Powered By Blogger

الجمعة، مايو 10، 2019

عن المرأة التى فى حياتنا، والآن فى الثورة.



عن المرأة التى فى الحياة، والآن فى الثورة.
-----------------------------------------
(بأسم الضحكات التى فى الشارع
 والعذوبة التى تجمع أيدينا
 وبأسم الثمار تغطى الزهور
 فوق أرض جميلة طيبة
"أرض الميدان"
بأسم الرجال فى السجون
وبأسم النساء فى المنفى
وبأسم كل رفاقنا
المستشهدين والمذبوحين
لأنهم لم يقبلوا الظلمة.
علينا أن نتدفق بالغضب
وننهض بالحديد
حفاظا على الصورة العالية
صورة الأبرياء طوردوا فى كل مكان
***   ***   ***
فى كل مكان سينتصرون)

             - إيلوار:انتصار جرنيكا، ترجمة فؤاد حداد، دار الثقافة
               الجديدة1977م،ص40/41 -



بالأمس،
فى حمى الميدان
قالت لي:
"الحياة أنثي"!.
تفكرت قولها وقلت لها
ملء قلبي:
وهل تكون حياة
أن لم تكن أنثي؟!

سئل نزار يوما، كيف يكون شكل الكون بدون المرأة؟، فقال: (سيكون الخراب، ولن يكون هناك كوكب قابل للسكني بدونها... إذا لم تكن هناك أمرأة، فلن يكون هناك شئ، لا شمس، ولا قمر، ولا محيطات، ولا غابات،  وإنما كوكب منطفئ، وأرض مالحة، وبيئة ملوثة، ومستودع كبير لرمي النفايات!). كان نزار لا يري القصيدة التي لا أمرأة فيها، لأنها ضرورية لها، من أساسيات القصيدة. كان يري أن هناك أمرأة من شعر، تأتيه حاملة في ضفائرها الشعر وفي خصرها الإيقاع، إيقاع الحياة، فتكتبه شعرا جميلا فيها، هي مادته الأساسية وفتنته !
عن تلك المراة/الشعر، المرأة/الحياة، قال أيضا:(هي التي إذا لامست يدي يتكهرب الكون، وتزداد سرعة الكرة الأرضية، ويتحول تراب الأرض إلي ذهب. المرأة / الشعر لا تأتي بسهولة، ولا ندري متي تأتي ومن أين تأتي،  ولكنها إذا جاءت قلبت قوانين الطبيعة، وغيرت أسماء الأيام والشهور، وجعلت الثلج يسقط في شهر تموز، وسنابل القمح تخرج من حقيبة الشتاء، والشمس تشرق من عيني حبيبتي). المرأة، إذن، هي رحيق هذا العالم ورؤاه البهيجة وجمالياته التي تكسبها سواحلا لا تحد. (مرة هي الحياة بدونهن، مرة هي الحياة) كما قال درويش الحبيب.  ولقد كان نزار مدركا لموضع المرأة في الوجود الإنساني الذي لا يكون إلا بها، وعالما بعوالمها المدهشة في مطالعها الفاتنة، لهذا كرس جل شعره، تقريبا، للصلاة في محرابها. وأنا أطالع بعضا من قصائده البديعات تذكرت مقولة جبرا عن نزار، إذ قال:(الكثير من شعر هذا العصر سينقرض، والكثير من الأسماء اللأمعة فيه ستنسي، ولكن أسما واحدا من السهل علي المرء أن يجزم ببقائه: نزار قباني.). إذن، من أراد أن يعيش الحياة بجدوى ونبالة،               ومن أراد لشعره الخلود،  فليدخل المرأة إلي قصيدته، فحيثما تحل يغدو الوجود جميلا جميلا . أما فى شأن الثورة، قد فعلها، وقال بها الإعتصام المهيب، قالها الميدان بأوضح وأجمل ما يكون، أنها الثورة، وسيأتى العصيان الكامل والعصيان المدنى، هذا الذى سيكسر شهوة العسكر الإنتقالى وتدليسه على الثورة والثوار، لكن الثورة، وحدها، هى القادرة على دحر الطغيان . علينا أن لا نترك الوطن، بعد الآن، فى متناول الشيوخ والدجالين، علينا أن نكتب ونرسم كثيرا على الجدران، أن نمتن ونقوى المتاريس ونكثر من الحشود، سيكون صوت الثورة وفعلها عاليا عاليا وقادرا، ولنترك الأطفال يخلطون بين الألوان، بما فى ذلك بين الأحمر والوردى، فأصحاب اللون الوردى يلتحقون بركب اللون الأحمر ببعض الألوان، ألوان علم السودان، فى الأنف وعلى الخدود والجباه. ولنغنى للثورة أناشيدها، لتمجيد(الكنداكات) الجسورات فى مقدمة ركب الثورة وهى تنهض باعباء التغيير. ينبغى أن نبدأ بتمجيد المرأة، أن نطالب الثورة بنصيبها المستحق منها،أن يبدأ مثلا، الدستور فى فصله الأول بتعريفها والتكفل بتوقيرها، بأن يكون نصيبها فى مؤوسسات الدولة بالنصف، 50%وليس40% . قد يبدو بعضنا، لوهلة، أننا متشائمين قليلا عما يحدث الآن فى الوطن، قد نبدو حالمين ونحن نكد يوميا فى اتجاه رفض كل ما قد يهدد كينونتنا أو يضعها مرمى النار والحجر، أو فى اتجاه الغياب والتهميش والإقالة القسرية من العالم ومن الحياة والعودة بالتاريخ إلى هرطقات رجال الدين يلوحون بألواحهم المقدسة ويتهددون ويعدون بالجحيم، والجنة يوزعونها على الملأ، أؤلئك تجار الدين الظلمة ياوطنى.
قد نبدو (شذاذ آفاق) ونحن نرفض المتاجرة بأحلامنا وبدم كل الذين غادروا مشيئة القطيع وانطلقوا فى رحلة بحث شاقة عن الإنسان، تمجيدا له ولفعله ولحلمه. المرأة، الآن، هى السيدة، فى يوميات حياتنا وفى الثورة الراهنة، لهذا، قد رأينا بعض الخلايا النائمة للظلاميين تنهض وتسعى فى زوايا الميدان، فى ساعات الفجر، تعتدى على الثوار، قال أيه، حرام (المبيت) على الكنداكات فى الإعتصام، أؤلئك أعداءك ياوطنى!
سيكتب، عما قريب، فى كتاب ثورتنا، الريادة والوسامة والجسارة للمرأة السودانية، عنفوان الثورة ورحيقها.
...   ...   ...

وأنا في أعلي أعاليها،
فى الميدان...

سألتني :
(حدثني عنك وعن الثوار،
هل جميعهم يشبهونك أم 
إنك خلقت من ضلع الوطن؟).
... ... ...
فحدثتها :
بتول كما العذراء 
مبللا بالمواجد ونسلي في الشجرة التي 
يصاحبها الندي،
وفي صباحاتها المطر 
مؤمنا بدرب الطير والخطر 
أسمي هو أسمي 
لكن ترجمتي بائسة 
ولا معني لي إلا بك !
أنا أبن هذا الوطن 
تركت عواطفي تركض،
وظنوني ترحل ...
تخففت منها حين تعودت الفرح 
وصادقت المرح 
وتعلمت ما يلزمني :
لغة الماء في الموج ...
قانون الطفو في بحر حبك
فى حب الوطن.
 
... ... ...
صعدت إلي نجاتي ...
أخبرتني الزرافة إني نجوت 
أخبرني الطير بأني لأجلك مولود
وفي فردوسك سأعيش و... أموت !
أخبرني الباب بدخولي 
أخبرتني الحديقة بزهوري 
بالجوري 
والدوري 
ونحولي حين أحب ولا أتوب 
أخبرتني أمي حين إلي 
رشدي أثوب:  
(مريض أنت بعشقك 
بهذى البلاد...

