حزيمة . يقال أنه كان إذا أنشد الشعر استحسنه – مثلما يستحسنه غيره عادة – فيقول مزهوا به : " أهشنت والله " ، يريد " أحسنت والله " ، أدرك الإسلام ويقال أن النبي تمثل أبياتا من شعره في غير ما مرة !
سحيم كان أسودا قبيح الوجه ، وعن ذلك يقول :

أتيت نساء الحارثيين غدوة
                                      بوجه يراه الله غير جميل
فشبهنني كلبا ولست بفوقه
                                     ولا دونه إن كان غير قليل !

كان كثير الغزل في النساء  ، كما هو مشهور عند العديد من الشعراء ، يشبب بهن في غير ما فحش أو فجور ، أشبه ما يكون بالعذريين الشعراء في عفتهم ورقتهم ولطفهم في المرأة وجمالياتها ...
وقد جري من شعره الرقيق الكثير في الأغاني والطرب وقتذاك ، ألحانا عذابا تسري بالمواجد في الناس . مضي في شعره يتغزل في نساء القبيلة ، وكان يعلم بما في ذلك من الخطر الذي يتهدده في حياته نفسها ، لكنه – كعادة من يضام من المجتمع – راح يدافع عن كينونته في الحياة وعزة نفسه بأدارة الحرب ضد القبيلة وسادتها إذ يصيبهم في موضع " عفتهم وطهارتهم " من جسدهم المشوه الفاسد ... حيث كانت النساء قابعات في الكمون من الكبت والقهر والحرمان ، ملذات تدور،
كحجر الرحي ، في الليالي الذكورية حيث تتري فيها مباذل وخلاعة الرجال . أدار معركته – بأصرار وقصد – وهو يري النار تقترب منه رويدا رويدا فلا يكترث !

السادة ، طفح منهم الكيد الذكوري الشرقي ، فأضمروا له ، ووثبوا عليه حين قرروا في ليلة مشئومة أن يقتلوه ، فصاح بهم : " دعوني إلي غد حتي أعذرها عند أهل الماء " ، فقالوا :
إن هذا صواب فتركوه ! فلما كان الغد إجتمعوا عليه فنادي في الناس : " يا أهل الماء ، ما فيكم أمرأة إلا قد أصبتها  إلا فلانة – يقصد أصابتها بالشعر والتغزل فيها – فإني علي موعد معها " !
تلك كانت سهامة الأخيرة في الجسد المشوه للقبيلة !
فأخذوه وهو يردد في تهكم بليغ وسخرية سوداء :

شدو وثاق العبد لا يفلتكم
                                   إن الحياة من الممات قريب
فلقد تحدر من جبين فتاتكم
                                  عرق علي متن الفراش وطيب !
تلك طانت طعنته المسمومة في كبرياء الجسد القبلي الذي لطالما أثخنه بالجراح وتركه في نزيفه.
حفر له أخدود عميق في الأرض ، وألقي فيه وهو مكبل بالقيود الغلاظ ، وألقي عليه الكثير من الحطب ، وأشعلوا فيه النار ، فأحرقوه حيا وهو في صمته البليغ حتي صار رمادا ذهبت به الرياح
في تطوافها ، وقعت فاجعة أحراق الشاعر تحت ظلال الإسلام والنبي بعد حي !


الجمعة، نوفمبر 22، 2013

دوريس ليسنغ وداعا ...


