Powered By Blogger

الاثنين، يناير 13، 2014

الجزولي سعيد ، في قصيدة توفيق زياد وفي الحزب الشيوعي ...



 
-----------------------------------------------------------------

حوالي الأول من أغسطس 2013 أو نحو ذلك صدر كتاب : ( الجزولي سعيد ، رمز الحياة والأمل – سيرة عامل سوداني ) ، وهو عمل توثيقي هام يعد من أمهات الوثائق التاريخية التي توثق وتسرد ملامح مهمة في حياة أحد أهم قادة الحزب الشيوعي ، في فترة هي ، بكل المقاييس ، أخصب وأنضر فترات يمر بها نضال الشعب السوداني والحزب الشيوعي في سعيهما الجليل صوب تحقيق الحريات والديمقراطية والسلام للشعب والوطن  .  فالكتاب يعني بالفترة الممتدة منذ مولد الجزولي في يوم الثلاثاء السابع من يوليو 1925 بقرية الخناق علي الضفة الغربية لنهر النيل بالمديرية الشمالية ، وحتي رحيله يوم الأثنين  26/9/1994 بالخرطوم ، وهي الفترة التي – بعد أن وعي التاريخ والحياة – اختلطت فيها حياته الخصبة بتاريخ ومسيرة الحزب الشيوعي ونضاله ، حد لتكاد لا تستطيع التفرقة بينهما ، أيهما الحزب وأيهما الجزولي ! قام بجمع الكتاب وإعداده الشفيع الجزولي سعيد الابن الوفي للراحل الجزولي . يقع الكتاب في 258 صفحة من القطع الكبير ومن إصدار " مركز عبد الكريم ميرغني " بالخرطوم ، ويحتوي علي 13 فصلا توزعت لتحكي سيرة الجزولي منذ ميلاده ويفاعته بقرية الخناق ثم انتقاله للدراسة في مدرسة الصنائع بعطبرة ، وهي المدرسة ذات الطبيعة الصناعية التي كانت ، أساسا ، تمد مصلحة السكك الحديدية بالكوادر الفنية المؤهلة . ثم انتقاله إلي بورتسودان ، ومن بعد إلي أروما بشرق السودان حيث رئاسة مشروع القاش الزراعي ، ثاني أكبر المشاريع الزراعية في السودان وقتذاك بعد مشروع الجزيرة ، حيث أتي الجزولي تلك المنطقة " متفرغا " حزبيا ليقوم بمساندة ودعم وتطوير حركة المزارعين وآليات عمل المشروع نفسه . الفصول من الأول وحتي الرابع غطت تلك الفترة من حياة وكدح الجزولي . الفصل الخامس جري تخصيصه لثورة أكتوبر المجيدة في 21 أكتوبر 1964 وتداعياتها عميقة الأثر في حياة الشعب والوطن والحزب ، وفي المسار النضالي للجزولي ، فقد عادت الحريات العامة وبدأت الأحزاب – وفي مقدمتها الحزب الشيوعي – نشاطها العلني وفعالياتها الجماهيرية الواسعة . الفصل السادس كرس للفترة الديكتاتورية الثانية لحكم السفاح نميري ، حيث أعدم ألمع قادة الحزب بعد انقلاب هاشم العطا ، السكرتير العام للحزب عبد الخالق محجوب ورفاقه ، وجري التنكيل الواسع والمطاردة والاعتقالات والسجن لكوادر الحزب والديمقراطيون في الاتحادات العمالية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني وحركات الطلاب والشباب والنساء ، فعاد الحزب للعمل السري مجددا ، لكن تحت أقسي الظروف والملابسات هذه المرة . تتالت فصول الكتاب من السابع وحتي الحادي عشر لتحكي كيف كان الجزولي ، ونعني هنا ، كيف كان الحزب ، يعمل تحت وطأة تلك الظروف وكيف حمي الشعب السوداني – في اتساع جغرافيته ونبل مقاصده – وآوي كوادر الحزب وهي تعمل وسط الجماهير في مواجهة تعقيدات النضال اليومي لأجل تحقيق أهدافها النبيلة المشروعة في الحرية والديمقراطية والتقدم . عاد ، إذن ، الحزب وعاد الجزولي إلي العمل السري ، وهو " المتفرغ " الحزبي ، المختفي الآن عن أعين العسس لكي ينظم ويقود النضال ضد الديكتاتورية مع جماهير شعبه .
في تلك الفترة نفسها ، تولي بشير ( الأسم الحركي للجزولي ) رئاسة المكتب المالي للحزب ، وهنا تجلت القدرات العالية للجزولي في تطوير العمل المالي بوضع أسس تنظيمية وقنوات " سالكة " وآليات صالحة للتنفيذ وعظيمة الفائدة لإحراز نتائج كبيرة في هذه الجبهة المهمة في جسد الحزب ، الكتاب يوضح هنا بجلاء ومن خلال الوثائق وشهادات قادة الحزب الدور عظيم القيمة الذي بذله الجزولي في جبهة العمل المالي للحزب وتطويره ، ولعله هو نفس النهج الذي يسير عليه العمل المالي حتي الآن .
سأذكر هنا العناوين الثلاثة للفصول المتبقية فهي – بدلالة ومعاني عناوينها – تفصح عن ملامح محتوياتها فتجعل المرء في الشوق إلي قراءة تلك الملامح بما قالوا بها معاصروه من رفاقه في الحزب والنضال : الفصل الحادي عشر " نترك الدنيا ... ولنا في خدمة الشعب عرق " ، الفصل الثاني عشر :
" مواقف وطرائف " ، والثالث عشر وهو الأخير في الكتاب : " عمال ومهنيون وكوادر حزبية ، آراء
وانطباعات وحكايات " ... هذه الفصول الثلاث ، في ظني ، من أمتع فصول الكتاب ، فقد اتسمت بالحميمية الإنسانية التي يوثق عراها الفكر ومسارب النضال في نعومته وفي خشونته أيضا ، وهي ملامح مضيئة كعطر الورود في قلوب أؤلئك البواسل من النساء والرجال وهم يعيشون الحياة برؤاهم المضيئة رغما عما في الحياة وما يواجهونه من كدر ومعاناة وإرهاق !
أشتمل الكتاب علي ملاحق مهمة عبارة عن تجميع لما نشر من نعي ووداع للجزولي عند رحيله في الصحف والدوريات والبرقيات ، وتلك من جماليات التوثيق عند اكتماله أيضا . أما مأثرة التوثيق في الكتاب فقد تجلت في صور الأحداث والأماكن والأشخاص والوثائق علي طول حياة الجزولي ، فقد أستطاع الشفيع أن يجمع هذه الصور النادرة في كتاب واحد ، حوالي 125 صورة ، وجلها تعد من نوادر الصور التي ما كان لنا أن نراها لولا هذا الجهد الكبير والحرص علي تسجيل أطوار الحياة الشخصية والحزبية للجزولي بالصور .  توزعت بين عائلة الجزولي في الخناق ، ورسائل بخط يده كان قد أرسلها للشفيع ، إلي صورة منزل اسرة الجزولي ب " الخناق " ، وهو بيت فقير مشيد بالطين وسقفه من الأخشاب وجريد النخيل والعشب ، إلي صور الساقية هناك ، الساقية التي اندثرت الآن وفي سبيلها أن تزول من اللغة ، إلي محطات السكة الحديد وقطارت البخار في عطبرة :
ياعطبرة
يا مجدنا
يا فخرنا
يا عطبرة
يا صوتنا العالي ...
الآتي في عنف الرياح القادمة
لا تستكيني ،
وأكبري يا ثائرة
أبناؤك العمال أنضجهم
في ليلك الدامي لهيب الفاجعة
أكبري يا ثائرة !
هل تصدقوا أن من بين الصور ، واحدة للجزولي العام 1942 ، وصورة شهادة " جائزة مدير عام الورش الخصوصية لأحسن تلميذ لسنة 1944 للجزولي سعيد بتوقيع مدير مدرسة الصنائع " ، وصورة أعدها في " النادر " الجميل في الصور تجمع بين الجزولي وإبراهيم زكريا والطاهر عبد الباسط والشفيع أحمد الشيخ و ... الشاعر النقابي شاكر مرسال ، فتأملوا ! و ... هنالك ، أيضا وأيضا ، صورة بديعة أعتبرها أنا من الجواهر في صور التوثيق ، تلك هي صورة " المؤتمر الأول للجبهة المعادية للإستعمار بعطبرة ظاهرا فيها القائدان النقابيان قاسم أمين وهاشم السعيد ، وصورة الجزولي سعيد في داخلية عمال السكة الحديد في ديم المدينة ببورتسودان تعود للعام 1952 ، وصورة المعلم الفذ عباس علي و أخري تضم السر الناطق وعبد الرحمن الوسيلة والجزولي وعباس عبد المجيد ومحمد طه في بورتسودان عام 1952 أيضا ، أما مرحلة القاش فهنالك صور لمخاطبات الحشود بأروما وصورة المكتبة الشعبية بأروما التي أسسها الجزولي في 1955 وظلت منارة فكرية وملتقي للوعي والإستنارة والتفاكر حول صيرورة ومآلات النضال الوطني وسط المزارعين ، وظلت تعمل حتي يومنا هذا ، والبجاوي الشيوعي الرائد في حركة المزارعين سيد نايلاي وأسرته وأولاده ، والجلسة الإفتتاحية لمؤتمر البجة في العاشر من أكتوبر 1958، وصورة لمصطفي محمد أحمد رئيس الجبهة المعادية للإستعمار بكسلا مع محمد عثمان دفوعة وسري صالح والجزولي في العام 1957 ، وصورة عبد الله الكن سكرتير الجبهة المعادية للإستعمار بأروما ، وصورة النقابي العمالي خضر الفكي من عمال السكة الحديد في منطقة كسلا وأروما ، ونادرة نوادر الصور تلك التي تجمع الجزولي مع السر جعفر وخضر نصر ...  