Powered By Blogger

الأحد، أغسطس 04، 2013

علي عبد القيوم في مهرجان يوم الشعر العالمي ...

         


علي عبد القيوم : لا نتذكره ، فأبدا ما نسيناه حتي نتذكره ،
                     معكم ، نسامره الليلة ، هذا الجميل !
------------------------------------------------------
                

" إشتهاءك الموت، ومذاق فمه ،

الحُزن العميق في مرحك البطولى.

سيمُرْ زمن طويل قبل أن يُولد

- إِن وُلد

من هو نبيل مثلك

غنىُ بالمغامرةِ مثلك

نُغنى لجمال وجهك

بكلماتٍ كالأنين

ونتذكرك، نسيماً جميلاً

تسرى بيننا.. " .

- لوركا -

 

يبدو أن الشعراء هم أكثر الناس الذين يحصلون على الهبات المكتشفة كُلها، وفى ذات الوقت، يكتشفون دون نسيان – كما فعل " بودلير " – رقياتهم المؤذية كلها، يفعلون ذلك وهم يعيشون الحياة بكل عنفوانها ويعيشون الشعر! تمر السنون تلو السنون ، المرء يُستهلك، يزدهر، يُعانى دوامات الصراع والجدوى، بإشراقٍ شفيف وحساسية تخالطها فيوضات خشنة لواقع الحياة وتجلياتها! والسنون تجلب للمرء الحياة، وأحياناً كثيرة تأخذ منه هذه الحياة نفسها، فتصير " التوديعات " ألِيفة لأنها لصيقة بحياتنا ومعاشنا، يدخل الأصدقاء السجون أو يخرجون منها، يذهبون إلى المنافى البعيدات أو هم يعيشون الغربة الأليمة في الوطن ، أو هم ببساطة يموتون ! وهم بعيدون أو قريبون منا، يبدو لنا أنهم يموتون أقل، ونقول أنهم يستمرون يحيون في دواخلنا كما كانوا ! ولكننا – بسببٍ غامض – نمسك عن الكتابة عنهم، ربما خوفاً من رتوب وتراكم الألم الإنسانى تجاه الموت ! إِذ أن المرء - عادةً – لا يحب أن يصبح فهرساً للمتوفين، وهم الذين كانوا أكثر الناس قُرباً وحُباً إلى قلوبنا !

 بهذه الروح الأسيانة، ووخزات الرحيل تؤلم القلب وتعصر الفؤاد ، نسامره الليلة ، هذا الصديق الحبيب، الإنسان الرائع الجميل، الشاعر الكبير على عبد القيوم. وفى كل عام، عندما تحل ذكراه المجيدة، نردد شعره الذي نكاد نحفظه ملء قلوبنا ويعيش الحياة في صحبتنا ... لكأني أسمعه الآن ، بوجهه السمح ووسامة ابتسامته ، يقول لنا ، هذا المساء :
يا لتلك العيون المريبة :
من أين هذه الفداحة في اللغة ...
وفي الشعر ؟
لماذا العيون ترتاب لشعري
وتنسي الظلاما ؟
ألم أكن آوي إلي شهرزادي / البلاد ،
فتمنحني قهوة مرة ...
ساعدا وراية ،
لا كلاما ؟
والكلام الآن – أيها الجميلون- -
في " علي الزين " ،
بهيا أراه .
حسنا ...
سابتاع منكم كتابا للمرحلة
وأسرق منكم سلاما
فمن ذا الذي يراني سهاما
وذاك الذي يراني مناما ...
وذلك الذي يراني في سماء الشعر
وردا وغماما !




على عبد القيوم كان مُقِلاً في كتابة الشعر، تمتلئ نفسه بالرؤيا الحارقة للشعر، لكنه قليلاً ما يرتاح عنها على الورق. هو نفسه كان يدرك ذلك، قال في مفتتح ديوانه الوحيد الذى نشره في أخريات  حياته بالقاهرة: " الخيل والحواجز "، تحت عنوان: " تَعِلةْ المُقِلْ ":

 

 " قد كنت دوماً ضنيناً

بالشعرٍِ

دوماً مُقِلاً

أفوقُ صحبِى هياماً

وأعتليهم تِعلة !

ياتاجَ رأسى سلاماً

يأتيك فوق التجلة

من الجنوب بروقاً

من الشمال أهلهْ

يَاتاج رأسى سلاماً

يأتيك فوق التجلة " .

بضع وأربعون قصيدة هى جملة ما بين أيدينا من شعره المنشور، وهو كمُ جد محدود بالنسبة لشاعر كبير في قامة على عبد القيوم! وشعره، هذا القليل، قد ذاع في الناس وأشهره شاعراً شعركبيراً يُعد من شعراؤنا المُجيدون، لقد تمتع شعره بالجودة والنصاعة ، في صوره ورؤياه ومعانيه ذات الدلالات والإحالات التى تستمد بريقها وتوهجها من الحياة الصاخبة من حوله. ولكن، أيكون هذا هو كل شعره أم أن هنالك أشعاراً أُخرى مُبعثرة تنتظر اليد التى تمتد إليها فتجمعها وتعدها للنشر؟! نحن نرجح أن هنالك بعضاً كثيراً من القصائد لدى بعض الأصدقاء وأُسرته، فقد عرفت أنه قد كتب في أُخريات سنينه شعراً وقصائد تنتظر هى الأُخرى تلك السانحة التى تُقيِض لها النشر والزيوع!
   أما ما يمكنها أن تؤشر إليه بأصبع الشعر ذاتها ، في التجربة ممكنة الوسع والفهم والتصورات ، في تجربة عبد القيوم الشعرية والحياتية ، في وجهة شعريتها وفي مواقفها من العالم ومن الحياة ، في الاطارالعام لحالة الشعر عندنا الآن ، هي ، علي التحديد ، تكمن في بانوراما السؤال المثير بحق للقلق والتساؤل هنا ، هي علاقة المكتوب الشعري لديه بالآخر الشعري الحادث بيننا بملامحه كلها الآن في شعرنا وذاك الذي من حولنا من التجارب الآخري، من التراث الشعري نفسه والمصائر الشعرية في حلمية رؤاها ووجودها بالذات . لعل صعوبة السؤال تتجلي في عدم الاتفاق – بعد – علي أفضلية ما ، لشعر ما ، خارج هذا الواقع الملتبس الذي بحاصرنا ! أنني أنظر إلي تجربة علي عبد القيوم الشعرية عبر هذه الرؤية ، فأراه عاشقا للبلاد الكبيرة : للحبيبة والوطن معا ، الحبيبة المرأة ، والحبيبة الوطن ، بل ما يعتمل داخلهما من اضاءات ورؤيات وملامح يشئ الشعر بها و... يقول ، يحاورهما ويناجيهما ، ثم يناديهما
- بعشق كثير كبير – في أوقاته وأزمنته كلها ... الشاعر الآن ، هو هذا الوجه الجميل فينا ، وعلي عبد القيوم ليس صارخا ومناديا بشعارات المرحلة ، معنيا بالثبات في وجه المشانق والشروق فحسب ، بل هو حالم وعاشق كبير للغد في تجلياته المحرقة في الشعروفي أعماقه النقية المضيئة بنورها ، وإن كان كامنا يتخفي ، أحيانا ، بين ركام الغوايات الكثيرة المحيطة بنا !
لأجل التذكر فقط ، للذكري كي تكون ضوءا  رحيما في قلوبنا ، نقول : أن كل حاضر هو أساسا امتداد لماضي ما ، وفي ذات الوقت ، هو ارهاص بمستقبل آت ، فالحاضر في راهننا الثقافي / الشعري ، هو جسر لاتصال ولانفصال أيضا ، وأرض لصراع يجري بنسق متعدد ومتنوع لكنه لا ينقطع بين ثوابت هنا ومتغيرات هناك . لكننا نلاحظ بحذر أن الماضي قد يرتمي بوطء كثير علي الحاضر حتي ليكاد  يخنقه ، كما قد يلح المستقبل علي الماضي/الحاضر فيملؤه بالتوتر والتأزم والصراع ، مفجرا ومبشرا بحاضر / مستقبل جديد ، يبزغ كما الفسيل ، في تربة واقعنا الثقافي نفسه ، لامعا ويانعا ، وفي ملامح وسمات جميلة مدهشة . لعلي أراكم من المؤيدون حين أقول أننا نعيش الآن مرحلة من أخطر المراحل في تاريخنا الإنساني كله ، فمعاول المستقبل تضرب بعنف في أرض راهننا ، مبشرة بغرس إنساني جديد وفريد ومبتكر ... أنظروا إلي وجوه الثقافة عندنا الآن ، وعند غيرنا ، سترونها هذه الملامح الثقافية الجديدة مزهرة ، تطلع في بهاء مولدها المباغت ، باصرار عنيد مبتكر ، وفي تجليات الشعر تجدونها أوضح ، أكثر تألقا وفتنة ... في تجديد القصة والرواية ، في التشكيل والمسرح ، وفي الغناء والموسيقي ، ترونها بجلاء تلك الوجوه باشراق حساسيتها الجديدة العالية في الأدب والفن والشعر ... والصراع الذي قلنا به ، تجده يحتدم بين دعاة التجديد والتحديث والتقدم ، ودعاة الجمود والتشبث بالثوابت والمسلمات والمطلقات ... هو صراع أصبح مرئيا ومسموعا ، لكنه ، أحيانا ، يتخذ له اشكالا وأقنعة مختلفة ومتنوعة ، ولربما غامضة حامضة أيضا ، لكنها ، في كل أحوالها وأطوارها ، مغايرة ، تصادم السائد ، تهدم نهجه واساسياته ، وتضع لبنات البنايات الجديدة قيد الانشاء ، التي سرعان ما تراها في الصدارة ، وفي اللمعان والتوهج ، تلك الشعرية الطالعة . لقد أطلت ، حتي أتيح فهما أفضل لتجربة علي عبد القيوم ، من ملامح شعرية سابقة عليه ، ومن راهنه ذاك ، وبيئته ، بيئة الوطن وحاله ، طلعت أشعاره ، وبشغف مواجده لامس المستقبل ، الذي هو حاضرنا الآن ، فهل شاركنا ، في يوم الناس هذا ، رؤانا للغد ؟