-----------------------

يوم السابع عشر من نوفمبرالحالي
توفيت الروائية البريطانية دوريس ليسنغ الحائزة على جائزة نوبل للأدب، والتي تعد من أهم كتاب اللغة الانجليزية في أواخر القرن العشرين،عن 94 عاما.وقالت دار نشر هاربر كولينز في بيان ان ليسنغ توفيت في منزلها في لندن في الساعات الاولى من الصباح. قال وكيل أعمالها جوناثان كلوز "كانت كاتبة رائعة ذات ذهن آسر ومبدع لقد كان العمل لها شرف وسنفتقدها جدا.وولدت ليسنغ في بلاد فارس التي اصبحت ايران الان في 22 اكتوبر تشرين الاول 1919 ونشأت في روديسيا التي هي زيمبابوي حاليا وانتقلت للعيش في بريطانيا عندما بلغت ثلاثين عاما.ونددت القصص والروايات الاولى التي الفتها ليسنغ في افريقيا ونشرت خلال الخمسينات واوائل الستينات من القرن الماضي بقيام المستعمرين البيض بانتزاع أملاك الافارقة السود مما أدى إلى حظر دخولها في جنوب افريقيا التي كان يحكمها البيض.وركزت ليسنغ في أعمالها التي بلغت نحو 55 رواية ومجموعات قصصية قصيرة وفي مقالاتها على دور الاسرة والفرد في المجتمع وغامرت بالدخول الى عالم الخيال العلمي.


ونورد هنا المقال الذي تناول بعضا من سيرتها وأعمالها وأجزاء من حوار جري معها .


عشيةرحيل سيدة الرواية الكونية:الروائية دوريس ليسنغ الحائزة على جائزة نوبل للآداب 2007

-------------------------------------------------------------------------------------------

 

غادرتنا  دوريس ليسينغ  يوم 17 تشرين الثاني  2013-  اشبه بنص لم يكتمل - وهي احد اهم كتاب عصرنا ، الروائية التي أحب  ، دوريس ليسينغ ، صاحبة المفكرة الذهبية  والكاتبة الملحمية ذات العقل القوي الساحر والأفكار الأصيلة ، هي التي  عبرت عن الانوثة والنساء  كما لم  تعبر كاتبة اخرى من ذوات النظريات  في حقل النسوية ، غيرت دوريس ليسينغ نظرتي  ككاتبة  الى موضوعة الابداع والمرأة والجهد الاستثنائي في الكتابة  والاخلاص  للابداع ، وتعلمت منها أن اغادر مواقف ورؤى خادعة  في الأدب والفكر والحياة ، تعلمت منها أهمية  أن يمضي المرء قدما بلا تردد أو خوف ويكتب و يكتب حتى آخر نفس  كما فعلت هي  ،كشفت لي   روايات ليسينغ عن  قوة  عزيمة هذه المرأة، واكتشفت  في نظرتها العميقة  للزمن والإنسان  والكون اقترابا من نظرتي  كما تشاركت معها روحيا في مساندة الوجود الشخصي  بالنزعة الصوفية وتجارب العيش في أمكنة مختلفة ، لن تغادرنا ليسينغ الى النسيان  بل  ستخلد كعلامة بارزة في  ذاكرة الرواية العالمية  وأخالها  ستكون وهي في عالمها  النائي ظلا من الحنين  وروحا حارسة لأحلام الانسانية  ونهوض النساء -واحتفاء  بخلودها  أقدم هذا الحوار:
 

دوريس ليسنغ : روائية و شاعرة و مؤلفة مسرحية و كاتبة سيرة و كاتبة قصة قصيرة بريطانية ولدت في 1919 و يذكر لها في العادة رواياتها المعروفة ( العشب يغني ) 1950 و سلسلة من خمس روايات متتابعة نشرتها في الفترة من 52 – 69 تحت عنوان ( أطفال العنف ) و المفكرة الذهبية 1962 و الارهابي الطيب 1985. نقرأ في تقريض لجنة جائزة نوبل التي منحتها نوبل للاداب عام 2007 " انها الكاتبة الاكثر ملحمية في التعبير عن التجربة الانثوية و التي أستطاعت بنزعتها المتشككة و قدرتها الرؤيوية أن تخضع حضارتنا المنقسمة على نفسها إلى التمحيص الدقيق ". كانت ليسنغ المرأة الحادية عشرة التي حازت نوبل و الاكبر عمرا بين جميع من حازوا الجائزة من الرجال و النساء ، و قد صنفتها صحيفة التايمز اللندنية عام 2008 في المرتبة الخامسة في قائمة تضم 50 من اعاظم كاتبات و كتاب بريطانيا منذ 1945

