Powered By Blogger

الجمعة، مايو 03، 2019

رسائل إلى نورا.




رسائل إلى نورا.
----------------

فى الطريق إلى الميدان:
رأتها عيون الثوار، رأتها على أضواء ميدان الإعتصام: أشجار البلاد، الآن، تحترف الخضرة، تحترف أيضا، الغناء، والصوت الطالع من دمع البلاد وفرحها، جزلانا يصعد نحو السماء. ولأن الغناء وطن، والغناء مكرس حبا للوطن، فأنه الآن ينحنى إلى التراب:
يركع،
أيها المجد
مجد الشعوب التى فى النهوض
كن فى الأغانى،
فى مجد البلاد..
وفى الثورة والإعتصام.

1:
(حين ينزل عن راحتى الجنود
 سأكتب شيئا
 وحين سينزل عن قدمى الجنود
 سأمشى قليلا..
 وحين سيسقط عن ناظرى الجنود
 أراك،
 أرى قامتى من جديد
 أغنيك،
 أو لا أغنيك
 أنت الغناء الوحيد
 وأنت تغنيننى لو سكت
 وأنت السكوت الوحيد)..
                         - درويش -
وكن، الصبايا الجميلات يهتفن:(حرية سلام وعدالة / والثورة طريق الشعب)، ويعلو هدير الثوار:(تسقط تانى/تانى وتالت ورابع/ تسقط بس).
كانت نانسى فى وسط الحشود، يعلو صوتها السماوى، وتعلو هى قامة وقيامة، تصدح:
(يعنى أيه كلمة وطن؟
 يعنى: يد وعين وقلب
 يد صانعة
 وعين بترعى
 وقلب ينبض،
 شمس طالعة
 والقلوب تصبح وطن).

وفوق مسرح فقير، عال وشامخ، صعد عليه أبوعركى، رافعا كلتا يديه إلي الثوار، يكاد يطير فوقهم، لكأنه يظللهم، ليعطيهم، وهو يغنيهم(عن حبيبتي بقولكم)، والزمان يصغى وعشرات الآلاف من العقول النابهة تصغى، والأجساد فى رقص الوطن، هل رأيت يوما، يانورا، كيف يرقص الوطن؟
فالإنتصار يشارك الثوار ويؤازرهم، يغنى معهم ويراقصهم. تلك هى بهجة الثورة ورحيقها، فمن ذا الذى بمقدوره أن يجهض الفرح ويغتال الجسارة؟ لا الجلاد ولا العسكر يستطيعون، الشعوب هى التى فى الإنتصار، دائما، هى فى الإنتصار وفى الحياة.

2:
هل رأيت العسس يوما يا نورا؟
هل رأيتهم يدخلون إليك غرفة نومك، بقسوة وخشونة، يبعثرون كل محتوياتها، يحطموا ما شاء لهم أن يحطموا. لا، هم لا يبحثون عن شئ، لكنهم، كعادتهم، لمحض أن ينشروا العنف والفوضى والقسوة والألم، هل دخلوا يوما إليك؟ الآن هم يفعلونها بزرائع شتى، فى بيوت الثوار والثائرات بلا استثناء. هذا العنف كله، والدم المراق، والجراح النازفات، من المسئول عن كل هذا، من يا نورا؟
وهذا الموت، دم الثوار والثائرات، الدم الذكى المسفوح بضراوة العسكر، يفطر، بالنصل والنار، حشا الأمهات، فأحيانا، غياب شخصا واحدا، يجعلك تشعر وكأن الكون غدا خاليا من البشر. من المسئول عن هذا الحريق يا نورا؟
هل تجرعت يوما طعم المرارة؟ فالموت مر، والوداع مر. من يسرق منا إنسانا يجرعنا المرارة، مرارة النار، النار التى تحرق ما حولها، لكنها إذ تفعل ذلك، تضئ المكان أيضا، تطهر القلوب التى ترى الضوء من خلف الدموع والحرقة والألم، تضئ، فتضيئنا يا نورا، فنرى الغد الآتى الجميل.
يقول على عبد القيوم:
(هل يحيط الضريح بما فيك من
 لهف للحياة الجميلة؟
 هل تحيط المقابر بالنهر يركض منتعشا
 ناشرا فى فضاء البلاد الجريحة أشرعة
 ناسجا فوق كل الضفاف خميلة؟)..