تسهر إليها الليالي،
ياحبذا الوهلة ...
تسوح من حلم إلي حلم 
فأذهب إليها،
إلى الحبيبة والبلاد
 
حتي تكون في عرشها 
تنام وتحلم في صدرها !
... ... ...
الآن، الثورة قادتني إلي الميدان 
أتوه فيك لأعثر علي ...
وأعثر إليك وأعثر 
أسعي إليك،
ولا أصادف في سعيي إليك سواك .
غنية بالمودات ،
قريبة من القلب 
سالمة من العماء 
سالمة في النجاة ...
ولي ،
وردة من نعيم الشقاء!

تحية إليهما، للثورة والثوار، للمرأة السودانية رائدة الثورة وشعارها.

الجمعة، مايو 03، 2019

رسائل إلى نورا.




رسائل إلى نورا.
----------------

فى الطريق إلى الميدان:
رأتها عيون الثوار، رأتها على أضواء ميدان الإعتصام: أشجار البلاد، الآن، تحترف الخضرة، تحترف أيضا، الغناء، والصوت الطالع من دمع البلاد وفرحها، جزلانا يصعد نحو السماء. ولأن الغناء وطن، والغناء مكرس حبا للوطن، فأنه الآن ينحنى إلى التراب:
يركع،
أيها المجد
مجد الشعوب التى فى النهوض
كن فى الأغانى،
فى مجد البلاد..
وفى الثورة والإعتصام.

1:
(حين ينزل عن راحتى الجنود
 سأكتب شيئا
 وحين سينزل عن قدمى الجنود
 سأمشى قليلا..
 وحين سيسقط عن ناظرى الجنود
 أراك،
 أرى قامتى من جديد
 أغنيك،
 أو لا أغنيك
 أنت الغناء الوحيد
 وأنت تغنيننى لو سكت
 وأنت السكوت الوحيد)..
                         - درويش -
وكن، الصبايا الجميلات يهتفن:(حرية سلام وعدالة / والثورة طريق الشعب)، ويعلو هدير الثوار:(تسقط تانى/تانى وتالت ورابع/ تسقط بس).
كانت نانسى فى وسط الحشود، يعلو صوتها السماوى، وتعلو هى قامة وقيامة، تصدح:
(يعنى أيه كلمة وطن؟
 يعنى: يد وعين وقلب
 يد صانعة
 وعين بترعى
 وقلب ينبض،
 شمس طالعة
 والقلوب تصبح وطن).

وفوق مسرح فقير، عال وشامخ، صعد عليه أبوعركى، رافعا كلتا يديه إلي الثوار، يكاد يطير فوقهم، لكأنه يظللهم، ليعطيهم، وهو يغنيهم(عن حبيبتي بقولكم)، والزمان يصغى وعشرات الآلاف من العقول النابهة تصغى، والأجساد فى رقص الوطن، هل رأيت يوما، يانورا، كيف يرقص الوطن؟
فالإنتصار يشارك الثوار ويؤازرهم، يغنى معهم ويراقصهم. تلك هى بهجة الثورة ورحيقها، فمن ذا الذى بمقدوره أن يجهض الفرح ويغتال الجسارة؟ لا الجلاد ولا العسكر يستطيعون، الشعوب هى التى فى الإنتصار، دائما، هى فى الإنتصار وفى الحياة.

2:
هل رأيت العسس يوما يا نورا؟
هل رأيتهم يدخلون إليك غرفة نومك، بقسوة وخشونة، يبعثرون كل محتوياتها، يحطموا ما شاء لهم أن يحطموا. لا، هم لا يبحثون عن شئ، لكنهم، كعادتهم، لمحض أن ينشروا العنف والفوضى والقسوة والألم، هل دخلوا يوما إليك؟ الآن هم يفعلونها بزرائع شتى، فى بيوت الثوار والثائرات بلا استثناء. هذا العنف كله، والدم المراق، والجراح النازفات، من المسئول عن كل هذا، من يا نورا؟
وهذا الموت، دم الثوار والثائرات، الدم الذكى المسفوح بضراوة العسكر، يفطر، بالنصل والنار، حشا الأمهات، فأحيانا، غياب شخصا واحدا، يجعلك تشعر وكأن الكون غدا خاليا من البشر. من المسئول عن هذا الحريق يا نورا؟
هل تجرعت يوما طعم المرارة؟ فالموت مر، والوداع مر. من يسرق منا إنسانا يجرعنا المرارة، مرارة النار، النار التى تحرق ما حولها، لكنها إذ تفعل ذلك، تضئ المكان أيضا، تطهر القلوب التى ترى الضوء من خلف الدموع والحرقة والألم، تضئ، فتضيئنا يا نورا، فنرى الغد الآتى الجميل.
يقول على عبد القيوم:
(هل يحيط الضريح بما فيك من
 لهف للحياة الجميلة؟
 هل تحيط المقابر بالنهر يركض منتعشا
 ناشرا فى فضاء البلاد الجريحة أشرعة
 ناسجا فوق كل الضفاف خميلة؟)..