لم تخف ليسنغ ابدا تعلقها و التزامها تجاه التصوف  منذ العام 1960 و الذي روجت له كثيرا منذ ذلك العام في كل مناسبة متاحة امامها مدفوعة بتاثرها العميق و الثابت بافكار المتصوف الهندي ( أدريس شاه ) الذي كتب اكثر من ثلاثين كتابا في ميادين متفرقة تتناول السايكولوجيا  و الروحانيات و تاثير التصوف في الحضارة و الثقافة الانسانيتين ، و تشير ليسنغ الى ( ادريس شاه ) من غير ان تصرح باسمه في أحدى فقرات الحوار معها أدناه و الذي أعدته مجلة ( باريس ريفيو )  في ربيع عام 1988 . عدت ليسنغ ( أدريس شاه ) دوما بمثابة معلمها الذي حفز فيها احساسها بالارض و الكائنات الانسانية التي تعيش عليها و كذلك بالحيوات على كواكب اخرى و كما كتبت مرة " لدي ميل جارف تجاه التصوف ( لكن ليس الدين ) حتى لو كانت لي رؤاي السياسية الخاصة و لا أرى في هذه التوليفة شيئا غريبا على الاطلاق ". يمكن النظر الى الجانب الصوفي في اعمال ليسنغ بكونه تعليميا مباشرا يرمي الى الارتقاء المفاهيمي و القيمي اكثر من كونه متعلقا بالحرفة الادبية فقد ارادت ان تنقل الحكمة الصوفية التي قرأت عنها و احست بها عميقا بعد ان اخذتها عن معلمها و راحت تستخدمها في التأثير على الطريقة التي يفكر بها و يسلك وفقها  قراء اعمالها . نذكر من أعمالها التي تلونت برؤيتها الصوفية : ( المدينة ذات البوابات الاربع  ) 1969 و ( مذكرات من نجا    (   1974 ، و قد ساعدت الرؤية الصوفية ليسنغ في تطوير رؤية للأرض و الانسان تمتد ابعد من الحدود الفيزيائية المعتادة باتجاه الكون الشامل و هو ما تطور لديها الى كتابة ما صار يعرف بـ ( الرواية الكونية. Space Fiction )

حاورنا ( دوريس ليسنغ ) في منزل ( روبرت كوتليب ) محرر أعمالها لعدة سنوات و الذي أصبح لاحقا محرر النيويوركر الذائعة الصيت . حضرت السيدة ليسنغ الى منهاتن في نيويورك لفترة قصيرة لحضور جلسات مشاهدة و تقييم لأوبرا ( فيليب كلاس   ) المأخوذة عن روايتها ( صناعة ممثل للكوكب 8 ) الذي ساهمت فيه ليسنغ ذاتها بكتابة النص الكلامي  ( الليبريتو  ) المرافق للعرض الاوبرالي ، و استطعنا لقاءها  بعد احدى جلسات الاستماع  تلك في ربيع عام 1988 ، و بينما كنا نحضر جهاز التسجيل قالت " هذا مكان ضاج  بالضوضاء حيث نجلس في حديقة وراء طابور من المنازل " ، ثم أشارت الى منزل بعيد تقطنه الممثلة الموهوبة ( كاترين هيبورن ) و راحت تتكلم حول المدن لبرهة . عاشت السيدة ليسنغ في لندن نحو أربعين عاما و مع ذلك فهي ترى كل شئ في المدينة خارجا عن المألوف و كما اشارت هي ذاتها في أكثر من موضع من كتاباتها و بطريقة أكثر حدسية " لن أتفأجا أبدا إذا اكتشفت يوما ان أبعاد البنايات التي نتعامل معها تؤثر فينا بطريقة لا نفهمها " ، تحدثت بعدها السيدة ليسنغ عن قضاءها ستة اشهر في انكلترا قبل ان تكمل الخامسة قائلة " أعتقد ان الأطفال ينبغي لهم ان يسافروا دوما و ان يروا الكثير من الأمكنة، أنه لشئ مهم للغاية مع انه صعب التحقيق على الوالدين ". حضرت ليسنغ اللقاء بشعر فضي تشوبه خصلات من السواد الداكن مفروق من الوسط و مسحوب الى الوراء و كانت ترتدي بلوزة و جاكيتة بدت فيهما تماما كما تظهر على أغلفة كتبها ، و لا غرابة ان تبدو متعبة قليلا لكثرة أسفارها الاخيرة . كان للسيدة ليسنغ صوت قوي و منغم  يمكن وصفه بالمبهج و اللاذع والمهموم و الساخر  في الوقت ذاته .

الحوار:


*ولدت كما نعلم في ايران . كيف تصادف أن أبويك كانا هناك ؟

- يعود الأمر الى أيام الحرب العالمية الأولى التي كان والدي جنديا فيها و لم يطق البقاء في انكلترا بعدها لأنه وجد الحياة تضيق عليه فيها . كان للجنود العائدين من الحرب ذكريات فظيعة عن العيش في الخنادق لذا لم يتحملوا العيش في بلدانهم و لم يتمكنوا من التأقلم معها بعد الحرب أبدا ، فكان ان طلب والدي الى البنك الذي يعمل فيه أن يوفر له وظيفة للعمل في أي مكان في العالم و وافق البنك و أرسله الى بلاد فارس Persia  حيث توفر لنا هناك منزل كبير بغرف و فضاءات واسعة و كانت لنا خيول نركبها متى نشاء . كانت المنطقة التي نسكن فيها فسيحة و غاية في الجمال و لكم يؤسفني أن أسمع اليوم انها  استحالت انقاضا و ربما يكون في هذا إشارة لقدرة الزمن على فعل ما يشاء بأي شئ . كانت المنطقة التي  أقمنا فيها سوقا عتيقة جدا فيها الكثير من البنايات الجميلة ، ثم نقل والدي الى طهران التي رأيتها مدينة غاية في القبح لكن والدتي كانت سعيدة للغاية بهذه الانتقالة لانها صارت جزء فاعلا مما كان يسمى ( جماعة المفوضية Legation Set  ) و كانت تعشق كل ثانية من العمل تقضيها معهم فقد كانت تقام حفلات عشاء كل ليلة و كان والدي يكره كل هذا . في عام 1924 عدنا الى انكلترا مع أيام اقامة المعرض الامبراطوري Empire Exhibition الذي كان ذا تاثير طاغ في تلك الاوقات ، كان في المعرض و في الجناح الروديسي تحديدا شعارات من ذلك النوع الذي يقول مثلا " أصنع مستقبلك في خمسة أعوام " و غير هذا من الشعارات الطنانة لكن والدي و بسبب مزاجه الرومانتيكي حزم الحقائب و أكمل معاملة تقاعده الذي يستحقه بسبب جرح أصيب به في ساقه أثناء الحرب ، و بعد ان تسلم مبلغ التقاعد الذي كان بحدود خمسة آلاف باوند أنطلق في سفرة مجهولة ليكون مزارعا في روديسيا و لم يكن ذلك بغريب عليه فقد نشأ في مزرعة عندما كان طفلا ، و قد سجلت جانبا من هذه الرواية عندما كتبت ( شيكاستا Shikasta ) و  ذهلت كثيرا عندما عرفت كم من الرجال الذين خدموا في الحرب العالمية الأولى من الانكليز و الالمان ذهبوا الى ذلك المكان البعيد و لم يروا في ذلك اي سوء بل على العكس كانوا يرون انفسهم محظوظين اذ بقوا على قيد الحياة في وقت كان رفاقهم امواتا !

* ربما تكون تجربة جنودنا العائدين من فيتنام نسخة مصغرة مما حصل لوالدك حيث يعجز العائدون عن التكيف  تماما مع مجتمعاتهم ؟

- من الصعب ان ادرك  كيف يمكن للأشخاص أن يمروا بتلك التجربة الخطيرة و يبقوا مع ذلك قادرين على التواصل مع الآخرين بشكل مقبول ، أرى في هذه التجربة عملية متطلبة كثيرا و لا يمكنني أن احيط بكل أبعادها تماما .

نشرت مؤخرا مذكرات في مجلة Granta * يشير  عنوانها إلى أنها تدور عن والدتك لكنها في الحقيقة تتناول والدك اكثر بكثير مما تتناول والدتك؟

- و هل يمكنني ان أكتب عن كل واحد منهما منفصلا عن الآخر؟ و هل يمكن لأي منا أن يفعل هذا مع أي من والديه ؟ كانت حياة والدتي مكرسة لوالدي بحسب ما اعتدت سماعه دوما.

* من الممتع دوما القراءة عن الخطط الكبيرة لوالدك و مغامراته المثيرة ؟

- كان والدي رجلا مميزا و غير عملي بالكامل و يعود الأمر جزئيا في هذا الى سنوات الحرب ، لم يكن بوسعه التناغم مع أي شئ أو اية فكرة على العكس من والدتي التي كانت هي المنظم الذي حفظ  لكل شئ  مكانه في حياتنا .

* هل كنت تستمعين الى الكثير من القصص و أنت طفلة ؟

- لا  ،و يعود السبب الى ظروف نشأتي الأفريقية . كان الأفارقة معتادين على رواية القصص لأطفالهم لكن لم يسمح لنا بالاختلاط مع الأفارقة و كان هذا هو الجزء الأكثر صعوبة عند مكوثي في روديسيا و ادرك الان مدى خسارتي تلك التجربة السحرية عندما كنت طفلة ، أنتمي الان الى كلية رواة القصص  Storytellers College في انكلترا و قد انتميت لها منذ ثلاث سنوات عندما علمت انها تبغي تثبيت فن رواية  الحكايات كفن راسخ الجذور لذا لم أتردد في أن اكون الراعية لهذه الجماعة .

* كيف كانت تجربة العودة الى انكلترا لاحقا؟ أتذكر هنا تجربة السيد بالارد الذي عاد الى انكلترا من شنغهاي و كان متضايقا اذ وجد كل شئ صغيرا و متراجعا ؟

- نعم شعرت بذات الشعور اذ وجدت كل شئ متصاغرا بطريقة تدعو للفزع ، و لم يزل هذا الشعور يلازمني و مع اني أجد كل شئ جميلا لكنه منظم اكثر من المطلوب الى حد انني لم اعد اظن ان هناك بوصة من الارض لم يتم العبث بها . لم أعد أصدق  ببقاء  أحراش برية في أي مكان من انكلترا .

* هل كانت لديك اية رغبة  لتكوني كاتبة وأنت في سنواتك المبكرة؟ أشير هنا الى ماكتبته انك كنت تخفين دوما ما كنت تكتبينه عن والدتك؟

- كانت والدتي إمرأة محبطة و قد امتلكت قدرات كبيرة وجهتها باتجاهي و اتجاه اخوتي لأنها ارادتنا ان نكون شيئا ما في هذه الحياة و لطالما ارادتني ان اكون موسيقية بارعة فهي كانت موسيقية جيدة الى حد معقول  . لم يكن لدي موهبة موسيقية بالقدر الذي كانت تتوقعه والدتي مني و لكن برغم هذا كان علي ان أواظب على حضور دروس الموسيقى بجدية كاملة . كانت والدتي تدفعنا جميعا باستمرار و ثبات لكنها كانت تريد جني كل النتائج الطيبة لمواظبتنا  فتوجب علينا  وضع  حد لذلك. أظن ان من المناسب دوما أن يعرف كل طفل كيف يحافظ على ما ينجز.

* كنت اتساءل هل فكرت يوما ان تكوني كاتبة في وقت مبكر من حياتك؟

- كان بوسعي  أن اكون طبيبة بارعة او ان امتلك مزرعة رائعة . انتهيت  كاتبة بسبب الإحباط و هو ذات السبب الذي يدفع الكثيرين ليكونوا كتابا .

* كتبت الكثير من المقدمات لمجاميع من القصص الصوفية . من أين جاء اهتمامك و ولعك بالصوفية ؟

  - لا ارغب حقا في الحديث عن هذا الموضوع لأنني أعرف أن ما يقوله المرء سينتهي لأن يكون كليشيهات و لكن ما اريد قوله في هذه المسالة هو انني كنت حقا ابحث عن طريقة في الحياة و كما تعلم فأن كل واحد منا في حاجة لمعلم من نوع ما ، و قد وجدت في الكثير من هذه الطرق شبها كبيرا بتعاليم الغوروهات Gurus ثم حصل انني سمعت بواحد من هؤلاء المعلمين الصوفيين الذين ملأوني اعجابا ( تقصد به ادريس شاه Idries Shah ، المترجمة ) و بدأت مطلع الستينات بالانغماس في العوالم الصوفية ، و هنا ليس لي ألا أن أقول بضع كلمات في هذا الصدد : إن بعض الناس يقرأ كلمتين في كتاب ما يردد بعدها " انا صوفي " !! و تلك مفارقة تدعو للأسى اذ لطالما ردد كبار المتصوفة " لن أدعو نفسي صوفيا لأن تلك مفردة كبيرة علي " ، و مع هذا لا زلت اتسلم رسائل تفتتح كلماتها بوصفي دوريس الصوفية و ليس لي ما ارد به عليها فيكون نصيبها الاهمال الكامل .

* أرى ان الناس تجد فيك  ماهو اقرب الى مثال " الغورو " السياسي او الميتافيزيقي؟

- اعتقد ان الناس تبحث دوما عن غوروهات و انه لمن أسهل الاشياء ان تكون غورو في هذا العالم و لكنه أمر مرعب في ذات الوقت .

* يخامرني شعور أنك كاتبة حدسية للغاية و أنك لا تخططين كثيرا للحبكة قبل بداية أي عمل بل تفضلين استكشاف الشخصيات والأشياء مع تقدم العمل ،هل هذا  ما تفعلينه دوما؟

- لدي في العموم مخطط أبدأ منه: تصور عام  لشخصية او اثنتين قبل الشروع بالعمل ، فمثلا كان لدي تصور مسبق ما الذي ستؤول اليه الأمور في روايتي الارهابي الطيب The Good Terrorist ، فتفجير مخزن هارودز الشهير في قلب لندن كان نقطة الشروع  لحكايتي، فقد تصورت كم سيكون امرا ممتعا لو انني كتبت عن مجموعة غير ناضجة و لا قدرة لها على التنافس مع اعضاء المجتمع لذا جنحت الى تبني اعمال التفجيرات . كان لدي في البدء شخصية مركزية : أليس التي اعرف كثيرا من الناس مثلها لديهم ذات الاهتمامات الأمومية الطاغية و يتحسسون اوضاع الحيتان و الفقمات و البيئة لكنهم في ذات الوقت يقولون" ليس بأمكاننا عمل أومليت بدون ان نكسر بضع بيضات !! " و يأملون في قتل اعداد كبيرة من البشر بهدوء و بلا أية كراهية . أردت ان اكتب عن هذا النوع من البشر ثم تطورت الامور الى ابعد مما خططت له في البدء ، تحصل الامور و تتطور على هذا النحو دائما .

* هل تشتغلين  على أكثر من عمل روائي بذات الوقت؟

- كلا ، لكن قد يحصل أحيانا ان أعدل في مسودة رواية انتهيت منها بينما اعمل على رواية جديدة . أحب دوما  ان أنجز أعمالي واحدا بعد الآخر .

* انت إذن  تنجزين اعمالك من البدء و حتى النهاية بلا أية انقطاعات في وسط العمل ؟

- نعم هذا ما أعمله على الدوام و لم أمارس  نقيضه  يوما ما ،فإذا كنت تكتب مقاطع متفرقة في مواضع مختلفة ستخسر الاستمرارية الثمينة للشكل و التي يوفرها العمل المنتظم و المتواصل ، انها نوع من الاستمرارية الداخلية غير المرئية و يمكن للكاتب أن يتحسسها عندما يواجه صعوبات شاقة متى ما أراد إعادة تشكيل شئ ما في عمله المكتمل .

* هل تكتبين بشكل متواصل؟ أعني هل تأخذين فترات استراحة بين أعمالك ؟

- نعم فأنا الان مثلا لم اكتب شيئا جادا منذ فترة ،  يتوجب عليك أحيانا ان تكتب اشياء ما بين اعمالك الرئيسية كمقالة لصحيفة أو شئ من هذا سواء رغبت به أم لم ترغب.

* هل ثمة عادات كتابية منتظمة لديك؟

- لا أرى في العادات الكتابية امرا مهما لأنه يبقى في النهاية محض عادات لا اكثر . عندما كنت أربي أحد أطفالي علمت نفسي ان اكتب بنوبات كتابة قصيرة مركزة و عندما كانت لدي  فرصة لإجازة اسبوعية كنت اؤدي قدرا غير معقول من العمل. اختلفت الامور الان و صرت ارى نفسي أنجز اعمالي بشكل أفضل كلما كنت ابطأ في الكتابة لكن هذا لا يدفعني لان أغير رأيي في أن المسالة برمتها محض عادات لا أكثر و معظم النساء الكاتبات يكتبن بهذه الطريقة كما علمت بينما كان غراهام غرين يكتب مائتي كلمة بالضبط كل يوم و ليس أكثر من هذا . أعتقد انني أكتب بطريقة افضل إذا كنت انساب بهدوء مع الكتابة .

* أي نوع من القراء أنت اليوم؟ هل تقرأين القصة المعاصرة؟

- أقرا كثيرا و أنا سريعة القراءة دائما و تلك احدى عاداتي التي اعتدت عليها و شكرا للرب عليها لأنني استلم ما بين ثماني الى تسع كتب من ناشرين مختلفين أسبوعيا و هذا ما يشكل عبئا ثقيلا علي عند محاولتي قراءتها كلها و لكن في العادة يمكن الحصول على فكرة جيدة عن كل عمل من قراءة الفصل الاول او الثاني غالبا  ، و إذا ما حصل و احببت كتابا من فصليه الأولين  فسوف أقرأه حتى النهاية حتما .

* هل انخرطت مرة في واحدة من تجارب الستينات الشبابية الخاصة بتعاطي حبوب النشوة او شئ من هذا؟

- تناولت في احدى المرات المسكالين Muscaline  ( عقار ينتمي الى صنف المهلوسات و هو شبيه في تاثيراته بمادة ال LSD ، المترجمة ) و انا مسرورة إذ فعلت هذا و لكنني لم اكرر التجربة ثانية !

* هل تسافرين كثيرا ؟

- نعم كثيرا ...

* تسافرين بسبب التزامات على الاغلب؟

نعم طلبا للارتقاء بالشهرة و المبيعات فالكتاب كما نعلم جميعا ينبغي لهم ان يبيعوا كتبهم . -

---------------------------------------------------------------------------------
* المقال نقلا عن مجلة " المدي " اليكترونية عدد الثلاثاء 19/11/2013 .
* ترجمة وتقديم لطيفة الدليمي .