هذه الرؤية هى، الآن، فى دم الثوار، تجدينها فيهم، فى وجوههم جميعا، علامة وشارة ووسامة، مثلما برهة الشعر الخاطفة الغامضة، لكنها الواضحة. تجدينها مجدولة على سيماء وملامح فتيات وفتيان الإعتصام، وفى عيون الصبايا تؤمض، بجلال اللحظة وتوهجها فى الدم والخاصرة، رؤيات يانعات تنبض، مثلما نبضات القلب، فى الأجساد الحية، تسللت إليها وسكنتها، كما الغمام الرحيم. مرة، فى أحدى التظاهرات الباسلة المهرولة، بإصرار وجسارة، إلى ميدان الإعتصام رأيتها:
كانت فى التظاهرة
نضرة وناضجة كحقل قمح واعد
رأيتها
عبر خلل دخان البمبان فى مقدمة التظاهرة
تعطر حقل الغياب
ليغدو حضورا بهيا
فى الذهاب وفى الإياب
ترنو إلينا بأغنية
هذه الماجدة
هذه السوسنة.

هل رأيتها، أو مثلها يا نورا؟

3:
حسنا، دعينى أقول إليك ما قالته الثورة على لسان الثوار، قالوها: لسنا نكترس لما يقوله المجلس العسكرى، ولا الطنين المصاحب، نحن واقفون على حد الإعتصام، صامدون وصامدون، لا نبالى بأية مخاطر، أيا ما كانت، ففى كل مخاطرة شيئا من النجاة على قول النفرى. لن نزيلها الحواجز، بل سوف نكثرها لتكبر ونصمد، ولن نكف عن التفتيش، ضمانا لوقف المتسللين من الخونة أعداء الشعب، سنسير فيهما حتى الإنتصار الوشيك، حتى كامل الإنتصار للثورة. هل خبرت شيئا من التاريخ الحى للشعوب؟ الشعوب هى وحدها السيدة، صانعة الإنتصار والحرية.


وللنساء الماجدات، إليهن ، وإليك، نقولها:

أيتها النساء الماجدات:‏
لقد أحصينا الألم كله،
حلما حلما...‏
وجعا وجعا...‏
قصيدة قصيدة.‏
أحصينا أيضا حلم العطش
حتي نزيف الدم إذ يملأ علينا النهار
ويدلق فينا ضوءا وسحرا
نايا و... نار!‏
وبكامل الرؤيا - رؤيا الجميلات النساء-‏
يختلط بلون الحياة،
بلا مواعيد للمشهد غير المألوف
في عالمنا/ 
عالمنا النساء...‏
للوحدة الباذخة:‏
‏" طقوس العطش "...‏
لهذه المرأة الباسلة،
التي، بهيام كثير 
وعشق كثير،
تصعد الآن إلي العلا...‏
إلي العلا،
حيث الهتاف الفذ
للسماوات العطاش نفسها،
تصعد وتصعد، ‏
وتصعد... !‏

‏والآن، في ميدان الإعتصام، وسط الحشود والمهرجان، أعطيكن باقات ورد معطرة، للجميلات النساء!

5:
يقول ديشاب، فى بعض رسائله إليهن وإليهم، وأجعلها أنا، الآن، فى بريدك:
(... فى البلاط الملوكى
 حيث تجوس اللحى
 والبنات خرجن إلى شارع الحى
 للشرطة السوط
 والظهر للضعفاء
 والمجد للثورة.
 للثوار فرح الإنتصار
 من فرشوا العشب
 قبل خطاوى السلاطين
 من لهجوا بالهتافات للموت
 سبابة ترفع كرباجها فى وجوه الجميلين
 خلف الجميلات
 نرفع نحن مواقيتها.
 قد شببنا على الأغنيات
 ودفقنا على الرمل للغائبين
 النبيذ
 وكتبنا على النخل
 آااااامون.
 ورسمنا على الموج أسمائنا
 لكننا حين أبنا إلى وطن لا يرى
 مزجنا الأناشيد بالأخيلية ليلى
فلاح لنا فى الغباش الوطن).

قال الميدان: قبلك، يا نورا، لم يأتى أحد. حملت قلبى كصخرة وهرعت صوب الإعتصام، كنت أعلم أن معسكر القتلة تحرسه الذئاب والتأويل، لكننى أحسست بالأمان تحت ظلال عينيك ووسط الحشود. تعالى الآن، تعالى، لآ أذهب عنك، ولا أحد يمنعك عنا، فالكل ذاهبا إليك، مثلما جئت سأبقى، مع الإعتصام سأبقى، مع الحشود التى تتحول من الأثير البارد إلى سخونة سائلة، ثم إلى حرارة، وسرعان ما يلتهب الميدان بالأغانى والأناشيد والشعارات، ترى الحشود تتقافز وتتصاعد فى هيئة ملائكة صغار يفرون من القيود إلى الحرية، و...( حرية سلام وعدالة).
نورا الآن فى تأمل هذه الملاحم. وفى بهجة الإعتصام نلوح لها، سلام إليك، إليهن، وإلى الثورة والثوار.


ليست هناك تعليقات: