Powered By Blogger

الاثنين، نوفمبر 26، 2012

في مرآتها نظرت ... !




عتمة علي المرآة ...
هل ذاك إكتئاب القلب
إذ تتكاثر الأنات
في حناياه ،
أم هو وجع الحب
رف جناحه

ثم أنطوي ؟
والمرآة تغفو ...
والنبض عاريا يركض
راحلا في الليل

يلهث خلفها ،
نصف الضوء مكسور...
وفي أنين القلب
ضيع النصفا ؟!.

الشاعرة سعدية مفرح في فخ المتأسلمين ... !

                                                       


" أيها الشاعر
الناسج بردته من نجوم الكتف ,
لا تخف ...
أرهم في يديك الحجر " !
- ديشاب -

من المعلوم إن لكل إنسان رؤيته الثقافية التي تتجلي وتتجسد في تصوراته ، وفي سلوكياته العملية ومواقفه الأجتماعية . هذه الرؤية ، رغم طابعها الشخصي الذاتي ، ليست مجرد رؤية شخصية ذاتية صنعها الإنسان لنفسه بنفسه ، مهما كانت عبقريته الفردية ، أو مهما كانت مشاركته الإبداعية في إغنائها ، وإنما هو قد " إمتص " هذه الثقافة من الحقل المعرفي الأجتماعي الذي يعيش في بلباله ، فضلا عن موقفه الاجتماعي ، وممارساته وخبراته الحياتية في مجتمعه الخاص ، وفي عصره أيضا . نقول بذلك ، ونحن نتتبع " الأزمة " الناشئة في بلادنا ، من إختلال العلاقة بين السياسات المعلنة ، وبين الممارسات العملية ، كما تنبع من التناقض بين السياسات والممارسات ، وبين ما يحتدم به واقع الحال تحت حكم المتأسلمين من دعاة التخلف والتدين الزائف في السودان ، لأكثر من عقدين ، منذ انقلبوا علي الديمقراطية وأجهضوها بقوة السلاح وأستلوا علي مقاليد الحكم منذ 30 / 6 / 1989 ، حتي يوم الناس هذا ، التناقض بين ذلك ، وبين الإحتياجات والضرورات الموضوعية الملحة للتغيير والتجديد والتطوير ، وهو التغيير الذي بات يطال العالم بأسره ولا يستنثني منه دولة أو شعبا ! هذا الواقع ، فرض علي نظام الحكم أن يفقد مصداقيته ، أمام شعبه ، ثم أمام العالم كله ، ونتيجة لذلك فقد سيطرته علي المجريات السياسية والأجتماعية . لهذا شرع النظام يتصدي لمجابهة وصد هذا الخطر إلي : القمع الايديولوجي ، والقمع الأداري ، والأغراء أو الإغداق المالي لشراء الضمائر والذمم . يقوم النظام بالرقابة الأمنية الصارمة علي الكلمة المكتوبة والمنطوقة ، يصادرون ، بجلافة وقسوة ، الأفكار ، ويقمعون ويسجنون المثقفون ، ويجري تعذيبهم وقتلهم ... يحرمون الجماهير من تشكيل تنظيماتهم السياسية والنقابية والمهنية بحرية ، ومن المشاركة الديمقراطية في صنع وتنفيذ القرار السياسي والأجتماعي الذي يمس حياتهم ويشكل مستقبل بلادهم . إلي جانب ذلك ، هناك كما ذكرنا ، الاغراء المالي ، إغراء المثقفين وشراء كتاباتهم ومواقفهم وتشويه ضمائرهم بمال الشعب المنهوب بواسطة السلطة الحاكمة ، وهكذا فأن إغداق المال بسخاء في جبهة الثقافة غدا أداة فعالة في آليات القمع للنظام .، ولايزال – بفضل هذا المال نفسه – يشكل الوعي الزائف الذي يعمي كثيرا من العقول والقلوب والعيون ، وما أكثر ما يستعين النظام القمئ بمفكرين ومثقفين كأبواق للتضليل والخديعة ، بعضهم عن إقتناع صادر عن وعي زائف ، ورؤية أجتماعية ضيقة وقاصرة ، وبعضهم عن تبريرية ومصلحية وانتهازية رخيصة !
من المعلوم ، وقد بات معلوما الآن علي نطاق واسع أكثر من أي وقت مضي – أن النظام المتأسلم في السودان ، قد مزق البلاد وأشعل الحروب الأهلية ، ودمر الأقتصاد وأشاع الفقر والجوع والمرض ، وتدني التعليم والخدمات الصحية والبئية ، ورهن سياسة البلاد إلي الاحلاف الأسلامية المتطرفة والتنظيمات الأرهابية ، وماحدث بالأمس القريب من الهجوم الصاروخي علي مصنع الأسلحة والذخيرة بواسطة الأسرائيليون في قلب العاصمة الخرطوم ، ما هو إلا دليلا علي تورط النظام في الحلف الأسلامي الأرهابي ، حيث أن المصنع مولته وشيدته أيران بالمشاركة مع نظام الخرطوم ، ويجري تهريب وبيع السلاح لصالح حماس والمنظمات الأسلامية المتطرفة هناك ، وهو ما تسعي أسرائيل ، بمسئولية عالية وبجدية ، وفي صمت ، بتعقبه وتدميره ، وقد أحدثت أكثر من ثلاث غارات جوية من قبل ، واحبطت بها تهريب السلاح للمتأسلمين هناك ، وقبل ثلاثة أيام فقط ، من كتابة هذا المقال ، أجتمع بالخرطوم في المؤتمر الأسلامي كل قيادات الأسلاميين المتطرفين من تونس ومصر وليبيا والصومال وحماس وغيرهم ، لدعم نظام الخرطوم وتنسيق الأعداد للجهاد ونشر الدعوة ! النظام في الخرطوم ، الآن ، يشن أبشع هجمات القمع وأشرسها ، ضد المثقفين والكتاب والصحفيين ، والمسرحيين والفنانين ، والنساء الناشطات في منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ومناهضة قهر وتعذيب النساء ، تعرضوا – رجالا ونساء – لأبشع أنواع الذل والمهانة والسباب والتعذيب بشتي الأساليب البشعة التي يندي من جرائها جبين الإنسانية والشرفاء في العالم كله ... بالأمس القريب – قبل عشرة أيام فقط ، تم إختطاف الصحفية سمية اسماعيل هندوسة من الشارع العام ، عصبوا لها عيونها وقادوها إلي أحد " بيوت الأشباح ( وهي الدور التي إبتدعتها عقلية المتأسلمين المجرمة ليمارسوا فيها التعذيب الجسدي والنفسي للمعارضين ) ، تعرضت الصحفية للتعذيب الجسدي ، من الضرب وحتي الكي بمكواة الكهرباء علي ذراعها أسفل الكتف ، ثم التجويع وجري قص شعرها ، وأمطروها بالشتائم البذيئة والعنصرية ... بعد إطلاق سراحها ، جري تهريبها للقاهرة حيث عقدت مؤتمرا شرحت فيه وكشفت ما تعرضت له من تعذيب ( الفيديو متاح علي اليوتيوب في النت ) ، هكذا يتعاطي النظام الديكتاتوري المتأسلم في السودان مع قضايا الثقافة والمثقفين ، ولكن ، ما علاقة كل هذا الحديث ، بالعنوان و بسعدية مفرح ؟
سعدية مفرح : شاعرة وناقدة وصحفية من الكويت . رئيسة القسم الثقافي بجريدة " القبس " الكويتية ، وكاتبة راتبة في مجلة " العربي " الكويتية ، ومجلة " الكويت " ، وجريدة " الرياض " السعودية .
صدرلها من من الكتب الشعرية :
- " آخر الحالمين كان " .
- " تغيب فأسرج خيل ظنوني " .
- كتاب " الآثام " .
- " مجرد مرأة مستلقية " .
- " تواضعت أحلامي كثيرا " .
- " ليل مشغول بالفتنة " .
- " قبر بنافذة واحدة " .
- " مشية الأوزة " .
- " شهوة السرد " .
- " يقول أتبعيني ياغزالة " .
- " وجع الذاكرة " .
- " حداة القيم والوحشة " .
- " ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين " .
- " سين ، نحو سيرة ذاتية ناقصة " .
- " النخل والبيوت " مجموعة شعرية للأطفال أصدرتها لها مجلة " العربي " .
اضافة لهذا الكم من الكتب ، فقد حصدت العديد من الجوائز ، وحضرت سمنارات ومؤتمرات ومنتديات، ونالت كتبها حظها من الترجمات إلي اللغات الحية ... هكذا ، نراها ، كاتبة وشاعرة مثابرة ، وغزيرة الأنتاج ، وقامة ثقافية عالية ، سواء في بلدها الكويت أو خارجها ، فما الذي يجعل شاعرة ومثقفة بهذا المستوي ، ترمي بنفسها – وهي مفتحة عيونها – في مستنقع المتأسلمين الآسن في السودان ؟
دائما ما يحضرني ، في مثل هذه المواقف ، موقف الشاعر والأكاديمي الامريكي الكبير " أزرا باوند " ، أستاذ ومعلم " ت . س . أليوت " ، في الشعر والثقافة ، ويعتبر باوند ، مؤسس ورائد القصيدة الحديثة في الشعر الاميريكي ، كيف نهض ، ووقف - بكامل وعيه وذكاؤه – خلف ميكرفون اذاعة روما الفاشية ، يمجد موسليني والفاشية ويمدحهما ، ويندد بالديمقراطية وحقوق الإنسان ... لقذ جن من بعد ، حين لفظته – بادي الأمر بلاده وسحبت منه جنسيته - فعاد بعد هزيمة الفاشية والنازية وأنتهاء الحرب ، إلي بلده ليقضي بقية عمرة التعس في أحدي المصحات العقلية هناك ! أتذكر واقعة جنونه وعماه ، وهو الشاعر والمثقف والأكاديمي الكبير ، وأنا أتأمل في حال سعدية مفرح التي رمت بنفسها ، بوعيها وثقافتها وشاعريتها ، في الفخ الأسلامي القمئ ، فتصبح ، في عداد من سقطوا في وحل السلطان ! تحسرت جدا ، علي حال الشاعرة وهي تلبي – كمن لا يعرفها سوءات النظام ، ولا إستدراج وزارة الثقافة ، للمثفقين إلي تلك الفخاخ ، ليجملوا القبيح ، بحضورهم ، ولكن ، هيهات أن يغدوا القبيح جميلا جراء ذلك السقوط ! تقول سعدية : " ... في الفندق الذي لا يبعد عن المطار إلا دقائق معدودة ، أكتشفت حقائق أخري مذهلة بالنسبة لي عن الخرطوم وعن السودان بشكل عام . أولي المفآجات تواجد عدد كبير من الخليجيين ، السعوديون تحديدا ، بملابسهم الشعبية في بهو الفندق ، ولأنني أعرف جميع ضيوف مهرجان " ملتقي النيلين الشعري " ، أكتشفت أن هؤلاء السعوديين ليسوا من الضيوف ... سألت سؤالي الأول لمرافقتي السودانية ، فقالت : إنهم سياح ! لم يعد لسؤالي المندهش أي معني بعد مضي عدة أيام لي في الخرطوم ، فقد أكتشفت ، إنها عاصمة مثالية للسياحة من وجهة نظري " * :
" سواح أيه
يابنت الناس
ماعندك رأس ؟
علماء آثار ...
علماء أيه ،
ما خموها الجونا قبلكم
شن خلولنا بلا حجار !! " ...
كما قال شاعرنا الراحل حميد !
حتي أطفال السودان ، يعلمون تماما ، إنه لا سياحة ، ولا إستثمار في السودان تحت الحكم الديكتاتوري المتأسلم ، وليس لأجلهما يحضر هؤلاء ، بل هم يأتوا لإقتسام المال المنهوب من ثروات البلاد مع النظام الذي بات الفساد المالي ونهب مال الشعب من أهم ملامحه ، والعالم كله يعرف ذلك عنه ، وتقارير الشفافية الدولية ومنظمات ومؤسسات المال الدولية تقول بذلك بشكل راتب ، وتصنفه تصنيفا ، فكيف بهذه الشاعرة النابهة ، تقول " بالسياحة المثالية " يقوم بادارتها " الخليجيون " ويتمتعون بها ، والحروب تندلع ، كما اللهيب والنير ، وتتمدد علي كل أطراف البلاد ، العالم كله ، والميديا العالمية ، تنشر كل يوم ، وتفضح القصف الجوي والأحراق المتعمد لقري كاملة في غرب البلاد ، والجوع والفقر والمرض ينال من جسد الشعب ، والقمع يستشري ، لينال من النساء والأطفال والصحفيون والمثقفون ، كيف ، إذن ، تغض الشاعرة عينيها عن كل هذه المآسي وسوءات وبشاعات النظام ، فتقول " بالسياحة المثالية " ، ألم تعلم ، بعد ، بما يجري حقيقة علي أرض الواقع في السودان ؟ وأنني لأعجب ، كيف للسقوط ، أن يكون سهلا هكذا حين يحدث !! تستطرد سعدية في وصف حالتنا فتقول : " ... لابد إن لهؤلاء – تقصد الخليجيون السواح – وجهة نظر مشابهة لوجهة نظري ، أنا التي أحضر للخرطوم للمرة الأولي في حياتي ، تلبية لدعوة من وزارة الثقافة السودانية ، للمشاركة في مهرجان " ملتقي النيلين للشعر العربي " الذي أنعقد في الخرطوم من 13 إلي 17 أبريل الماضي . في دورة حملت أسم شاعر السودان الكبير التجاني يوسف بشير ، تحت شعار " أنت يانيل ياسليل الفراديس " . هذا المهرجان " المسخ " ، لم تسمع عنه – داخل السودان ناهيك عن خارجه – سوي آذان وأبواق النظام ، و ... المتشاعرين والمتشاعرات ، من الذين لم يسمع لهم شعرا ، و ذكرا في راهن الشعر السوداني ، ولا سمع المجتمع الثقافي في بلادنا ، بأؤلئك " الشعراء العرب " الذين تداعوا للخرطوم " تلبية " لدعوة النظام ، و ... عطاياه ! هكذا ، جعلت سعدية نفسها في معية المهرولون إلي بلاط السلطان ، شكرا لهم ، شكرا ، أيضا ، سعدية ، فقد أعدتم لأذهاننا المتعبة وعواطفنا الظمأي للحرية والعدالة ، ذكري أيام شعراء البلاط في معية السلطان من تاريخنا القديم المزرئ ، شكرا لكم !
هذا المهرجان المسخ ، بشعاره " الجليل " ، حول شاعرنا الفذ التجاني يوسف بشير ، هو – في ظني – قدح سفيه في حق هذا الشاعر الكبير ، الذي وقف شعره كله ، في حياته القصيرة تلك ، مناهضا لوجوه التأسلم المنافق ، والكذبة من المتأسلمين ، حد أن نحي بشعره ، أحيانا ، صوب الصوفية الشفيفة ، تلك الصوفية " الأرضية " كما قال بها البياتي أخريات سنوات حياته ، لقد جرح ذكراه المجيدة ذلك المهرجان المسخ ، والمسوخ المشاركون به ! ثم أنظروا ، للشاعرة التي قالت بأن السودان بلدا " مثاليا للسياحة " ، كيف تعود لتؤكد إندلاع الحروب فيه ، وأنتم ، هل سمعتم بسياحة مثالية تكون في بلد موبوء بالحرب وويلاتها ؟ تقول الشاعرة : " ورغم الظروف " الحربية " التي كان يمر بها السودان في تلك الفترة ، فأن عددا كبيرا من الشعراء العرب حضروا بحماسة للمشاركة الشعرية والوجدانية أيضا . فقد شارك شاعر أو أكثر من كل من مصر وسوريا والكويت والأمارات العربية والعراق والأردن وفلسطين وموريتانيا ولبنان ، بالإضافة إلي ما يقرب من خمسين شاعرا سودانيا ، أغلبهم من الشباب ، شكلوا المفأجاة الكبري لنا ، نحن الشعراء العرب المشاركون . فقد أضفي شعراء السودان الشباب ، علي الملتقي روحا شعرية ساحرة ما بين الفصحي والعامية ، وكانت قصائدهم المتاوجة ، من تموجات أنهار عاصمتهم ، ذهولا مستمرا بالنسبة لي " ! هكذا أسبغت علي الملتقي / جثة القصيدة النتنة ، جمالا ليس فيه ، ورائحة ليست له ، وحضورا ما كان له في برهتنا الثقافية تلك ، فزينته بالحلي الزائفات ما أستطاعت ! لربما ، أيضا ، أخذها بعض الحياء والخجل ، فأبت أن تذكر للقراء ولو بضعة أسماء من كوكبة الشعراء العرب المشاركون ، ولا من شباب الشعراء التي زعمت إنهم حازوا أعجابها حد الدهشة ، ناهيك عن إيراد مقاطع صغيرة ، كنماذج ، ضرورية لأشعارهم من باب التعريف بهذا النتاج الشعري " المذهل " الذي زحم عليها مخيلتها ، وذائقتها ، لم لم تقم بذلك ، أحتراما للقارئ علي الأقل !
ثم ، تأتي ، لوصف مائدة اللئام ، فتقول الشاعرة : " إستضافتنا روضة الحاج ( روضة الحاج هذه شاعرة البلاط ، المحظية بكل أعطياته وهالاته البراقة الزائفة ، كفت شعريتها ، منذ وضعت شعرها ديباجة في صدره تحاول أن تجمله ! ) لاحقا في أحد صباحات الملتقي في مركز المرأة السودانية ( ماما ) ، لنجد في استقبالنا هناك جمعا من سيدات السودان المميزات في كل المجالات . وكان المركز بحد ذاته ، تحفة راقية علي صعيد تصميمه الداخلي الذي قامت به أحدي عضواته ... وأضفت عليه نكهة نسائية من عوالم المرأة والأسرة ، وفقا لتنوعات المجتمع السوداني بأكمله . " ... السيدات المحترمات ، هن عضوات في الحزب الحاكم " المؤتمر الوطني " ، ثلة من النساء الأنتهازيات قد تسلقن أعتاب النظام وأصبحن – في هذا الزمن الموبؤء بالفساد – سيدات أعمال ، تحت مظلة السيدة الأولي حرم الرئيس ، وهي أرملة شابة جميلة لأحد عتاة المتأسلمين المهووسين العسكرين الذي سبق وقضي في حادث تحطم طائرة لا يزال الغموض يكتنفه ، بعد أقل من شهرين علي الحادثة ، هرع الرئيس – كعادتهم – ليتخذها زوجة يغدق عليها المال الطائل بلا أي وازع من ضمير ، وهي الفقيرة ، في محتدها وحياتها حتي وفاة زوجها ... النساء ، اللاتي أحطن بالشاعرة ، هن نساء البلاط ، والمقر الذي قالت الشاعرة أنه شيد بواسطة أحدي العضوات ، هو مشيد ببذخ مهول من مال الشعب ، لينعمن في ردهاته الفارهة ما شاء لهن أن ينعمن ، هن وضيوفهن " المحترمات " مثلما حدث مع الشاعرة ورهطهن ، بينما – في ذات الوقت – كانت نساء السودان الحقيقيات / الرائدات الجسورات ، يذيقهن النظام وكلاب أمنه المسغبة والتعذيب ، بجلدهن أمام الملأ ، وحلق شعورهن وضربهن ، وإغتصابهن ، وشعب السودان يعاني الجوع والبطالة والمهانة ، فيخرج إلي الشارع ليواجه بالقمع المروع الذي تعرف عليه العالم بأسره ، وطالب الرأي العام العالمي ، وألح في طلبه إيقاف التعذيب والقمع والقتل والإغتصاب المشين للنساء ... كان هذا هو حال الوطن ، وذلك حال النساء ، حين كانت الشاعرة تستمتع في ردهات القصور الفارهات مع سيدات الحزب الحاكم ، ينعمن بالمأكل والمشرب من طيبات النظام وعطاياه !
ثم كان أن أتت الشاعرة إلي " تكسير الثلج " ، وهو تعبير دارج إبتدعته ذاكرة شعبنا الشعبية ، يقولونه يريدون به من يصدح بالمديح الذي ليس في محله ، المديح المنافق ، وهو عند الأنظمة الديكتاتورية جميعها يعدونه من الجماليات المصاحبة لأفعالهم ، فلا مديحا حقيقيا يأتيهم ، من أي جهة كانت ، سوي " مكسرو الثلج " هؤلاء ... ، لقد وضعت الشاعرة عنوانا جانبيا لحديثها الذي سأنقله كاملا ، عنوانا يشئ بقدر النفاق والرياء الذي يحيط به من أوله : " السر الإلهي " ، للنظر ما قالته عن هذا السر الإلهي ، فوجدته في نظام الخرطوم المسخ ، تقول : " رغم كثرة الأمسيات واللقاءات الأخري ، فأن المسئولين السودانيين كانوا دائما حاضرين بكل تواضع ، فلا تفرق بينهم وبين الجمهور العادي ، أما الأهتمام كله فقد إنصب علي الضيوف . ولا أظن ، ، إننا كشعراء ، سنلقي من الإهتمام الرسمي والشعبي ، في أي عاصمة أخري ، ما لقيناه من الخرطوم . فقد خصصت رئاسة الجمهورية ، في عز إنشغالها بأزمة مدينة هجليج ، والحرب الدائرة في محيطها هناك ، مواكب رئاسية فخمة يتنقل فيها الشعراء العرب ، من وإلي أمكنة الأمسيات التي توزعت علي مسارح وقاعات الخرطوم بمدنها الثلاث . لكن المواكب الرئاسية لم تكن هي مظهر الضيافة المميزة الوحيد ، فقد كان كل شئ في الضيافة مميزا ، إبتداء من اختيار الفندق الراقي القريب من المطار ، المتوسط لحدائق غناء تبهج النفس " ! ... ولست أدري ، كيف لها أن " تبتهج " نفوسهم ، وهم يعيشون كل النعيم والترف ، بينماء أطفال السودان يموتون كل يوم – بل كل ساعة – بالجوع والمرض والمسغبة ، كيف لهذه القلوب " الشاعرة " أن تعيش في أبهة اللحظة الزائفة ، في " الفرح المختلس " علي قول أمل دنقل ، والبلاد تحيط بها – كما السوار بالمعصم – الويلات والحروب والقمع والدم ، كيف ؟
أعدت السلطة المجرمة ، الجولات " الترفيهية / السياحية " ، ثم جعلتهم في اليخت النهري يطوف بهم علي صفحة النهر ، حد أن بهرت تلك الجولة النيلية قريحة الشاعرة ، فكتبت : " ... كان اليخت يمضي بنا علي مدي النيل الطويل ، وكانت المشاهد تتلاحق ، والإبتسامات المضيئة من البعيد ، تلاحقنا أيضا من علي الضفتين . مررنا بمركب صغير ، يحتفل من فيها ، بعرس غير تقليدي كما يبدو ، وكانت شمس الأصيل قد ذهبت خوص النخيل علي جانبي النيل فعلا ، فتماوجت ألوان الثوب السوداني التقليدي ، الذي ترتديه نساء الحفلة علي ذلك المركب ، بإلتماعات تشبه إلتماعات الشعر ، وتناهت إلي أسماعنا الموسيقي السودانية الطالعة من قلب النيل " ... مشهد شاعري فعلا ، لكنه مصنوع وزائف ، صصمم خصيصا بواسطة سماسرة الضيافة والإحتفالات ، كما صمموا وأعدوا " العرس " في المركب الصغير ، ليبدو وكأنه قد صادفهم مصادفة ، هي أموال الشعب السوداني ، الفقير الجائع ، تنفق بسخاء وسفه ، علي مثل هذه المهرجانات والضيافات ، يسعون من وراءها لتجميل وجه السلطة القبيح !
هكذا ، بهرت " المراسم والحفاوة المصنوعة " ، مخيلة الشاعرة ، وحضور " الملتقي " المسخ من الشعراء العرب ، وما دريت ، حتي اللحظة ، من هم ، وأين هو نتاجهم الشعري ، الذي وجدوا كل هذه الحفاوة ببذخها الكثير ، بسببها كما يدعون ! هكذا ، إذن ، سقطت هذه الشاعرة " المحترمة " في فخ المتأسلمين ، ولا يزال يوجعني السؤال : كيف للشعراء يسقطون – حين يسقطون – بهذه الهشاشة المفجعة ؟ وأرجو أن نقرأ معا ، تقرير المراجع العام الذي أدلي به أمام البرمان ، ونشرته جريدة " الصحافة " السودانية في عددها ( 6924 ) بتاريخ الخميس 22 نوفمبر 2012 الجاري ، عن الفساد الذي جعله النظام ديدنا للمارساته مع المال العام ، فجعل " منظمة الشفافية العالمية " تضع السودان في ذيل الدول التي يسود فيها الفساد ، ويفسد الأقتصاد ويدمره ، فعلت ذلك في تقريرها لهذا العام أيضا ، يقول تقرير المراجع العام :

زيادة الاعتداء على المال العام في الولايات بنسبة 381%
البرلمان : الصحافة: كشف تقرير المراجع العام، ان جرائم المال العام والمخالفات المالية للفترة من سبتمبر 2011 وحتى اغسطس من العام الجاري بلغت اكثر من 175 مليون جنيه، وسط زيادة لافتة للتجاوزات على مستوى الولايات وصلت الى 381%، وحدد التقرير تجاوزات في المنح والقروض، خاصة فيما يلي مبلغ 721 مليون جنيه سحبتها وزارة التعاون الدولي من منحة غير معروف حجمها وجهتها المانحة واوجه صرفها، بجانب منحتين قطرية وجزائرية لا يوجد ما يفيد بأوجه صرفهما ولا تظهر في الحساب الختامي لوزارة المالية، وافاد بأن تكلفة التعاقد الخاص للقطاعات المختلفة بلغت مليار جنيه، من ضمنها فئات غير نادرة.
وشدد المراجع العام الطاهر عبد القيوم لدى تقديمه خطابه حول الاداء المالي للدولة لسنة 2011 امام البرلمان امس علي ضرورة ضبط الاعفاءات الجمركية الممنوحة للمنظمات الخيرية ،موضحا ان هناك 587 منظمة تستفيد من هذه الاعفاءات، وكشف عن وجود تجاوز في الصرف علي مشاريع سد مروي ومشروعاته المصاحبة ومشروع تعلية خزان الروصيرص.
واشار المراجع العام الى استثناء الرئيس عمر البشير شركة الامن الغذائي التابعة للقوات النظامية من قرار سابق بالتصفية،
وانتقد اجراءات تصفية مخالفة للقانون لست شركات تتبع للجيش والشرطة وجهاز الأمن بينما تمت خصخصة شركتين وتصفية 14 شركة اخرى من ضمن 26 شركة صدر قرار رئاسي سابق بتصفيتها وخصخصتها وتم عرض 4 منها للبيع.
ونبه التقرير الى تكرار ظاهرة ارتداد الشيكات والمتأخرات بإدارتي ديوان الضرائب والجمارك كأكبر الوحدات الايرادية وبلغت الشيكات المرتدة الخاصة بإدارة الجمارك 2.7 مليون جنيه فيما بلغت شيكات ديوان الضرائب 12.6مليون جنيه.
وبلغ المال المجنب بالوزارات والوحدات الحكومية 497 مليون جنيه و5 ملايين دولار، وكشف المراجع عن جهود عبر لجنة برئاسة النائب الاول للرئيس علي عثمان محمد طه لحسم الظاهرة.
وقال تقرير المراجع العام ان جرائم المال العام في الولايات التي لم تسترد خلال الفترة من سبتمبر 2011 وحتى اغسطس 2012 بلغت 19.2 مليون جنيه بنسبة زيادة 381% عن جرائم المال العام خلال الفترة السابقة والتي بلغت 5.04 مليون جنيه ولم يتعدَ المبلغ المسترد 1.15 مليون جنيه من الاموال المعتدي عليه بنسبة استرداد 5%.
واضاف ان المخالفات المالية في الولايات وصلت الى 151.4 مليون جنيه استرد منها مبلغ 1.33 مليون جنيه، كما قدمت مستندات ازالة لمبلغ 5.47 مليون جنيه.
وعلى مستوى الاجهزة القومية بلغ صافي جرائم المال العام غير المسترد خلال الفترة من 2011 الى 2012 مبلغ 3.8 مليون جنيه مقارنة بمبلغ 4.9 مليون جنيه في الفترة 2010 وحتى 2011، وبلغت نسبة المال المسترد حتى امس 20%.
واكد التقرير وجود مرتبات تصرف لاشخاص تم انهاء تعاقداتهم فضلا عن 316 موظفا قدموا استقالاتهم لم ترفع اسماؤهم عن كشوفات المرتبات بعد، كما كشف عن تجاوزات بصندوق رعاية الطلاب تتمثل في تقديمه منح لمنظمات في مخالفة لاغراض تأسيسه بالاضافة لمخالفات مالية طرف القضاء والمراجعة بلغ حجمها 2.8 مليون جنيه بينما لم تقدم 25 وحدة حكومية حساباتها للمراجعة حتي اليوم.
وقال التقرير ان نسبة العاملين بالتعاقد ارتفعت خلال الاعوام الخمسة الاخيرة بزيادة مضطردة متجاوزة الفئات المستهدفة من الخبراء والمستشارين لتشمل فئات اخرى كان يمكن استيعابها في وظائف هيكلية واخرى عمالة مدربة وغير مدربة، مشيرا الى ان تكلفة التعاقد الخاص للقطاعات المختلفة بلغت مليار جنيه.
واعلن ارتفاع نسبة العاملين في الدولة بالتعاقد ليبلغ عددهم 1094 متعاقدا بإجمالي امتيازات 53.4 مليون جنيه ونوه الى ان هيئة الطيران المدني تعاقدت مع خبيرين اجنبيين بمبلغ 607 ألف دولار سنويا.وارتفعت مديونية بنك السودان علي الحكومة الى «10.2» مليار جنيه !

هل ، ياتري ، غاب كل ذلك عن بال الشاعرة ، فهرولت إلي الخرطوم ، لتنعم من قوت شعبنا ، وتنعش جسدها وذاكرتها ، فتجمل – كا يتصوروا – وجه النظام القمي ؟ أما عن مظاهر القمع والتنكيل والقتل والحروب ، وإذلال الإنسان ، فدونكم " اليوتيوب " ، وصحيفة " الراكوبة " الليكترونية ، ففيهما الكثير المخزي من سوءات هذا النظام المسخ !
------------------------------------------------------------------------
* حديث سعدية الذي أقتبست مقاطعا بأكملها هنا ، كانت قد نشرته في عدة صحف ومجلات تعمل بها ، ثم أعادت نشره صحيفة " الوطن " السودانية ، الموالية للنظام ، بعددها رقم : 4248 الصادر يوم الخميس 8 نوفمبر 2012 ، ومنه نقلت حديثها هنا !.

الأربعاء، أكتوبر 24، 2012

هيا ... ، لنقرأ كل شئ !

READ , READ , READ ,
READ , READ , READ...
EVERY THING !

* W. FAULKNER *

الغول القبيح ، والتلميذة الجميلة ، حكاية أغتيال ملاله !

                                                                     * ملاله *




التلميذة الصغيرة ، لكأنها كانت تغني ، مع شاعرنا الكبير محجوب شريف ، ذلك الصباح ، مع زميلاتها في الفصل الدراسي ، وهم في حافلة الترحيل في الرحلة من منازلهم الفقيرة ، إلي مدرستهم :

" رك قمري طار
قيره قيره قيره
نطط الصغار
صفق الترولي
طمن ... القطار
حلقت ... وحلقت
حمامة المطار
كل طلقه ... بينا
نحن تبقي وفره
سمسما ... و" بفره "
سكرا ... وشاي
تترا سايكلين
جاي وجاي وجاي
مافي حاجه ساي
كلو عندو دين
كلو عندو راي
تكتب أنت تقرأ
تعرف السياسه
في محل حراسه
حجرة الدراسة
تمشي أنت تلقي
في الضلمه ... لمبه
ألف ضحكة حلوة
تسندك بجنبه
بي تمن طبنجه
أحسن الكمنجه
أحلي شتل منقه
أحسن الحليب " ! .

" ملاله يوسفزي " ، التلميذة الباكستانية ، ذات ال 14 عاما ، تعيش مع أسرتها في أحد ضواحي باكستان الفقيرة . تسيطر علي تلك المنطقة حركة طالبان الباكستانية ، يديرونها وفق تصوراتهم الظلامية ، ويمنعون
- بقسوة العنف الأسلاموي الفج – تعليم البنات ، بل تمادوا ، فأعلنوا في الناس " تحريمه " :
" آآآآه ...
يا أخوان " حتحوت "
الذين إستمرأوا ظلمة المستنقع
الأثم دهرا
وتمادوا ،
أوصموا الأطفال إلحادا وكفرا
هل رأيتم ،
ياقطيع الضأن يوما ،
كف عجز شوهت تاريخ أمة ؟ !" .

" ملاله " ، التلميذة النابهة ، بحليب قلبها الأبيض ، كانت تدون خواطرها المجنحات ، في كراسة مدرسية صغيرة ... تحلم – كما أي طفل برئ في مواجهة العالم – بالمستقبل ، وترسمه ، بأقلامها الملونات ، مرة وردة ، ومرة طيرا أبيض ، ومرة غماما و ... مطرا في الحقول ، وتخطط ، بحروف صغيرة متداخلة ، لكنها جميلة ، خططا كبيرة لمستقبلها ، ومستقبل بلادها " المنكوبة " بآغربة التآبين ...
عرفها العالم ، لأول وهلة ، حين بدأت ال  " بي بي سي " تذيع في الناس حكاياها وخواطرها من ما دونته علي كراستها المدرسية الصغيرة ، وتكشف – بمصباح طفولتها نفسه – ما تتصوره طالبان أصلاحا أسلاميا للمجتمع ، وما تفعله بالنساء والأطفال ، تسجل ما يجري ، ثم تكتب أحلامها ! ال " بي بي سي " كانت رحيمة حين نشرت خواطرها تحت أسم مستعار ، لكن ، ال " نيو يورك تايمز " ، نشرت موضوعا كبيرا عنها ، وعرفت العالم إليها ، باسمها الحقيقي هذه المرة ! هكذا ، بإنتباهة وسيمة النية ، عرف العالم ، التلميذة النابهة ، " ملاله " ، حمامة بيضاء صغيرة ، محلق بفرح ، وتواقة للحرية ، في سماوات بلادها !
   جن جنون العقل الطالباني الدموي ، وأشرأب الذئب الشرس لدم الطفلة ! بدأت حملات السعار المجنون صوب الطفلة ، أرسلوا – كعادتهم – إليها تهديدات بالقتل ، إن لم توقف " حملاتها العلمانية ، وحديثا إلي الغرب ، كل هذا الكفر " ، هكذا كانت رسائل القتلة !
صباح يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 2012 ، والجو صحو بهيج ، والتلميذات ، في فرحهم الصباحي ، تقلهم حافلة الترحيل المدرسي في طريقم لمدرستهم ... فجأة ، كما نذير الشؤم ، أعترض أحد الطالبانيين المسلحين ، سير الحافلة ، صعد بوجهه الكالح ، ولحيته الشيطانية لكأنها تنز بالدم والكراهية ، إلي الحافلة ، مشهرا سلاحه ، كالفاجعة ، في وجوه الصغيرات ، وطلب أن تنهض " ملاله " واقفة ليراها ، وإلا فسوف يطلق النار عليهن جميعا ، وكان – علي التأكيد – سيفعلها ، ليكون القتل جماعيا ! التلميذة النابهة ، سارعت لتوها واقفة ، تجللها البراءة ، شامخة ، باسمة عالية ، كنجمة ، وبشهوة الأفتراس وشراهة القتل ، أطلق المتأسلم ، المشعوذ الكريه ، النار علي رأس الطفلة و ... كتفها ، فسقطت طفولتها مضرجة بالدم القاسي ، في ذلك الصباح ، ماتت ألف شوكة وأنكسرت ، في حقل الأسلاميات الدامي ، الملطخ ، دائما ، بالدم ورائحة الموت الحامض ...
يااااااااه ،
رصاصتان
بألف وجه للوجع والماسأة
وألف حنجرة تصرخ في وجه العالم
بألف لا ... ولا
ياوحوش الغاب والدم
لا
ياسفاكي الدماء
لا
ياقتلة الأطفال
لا ... لآ !!
" ملالة " ، نقلت في اليوم التالي إلي بريطانيا للعلاج ، يقول الأطباء في باكتان أن أحتمال الخطر علي حياتها حوالي 70% ، هي ، منذ ذلك الوقت ، في العناية الفائقة / المركزة ، غائبة عن الوعي ، فأصابة الرأس خطيرة ...
قالت طالبان : " سنعيد الكرة ، إن نجت ، فنقتلها ، إنها تنشر قيما علمانية وغربية ، ضد الأسلام " !!
ياللبشاعة ، ويالحقارة ما يقولون ! تماما ، مثلما قال يوما ، الشهيد حسن مروة : " لن ينصلح حالنا في هذا العالم ، إلا إذا أعدنا النظر والفكر ، جادين ، في هذا التراث " ، في هذا الدين كله ، الذي ، باسمه ، وتحت مظلته الفضفاضة المهترئة ، تسفك كل هذه الدماء ، كل يوم ، بل كل ساعة !

" ملالة " ، ياطفلة السلام والمحبة والنقاء ، قلوبنا ، وأمانينا ، كلها معك ، ونتمناك في الشفاء والسلامة ، يا طفلة السماء الملائكية ، في الزمان الخطأ ، والمكان الخطأ !!

الثلاثاء، أكتوبر 23، 2012

قفزة " فيليكس " ، شهادة لصالح قدرة الإنسان !




ضوء شاحب :





الألواح السبعة ...




في هذه الملحمة ،: (حينما في الاعالي) ، ثمة دلالات ثقافية وفكرية قاطعة حول انساق المعتقدات، خرافات وأساطير، التي كانت تتملك اذهان البابليين في تلك الأثناء البعيدة. نستنتج ان فكرة الخليقة، كوناً وانساناً، كانت تهيمن على عقولهم وتحثهم على استشراف ما يجعل حياتهم على الارض رهناً بنظام ما ،  يدخل الطمأنينة الى قلوبهم ،  ويبدد قلقهم ويقلص مساحة الحيرة التي كانت تشد على اعصابهم .  تروي الملحمة، في هذا المجال، وفقاً للألواح السبعة المكتشفة، ان الشخصية الرئيسية فيها، ويدعى "مردوك" ، تمكن من القضاء على منافسته الأخطر، وتدعى "تئامت" ، وبدد شمل زمرتها وأوقعهم في الاسر.ثم   شطر جسدها نصفين ، خلق منهما، كما تنص على ذلك الالواح السبعة، السماء والأرض، ثم خلق الانسان من دم احد الآلهة. يلاحظ، في هذا السياق، ان الانسان، كما جاء في هذه الاسطورة، خلق من دم إله ، ممزوجاً بالطين، ويشير هذا الامر الى عنصرين اثنين يشتركان في تكوين الانسان: احدهما إلهي خالد، والثاني ، من طين فان ... وظيفة العنصر الإلهي ، ان يجعل الإنسان يشاطر الآلهة في الفهم ، كما يعبر حكيم بابل في زمن الاسكندر" بيروسس " ، ووظيفة العنصر الطيني، كما يرد في هذه الخرافة، أن يحرم الانسان من الخلود لأن الآلهة إستأثرت وحدها بالحياة، كما جاء في ملحمة "جلجامش"! وجاء في الألواح السبعة، انه لو خلق الإنسان من دم الآلهة فقط، لشاطرها الخلود والفهم في آن معاً، لكن الالهة أرادت ان يكون الموت من نصيب البشر!
هكذا ، كانت تصورات الإنسان بدائية ، في الألف الثاني قبل الميلاد ، حسبما قالت به هذه الأسطورة البابلية في ذلك الزمن السحيق . لكن الإنسان في تطور مستمر ، أبدا لم يتوقف سريان ذلك التطور في متواليات لولبية ، تصعد بالإنسانية كل يوم جديد إلي الذري العاليات من تطورها العالي !

ضوء منير...
  " فيليكس باومجارنتر " ، النمساوي ذوال 43 عاما ، حقق يوم الأحد 14 أكتوبر 2012 ما يعد ، بحق ، أعجازا بشريا هائلا ، أشبه بالأساطير ، التي يصعب علي العقل الإنساني ، تصديقها ، والإطمئنان إليها ... لكن ، قفزة " فيليكس " ، حدثت واقعا شاهدناه ، مع الملايين في عالمنا علي شاشات التلفزة وعبر النت في كل أصقاع العالم في ذلك الصباح الهادئ ، الذي فضل الغمام أن ينسحب عنه ، وهدأت الرياح ، حتي لا يفسدا مشهد تلك اللحظة التاريخية النادرة في عمر البشرية وانجازاتها الباهرة .
صعد " فيليكس " عبر كبسولة معلقة في منطاد من مادة " الهيليوم " ، إلي حيث حدود الفضاء الخارجي ، خارج الكرة الأرضية ، خارج عالمنا ، بعلو 39 ألف متر ، بجملة أرتفاع 128 ألف قدم ، أي 39.014 كيلومتر ، مسجلا بذلك أعلي قفزة في تاريخ الإنسانية كله ... فعل ذلك حين قفز من ذلك العلو الهائل ، معتمدا علي جسده وحده ، دون الإستعانة بأي جهاز دفع أو محرك ... كانت قفزته ، مباشرة ، فوق صحراء نيومكسيكو الاميريكية ، بسرعة مهولة ، بلغت 1173 كم / في الساعة ، في ما يعد – حتي الآن – مأثرتان بمثابة المعجزات والأساطير :  أعلي سقوط حر سجل في تاريخ الإنسان ، وفي ذات البرهة ، أعلي رحلة بمنطاد مأهول ! بلغت فترة القفزة 9.03
دقيقة ، شاهدها ملايين البشر من جميع بقاع العالم في ذات حدوثها المثير ، عبر شاشات التلفزة  وعبر النت ... للعلماء ، الآن ، أن يفرحوا ، ويضيفوا إلي كتاب المعرفة ، كيفية تغلب جسم الإنسان علي الظروف الصعبة علي حافة الفضاء الكوني !
في لحظة الإنتصار بتحقيق الفكرة ، لأجل تطور الإنسانية والعلم ، في أجواء تلك اللحظات الباهرة السطوع و ... الفرح الأبيض في دواخله وقلبه الكبير ، وهو في ضحكات الإنتصار نفسها ، لحظة أحتضنه العلماء بعد هبوطه ، قال " فيليكس " : " لعل القفزة التالية ستكون من فوق سطح القمر نفسه " !
عندما عم ضوء التنوير
أرجاء الكون
وسجل " فيليكس " قفزته التاريخية
حيث عانق السموات العلا
وحلق ...
مجنحا كطائر خرافي ،
أمام الملأ
إنسحبت الآلهة ...
تاركة رحابة الملكوت كلها
للعقول النابهة ،
غدت ، هي لا سواها ،
في عالمنا ، الآلهة !

كم نجلك ، أيها القدوس ،
الإنسان ، والطائر الخرافي المجيد في السموات ، شكرا أيها العلم ، شكرا " فيليكس " العظيم ، جعلتم في سماواتنا عظمة المعرفة ... شكرا !
نكتة مظلمة ، صارخة ، كذئب مجروح ، يحتضر ، نكتة " المتأسلمين " حول قفزة " فيلكيس " ، كم أحتقرت مثل هذه العقول التي لاتزال تعيش في ظلام العصور المظلمة ، لن أذكرها النكتة ، تعرفونها ، لا شك ، فقد سمعتموها ، ومثلي ، ضحكتم من جهالتهم !
.

الأحد، أكتوبر 21، 2012

أكثر من مسألة حوار ... !

                                                         * اللوحة لخليل الصليبي *


* ماري القصيفي ...



***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

هي: كأنّني برتقالة معصورة.

هو: لا بأس، فثمّة من شرب العصير. وهذا هو المهمّ.

***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

هي: كأنّني جورب مثقوب يجد صاحبه صعوبة في رميه.

هو: لا بأس، فالمهمّ أنّ هناك من يتمسّك بك.
***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

كأنّني عاهرة سئمت من حكايات الرجال.

هو: لا بأس، فالمهمّ أنّك تتعلّمين أمورًا كثيرة.

***

هو: كيف تشعرين اليوم؟

هي: كأنّني مريض ضجر أبناؤه من عيادته.

هو: لا بأس، فالمهمّ أن يستمرّوا في دفع فواتير المستشفى.

***

هي: يريحني الحوار معك.

-------------------------------------------------------------
* نقلا عن : " صالون ماري القصيفي الأدبي " .

السبت، أكتوبر 20، 2012

عشتار أيضا ، قصيدة لجسدها ... !


                                                        * عشتار في المتحف البريطاني *

* شاعرة ، وصديقها الشاعر ، لعنا عشتار بالفيسبوك !


حبك  ،
ياحبيبتي
يفتح لي عروة فستانك
كي أعطره جسدك بماء الورد
والياسمين .
أهذا الذي يورق الآن في راحتيك حمام ؟
أهذا " البياض " الذي يبدو إليك خلف زيتونهم
قمرا في تمام الغرام ؟
أراها في عينيك ،
تطل العشيات علينا بالوداد
خصرك بالندي
بالركض صوب الحنان عراة ...
لكنهم ،
أتوا يعصرون صغار العناقيد بالحزن
لو قمر مر - سهوا – عليك
ومد أمام زنابقك سلما
للغيوم ...
يفر دخان تبغنا من الفجر المسهد ،
المعرق بالشبق ...
يحط علي شرفة الجرح
كالقبرات .
ولكن ، ياخضراء قلبي
ألست أنت من تنسج علي شالها
ألف سوسنة يانعة ،
كلما ذكرتك الأغنية :
" أخفيت حبكم فأخفاني أسي ...
  حتي لعمري ، كدت عني أختفي " !!.
وجسر لرؤياك
يؤسس الآن في وجده للمهرجان ...
تراءي كظل وحيد
وخبأ أحزانه خلف غصون
الكروم والكهرمان .
ملائكة يعبرون السماء إليك
صغارا ...
يفرون مثل زغب الغمام
ويرتحلون
قصيا ... قصيا
إليها ...
إلي حضن " عشتار " الرحيم
لا ، ليست بغيا ،
ولا قسوة الحجر في قلبها ...
إلهة الجنس والحب والموجدة
نجمة الصباح والمساء
تضوع بأضواءها الثمان
منتصبة ، كقوس ،
علي ظهر الأسد
علي جبينها تاج الزهر
وبيدها باقة ورد
إلهة الصباح والمساء
للصداقة
للإلفة
و الوفاء
للعاشقين الخميلة
تبكي ، حين تبكي ، وحدها
وتفرح في الملأ
لوجدها
مساء صبايا النجوم
وليلهن الدموع !
هبيني إذن ،
قبلة أيها الفاتنة ...
لأرسم قوس نهديك نافذة لضوئك
أخط علي جسدك خارطتي
قصيدة
وأحتفي !

الجمعة، أكتوبر 19، 2012

حدثها عن جسدها ، فخاصمته ... !


* مثقفة ، وشاعرة ، رفضت لعاشقها أن يكتب عن جسدها إليها !

الجغرافيا
هي التي جعلتهما في التراسل
يتبادلانها كل يوم ...
وفي ما بين الشعر والنثر ،
بين المعاني والصور ...
أزهر الحب بينهما
وأينع .
قرابة 3000 رسالة حتي الآن !
هي : شاعرة
أنثي جميلة
تعشق الحياة والياسمين .
هو : عاشقها ،
كاتب مغمور ،
يورق الورد في دمه
ومن عواطفه يسيل الحنين !
تقول له :
" لست شرقية ،
وأكتب في الجسد " ! .
ويقول لها :
" إن ندائي للجميلات
أن يستجبن إذا تمني العاشقون
تمرير الأصابع بين النهد والسرة " .
كمن لسعت نجمة قلبها ، قالت له :
" أسمع ،
أنت تعرف طريقتي ...
أضع النقطة فوق رأس الفكرة ...
أبد لم أمنح جسدي لأحد ! " .
بتمن ، يقول لها ،
ياخضراء قلبي
حدقي في نصوصي ،
خصرك حاضر أمامي كدرس ...
وليس ثمة خدعة في تلامسات الجسد
ضعي " النقطة فوق رأس الفكرة " ،
كما تعودت ...
لتنهض الشهوة من عتمة الشاشات ،
ولتشرحي للملأ
كيف كانت تمسيدة النهد ،
عند إندلاع الإشتباكات في الحي ،
بعضا من روائح الجسد
وهلع الصغار ...
مشهد بالغ الرأفة ، رأفة القذائف ،
بما تبقي من الروح
وأهل الحي ...

نهداك حاضران كدرس ،
من حيث إنهما من شبق الآلهات ...
وليس من خدعة هنا ،
لأن العاشق كان في التمني ...
بينما تطوف به حاملات القرابين ،
مرجعات أغاني الجسد !

" كان يقول لسرتها ، هيا ،
تقول السرة حينا ، هيا ،
وتقول السرة أحيانا ، هيهات ! " .
فتطل الرغبات / النزوات
من الفستان الأسود
والشعر الأسود
والكعب العالي أسود
والشال علي كتفيها ،
أسود !
مرر العاشق اللسان علي العنق ،
ناعما ،
بطيئا ، كغمام محمل بالماء
وبالندي ...
" يلحس " حرير جلدها ،
ويمر ...
نسيما دافئا علي شفتيها ...
يضعهما في فمه
و " يمصهما " ! .

أصابها الفزع عندما قرأت النص ،
غاضبة كتبت إليه :
" لا ولن ولن ولن ولن أحتمل هذا
لن أحتمل أحدايقترب من جسدي ...
لا أرغبه مكتوبا ،
فلم أمنحه أحدا حتي الآن ! " .
و ... خاصمته !

تاه العاشق في سلالة نداهات
في سريرته يهتف شجرا أنثي
وأها ،
فيكثرها شجر ذكر ،
وآهات " !.

ضعي " النقطة فوق رأس الفكرة "
فإذا أعمته التهيؤات
فأسمعي الأغنية :
" علي بلد المحبوب وديني زاد وجدي
والبعد كاويني ...
ياحبيبي أنا قلبي معاك ،
طول الليل سهران وياك ! " ...
غناها مرتين ،
مرة في بهاء حضورك
ومرة حين وضعت النقطة فوق رأس الفكرة ...
حين كان يردد – ببراءة الأطفال -
جسدك حاضر في الدنيا
كدرس ...
وعندما أمرر كفي عليه ،
في قلبي يسري الدم
ويزهر الجسد ! " .
خاصمته ...

فيا إلهة الجسد والقلوب النادمات ،
خذي شريحة من الذاكرة
وشريحة من عواطف الفهم ...
وأعط الشرائح كلها
للسيدة التي تحرس جسدها
من رفيف الكلمات ...
وبلغيها السلام !

الحريق ... وأحلام البلابل !

                                                               * غلاف الديوان *
* " الحريق ... وأحلام البلابل "
     قصائد جيلي عبد الرحمن ...
     إلي شهداء الحركة الثورية في السودان ،
                                                      وفاء و إنحناء !


1.البحر ... والمنفي !
                       إلي الشهيد عبد المجيد شكاك .
-----------------------------------------------
وأعذروني ...
أن سئمت الكأس ،
والصرخة تنفي في قيود المجد،
من يرسف دوني !
فدنان الخمر ،
هذا البحر شرياني الذي ينزف في الغربة ،
أشباح جنوني
وتجاعيد التراب الجهم ...
في قيد سنيني
وأنحناءات الجبين !
ودعاء الأم يقظي خلف باب الفجر
تدعوني
وقلبي نقرته لقمة العيش المهين !
...   ...   ...
وأغفروا لي
إن رقصنا في خريف العمر ،
في ورد الذبول !
وإرتشفنا رائق " البيرة " من كفين
كالسحر الهيولي
وأراكم في البوادي
مثل أشباح صواد
وأستبحت الليل في عينين ،
في سجنين ...
صحراء تذر الرمل في البحر الجميل
وإستحالت جوقة السهرة ،
أنات صليل !
ياعزاري النشوة الخضراء ...
غاص الدفء ... من وجه القتيل .
...   ...   ...
وأتاني
كشراع البحر مفتون الأغاني
أينا العاجز في سجن الزمان ؟
أينا المفلول في بئر الهوان ؟
قم وعانق واحة الفرحة ،
بارك نبعها من أجلنا
وتخطر مثل نجم
في صحاري ليلنا
إن داء الحزن أرداك القفارا !
لن يسوقوا البحر للمنفي ،
وقاع الموج فينا
لن يجف الحب في القلب ،
دفينا
والمنافي ، اللعنة الغبراء
أشعلنا دياجيها ... نهارا
معبد العمر جليل
كيف تطويه إنتحارا ؟
أيها الخيام ...
آتون علي نبض الأغاني
شعرك الغجري رعاف المعاني
فأفتحي الأبواب ياخرطوم
زغردن يتامي ، وعذاري
" وأذكرونا مثل ذكرانا لكم "
نحن أسري الشعر ،
و" الدوبيت " ألقانا ... سكاري !
...   ...   ...
أصدقائي
مترع كوبي من ريح الصحاري
نحن دون الحب ،
دون العزم ...
أشباح حياري .
نحن منكم دفقة الخير وعرسا في الدماء
فأعذروني أصدقائي
إن رفعت الكأس في هذا المساء
لنسور ظامئات ...
جنحها المشبوب طارا
خلفت في العتمة المنفي
وسجن الكبرياء !

2. الفداء !
    إلي شهيد الطبقة العاملة الشفيع أحمد الشيخ .
---------------------------------------------

ينوء قلب الشاعر
إن كان دم الشفيع
تشربته الأزاهر
وا خجلتا للربيع !
...   ...   ...
في السهد ما انتحبت ، ما بكيت
حين ضم مأتم النهار بيت .
ما بكينا رهبة ، أو شفقة
لكن عينيك الكحيلتين
بالنور ، والنبيلتين
تسامتا ... كراية ممزقة
تقاوم السقوط في الوحول المطبقة !
أواه ، ما ركعت ،
ما انحنيت !
وعندما أعتدي المرتزقة
عليك قبل الموت
فأفتديت
مرتين  ...
ياشفيع الطبقة !
...   ...   ...
في ساحة الأعدام
كان الردي ينام
توسدت عظامه ،
عبير هذي الزنبقة !
...   ...   ...
أعمي دبيب الريح
تعوي ولا ضريح !
...   ...   ...
كان الضحي مناحة
عمال موسكو ... يزرعون الساحة
دقيقة من الحداد
رهيبة الأبعاد
صمت تشيب في صخوره الجرداء ،
أضلع الجلاد
كأنما من حقده الكظيم
جزء عنقه !
...   ...   ...
وأنت عبر كل هامة
متوج الجبين ... بالعمامة
حمامة  ... من فوقها حمامة
وتزدهي علي جبيني مطرقة !
المجد للمسيح
علي حبال مشنقة
فلتلعنن الريح
والجباه المطرقة !
إن أعولت في صمتها
تسربلت بموتها
ولم يضئ خطوها الضرير
رعد صاعقة !
                                       - 1971 -
* الصورة : الشفيع يؤدي القسم وزيرا للعمال في حكومة اكتوبر 1964م ، أمام سر الختم الخليفة رئيس الوزراء و عوض الله صالح رئيس القضاء !


3- الحريق وأحلام البلابل
    إلي الشهيد عبد الخالق محجوب ...
------------------------------------
1- رؤية ...
وأراكم عبر هامات الليالي
والمهانات ، المسافات الطوال
تحنتون الجدر الهدباء ... في صمت الظلال
صرختي أزت علي الجير ... شيوعي
                                  شيوعي
وأنا أعلم رجل العمق ، وعمق الدجل
كلمات نيئات في الخوان الثمل
وضمير السادة النقاء
ألوان المونيكير ... الربيعي
لا رتوش الآن ، فالحرف مفاصل
سيداتي ، سادتي
يبصق في وجه المخاتل
شاهدي الزور، وأشباه الرجال!
قدنسيت الهمس والأيحاء ،
أشكال التواصل
فلتنوموا في المواخير ...علي الفن الرفيع !
2- المنحني ...
أيه ياطلق المحيا ... والحجي
                       ها أنا أرسف في قاع السلاسل
والأفاعي مثل أنياب الدجي
                       تنفثالسم علي وجه السنابل !
هل مضي الصيف ؟ وقد لقنته
                      قصة الموت الذي قام يقاتل !
وخريف العمر يصفر علي
                    همهمات الريح ... في الحور الزوابل
عاود الروح أساها ، أطبقت
                      في جدار الصمت ، آلام المفاصل !
أيه هل عدت إلينا ... كالسني
                     حين أرعبت أراجيح المقاصل !
الجماهير أشرأبت والعنا
                     يستبيها الصوت ، والميدان حافل !
ياصباح الخير كم أوحشتنا !
                    يمساء الخير تشجيك المنازل !
...   ...   ...
لم يعد للنبع غير المنحني
                 أرهف القلب علي نبض المناجل !
ما المنايا ؟ أنها أقدارنا
               وأمتداد البحر ... أحضان السواحل !
لا ألوم الدمع أن هامت به
                    وحشة النخل ، وأحلام البلابل !
لا ألوم الليل ، والنجم هوي
                  يعتلي الفجر المتاريس الجنادل !
أيها الشاعر ضوأت المشاعل
                 فأنبثق ثأرا وصخرا ، وجداول !
3- من الطارق ؟
               عبد الخالق !
يا أيادي الله ... قالوا ضعت من غير سرادق !
أين أخفو زهرة الليمون ،
               والعطر ... حدائق ؟
نصبوا للموت أعواد المشانق !
ياحبيبي
      تدلف الفرحة من سجن الشرانق !
ورأيت القتلة ،
مثل فئران الخنادق !
وهدير المقصلة
          مثل أفراح البيارق !
كانت الخرطوم شعرا
يشعل الليل حرائق !
                            - 1971 -
---------------------------------------------------------------------------------
* جيلي عبد الرحمن ، من ديوان : " الحريق وأحلام البلابل " .



4- العريس وطحالب القاع !
      
                              * إلي الشهيد عبد الخالق محجوب
                                                                   مرة أخري ...
إنتظرناك علي الشوك طويلا
ولهثنا في حقول الغيط ،
سنطا ، ونخيلا
كنت تزهو في ذراع الثائر المهدي ،
سيفا
يحتسي المحروم منه ،
قطرات الشهد صيفا
كان سيفا ... أحمر الحد ، صقيلا
وعبابا من جماهير ...
تغني للنسائم !
كيف سال الحزن مهراقا
علي زغب الحمائم ؟
وارتعدنا ، وانتفضنا ،
حين أزمعت الرحيلا
...   ...   ...
خوذة الجندي ،
قيظ
مثل دبابة نار
تنفث الشمس لظاها
فوق أشلاء النهار
في بيوت القش
والطين
وأسفلت الشوارع
تفغر الظلمة فاها
والمتاريس ،
المدافع !
وأفتديناك ... أختفينا
وأحتفينا بالبنادق
وأدخرناك نشيدا ،
وشهيدا ،
وبيارق !
وأقتلعت الطحلب القاعي
والصمت ،
الجذورا !
وأمتشقت الراية الشماء
غضبانا ،
جسورا .
أيها المصلوب
والإنسان الخرافي ...يرود
ملحمات العصر
والأيام للدنيا وقود
القرابين تطوف
والمزامير ، الدفوف
ياعريس الغبش
والحزب
أمانيك القطوف !
...   ...   ...
قبضة السيف نعاس
هزها الشعب ، فقاما
في شغاف القلب وسدناك سهما  ،
ومساما
هل تري ريح الهبوب ؟
أم قناديل الغروب ،
أم ، مرايا الماء ،
تسقيهن بالورد الخضيب !
ذاك تموز الدافئ
مرة أخري يجئ
يارياح الشهداء
أقشعي الحزن القمئ !
...   ...   ...
شامخ الجبهة مزموم الشفة
في جدار الغرفة المرتجفة
أتملاك إذا ما الشوق يهطل
في دمائي ...
يختلي اليتم ، ويجفل
كأرتعاش الأرصفة
في العيون الواجفة !
...   ...   ...
أعولت ريح تسف
ذكريات لا تحف
أشهر دوت كطلقات ،
وأطياف ترف
يايناير
ياهزيج الشعب " يا أم الضفائر "
رحت ترنو
تبسم الشفتان
والدنيا بشائر !
...   ...   ...
لا تقولوا
أخطأ الحزب
وهاشم
لم يساوم !
غير أن الغفلة الكبري ،
وأشياء ... طلاسم !
لا تقولوا
يستحي القول الجميل
قطرة الدمع تقاوم
قطرة الدمع تقاوم !
...   ...   ...
يا أبي أنت ، وأمي
أتزيح اليوم ... همي ؟
ياعمادي
كيف يهوي مرة ... طود أشم !
في بلادي
كان ثوريا شيوعي القلم
أنه صخر أصم
والمنايا ... حينما العمر أرتطم !
خضت بحر الموت نسرا
يتهادي للقمم
عم مساءا
أوغل الليل
فنم !
...   ...   ...
وأنتظرناك علي الشوك المدمي
مثلما يشتاق في الظلمات أعمي !
ياعريس الشهداء
طفلك المطعون يوليو في السماء
صانك المجد  وحب الفقراء
وأفتداك الشعب ...
دوما !
------------------------------------------------------------------------------
* القصيدة هي الرابعة التي ضمتها المجموعة ، التي كرسها جيلي عبد الرحمن لشهداء الحزب الشيوعي والحركة الثورية العام 1971 ، إذ ضم الديوان خمس قصائد فقط ، وسبق أن نوهنا عند بداية نشرنا لها في هذا " الفيس المبجل " أنها قد طبعت بهذا الشكل الفقير ونشرت بجهد طلابي خالص في براغ ... ، وسننشر القصيدة الأخيرة " الملاك جوزيف " لاحقا !

5- المــــــــلاك جـــــــوزيف ...
                              
إلي الشهيد : جوزيف قرنق

مآذن المعز صامتة
والنيل كالضحايا ... في المياه الباهتة
من ذا أثار الخفق بالشوارع المسفلتة ؟
عصفورة العرايا ، والمرايا الميتة !
...   ...   ...
لم تحك لي عن رقصة الزنوج حول النار
ووحشة الأعشاش في مستنقع النهار
وعن ذوات الخرز ، الأصداف ، والأبقار
كيف أنتحبن كالرعود ... في هواطل الأمطار؟
حكيت لي عن عامل يبيع عرقه
ودودة تكتظ من خلايا الطبقة
و " جودة " السبايا ... في سجونها المختنقة
كأنني أراك ، في ذراك
قبل المشنقة !
...   ...   ...
واليوم نصطفيك في أعيادنا المخضبة
نهديك ما منحتنا بالعين ، بل ... والرقبة !
ورسمك المرسوم في قلوبنا ...
كالهضبة !
توسدت من حوله ...
أضلعنا الملتهبة !
...   ...   ...
صحائف المساء تنعي للوري الضحايا
و " جودة " السبايا ،
قد جاش في دمايا !
وإنهار فينا حائط ...
مزقنا شظنا
يازمن الطغاة ،
والأباة ،
والعرايا !
لطخت هذا المغرب المشجوج بالدماء
مشانقا نصبن في أروقة المساء !
وكيف مد خطوة ...
كالعاصف الشتاء
وأوثقوه بالسنا ،
والمسك  والحناء !
...   ...   ...
أدعوك ياجوزيف ،
عفو الآلهة
أن هام طيف بسمة ،
مشرقة و والهة
مولدنا العظيم في لاذراك الفارهة
ورفقة الخرطوم  ...
يحصبون أبرهة !
                                 - موسكو 6/10/1976 -
------------------------------------------------------------------------
* هذه هي القصيدة الخامسة / الأخيرة من ديوان " الحريق وأحلام البلابل " لجيلي عبد الرحمن ...
* قصدنا ، بنشرنا كل قصائد هذا الديوان " النادر " ، لشاعرنا الكبير الراحل جيلي عبد الرحمن ، أن نجعل هذه القصائد في التوثيق ، ومتاحة للقراء ، فقد كتبت في شهداء حركة 19 يوليو 1971 في السودان ، وهي المجذرة البشعة التي أقامها للشيوعيين الديكتاتور السفاح جعفر نميري ! نشرت الديوان في براغ رابطة الطلاب الشيوعيين السودانيين في أكتوبر 1986 لمناسبة الذكري الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني !

الأربعاء، أكتوبر 17، 2012

مياهها بيضـــــــاء !

                                                           * الحالمة : بيكاسو *
* إلي : السوسنة ...

ضوء واضح كالبرق
أرسمه كخط مستقيم
في ردف
تطارده لواحظ الرغبة
أني مال ...

كليل شمعة
خفيفا إليها أسعي
أجتر مواويل خيبتي
دون التورط في نقاء
لا أقوي عليه ...

هل علي أن أزأر ، كفريسة مذبوحة ،
كلما مسني غيابها
أو داهمتني عري اللغة
وتأويلات مراياها
في حضرتها ...

كيف تشهر صمت خريفها
في أصابع خطوي الحثيث
وتسلم جسدي لحريق العرق ؟

معا ...
كنا نشعل الرجاءات
فكيف يخبو شجن الوجد
ويزهو " زعلا " بيننا ...
كل هذا الصمت ؟

موجها وحده ،
الذي يحمل قاربي إلي بحرها
فلسعت ساعاتي
الظمأي لقصيدتها الشاردة ...
تنبت زهوري اليانعة
علي جسدها
تزهر شبقا تعرفه
تورق تلك " الغيرة " المجنونة
في مجازي !

هي من أسمتني " أبيضا "
قهوة بسكر قليل
وكأس نبيذ أحمر
في ليل مطير
يسامرها حتي حضور الغياب !

هي من وهبتني
تذكرة السفر إليها
نثرت وجدا
سال كالعسل الأبيض
علي أجفاني ...

قلت :
أخلط زرقة مياهها
علي بياض قلبي ،
فيغدو اللون حنان ...
يرسو
كما شفتاي
علي خدها ...

ياااااااه ،
أي رحم يسع الآن لغتي
شوقي ،
واشتهاءاتي ...
سوي صدرك الرحيم
ياسوسنتي ؟

الخميس، أكتوبر 11، 2012

كتابة الجسد ... !

                                                       * اللوحة لهنري ماتيس *


الكتابة في العشق ، وفي الجسد ،
أشراق أم وجع وإحباط ؟
-----------------------

   من المعلوم إن الكتابة عن الجسد ، والشعر منها علي وجه الخصوص ، هي من " التابوهات " التي تؤرق ضمير الكتابة ، فتجعلها في محظورات ومحرمات المجتمع . ويعاني الكتاب والشعراء العنت الكثير والإحباط والكآبة حين يكتبون عشقهم وجسدهم ، بعضهم – يصيبه ما يصيبه من رهق وتعب – فيبتعدون عنه ويكتبون في موضوعات أخري ، و ... " يا دار ما دخلك شر " !  هذا الأمر تجده في أبشع صوره وأكثر ألمه لدي النساء الشاعرات ، فقمع التابو يكون إزائهن مضاعفا ، يطالهن بعسف وقمع مخيف !
إحداهن ، شاعرة بمفردة مبتكرة وصورا زاهية ودلالات ومعان بهيجة ، تكتب الحب والعشق والجسد شعرا جميلا ، موجودة في هذا " الفيس المبجل " وتنشر شعرها أحيانا ، تفعل تحت توقيع أسمها الحقيقي فتواجه ذلك القمع فور نشرها لنتاجها الجميل ، لكنها – مثل الكثيرات والكثيرون أيضا – يصيبها ما يصيبها من ذلك المجتمع القاسي ويكاد يدمي منها قلبها ورؤاها ، تعيش حالة خشية ويأس وتسود الدنيا في ناظريها ، تكاد تهرب من فعل الكتابة نفسه أحيانا كثيرة ! من شعرها ، نقرأ مثلا :

"يا سيدي ها قد عدت تغريني 

 بسحر الشعر من خدع ٍجديدة ..

 وتعلم انني مجنونة مفتونه بالنص

 يوجعني ويجعلني سعيدة..

 يصطادني شرك القوافي

 والقراءات المجيدة ..

 ويحي انا من مأزق الحرف الشهي

! " وابتلاءات القصيدة..

وتقول أيضا :
خبرو ذلك الانيق انى اشتاقه ,,

 اشتاق عطره وشِعره وحديثه

 وطريقته التى يحبنى بها ,,

 هو يعلم انى جسورة فى عشقى

 وفى شوقى وجنونى ..

 يعلم اننى اقول ما احسه فعلا..

 يعلم اننى اسقط تلك الفواصل الوهمية

 بين خط الاشتهاء وخطوط الذكر والانتى

 وعندما اصمت

 يعلم ان سكوتى ليس علامة (الرضا)

 بل لأن شيئا ما .. يشغل تفكيرى ..

 وعندما اقول انى اشتاقك ,,

 فانا فعلا فى هذه اللحطة مملؤة شوقا

! " . ومعبأة به ,,,

نا امرأة حرة ..

 اقلع وقتما اشاء..

 واهبط وقتما اشاء ..

 لم يعيرنى احد حناجيه ..

 ولم اتوسل احدا ما ..

 صنعتهما بنفسى ..

 فقط اتوقف فى المحطات الكبيرة

 لازود روحى بالوقود

 وعندما اشتم رائحة حريق القلب

 اهبط اضطراريا على محيط الكتابة

 .. اهٍ .. تلك الكتابة ..

 اظننى اهبط عليها غيرة مضطرة .. ايضا..

 الشئ الوجيد الذى يستوعب جنونك

 واعطابك ويصلحها بلا مقابل...

 هذا الحرف يخلق كيمياء عجيبة

 بينك وبين شخص ما ..فى مكان ما..

! " . وينجب اطفالا تحت الارض .. بعظمة السماء..

هذه الشاعرة يصيبها التعب أحيانا ، تتعب جدا جراء الحصار والقمع ، فتقول وجعها :
"
تعبت يا سيدى .. لم استطيع ان اكون انا

فى العالم الدينى الذكورى لم اقدر ابدا ، حاولت كثيرا تمردت كثيرا ثم وجدت نفسى فى نقطة البداية .. منتهى الاحباط !! " .
أصابني الفزع إذ أري التشوهات تذهب من محيط النفس إلي الجسد ، فتصيبه بالعطن ، النفسي يطال الجسدي ، فتبدأ تشوهات الجسد ، لا ، ليست هنالك مسببات عضوية أو بيولوجية هنا ، لكنه القمع المجتمعي يمارس في قسوة وغلظة ضد الجسد ، عندما يتم حصار وقمع الكتابات والشعر الذي يكون موضوعه الجسد أو الحب والعشق ، وهما حالتان لا يكونان في تمام الحياة إلا بمصاحبتهما الحميمة للجسد ، في إنفعالاته وصحوه وعواطفه ، ففي ارتعاشاته جراء حالات الحب والعشق ، يبدأ يكون مزهرا وحيويا ومليئا بعنفوان وعافية الحياة ! ولكن ، المؤلم المفجع هنا ، هو ما يصيب الجسد والمخيلة من تشوهات تقعد بهمها عن وظائفهما الحيوية في الحياة . عندما تصل الصراعات والتناقضات التي يؤججها عنت المجتمع وقمعه للجسد ورؤاه ، يصبح عندذاك الجهاز النفسي غير قادر علي الحفاظ علي الضغط الداخلي ضمن سيطرته ، وعندها يرفض الجسد الأستمرار في هذه " اللعبة " المجنونة  التي نمارسها وتفشل وسائل دفاعنا في الحفاظ علي التوازن المطلوب ، أو عندما يصل التنافر إلي مرحلة عدم إمكان تحقيق الأنسجام بين مفهوم الفرد لذاته والممارسة الواقعية لهذا المفهوم ، أو عندما يتهدد نظام المنظومة بالإنهيار نتيجة عدم التوازن في علاقات المنظومة الأجتماعية أو الأسرية ، وقتذاك ، يتمرد جسدنا علينا بأسلوبه الخاص ، بإجبارنا علي حل الصراعات أو التنافر المسبب للصراعات ، وإن كان ذلك بطريقة رمزية ولا شعورية علي الأرجح ، وعلي حساب إحساسنا الجسدي بالراحة والعافية أيضا ، إنه يتمرد حتي لو كان في ذلك إحساس بالألم الجسدي ، ولكن ، ربما كان الألم الجسدي أخف وطأة من الألم النفسي تماما كما في حالة شاعرتنا ، التي نال منها التعب النفسي وألمه حتي كاد يجعلها تكف عن الشعر !

قضية الكتابات الشعرية عن الجسد ، وعن الحب والعشق في سماتهما الجسدية ، محفوفة بالمغامرة ، يحفها ويحيط بها الخطر والمحظورات والنواهي التي تعد حصارا قاسيا عليها وعلي رؤي الشاعر نفسه ، ولعلنا – في الكتابة علي هامش الجسد – في هذا القروب ، نتيح قدرا كبيرا ونافذة مشرعة لهذه الكتابات أن تنشر هنا في الناس ، ونأمل بذلك أن نفتح " ثغرات " في ذلك الجدار السميك ، ولكي نجعل ، في وعي وقلوب القارئين والقارئات ، أضواء من قبسات التنوير التي تسهم - عبر تلك الكتابات – في معارك التحرير والتغيير ، تحرير المجتمع والجسد معا ، ندعها ، إذن ، النوافذ مشرعات للضوء البهيج !
------------------------------------------------------------------------
* سبق نشره في موقع " الكتابة علي هامش الجسد  " علي الفيسبوك .