والعديد العديد من الصور التاريخية النادرة ، صور في موسكو وفي الخناق وفي بورتسودان وأروما والقاش وعطبرة والخرطوم وأمدرمان وبحري ، صور ... صور ، فكلما سرت قليلا في قراءة هذه السيرة المضيئة تصادفك بعد صفحات قليلة صورة تشدك إلي زمان وإلي مكان وذكريات ، والذكريات حنين يصافح قلبك لمشاهد تلك الأيام في ضياء العيون البواسل وبريقها ، أيام النضالات المجيدة ، بأناشيدها وأغانيها ، تلك هي الحياة ، الحياة في شروقها في حيوات الثوريون وملامحهم . أما الشهادات في حق الجزولي ، فقد نثرت كالعطر أينما حل ، شهادات من نقد والتجاني ود . محمد مراد ود . صدقي كبلو وسليمان حامد ود . عبد القادر الرفاعي ويوسف حسين وسعودي دراج و ... كثيرون ، كثيرون من تحدثوا بشهاداتهم ، فذكروا تلك السمات الجليلة التي وسمت شخصية الجزولي فجعلته في الصدارة من مواكب الطليعيون من مناضلي الحزب الشيوعي وقادته ، أما د . محمد عبد القادر هلال ، رفيق الجزولي وصديقه وملازمه ، فقد كانت مساهمته في أجراء التوثيق وتثبيته في هذه " الوثيقة " التاريخية عن الجزولي كبيرة وواضحة ، إلي جانب الجهد المبذول بسخاء العارفين ونقاء قلوبهم ، د . حسن عوض الجزولي وتاج السر عثمان بابو و د . حسن بشير محمد نور ، و د . هلال الذي قدم قصيدة توفيق زياد البديعة وأوضح أيام موسكو وأجواء كتابتها هناك . وأما " القفشات " والملح والطرائف في مسري ومنعطفات النضال فهي كثيرة ولطيفة في صحبة الجزولي ورفاقه وهم يخوضون في بلبال الحياة السياسية والفكرية لنضال الشعب السوداني في مواجهة الديكتاتوريات والقمع والطغيان ، ملاحم بطولية جسورة ترافقها ومضات القلوب النبيلة في توغلها الرحيم في البهجة الإنسانية ودفء المحبات . الكتاب هو ، بحق ، صيرورة نقاء جميلة في حق الجزولي وفي حق الحزب في ذات الوقت . أما ما جعلني أكثر ما أكون في تقدير وثائق تلك الحياة الخصبة فهو إن التوثيق لم يغفل – وكان في مقدوره أن يفعل – شهادات من فارقوا دروب الحزب فتركوه ومن هم أصبحوا في ذمه كلما سنحت إليهم سوانح المنابر وزهوها الزائف ، جاء التوثيق متسامحا ، لأجل أمانة السرد وتبيان وجوه الشهادة في مواضع التاريخ ، فأثبت الكتاب لهم ما قالوه وشهدوا به ، وقتذاك ، في حق الجزولي ، الذي هو حق الحزب نفسه ووجهه أيضا ، ولن أذكر أسماء أصحاب تلك الشهادات ولا قيمتها ، فالأفضل أن يراها القارئ بنفسه ويتأملها ، تلك أمانة قد أعجبتني !
توفيق زياد ، الشاعر والقائد السياسي الشيوعي الفلسطيني ، ولد في 7/5/1927 وتوفي في حادث سير في 5/7/1994 أثناء عودته من أستقبال عرفات العائد من أوسلو ، أصطدمت عربته ، وجها لوجه ، مع أخري قادمة فمات توفيق في الحال ! كان شاعرا ومناضلا كبيرا وسياسيا ، عضوا في الكنيست لست دورات متتالية ورئيسا منتخبا لبلدية الناصرة حتي وفاته . توفيق زياد كان قد ألتقي الجزولي سعيد عام
1963/ 1964 إبان مشاركته في الدورات والورش الحزبية في مدرسة الكادر في موسكو ، كما يقول
د . محمد عبد القادر هلال : " ... وأجتمعت داخل مباني ذلك المعهد المتخصص ، والذي أهل لاحقا العشرات من كوادر سودانية كان الحزب الشيوعي قد بعث بها لتتأهل ماركسيا ، التقي الجزولي بالعديد من الشيوعين العرب ، جالسهم وحادثهم ، ناقلا لهم واقع البلاد السودانية وتجارب الشيوعيين السودانيين مع ذلك الواقع ، فعقد صداقات رفاقية مع البعض ، وعاد للسودان وفي معيته عناوين شخصية لمختلف كوادر الشبيبة الشيوعية العربية التي التقاها خلال تلك الرحلة التأهيلية الحزبية ، وبالطبع فقد ترك انطباعا جيدا في مسلكه وطبيعة روحه وشخصيته المتواضعة وعمق معارفه العامة عن طبيعة وواقع شعوب أولئك الذين التقاهم وصادقوه ، ومن بين هؤلاء كان هناك من رصد بعين الفنان الحاذق أدق تفاصيل هيئة المناضل القادم من قلب أفريقيا وتضاريسها ، مصورا ملامحه وكأنها أقرب إلي ملامح
" تمثال من القهوة في شرخ الشباب " . هكذا أبدع توفيق زياد ، الشاعر الفلسطيني القامة الذي التقي الجزولي سعيد في تلك المدرسة وتصادقا وهما في شرخ الشباب ، فجاءت قصيدته كأجمل مقاطع يقدمها الشاعر للسودانيين في شخص صديقه الجزولي الذي خاطبه في القصيدة باسم ( عثمان ) وهو اسم جده".
تركت تلك الرفقة في نفس الشاعر ظلالا وريفة ، كما الرفيف ، ظلت تلون وترفرف علي قصيدته ، فأصدر زياد ديوانان بملامح وذكريات تلك الفترة الخصبة : ديوان " شيوعيون " الصادر عن دار العودة في بيروت 1970 الذي نقلت عنه القصيدة المثبتة في كتاب الجزولي ، والثاني : " أمدرمان ، المنجل والسيف والنغم " ، الذي عرف بين السودانيين ب " أمدرمان حبيبتي " . زياد غدا محبا للسودان والسودانيون ، عارفا بنضالاتهم ودور الحزب الشيوعي في المساهمة الكبيرة المؤثرة فيها ، ومن المعلوم أن القصيدة لا يكتبها الشاعر إلا بعد أن تكون قد لامست – بدفء حميم – شغاف قلبه ، هكذا ، بحب رفاقي عميق ظل زياد يري السودان والسودانيون ، راءهم عبر الحزب الشيوعي ، عبر صديقه الجزولي علي التحديد ، بقدرة الشاعر وبصيرته كان قد راي الجزولي وعايشه ، فكان – لا مندوحة – من أن يري السودان وشعبه وحزبه ، لقد رأي في الجزولي ، ما يمكنك أن تراه جليا في سيرته هذه من أول صفحاتها حتي آخر سطر فيها ، الجزولي والحزب ، اثنان ، لكنهما في الواحد ، وجه الحزب هو وجهه ، وحياته هي بعضا كثيرا وجميلا من حياة الحزب ، تلك – في ظني – هي الرؤيا التي تلبست توفيق زياد فجعلته يكتب تلك الأشعار الجميلة في حق السودان وشعبه ، في حق الحزب و" بشيره " الجزولي ، تلك مآثرة أخري تضاف إلي حيوية ونضارة هذا السجل التوثيقي العظيم .
القصيدة عن " عثمان " الذي هو الجزولي ، تحتوي علي مشاهد وصور للوطن وللمدينة ، للحزب وللجزولي ، للشعب في نضاله وملاحمه الباذخات ، و ... للمرحلة في شروقها ، وجه التحرر في نهوضه وتجلياته في الأناشيد وفي الأغاني ، وفي القلوب العامرات بحب الوطن ، ولأنها سجل بديع لوجه من وجوه  حياة الجزولي ، في عنفوان مسارها والبهيج من سماتها النقية ، نقاء المرايا تحت ضوء القمر ، ولأنها ، أيضا ، علامة وإشارة لكيف يعقد النضال تلك الأواصر الإنسانية ويجدلها خصلات جميلة في وجه الثورة وملامحها الفاتنة ، ولأنها من الجميلات في شعر تلك المرحلة ، ينبغي للشباب أن يروها وهي في دهشة القراءة وعشقها ، فأنني رغبت جدا أن أثبتها – رغم طولها – هنا ، لأجل المزيد من " التوثيق " أيضا يا هلال ويا الشفيع ، يقول توفيق زياد :

أنني أذكر " عثمان " صديقي ،
وأنا من أجله اليوم سعيد .
عاملا من " أمدرمان " البعيدة
وهو إنسان عقيدة .
كان عامين سجينا في زنازين العذاب ...
قبل أن يهرب سرا ذات يوم .
إلتقينا صدفة في " الساحة الحمراء "
قدام " الضريح " .
أنه يشبه تمثالا من القهوة
في شرخ الشباب ...
نافر الأنف ، غليظ الشفتين ،
وطويلا مثل نخلة
عربي الفم والقلب ، وأفريقي مكافح
أنه ما زال في ذهني حيا
أبنوسي الملامح .
...   ...   ...
إنني أذكر " عثمان " صديقي
مرة في غرفتي في قلب موسكو ،
حول كأسين من الفودكا إلتقينا ...
وتحدثنا عن السودان ، عن مصر
وكوبا ، والجزائر ...
وعن السد الذي يروي بساتين الصداقة
وعن الثورة ، والفن ، ورواد الفضاء
وعن الشعر ، عن الحب ، وأنواع النساء
و " أبي ذر " وأصل الآه في الموال
والسحر ، وموسيقي السواقي
وعن الثروة ، والفقر
وقانون الصراع الطبقي ...
والصعاليك الذين إقتسموا بينهمو
كل رغيف ...
وعن المطاط ، والقطن ، وبترول الشعوب العربية
واللصوص البيض من خلف البحار
وعن الأضواء ، والأشياء في حركتها ...
عن ديالكتيك الطبيعة ،
وتحدثنا – مساء كاملا – عن كل شئ ...
وضحكنا وبكينا حول كأسين من الفودكا ،
وعرينا خفايا ألف فكرة !
...   ...   ...
إنني أذكر " عثمان " صديقي
مرة عند رصيف النهر في موسكو ،
تنزهنا سوية ...
ووقفنا فجأة عند سياج ،
صدمتنا طفلة كالمرمر المصقول
تصطاد فراشة ...
فإذا " عثمان " يبكي أو يكاد
إنني أذكر ما قاله آخر جملة ،
قال لي : " أسمع ! ...
إنني أعطي حياتي كلها...
حتي أري السودان يبني من جديد ! " ...
...   ...   ...
صوته كان
عميقا
وجريحا
وسعيد !
...   ...   ...
إنني أذكر " عثمان " صديقي
إنه يشبه تمثالا من القهوة
في شرخ الشباب ...
كان عامين سجينا
في زنازين العذاب
قبل أن يهرب سرا ذات يوم ...
ولقد عاد إلي أرض الوطن
إنه الآن طليق كفراشة ...
إنه الآن يغني
في مكان ما و ... يبني ،
فهو إنسان عقيدة ...
يصنع التاريخ والفجر الجديد
إنني من أجله ،
اليوم سعيد .

تلك هي التحية الجليلة لشعب السودان ، للوطن ، للحزب و للجزولي سعيد ، قال بها الشاعر الكبير .
أما أكثر ما تجعله هذه " الوثيقة " فينا ، فهو أن نسعي – كما الشفيع ومساندوه – السعي كله لنبتدر توثيقا للأحياء من قادة الحزب ، ليقولوا شهادتهم عن القادة الراحلون ، وفي ذات الوقت ، يوثقون أيضا لسير حياتهم هم ، تلك المهمة هي التي أشرع لنا ، الجزولي ، نافذتها عبر هذا الكتاب الرائع !
و ... تبقت أمنية شخصية ليتني أراها متحققة أيضا في وثيقة كبيرة ، أن نتناول بالتوثيق لحياة ومسيرة
" المتفرغون " في الحزب ، سجلا كبيرا يحتوي علي توصيفهم وتوثيق حياتهم وأعمالهم إبان تفرغهم .
المتفرغون ...
هل هم حقا مختفون ،
أم ،
كما اللؤلؤ كامنون
في الصدف ؟
ينسجون من وسامة الرؤي
ومن محارق السهر ...
في ليالي القلق الخلاق
والأشواق
والعسف !
خزف ... خزف
عقودا
وزهورا
وحياة ...
إنها الآن تضئ لامعة وباهية
في سيرة الوطن ،
وفي مسار مجد شعبنا ...
تحف ... تحف !

الجزولي ، كان قد ألتحق بالعمل بشركة شل بعد قليل من وصوله بورتسودان ، وبعدها بقليل : " أتخذ ذلك القرار الذي غير مسار حياته بالحزب الشيوعي من الناحية التنظيمية . فقد أتخذ الجزولي قرار التفرغ الكامل ككادر قيادي داخل أروقة الحزب الشيوعي السوداني ، وربما أنه استشعر ضرورة ذلك وأهميته بالنسبة لحزبه الذي لم يكن قد مر بتجارب تفرغ كوادره القيادية بعد ، عدا إبراهيم زكريا الذي كان بمثابة المتفرغ الأول في الحزب الشيوعي وبتوجيه من قيادة الحزب . وها هو الجزولي يلتحق بتجربته في التفرغ ، ثم أعقبهما فيما بعد كل من عبد الخالق محجوب والتجاني الطيب الذي أفاد قائلا : " الجزولي طبعا معروف عنه إنو من أوائل الناس الإتفرغو حزبيا ، يعني قبلنا أنحنا وقبل عبد الخالق ، بعد إبراهيم زكريا مباشرة . إتفرغ بدري جدا وإتفرغ بي موقف منو هو ، المبادرة كانت منو ، بعدين مشي إشتغل في الشرق " ... هكذا يمضي الكتاب في ذكر التفرغ والمتفرغون في علائقهم مع تفرغ الجزولي ، حيث أن أول من تفرغ للعمل السياسي في الحزب هو إبراهيم زكريا ، تلاه الجزولي سعيد عام 1950 ، ثم تلاه عبد الخالق محجوب لاحقا في ذات العام ، ثم التجاني الطيب عام 1951 ، هكذا ، كانت البدايات الأولي للتفرغ في الحزب ، وإمتدت ، من بعد ، التجربة واتسعت فأصبحت من التجارب المضيئة الغنية في حياة الحزب ، حقا ، هي تجربة تستحق أن يوثق لها ولهؤلاء الأبطال " المجهولون " ، يستحقون ، أيضا ، أن يكونوا في الضوء ، من رحل منهم والأحياء ، بحسب دواعي التنظيم والسلامة في شأنهم بالطبع ، يستحقون !
في ذهني ، الآن ، اسماء : سليمان حامد ، صديق يوسف ، يوسف حسين ، سعودي دراج ، عبد الحميد علي ، فاروق أبو عيسي ، د . عبد القادر الرفاعي ( وثق للآخرين وتبقي أن يتناوله هو أيضا ) ،
د . محمد عبد القادر هلال ، د . محمد مراد ، د . عبد المنعم عطيه ، د . صدقي كبلو ، محمد عثمان مكي ، صلاح العالم ، فاطمة أحمد إبراهيم ، نعمات مالك ، د . مصطفي خوجلي وغيرهم وغيرهم ... فكل منهم يعد، بحق ، مستودع كنوز، ثر وغني ، لنضالات شعبنا ولمسيرة الحزب الشيوعي وهو في بلبال ذلك النضال الجسور ! أما عن أولئك الراحلون من ذلك الرعيل الباسل ، فقد رأيت خطوات حثيثة تجري هنا وهناك لأجل " توثيق " سيرهم وجعلها كتابا في وثائق تاريخنا السياسي والإنساني !

التحية للشفيع معد الكتاب ، للذين ساندوه في إعداد ونشر هذه السيرة الحافلة بالبهاء ، وللذين أدلوا بشهاداتهم القيمة في حق الجزولي ، في حق الوطن والحزب ، حقا ، أنه كتاب يستحق التجلة والتقدير والحرص علي مطالعته في هذا الزمان !
-------------------------------------------------------------------------
* الجزولي سعيد عثمان أحد قادة الحزب الشيوعي السوداني عضو اللجنة المركزية للحزب وأحد أوائل
  المتفرغين للعمل الحزبي ، رحل عن عالمنا يوم الأثنين 29/9/1994 بالخرطوم ...

السبت، يناير 11، 2014

رؤيـــــــــــــــــــــات ...





----------
1 :
" ... نسر يودع قمته عاليا
  عاليا ،
  فالأقامة فوق الأولمب
  وفوق القمم
  قد تثير السأم

  وداعا ،
  وداعا لشعر الألم " ...
                                   - درويش من طباق -
2 :
" أعرف ، هذا القلب سيضيع ما تبقي مني
  لقد تورطت ...
  تورطت تماما ...
  ورغم ذلك فلست علي استعداد
  لأن أبدل حياتي بأية حياة علي الأطلاق
  فأنا أملك هذا الألم الذي يضئ ! " ...
                                            - عدنان صائغ -
3 :
" ألق الفن
  هو في الزمن ...
  في الخطيئة ،
  وفي المنفي ...
  في الشمس التي عليها أن تفتديه ،
  بالدمع
  والنبع
  والنهر
  والبحر
  والألم ! " ...
                            - جابر حسين -

الكفار في الغرب ، ومدعو الإسلام في السودان !

                                                   
                                                                   - غلاف المجلة -




الكفار في الغرب ، ومدعو الإسلام في السودان !
-----------------------------------------------

تقول الأنباء إن الرئيس الفرنسي " فرانسوا هولاند " يفكر ، الآن ، في مقاضاة مجلة " كلوزر " التي زعمت في تقرير نشرته من سبع صفحات وبالصور أنه كان علي علاقة بالممثلة الفرنسية " جولي غاييه" ذات ال 41 عاما . وفي بيان لوكالة " فرانس برس للأنباء " ، قال " هولاند " أن تقرير المجلة :
" هجوم علي حق الخصوصية الذي يتمتع به مثل كل مواطن " ، وأضاف الرئيس أنه " يبحث حاليا في تحركا ممكنا تجاه الأمر بما في ذلك التحرك القضائي " ضد المجلة ناشرة خبر تلك العلاقة !
قرأت الخبر ، ورحت أتأمله وأسأل نفسي : ذلك هو رد الفعل للرئيس الفرنسي في مواجهة تلك الرواية التي رأي فيها " تدخلا " في حياته الشخصية التي تخصه وحده ، وتعديا عليها يستوجب المساءلة القانونية لا القمع والإضطهاد والحبس ، ذلك هو " الكافر " وتلك رؤاه في من يعتدي علي حقوقه الشخصية كمواطن فرنسي ، وتلك حالات الكفار في الحياة وتعاملهم مع حقوق الإنسان وحرية التعبير في ما يخص حياتهم والشخصيات العامة ، بمنتهي الموضوعية وبحكمة تلازم نظرتهم لحقوق الإنسان في مجتماعاتهم " الكافرة " ، تري ماذا كان سيحدث للمجلة وطاقم تحريرها لو كان حدث هذا الأمر عندنا ، هنا في البلد الذي يعلو الصراخ فيه بشعارات الإسلام ليل نهار وفي كل وقت وحين ؟  أتصور أن تغلق المجلة فورا ويعتقل رئيس تحريرها وطاقم التحرير ولربما لن يراهم الناس من بعد ، ولن تعود المجلة أبدا لتكون في عالم المطبوعات والأصدارات من جديد !
رأينا والعالم كله ، كيف نهض الناشط السياسي والصحفي تاج الدين أحمد عرجه ،السوداني  الذي تجرأ – بسبب من صدق ونقاء ضميره – فصاح برأيه في البشير وضيفه دبي في قاعة الصداقة ، فقال أنهما ، معا ، وراء الكارثة الإنسانية التي تنال من أهله في دارفور ، كان مجرد رأي أعلنه في الملأ أمامهما ، فسارعت أجهزة الأمن تطوقه وتأخذه – بتعليمات مباشرة من الرئيس – إلي جهة مجهولة ، لا عرفها أهله وأسرته ولا الشعب السوداني من بعد . ورغما عن النداءات المطالبة بالكشف عن مكان اعتقاله وإطلاق سراحه ، فقد ظل مغيبا بالكامل ولا أحد يعرف مصيره حتي اللحظة. أعتقل تاج الدين يوم الثلاثاء 24/12/2013 وهو يلوح بإشارة النصر ، وكانت أسرته قد أبدت قلقها ومخاوفها علي سلامة ابنهم ودعت " للإفراج عنه فورا أو تقديمه للمحاكمة " ، وناشدت الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان " الإسراع في متابعة حالة ابنهم " ، مبينة " أن المعتقلين في مثل هذه الحالات ، وخصوصا من ابناء دارفور ، يتعرضون لإنتهاكات سافرة وللتعذيب ، ولابد من التدخل العاجل لإنقاذ تاج الدين " ... وتعلمون ما تواجهه الصحف الآن والصحفيون ، أكثر من ثلاثة صحف هي قيد الإيقاف " القسري " وعدد كبير من الصحفيين جري تشريدهم بعد اعتقالات طالتهم وبعضهم هاجر خارج السودان ينشدون مكانا تتاح فيه حرية التعبير والرأي الآخر واحتراما للصحافة والصحفيون ، لقد ظلت ، علي سبيل المثال ، صحيفة " الميدان"  قيد الإيقاف لأكثر من عامين ، وطاقمها الصحفي في التشريد منذ ذلك الوقت !  لقد تذكرت مقولة الداعية الإسلامي " المعتدل " الشيخ محمد عبده حين عاد من زيارة له إلي فرنسا فسألوه ماذا رأي هناك ، فقال قولته البليغة التي شاعت ، من بعد ، في الناس : " هناك رأيت إسلاما بلا مسلمين ، وعندنا هنا مسلمين بلا إسلام " ، حقا ، " الكفار " هناك عادلون ، يحترمون الإنسان والإنسانية ، يقدسون الحريات ولا ينتهكونها ، ويحترمون الرأي الآخر أيا ما كان لطالما كان في حدود القوانين العامة التي تنظم حياة المجتمع ، القضاء عندهم مستقل وبضمير عادل وواع ، بينما عندنا ، نحن الذين ندعي الإسلام " زورا " و ... نشوهه ، القضاء " مسيس " وغير مستقل ولا نعرف حيادا له ، والحريات في الإنتهاك والقمع علي أشده ضد المخالفين ، وما أكثرها مظالم ومظاليم النظام " الإسلامي " عندنا ، حتي لتكاد تقول ، بضمير مطمئن ، الإسلام هناك عند الغرب ، والكفر الشنيع هنا ، عندنا حيث مظلة الإسلام التي لا ظل لها !

الاثنين، يناير 06، 2014

عن الفتنة بالمتنبي ...




قد لا يختلف أثنان أبدا في أن المتنبي شاعر كبير وصاحب موهبة شعرية ضخمة ، لعله الشاعر الأكبر علي طول تاريخ الشعر العربي علي الإطلاق  ، لكنه كان محدود الثقافة ، يجري تفكيره كله وراء طموح محموم لنيل مراده في المال والجاه ، وفي سبيلهما كان ، دائما ، علي استعداد أن يماري وأن ينافق ويظهر غير ما يبطن ، يلبس الباطل ثوب الحق ولا يبالي ، كان انتهازيا بإمتياز وعنصريا بغيضا إلي أقصي حد و عديم الأخلاق والإنسانية !
" قد كنت فارسا شجاعا ذات يوم
  حتي أكلت من طعام أعدائي
  فصرت مقعدا .
وكنت شاعرا حكيما ...
حتي إذا استطعت أحمل اللفظين معني واحدا ،
 فقدت حكمتي ...
وضاع الشعر مني بددا " ...
صدق حجازي . لكن مراوغة المتنبي للحياة وعبثه معها حد أصبح أكثر من شخص في واحد ، لكن لم تفقده شعريته حتي يوم مقتله في دير العاقول وهو في طريقه إلي بغداد عام 965 م ، وهو المولود بالكوفة العام 915 م ، فكان مقتله وهو في الخمسين من عمره ! قصد كافورا وهو يضمر في ثنايا طموحه المحرق هدفا واحدا لا يري غيره ولن يكون إلا فيه ، أن يغدق عليه كافور الهدايا والعطايا والمال والجاه فيوليه إمارة أحدي المقاطعات فيكون واليا عليها ، قصده ، وقد بدل قلبه ورؤاه ، فشرع فور قدومه إليه ينافقه فيمدحه أيما مديح:
" قواصد كافور ،
  توارك غيره
 ومن قصد البحر
 أستقل السواقيا " ...
لكن ، مثل ذلك المديح المنافق ، لم يكن ليخفي ما وراءه علي فطنة كافور ، كان يعرف مقصده ويعرف أيضا نفاقه الرخيص الذي ينشده في مجلسه دون خجل أو تردد ، لقد كان ضميره نائما ومغطي بذلك الطموح العجيب للجاه والسلطة والمال . لا ، لم تكن بيئة ذلك الزمان تجري في مثل هذه الوجهة في الشعر والشعراء ، فئة منهم ذوات منافع ومصالح انتهازية هي التي كانت تحيط بالسلطان ، تريق ماء وجهها وتبيع لحمه صباح مساء علي اعتاب البلاط هنا أو هناك ! كافور كان أذكي وأعلم منه ، فلم يمنحه درهما واحدا من خزائن مصر ، فهو المؤتمن علي ذلك المال ! لما يئس منه ، وعرف أنه لن ينال شيئا منه أنقلب عليه يهجوه و ... يهرب :
" جود الرجال من الأيدي ،
  وجودهم من اللسان ...
  فلا كانوا ولا الجود " ! ...
كافور كان رقيقا أشتراه محمد بن طفج مؤسس الأسرة الأخشيدية عام 923م  كرقيق من الحبشة . كان مخصيا ، أسود اللون ، ذو قلب كبير وحكمة وذكاء ملحوظ ، مما جعل سيده ينتبه إليه ويقربه ، فظهرت إليه مواهبه في الإخلاص والصدق والذكاء ، فأعتقه وأطلق سراحه ، لكنه سرعان ما جعله مشرفا علي تعليم ابنائه ومعلما لهم . وظل يسير من نجاح إلي نجاح ويرتقي سلم المجد ، حتي صار وصيا علي العرش بعد وفاة محمد بن طغج ، فغدا كافور الحاكم الفعلي لمصر منذ العام 964 م ، وعرف عنه أنه كان حاكما حكيما وعادلا ومنتصرا في الحروب .
جن جنون المتنبي جراء إهمال كافور له ، وعدم نيله مراده منه ، فدبر هروبه ذات ليلة مظلمة بعد أن نظم هجائياته المقذعة في النيل من كافور وذمه بسواده أبشع الذم وأرخصه ، فشهر به وشاعت أشعاره في العرب حتي يوم الناس هذا ، كتب لها الخلود لأنها تتغذي في بقائها علي منابع العنصرية الكامنة في عقول العرب :
" لا تشتري العبد إلا والعصا معه
  أن العبيد لأنجاس مناكيد " ...
" تظن ابتساماتي رجاء وغبطة
  وما أنا إلا ضاحك من رجائيا
  وتعجبني رجلاك في النعل ...
  أنني رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا !
  ويذكرني تخييط كعبك شقه
  ومشيك في ثوب من الزفت عاريا
  ومثلك يؤتي من بلاد بعيدة
  ليضحك ربات الحداد البواكيا ! " ...
المتنبي ، كان شاعرا كبيرا ، و ... عنصريا كبيرا ، تجري فيه مجري الدم وسيلانه في جسده ، وقد نالت تلك القصائد العنصرية الرضا في بيئة العرب فسارت بها الركبان علي قولهم ، ويبقي السؤال كما أظنه ، تري هل يجوز لنا – والحال كذلك – أن نتخذه ضوءا و قدوة – حين نكتب القصص والروايات والشعر التي تصور حياة وحالات " المهمشين " الفقراء من السود في عالمنا ؟ هذا السؤال هو الذي جرني لهذا الحديث عنه ، فقد رأيت أحد كبار الروائيين من ذوي البشرة السوداء يأتي بمقولته عن الخمر فيثبتها علي صدر روايته التي تدور كلها في تصوير حياة هؤلاء البؤساء ، بل جعل صفة المتنبي العربية للخمر في عنوان الرواية ! في وقت سيأتي سوف أنشر ما كتبته عن الرواية وإشارتي لهذا الخطل الكبير !

الأحد، يناير 05، 2014

و ... الآن ، يحرقون المكتبات !









"
يقول المؤرخ البريطاني هوبل: "إن أردت أن تلغي شعباً ما، تبدأ أولاً بشل ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه. ثم تكتب له كتاباً واحداً فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخاً من هذا الكتاب وتمنع عنه أي كُتب أخرى عندئذ ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان وينساه العالم"..
والآن ، بعد فتاوي التكفير واهدار الدم لأدونيس وسعدي والدعوة الجهيرة لحرق الكتب ، جاء دور حرق المكتبات . الظلاميون أعداء الفكر وأدعياء الدين يقومون بتفجير وحرق المكتبات ! الكلمة تصيبهم بالرعب وبالهوس المجنون ، يجن جنونهم فيشرعون الحريق في وجهها ويحرقون الكتب ، أن يروا فكرا مغايرا لفكرهم ، وكلمات أخري ليست لهم ، ذلك وحده كفيل أن يجعلهم عميانا وفي جنون الهوس ، يحرقون الكتب لظنهم أنهم بفعلتهم هذه يقتلون الفكر ويحجبونه عن الناس ، ويجهزون علي نوافذ ومسارب المعرفة والتنوير ! عميانا هم ، فلم يتعظوا من ما في التاريخ الإنساني ، فمن أحرقوا الكتب وقذفوها في البحر ، قضي عليهم بالزوال وبقيت الكتب نفسها وما تحتويه من أفكار ، عمايا هم !
في مطلع أيام العام الجديد ، يوم الجمعة الثالث من يناير الحالي ، قام السلفيون المتشددون ، أعداء الفكر والثقافة والمعرفة ، أدعياء الدين وتجاره الجهلة المهووسون ، قاموا بحرق مكتبة " السائح " ، أضخم وأهم مكتبة في طرابلس ، يملكها ويديرها كاهن رعية الروم الأرثوذكية  الأب إبراهيم سروج ، الأبن البار لطرابلس والمثقف اللبناني الكبير ، رائد التسامح والتعايش بين الأديان . أحرقوها بذريعة أن الأب قد نشر دراسة ضد الإسلام علي " الأنترنت " ، رغم أن الأب نفي أن يكون هو كاتبها وناشرها ، وثبت أن كاتبها عربي ليس لبنانيا يدعي " أحمد القاضي " حسب أفادة الأمن اللبناني ، ولا يعرفه أحد ! كان مسلحون من السلفية المسلمة قد أتصلوا هاتفيا بالأب يتوعدونه ويهددونه قبل ثلاثة أيام فقط من حرق المكتبة ، وقام الأب لفوره بإبلاغ الأمن بتلك التهديدات ! المكتبة تضم مايزيد علي 80 ألف كتاب ، قضي الحريق علي الجزء الكبير منها وما تبقي أتلفته مياه المطافئ ! أنه عمل همجي بشع ، ومحاربة مجنونة للفكر والثقافة ، ويعتبر اعتداء سافر علي التفكير والتعبير والإعتقاد ، تعدي همجي علي الحريات ، وسلوك بربري يجافي السماحة والخلق القويم والإنسانية ! أنني ، أدين ملء قلبي وعقلي ، هذا الجرم الشنيع في حق الإنسان وحريته وتفكيره ، وكلي ثقة أنهم هم الخاسرون ، المهزومون عند نهاية الأمر ، فليكون هذا العام ، وبالا وهزيمة لهم هؤلاء الإرهابيون القتلة !
لكن الأب الطيب قال  - انسجاما مع إنسانيته ووعيه – " أسامح الذين أحرقوا المكتبة ، وأصلي كي يحمي الله طرابلس " ، فتأملوا !