هذه الرؤية هى، الآن، فى دم الثوار، تجدينها فيهم، فى وجوههم جميعا، علامة وشارة ووسامة، مثلما برهة الشعر الخاطفة الغامضة، لكنها الواضحة. تجدينها مجدولة على سيماء وملامح فتيات وفتيان الإعتصام، وفى عيون الصبايا تؤمض، بجلال اللحظة وتوهجها فى الدم والخاصرة، رؤيات يانعات تنبض، مثلما نبضات القلب، فى الأجساد الحية، تسللت إليها وسكنتها، كما الغمام الرحيم. مرة، فى أحدى التظاهرات الباسلة المهرولة، بإصرار وجسارة، إلى ميدان الإعتصام رأيتها:
كانت فى التظاهرة
نضرة وناضجة كحقل قمح واعد
رأيتها
عبر خلل دخان البمبان فى مقدمة التظاهرة
تعطر حقل الغياب
ليغدو حضورا بهيا
فى الذهاب وفى الإياب
ترنو إلينا بأغنية
هذه الماجدة
هذه السوسنة.

هل رأيتها، أو مثلها يا نورا؟

3:
حسنا، دعينى أقول إليك ما قالته الثورة على لسان الثوار، قالوها: لسنا نكترس لما يقوله المجلس العسكرى، ولا الطنين المصاحب، نحن واقفون على حد الإعتصام، صامدون وصامدون، لا نبالى بأية مخاطر، أيا ما كانت، ففى كل مخاطرة شيئا من النجاة على قول النفرى. لن نزيلها الحواجز، بل سوف نكثرها لتكبر ونصمد، ولن نكف عن التفتيش، ضمانا لوقف المتسللين من الخونة أعداء الشعب، سنسير فيهما حتى الإنتصار الوشيك، حتى كامل الإنتصار للثورة. هل خبرت شيئا من التاريخ الحى للشعوب؟ الشعوب هى وحدها السيدة، صانعة الإنتصار والحرية.


وللنساء الماجدات، إليهن ، وإليك، نقولها:

أيتها النساء الماجدات:‏
لقد أحصينا الألم كله،
حلما حلما...‏
وجعا وجعا...‏
قصيدة قصيدة.‏
أحصينا أيضا حلم العطش
حتي نزيف الدم إذ يملأ علينا النهار
ويدلق فينا ضوءا وسحرا
نايا و... نار!‏
وبكامل الرؤيا - رؤيا الجميلات النساء-‏
يختلط بلون الحياة،
بلا مواعيد للمشهد غير المألوف
في عالمنا/ 
عالمنا النساء...‏
للوحدة الباذخة:‏
‏" طقوس العطش "...‏
لهذه المرأة الباسلة،
التي، بهيام كثير 
وعشق كثير،
تصعد الآن إلي العلا...‏
إلي العلا،
حيث الهتاف الفذ
للسماوات العطاش نفسها،
تصعد وتصعد، ‏
وتصعد... !‏

‏والآن، في ميدان الإعتصام، وسط الحشود والمهرجان، أعطيكن باقات ورد معطرة، للجميلات النساء!

5:
يقول ديشاب، فى بعض رسائله إليهن وإليهم، وأجعلها أنا، الآن، فى بريدك:
(... فى البلاط الملوكى
 حيث تجوس اللحى
 والبنات خرجن إلى شارع الحى
 للشرطة السوط
 والظهر للضعفاء
 والمجد للثورة.
 للثوار فرح الإنتصار
 من فرشوا العشب
 قبل خطاوى السلاطين
 من لهجوا بالهتافات للموت
 سبابة ترفع كرباجها فى وجوه الجميلين
 خلف الجميلات
 نرفع نحن مواقيتها.
 قد شببنا على الأغنيات
 ودفقنا على الرمل للغائبين
 النبيذ
 وكتبنا على النخل
 آااااامون.
 ورسمنا على الموج أسمائنا
 لكننا حين أبنا إلى وطن لا يرى
 مزجنا الأناشيد بالأخيلية ليلى
فلاح لنا فى الغباش الوطن).

قال الميدان: قبلك، يا نورا، لم يأتى أحد. حملت قلبى كصخرة وهرعت صوب الإعتصام، كنت أعلم أن معسكر القتلة تحرسه الذئاب والتأويل، لكننى أحسست بالأمان تحت ظلال عينيك ووسط الحشود. تعالى الآن، تعالى، لآ أذهب عنك، ولا أحد يمنعك عنا، فالكل ذاهبا إليك، مثلما جئت سأبقى، مع الإعتصام سأبقى، مع الحشود التى تتحول من الأثير البارد إلى سخونة سائلة، ثم إلى حرارة، وسرعان ما يلتهب الميدان بالأغانى والأناشيد والشعارات، ترى الحشود تتقافز وتتصاعد فى هيئة ملائكة صغار يفرون من القيود إلى الحرية، و...( حرية سلام وعدالة).
نورا الآن فى تأمل هذه الملاحم. وفى بهجة الإعتصام نلوح لها، سلام إليك، إليهن، وإلى الثورة والثوار.


فى الميدان، الآداب والفنون تؤازر الثورة والثوار.



الآداب والفنوب فى الميدان، تؤازر الثورة والثوار.
-----------------------------------------------

1:
(الكتابة هى أن تهجر معسكر القتلة)
                               - كافكا -
2:
(يعد كل شئ، والفنون كلها، واحدة. يمكن أن تكتب لوحة بالكلمات، كما
 يمكن أن ترسم المشاعر فى قصيدة)
                                   - بيكاسو -
3:
( هزمتك يا موت الفنون جميعها...)
                              - درويش -

4:
تجليات الميدان، وفى الإعتصام وجه الثورة:

منذ 19 ديسمبر2019م الماضى، اشتعلت أحياء ومدن وشوارع السودان قاطبة بتظاهرات احتجاجية ضخمة رافضة لنظام الإنقاذ الفاشى ورأسه السفاح عمر البشير. وظلت جماهير العاصمة الخرطوم وأمدرمان وبحرى، وجميع الأحياء فيها والمجاورة لها، فى حالة إعتصام مستمر وأضراب عن العمل حتي وقت هذه الكتابة. الإعتصام، بميدان القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، كان مهولا، ضخما، ويزداد اتساعا وصمودا وأصرارا، وبوتائر عالية، ولم يتوقف قط، تزايد جموع المنضمين إليه فى بسالة وجسارة، مطالبين، بالصوت العالى، بالهتافات العاليات، برحيل عمر البشير وزمرته الفاسدة وباسقاط نظامه الأخوانى بالكامل. ثورة فريدة لم يشهد مثلها تاريخ الثورات السودانية، وإن استلهمت مبادئ وشعارات وقيم ثورتى أكتوبر1964م ومارس/أبريل 1985م. ظلت الحشود تتكاثر وتتعاظم ويعلو هديرها الجبار، يعلو ويملأ سماوات السودان كلها، ويبلغ، لتوه، أسماع الرأى العالمى قاطبة. الثورة، وحدها، هى التى أطاحت برأس النظام وحكومته، ونادت، فى ذات اللحظة التاريخية العظيمة تلك، برحيل حزب الأخوان المسلمين. وكان أن تسلم، كعادة العسكر، السلطة المجلس العسكرى، برئاسة الفريق أول عمر أبنعوف وزير دفاع البشير وأحد خدامه من الأخوان. أصرت الجماهير، عبر إعتصامها، على رفضه وتنحيته فورا، فكان أن أستقال مخلفا الفريق أول عبد الفتاح البرهان على رأس المجلس العسكرى، ومن بين عضويته الحالية أعضاء فى التنظيم الأخوانى وموالين للبشير المخلوع. الضباط الأحرار الشرفاء، على قلتهم، وضباط الصف والجنود، الذين بقوا فى مناصبهم برغم التصفيات الكبيرة التى أجراها النظام بالإحالة للنقاعد والسجن والتشريد، ظلت هذه القلة تنافح وتدفع الشر العسكرى عن الثوار، ومن بينهم من نالته الأيدى الباطشة لمشايعوا النظام البائد ممثلة فى بعض جنرالات المجلس العسكرى نفسه. لكن، ومما يستوجب الفخر بأبناء وبنات شعبنا، أنهم تميزوا، طوال أيام الإعتصام المجيد وحتى اليوم، بوعى عالى ويقظة كاملة لما يحدث فى المشهد النضالى/السياسى والأمنعده الجنرال عبد الفتاح البرهان، ومن بين أعضاء مجلسه، وياللمفارقة، من ينتمون إلى طاقم الإنقاذ المندحر. وهذا مما يستوجب النضال، عبر الإعتصام والإضراب العام، حتى تسليم السلطة بالكامل لحكومة مدنية تختارها قوى الحرية والتغيير، ذلك يوم آت لا محالة.

5:
فى الميدان تجلى وجه الثورة

كان، ولايزال المقر الرئيس للإعتصام هو الشارع الفسيح أمام مقر القيادة العامة للجيش السودانى، وهو شارع كبير يتفرع إلي شوارع تقود وتأتى منها مدن بحرى والبرارى والخرطوم وأركويت والصحافات والسجانة والخرطوم2 وغيرها، هكذا !ذن، الميدان مختار بعناية ليسع جموع غفيرة، علاوة على أنه يكون، بموقفه الفريد هذا، تحت الأعين المباشرة للسلطات العسكرية للجيش السودانى. تذكرت للتو، ميادين عالمية فى مدن كبرى حول العالم، تقف شامخة كرموز ثقافية ومعمارية لتراث إنسانى عظيم وبالغ القيمة لتلك الشعوب:
- ميدان تايمز سكوير فى نيويورك، ويطلق عليه(مركز العالم)، ويعد منطقة جذب سياحية الأكثر شعبية فى الولايات المتحدة الأمريكية. فيأتيه أكثر من 50 مليون زائر سنويا. الساحة مزينة بأضواء ال
LED على جوانبها كلها، تحف بها الشاشات الملونة، وتقدم، بجلالها ذاك، تجربة بصرية رائعة.
- ميدان الساحة الحمراء بموسكو، ويقع فى قلب العاصمة الروسية موسكو، ويرتبط، بأوثق رباط، بتاريخ المدينة الثر وثقافتها العريقة. وشهد الميدان أحداثا جليلة وعظيمة القيمة من تراث الأمم الروسية.
- ساحة ميدان الطرف الأغر فى لندن،ويطلق عليه أيضا(ترافلجار) ويعتبر من المعالم الشهيرة فى لندن. تم بناؤه لإحياء ذكرى الإنتصار الإنجليزى الكبير بقيادة الادميرال اللورد نيلسون على الأسطول الفرنسى/الأسبانى عام 1805م.
- ميدان تيانانمين فى العاصمة الصينية بكين، ويعد واحدا من أكبر الساحات فى العالم. أكتسب أسمه من أسم البوابة الكبيرة التى تفصله عن المدينة المحرمة، وهو محاط بالمبانى الحكومية وبالمعالم الأثرية الفخيمة التى تذخر بها الروح والثقافة الصينية.
- ساحة وميدان القديس بطرس فى حاضرة الفاتيكان فى روما القديمة.
- ساحة وميدان البلدة القديمة في العاصمة التشيكية براغ، ويقع بين جسر تشارلز وساحة فاتسلاف، ويعد الرمز الثقافى المعترف به للشعوب التشكية.

  قصدنا، بكل هذا الحديث، أن نعلى، ونحن فى تأمل ثقافات الأمم والشعوب، من شأن موقع إعتصامنا، الذى، منه وفيه، كان إنتصار شعبنا العظيم باسقاط نظام الطاغية وحزب الأخوان المسلمين، وسقوط الإسلام السياسى فى السودان إلى الأبد. ونحن فى حلم الثورة لانزال، نأمل، ونحلم أيضا وأيضا، أن يكون مقر الإعتصام رمزا وشاهدا على ثورتنا وانتصارنا، تحف به تحف معمارية وجداريات وأضواء ملونات ومنحوتات ترمز إلى ملاحم شعبنا، وتمثالا، أو تماثيل لنضالات شباب الثورة وشاباتها، أيقونات نضالنا ورمز عزتنا ونهوضنا الكبير. وسيأتى الحديث عن(أيقونة الثورة السودانية) ونساء السودان وريادتهن فى الثورة.

6:
تجليات الميدان، الإبداع وجها جميلا للثورة فى الميدان:

كان لابد أن تكون فى الإعتصام الحياة، حياة وثقافة الثوار التى تكونت بذورها ونمت وتطورت فى الوعى وفى الأجساد. هكذا تجلت عبقرية الثوار فى إستدعاء ما فى الوعى من جماليات وجدوى، من حيوية وعنفوان: الفنون جميعها طلعت واستقرت فى منابر ومنتديات وسط تجمعات الثوار، أركان الحوار والنقاشات فى السياسة وشتى المعارف، الموسيقى والغناء والرقص، أهزوجات الثورة وأناشيدها، الجداريات بأبهى وأجمل ما يكون، الشعر والمسرح والدراما، التنوير بطرح قضايا الراهن السياسى والمجتمعى، العيادات العلاجية والطبية، تكونت لفورها لجان تتولى تصريف الإحتياجات من طعام وشراب. لقد أصبح ميدان الإعتصام، بفضل وعى ووحدة الثوار، ملاذا لكل أبناء وبنات شعبنا، يوقعون فى ساحاته الرحبة إبدعهم وإصرارهم على تحقيق كل أهداف الثورة بلا أية نقصان أو إلتفاف ومراوغات يبديها المجلس العسكرى عبر تصريحاته غير الحميدة، وعبر التأجيل المستمر لتنفيذ مطلوبات الثورة الشئ الذى أكد الريبة والحذر الذى ظل الثوار يلاحظونه فى اللقاء الأول والثانى والثالث مع المجلس العسكرى. الواقع المشاهد يؤكد وجود رموز النظام المندحر طلقاء وبكامل امتيازاتهم وأموالهم وسلطاتهم، معروفون ومشاهدون تحت أعين الثوار ولجان رصدهم. هكذا، وبهذه المراوغة، جاء قرار المجلس العسكرى بإزالة المتاريس وفتح الشوارع بحجة تمكين حركة القطارات والمرور وتنظيف الشوارع! لاشك، أن المجلس العسكرى يعلم استحالة أن يوافق الثوار على هذا القرار، فكان أن بادرت قوى الحرية والتغيير بتعليق التفاوض مع العسكرى، ودعوة الجماهير أن تهب من كل مواقعها فى العاصمة والأقاليم لدعم الإعتصام وتكثيره وتقوية ركائزه. فقد قام الثوار فور اعلان العسكرى بتمتين المتاريس والحواجز فى مداخل الإعتصام، وتلك أشبه بليلة المتاريس الشهيرة بعيد ثورة أكتوبر المجيدة، فالمتاريس هى ضمان استمرار الإعتصام وسياج قوته وإنتصاره. فبالأمس القريب، عند إعلان حالة الطوارى وحظر التجول، قام الثوار بكسر ذلك القرار بعد أقل من ساعة من اصداره، وظلت الجماهير فى حراكها الثورى حتي اليوم، وسوف يلقى ذات المصير قرار العسكرى الحالى بوحدة وثبات وإصرار الثوار.

6:
مبادرة، لأجل الوجه السمح للميدان:

حين أردت امتحان طاقتى فى الإعتصام، سعيت لمعرفة الأخر، الثورة والثوار والميدان فى ذاتى، فأدركت أننى قرينهم وموغل فى الحضور، وفى جوهر الجمال، يأسرنى فى سر الثوار قدرتهم على إبتداع الصنائع: الرسم والكتابة، الشعر والمسرح والغناء والرقص، قدرات جمالية عظيمة القدر وعديدة الوجوه الباهرة، تجتمع فى فعاليات تجدها تعضد أهداف الثورة، تجلوها فتجعلها فى الوعى الذي هو فعل الثورة نفسها ووجها النضير، يفعلون ذلك بمعزل عن العالم وفى مرآته فى ذات الوقت. تلك بعضا مرئيا، بجلال اللحظة، وفى تجليات الحضور الزاهى للثوار، هى أيضا ملامحا وسيماء جليلة فى المكان، فى الميدان الذي غدا رمزا  وإشارة فى فعل الثورة اليومى. الميدان الذى يحاول المجلس العسكرى أن يفضه عبر قراره ب( إزالة المتاريس والحواجز فورا، وفتح الطرق والكبارى  ووقف التفتيش)، وهو يقول بذلك، ويعلم تماما أن تلك هى دروع الحماية وصمام الأمان لبقاء واستمرار الإعتصام، فهى المصدات التى تفشل أى محاولة شريره للتسلل إليه أو اقتحامه. المكان !ذن، هو الرائحة، وجه الثورة وجسدها وعنوان جسارتها وإنتصارها.
فى هذا الإطار، أعنى ضرورة الحفاظ على الميدان بعد انتصار الثورة وإعداده ليكون وجها وذكرى باقية على ثورتنا وانتصارها. أجدنى مؤيدا وموازرا للمبادرة التى تقدم بها المهندس المعمارى عبد الرؤوف جابر مصطفى وأسماها(شكرا لكم)، على أن يجرى الإعداد لها منذ الآن وتنفيذها فور الإنتصار النهائى للثورة. جوهر المبادرة هو العمل على تنظيف وتجميل ميدان الإعتصام ليكون رمزا للثورة وشاهدا على عظمة شعبنا وثورته الفريدة، التى تستحق أن تصان احداثياتها ووقائعها وشعاراتها معبرة عن عظمة شعبنا المعلم. تقول المبادرة:(نقوم بتحويل الميدان والساحات والشوارع المحيطة والقريبة من القيادة العامة لمنطقة سياحية حضارية خضراء، تتخللها النوافير وشلالات المياه وأماكن الجلوس والترفيه للأسر، ومسارح على الهواء الطلق، كما يوجد بها متحف يوثق لتاريخ الثورة ومراحلها. أيضا توجد أماكن للنقاش وطرح الأفكار وتبادل الأراء. يتم استخدام الطاقة الشمسية للإنارة وغيرها. كل ذلك مع المحافظة على وضع الطرق والمداخل الحالية للقيادة العامة وتوسيعها وتجميلها بالتعاون مع سلاح المهندسين(سوف أقوم بوضع وتقديم تصور مبدئى) وعرضه. الفكرة أن يحول القبح إلى جمال لعاصمتنا وثورتنا فتغدوا لها ما يميزها على غرار العواصم الكبرى). هذا الطرح، نراه جديرا بالدراسة والتفكر حوله، ثم الشروع فى تنفيذه. المبادرة تدعوا الجميع للمشاركة فى انجاح الفكرة، تمضى فتقول:(الدعوة للمشاركة لكل من يرغب، ونخص المعماريين والتشكيليين والمقاولين والمساهمة من كل أصحاب مواد البناء والبوهيات ومصانع البلاط والمشاتل والمكاتب والشركات الهندسية وسلاح المهندسين).
مقر المبادرة: مكاتب شركة نفاج الهندسية تقاطع شارع الحرية مع شارع البلدية، عمارة السياحة الطابق الثانى. والباب مفتوح لكل المقترحات. يتم تعميم هذه المبادرة لكل ميادين مدن السودان بالتنسيق. بهذا نتمنى أن نرد الجميل لسوداننا الحبيب، و(حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتى).
مقترح المبادرة: م.عبد الرؤوف جابر مصطفى.
ت:0123070163
Email:araoufgabir@hotmail.com
الوطن غاليا وشامخا، وتبقى الثورة خيار الشعب، للحرية والسلام والعدالة والديمقراطية تحت ظلال الدولة المدنية.