حُب جارف عنيد، ولكنه رائع وشفيف في ذات الوقت، تمتزج فيه المرأة مع الأرض والإنسان، ذلك هو ماطبع شعر الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى،، الحُب، أصبح – وقتذاك – جزءً من صلابة التحدى والصمود! ذلك كان أحد أهم سمات المرحلة وتوهجها النبيل، فكان أن جعل عبد القيوم الوسامة نفسها  في قصائده ، التوليد المستمر للصور والرموز الضاجة بأصواتها وإِنفعالاتها وإصدائها، جعل من شعره مرايا ملونه للحياة، في أشكالها البديعة وتجلياتها الناضجة. كان يدرك، ببصيرته النفاذة ووعيه المُتقد، أنه ينتمى إلى أُمةٍ تعتز بأن مخيلتها، ماتزال تقدم الدليل تلو الدليل على أن الشعر من أهم ميزاتها الإبداعيه، ولهذا نجده قد حافظ – بحرصٍ وإصرارٍ أكيد –على ذلك الإنتماء في تجلياته المتنوعه في الحياة. وشعره كله تجده يتصف بالتصاعد، تصاعد في قوته ونفسَهَ ورؤياه ، تصاعد جرأة وتفرع من داخله أساليب في كتابة القصيدة، ولكنها هى أساليبه هو بالذات! أن شعره نحسه بين أيدينا، في الساحات وفى الشوارع، ويملأ علينا كل النوافذ، أنه شعر يُدخلنا بهزاتٍ وتواتر عنيف إلى حيث الأُتون، أتون الأخيلة والصور، يُدخلنا إلى حيث المساحة ذات اللهيب، إلى حيث جحيم التجربة وجنة الخلق:

" هذا المساء لو يُباع

تنهشه الخرطوم من عيونكم

حتى تبل ريقها

ويستجم السادة الكبار

تحت أذرعه

وتستحم في ندائه الشوارع المُرصعة ...

لكنه يِقرْ في براءة الرمال

يستفزه توهج الأسفلت والحديد،

، لا يُباعْ!

وهذه الخرطوم – بنت دار الصبح

لصة الذراعْ

تسرقكم نداوة الرذاذ

كى تَقِرْ في بيوت السادة الكبار ،

بعد الخريف، ذهباً وجُلنار

ومركباتٍ حافلاتٍ بالعويّن والخدم

وأنتم هنا،

لا شئ غير رنة الجِرداق

غناؤكم ألم

خريفكم ألم

ربيعكم ألم

لكنما ربيعنا، ربيعكم

لو تبغضونه، يجيئكم

مزدهر الكفين، راقص الهشاب

بعد الخريف الواعد السحاب " ...

دائماً ، في شعره ، يُمكنك أن تُلاحظ ذلك الإلتماع الثمين للمعانى والصور، يُرصع القصيدة كُلها فيجعلها مزهوةً وفاتنه ، كما العروس في ليلة عُرسها ! أنه يستغل طاقته الشعرية المبذولة بافياضٍ غزيرة في مخيلته ويسيطر عليها بإرادة وقوة، فيجمع نثار اللأعقلانى – أحياناً – في قصيدته بوعىٍ ملحوظ ، وعلى أساس ذلك ينتقى الألفاظ، يفعل ذلك في قصيدته، ولكنه في ذات الوقت يرفض كل ماهو رخو أو مُتهدل منها. فالألفاظ لديه تخدم صورها خدمةً بارعة، أنه يجعل من قصيدته وحدة متراصة ومتماسكة كجوهرة منفصلة عن غيرها،، " فالقصيدة الفذة هى في النهاية كناية واحدة مُطوله، قائمة بنفسها " كما يقول جبرا.

أن في الجوهر من القصائد ظلال واضحة لعشقٍ أشبه بتجربة موتٍ عنيف، يتفجر شموساً وكواكباً، حمماً وينابيع، جراحات وخوارق:

 " صدرها، يا صدرها، يا صدرها ...

موسم اللذة أيام الخريف ،

الندى والشهد والظل الوريف ،

ردفها، يا ردفها، يا ردفها ...

وهج النوار تحت الشمسِ،
في بطن المراعى

وإنسياب الماء ،

فى البلور،

من سطحٍ لقاعِ ...

أى شلال من الشهوة يرتج ويغرى، ثملا ! 

أى نهدين إستجارا بشبابى ثم لم يتحملا

ألم الهصرِ وأوجاعَ الرضاعِ !

أنفضى أيتها الأمطار عن ليلاتنا العار/ الغبارا

أفصدى تُربتنا ينزلق الستر وتنحل

التلافيف

إزاراً فإِزارا!

وأنثرى فوق جراح الزمن الماضى البهارا !

ثرثرى ،

ينهشم الصمت وتصطك الصحارى،

تحت برد الرعشة الكبرى

تُناغيك، تُغنى:

أزرعى الغابات ظلاً ودثاراً

وأرفعى ألوية العشق الهلامى شعارا " ...

لا، ليس الشاعر وحده هو الذى نضج وتغيَّر، بل المدينة أيضاً قد نضجت وتغيَّرت، وأصبحت الحياة فيها " فولاذية " صلدة، مزدحمة بالحيوات والأشياء والصراعات والمتناقضات،، ولكنها تعتمل فيها قوىٍ جديدة ورموز جديدة. والحُب يُهدده ويُطارده الشبق، والشبق عابر، لا يستهدف شخصاً معيناً بقدر ما يستهدف الجسد دونما تعيين! ولهذا نراه يخرج من قصيدته " شبق " ليدخل إلى رحاب المرأة، التى تتداخل في أُفقه الشعرى وتجاريب حياته نفسها مع الوطن والحياة، حياته التى يعيشها كما يعيش رؤيا الشعر وتصوراته، يجدهما إمرأتان أمامه، الأولى: " أُنثى منافقة ":

 " كانت ولم تزل منافقة

يختال مثلها الطاؤوس ...

لكنها تختال بين الرفضِ والموافقة!

لذا هجرتها،

هجرتها كما عشقتها، إلى الأبد

ياقُدرتى على الصمود

يا تماسكى

مدد، مدد، مدد ! " ...

أما الأُخرى، فهى التى يتفيأ ظلالها ويلتجئ إليها، ليجد عندها الحضن والمهد الرحيم،

هى أذن " أُنثى ظليلة ":

" غيمة أنتِ؟

لا.

ولست أنا شاعراً

يطمس الواقع بالمفرداتِ النبيلة

 ربما تحت وهج الظهيرة

ظللتنى رؤاكِ

ولكن،

لم تكونى غمامة ...

كُنتِ أُنثى ظليلة " ...

أحيانا كثيرة ، ونحن نتحدث عن تلك المرحلة بالذات ، تجد أن الأرصفة، ونعني أرصفة الشعر وقتذاك، كانت مكتظة بحقائب كثيرة، لرجال ونساء لانعرف منهم إلا أنهم مسافرون في إثر شهوة يُراد لها أن تكتمل وتبلغ ذراها وتخومها في تلاحم الجسد بالجسد واللذة باللذة في تلازمهم الحميم! ولكن عبدالقيوم يبحث ، وهو يُعانى من جراء دواماتها وإرتعاشاتها وتوتراتها عن (النبالة) والعشق النبيل ...  أبداً ما عرفت شاعراً يقترب – هكذا – من المرأة وهى في تجليات (الشهوة) و(الجسد) ثم يبتعد ليعود يطلبها هي ذاتها  ، وجوه النبالة والقيم الجديدة الفاضلة التى يطلبها ويلح في طلبها – عادة – طلائع الثوار وحداة المجتمع! تلك رؤية مغايرة تماماً لتوجهات الشعر في تلك المرحلة ، ثم أن علياً يعُتبر – أيضاً – من شعراء بلادنا القلائل الذين كتبوا شعراً جميلاً في الحواس  ، وعندما كتب عنها، تناولها بإعتبارها من فعاليات الجسد الإنسانى والإدراك الحسى، وبقدرة شعرية مبصرة، وظفها لخدمة الشعر والحياة ... يقول في (قصائد الحواس:

1 - اللسان:

ياويحه ...

يلجمه الصمت ،

فهل ألومه وقد قُطع؟!!

ينبؤنى لساني

بأن ما أقوله

ليس هو المعانى ،

وإنما الأصوات ...

وأن ما إعتراني

من أرق الليل

ومن تعثُر البيان ،

هو الذى – إذا صبرت

قد يعصمنى

من ذلة اللسان!

وربما أسلمنى للصمت والموات!

 * * *

يا أنت يا لسانى،

يلجمك الصمت ...

فما جدواك؟؟

ومن يُكرس إحتجاجاتي
 وغضبي سواك؟؟

 * * *

يأيها الطويل ما أقصرك!! " ...

 3 - قصيدة البصر:  

" قمر أحمر

يتلألأ فوق رمال حمراء

فوق الرمل الأحمر

أزهار فاقعة الحُمر

بين الأزهار الحمراء

شاهد قبرٍ منقوش

بالكلمات الحمراء

****

سَطَع البرق الأحمر

لهب النيران الحمراء

يتوهج ملء عيون البنت السمراء

ذات الفستان الأسود

والأحلام الحمراء!!" ...

  3 - قصيدة السمع :

" أنى أسمع في ملكوت البُعد تحاياكم

أستنشق دفء وصاياكم

أسمع إيقاع خُطاكم

إيقاع خُطاكم

إيقاع خُطاكم

نحو الشمس الحمراء "...

 هكذا: اللسان والبصـــــــر والسمع، الحواس التى بها يحيا الإنسان ويعيش، وعن طريقها تتحد المصائر، بقاءً نبيلاً وجســـوراً في الحياة، او زوال، وإضمحلال وتلاش! حقاً، ياعزيزنا على، ان اللسان الصامت يستحق ان يُقطع، والبصر الذى لايعاين العسف والجـــــــــــــور والدماء، عليه ان يُكف ان يرى، لانه حقاً لايرى ، لان البنت، التى هى الحبيبة والوطن ترى البرق الاحمر والنيران الحمراء ، هى ذات فستان اسود جميل ولكن أحلامها حمراء حمراء، فهى مبصرة، ترى ما يحدث حولها، ترى الدماء والجراح النازفة وسوف (تسمع) نداءات الثورة القادمة! فأنظر كيف في (قصيدة السمع) يسمع الشاعر تحايا الشعوب ويستنشق دفْ الوصايا ، يسمع إيقاع الخُطى فيملاً عليه سمعه ونفسه كلها وسوف تقترن في مسيرها نحو الشمس الحمراء بجماهير الشعب التى كانت في ضمير عبد القيوم قلادة وجوهرة .
ولحسن طالع الشعر في هذه الأمسية ، لربما بسبب من روح علي التي تحوم الآن من حولنا ، أنني وجدت هذا الصباح نصا شعريا بملامح ما كان يرهص به شعر علي عبد القيوم ، وهو – في ظني – يعد من ملامح هذا الوجه الجديد الذي تحدثنا عنه ، ثم إن النص يرهص ، علي طريقته ونسقه بالطبع ، بالغد الجميل ، والحال كذلك نعده من استقبالات ما كان يهجس به شاعرنا عبد القيوم ، يقول النص الجميل لبابكر الوسيلة :
" أصدقائي
  كلكم عاشق ...
  والإنسان دوما ،
  عن عشيقته أمام الغربة البيضاء
  يسأل عن طريقته !
  ...   ...   ...
  أصدقائي
  هل تحبون الوطن ؟
  فلماذا تنسون إذن
  دمعة الأرض الوحيدة
والنداءات البعيدة
لنشيد في الزمن ؟ " ...

هو السؤال المحرق ، لوجه الشعر والجسد معا : لماذا ننسي دمعة الأرض الوحيدة و ... النداءات ، حقا ، لماذا ؟ ونحن المعدودون في حب الوطن ، لماذا ؟ هو العشق إذن ، أيا ما كان ذلك العشق ، في ملامحه وتنوعها ، في مواجده المحرقات ، باللوعات الكثار ، في وجه القصيدة وجسدها ، لكننا نراه عشقا محضا علي أية حال ! في قصيدته البديعة : " ما أشبه العشاق بالأنهار والأسري " ، يدلف عبد القيوم إلي ذلك الفردوس نفسه : حديقة العشاق ، ليجعلنا في أسئلة الشعر المجيدة ، أتكون هي الحبيبة أم الوطن ، الحديقة أم ورودها اليانعات ، أم هي " الوردة في مشارقها " يا وسيلة ؟ هي بعضا كثيرا من ذلك كله ، ولا مندوحة لنا هنا من التأويل أيضا ! يقول علي عبد القيوم فيها :
" في آخر الليل الذي أسري
  دلف الجنود بجثتين إلي
  الجبانة الكبري ... " ...
نتوقف هنا برهة لنلاحظ : إنهما جثتان لا واحدة ، وقد أتي بهما جنود ، علي خلاف من يحضرون بالجنازة عادة ، هم جنود إذن علي غير مألوف المقابر ، ثم هي " جبانة " ليست مقبرة ، والكلمة هنا مقصودة لذاتها وما تحيل إليه ، فكم من " جبانة هايصة " في حياتنا وفي واقعنا المأزوم ... يمضي فيقول :
  " جسد نحيل خلته جسدي
    فوجدته بلدي ...
    لا فرق يا مولاي بين النهر والمجري "...

متتالية ، متلازمة حد الالتصاق الحميم الرحيم
: البلد / الجسد ، الجسد / البلد ، هما وجها واحدا في جثتين ، وهذا النحول ، لا شك تعرفون ، كيف يغدو جسدنا نحيلا حين تطال النحالة جسد الوطن ووجهه ، فلا فرق هنا بينهما ، هما واحد ، النهر والمجري ... هما في رؤيا الشاعر واحد ، جسد واحد ، لكنه في التثني كما نراه !  هما جثتان ، هذه الأولي أما الثانية :
" جسد نحيل خلته ولدي
  فوجدته جسدي ...
  لا فرق يا مولاي بين الموت
  والميلاد والمسري " ...
علي قلب مطمئن أقول : أن هنالك أصوات مديدة ، سرية غامضة حينا ، وأحيانا جهيرة ناصعة تنعقد  في قصيدة عبد القيوم ، بكامل حركاتها ومساراتها أيضا حول الجسد ، لا ... لا أبتعد بكم عن رؤياه التي تحبون ، بل أودكم في هذه الوشائج عنده بمهل بصير ما استطعتم : الجسد / البلاد ، الجسد / الآخر ، الجسد الأنثي ، الجسد / النهوض ، بتنوعه وتعدده في تجلياته ، في ايحاءاته ورموزه ودلالاته ، في قاراته المعروفة ومجاهله ، في مغامراته واحباطاته ... هذه المسيرة الضاجة ، التي تتقدم عنده في ملامح عديدة ، فتكون هنا وهناك في آن ، فتكون في الألم وفي الوجع الكثير أحيانا ، لكنها – في كل تجلياتها – تضئ وتذهب في الغد !
وإن يكن الموت نفسه ما يخايله ويراوده  ، فهي ليست نهاية ما علي أية حال . حقا ، هي مسيرة عاصفة ... لكأنه كان يتأسي بقول فوكو : " إنني إذ أتكلم لا اتحاشي موتي ، وإنما أوسسه " ! ...
يقول علي :
" الجنازة تضحك في اللحد :
  هل يعلمون بفرحتي الغامرة
  بممات أفاء لي الظل والمرتجي ؟
  وهل يعلمون بأني أغادر كونا
  سينحرهم أجمعين ؟
  الجنازة تبكي عليهم " !! ..
ليس الفرح في مواجهة الموت فحسب هو الذي يجعله في هذه الرؤيا البهيجة التي تجمع الجسد بالوعي ، بوعيه نفسه ، معرفة صاحية تتقدم علي بعضها وتهمس أسئلتها وسط الليل ، وتتحلق حول كائنات القصيدة ، حول أجسادها أيضا ، بل يمضي إلي الأضرحة ، تلك الشاهدة علي موتنا ووجودنا كله منذ مبتدأ أمره حتي يوم الناس هذا ، فتطلع من روحه ، ومن روح شعره ، تلك الأسئلة الباذخة ، أسئلة في كنف الشعر ، لكنها في كنه الحياة والموت والقيامة ، قيامة الجسد في تجلياته :
" هل يحيط الضريح بما فيك من لهف
  للحياة الجميلة ؟
  هل تحيط المقابر بالنهر يركض منتعشا
  ناشرا في فضاء البلاد الجريحة أشرعة ...
  ناشرا فوق كل الضفاف خميلة ؟ " ...
هذ الرؤيا تهاجسه ، تجدها عنده ، كما لحظة الشعر في وهجه المباغت ، وقد وجدتها في ملامح شاعرة تعيش بيننا الآن ، لكأنها هي نفسها رؤياه وقد تسللت كالغمام الرحيم إلي رؤاها ، فبدت يانعة مزهرة في شعرها ، تقول نجلاء عثمان التوم وجعها الذي أسمته " منزلة الرمق ... مذهب في كمال النحول " ، تقول :
" أعرف العتمة في قلب العاشق
  أعرف خرائب هناك !
  قصورا تتسيد الموت
  بجروح نبيلة
  أخضلت وخفتت .
  أعرف مذلتي وسلطاني
  آه ،
  سلالة فاتنة من الحيل
  أمراضا حبيبة ومحبات
  تجهش عند قدمي .  ياشعبي الجائع الخجول
  قرابينك شمس تأكل الرحمة وطيور النعاس.
  ياشعبي القليل
  ما أكثرنا علي
  جسدي بلاد ثملة
  عبرت عليها طفلة
  لن أنجبها لي
  ونزوعي شبح ضامر يشبه البيت " ! ...

 هي نفسها  رؤياه ، تسري فينا ، ولا فرق هنا أيضا ، بين النهر و ... المسري !
كثيرا جدا تسألت : كيف للشاعر أن يقصر رؤاه في البلاد / الوطن ، فيجعلها من ثم ، في أنثاه بالذات ، وهي نفسها البلاد ؟ مرة هي السيدة الواحدة التي يقدم بين يديها الصلوات لأنها ، كما يقول علي :
" الفعل ، أنت يا سيدتي
  والفكر أنت يا سيدتي 
  الفعل يا سيدتي والفكر والانجاز والجديد " ...
وأبدا لا تخونه هي ولا يخونها ، فهو يبصر اللحظة الحبلي بآلاف القرون تومض وتتوهج عبر الزمن ، فلا تخذله :
" تومض في البعيد لا تخذلنا
  وقد يخون خائن
  لكننا حين نخون يا سيدتي ،
  ندخل في سيوفنا
  قبيل أن تدخلنا
  نموت ميتة المحارب المنهزم النبيل .
  سيدتي :
  لك انهزامنا
  لك انتصارنا الظليل
  لك الخضوع ،
والتمرد الجليل
  لك الكثير ...
  لك الكثير والقليل " ! ...

ذاك من يسامرنا الليلة ويبهجنا ، علي عبد القيوم الذي رحل عنا في الثلاثاء 29/سبتمبر/1998 ... فله منا الكثير الكثير ، لكنه القليل ياعلي :

( يا عليَ المُعلى

يا رحاب المودة

يا طفل عصر الفضاء الرحيب

و يا تاجنا قد تجلى ،

يا علًى المُعلى) .

و يا سلمي عبدالله إليك المحبات في تذكره جميلنا ، أجملنا يا سلمي ، وإلي غسان وأحمد ،
والعزيزة مني ، إليكم من سامر " علي الزين " و" عبد الكريم ميرغني " المحبات الكثار ،
ونحن في ظلاله الوارفات ... إليكم جميعا ، التحية والسلام !

------------------------------------------------------------------


* علي عبد القيوم ، شاعر سوداني راحل ، جمعت أعماله الشعرية في أصدارة صدرت بعد وفاته مباشرة : " الخيل والحواجز " .
* أعدت كمشاركة بالأحتفاء بذكري الشاعر الذي أخير ليكون وجه أحتفالات السودان بيوم الشعر العالمي في مارس الماضي ، وقرأ الشاعر السوداني بابكر الوسيلة  أجزاء منها في الليلة التي أقيمت بمركز علي الزين بالخرطوم بعد تعذر أقامتها بمركز عبد الكريم ميرغني جراء تعسف السلطات الأمنية ، بسبب من ظروف طارئة أستدعت غيابي عن الليلة !
* سلمي عبد الله هي أرملة الشاعر ، غسان وأحمد أبناء الشاعر ، ومني بنته .

* ننشر النص هنا لضرورات التوثيق لتراث الشاعر .

السبت، أغسطس 03، 2013

عن موت العفيف أيضا ...

                                                                    - العفيف الأخضر -



موت العفيف ...
---------------

العفيف ، كما البشرىَ ، موت واحد أحد ، لكن له أكثر من حياة . لا ازال في الذهول جراء موته بسبب من أنه – بيده – وضع حدا لحياة جسده ، وترك لفكره أن يكون ضوءا في ضمائرنا ، يشدنا من أعناقنا إلي التفكر والتأمل في مقولاته وتأويلاته وخلاصة تجاربه في الفكر والمعرفة والحياة ، لا أزال في ذهول أن يختار موته بنفسه ويجعله صرخة في الملأ ، من كان يحضنا علي الحياة وعلي التأمل و النضال لأجل غد أفضل وحياة جميلة ! كان يحب الحياة ، ويحب أن يرانا في بهاء جمالها وفي المعرفة . حين أختار – آخريات حياته – أن يبحث ويكتب عن الدين فقد رأي ببصيرته الذكية أن ذلك بالذات هو سبب توقف نمو عقلنا العربي وتكلسه ، سبب تخلفنا المريع عن مواكبة العصر ومنجزاته الفكرية والتقنية الهائلة ، لكأنه ينفذ وصية الشهيد مروة :
" أننا لن نتقدم أبدا للأمام ما لم نحسم قضيتنا مع التراث " ، فلجأ بكل زخمه المعرفي الكبير وأصراره للكتابة عن الدين ، الأسلامي منه علي وجه الخصوص ، فأصدر كتابه الضخم عن نبي الأسلام ، الذي أعده ، مع كتاب " نبوءة محمد " لمحمد محمود من أعظم ماكتب في هذا المجال علي مر تاريخ الأسلام . لقد سعدت أن العفيف أوكل محمد محمود ليطبع وينشر كتابه بمركز " دراسات و نقد الأديان " ، تلك من أشراقات روح الفكر والمعني لدي العفيف ، ومن غير محمد محمود يكون في شرف هذا التكليف الجليل ! أنني أدعو العزيز محمد ليقوم بالسعي المسئول لإصدار عدد خاص من مجلة المركز " تجاوز" ليكون مخصصا عن سيرة العفيف وأعماله ، سيكون ذلك – في ظني – مسرب فرح إلي روحه الحالمة و ... ترانا :

شهدت " الربيع " !
الربيع الدامي هنا وهناك ،
ربيعهم ...
ليس ربيعك
ربيع قبل الآوان ...
متردد ،
براعمه وثماره شكوكا
وريبات
عتمات ... عتمات !
أبدا ما تركت الكتابة
ولن نتركها القراءة !
... ... ...
لن نبك
وسنراك حين نقراءك
وأن أختلفت القراءات
كنت أعلم أنك ستسقط
فقد هرولت كثيرا خلف المعاني
واللغة ...
وخلف الأماني ...
... ... ...
ثمة شئ مفقود في خاصرة الأرض
وسرتها ...
نحن أيضا ينقصنا الكثير حين نحبك :
الوضوح حيال ما نحب
والتفكر في الأديان
... متاهة الإنسان !

أنشر هذه الرسائل ، لأن فيها " رائحة " العفيف عند رحيلة ، ودمع المحبات إليه . لفرط
" ذهولي " ، ودواعي محبتي ، لم أنتظر لإستأذن محمد في نشرها ، فهو خلي وقريني في المحبات ، سلام إليهما : العفيف وناصر بن رجب ومحمد محمود ، و ... المحبات !
وأنشر أيضا المقال الذي وجدته بصحيفة " القدس " ، عن موته ولحظاته الأخيرة .


Fri, Aug 2, 2013 at 9:00 PM
Fri, 9:00 PM
Message starred
From Mohamed Mahmoud

Hide Details
From
Mohamed Mahmoud
To
Jabir Husain
عزيزي جابر
تحية طيبة

كانت هذه الرسالة قد وصلتني من الصديق التونسي ناصر بن رجب
وهو من اللصيقين بالعفيف الأخضر
وقد استأذنته أن أبعثها لك وسمح بذلك

مع تحياتي
محمد

From: nacer.benrajeb@free.fr
To: kassalawi99@hotmail.com
Subject: RE: From Mohamed Mahmoud
Date: Wed, 31 Jul 2013 16:36:56 +0200


أستاذي العزيز محمد،

تحية طيبة

لقد شيعنا هذا الصباح الفقيد العزيز العفيف. وقد ودعته وقبلت جبينه آخر قبلة وهو راقد في نعشه. لقد كان وجهه جميلا مشرقا، وكانت ترتسم على محيّاه ابتسامة خفيفة تشيع السكينة والسلام. كنت وحيدا معه في غرفة الأموات قبل رفع الجثمان والتوجّه به إلى غرفة الفرن، أين التحق بي ثلاثة أصدقاء، لكي يُحرق احتراما لوصيّيه ومشيئته. وبعد الظهر سوف يقع ذرّ رماد جسده في حديقة قرب المستشفى الذي توفّي فيه. عاش العفيف وحيدا ولكنّه كان حرّا شريفا لم يبع ولو مرة ضميره وكان دائما حريصا كل الحرص على استقلالية كلمته ورأيه ثم مات شبه وحيد أيضا ولكن قلوب عشرات الآلاف من قرائه والأوفياء لفكره كانت حاضرة هنا قرب جثمانه.

وأعتقد أن أجمل تكريم له هو اصدار كتابه الأخير عن محمّد ونشره في كل أصقاع الدّنيا.

أبعث لك مرفقا النّص الكامل للكتاب. العفيف كان يشدد على ضرورة اصلاح العربية ولذلك لا داعي لإصلاح العربية (مثلا لقد أصرّ على كتابة كلمة "الإلاه" عوض "الإله" المتعارف عليها). يبقى ضرورة اصلاح التنقيط (الفراغات بعد الفواصل والنقط، إلخ) لكي يصبح النّص سهل القراءة. وكذلك النظر في ترتيب الفصول والعناوين واباه العناوين.

ودمت

ناصر


De : Mohamed Mahmoud [mailto:kassalawi99@hotmail.com]
Envoyé : vendredi 26 juillet 2013 19:58
À-;- : Nacer Benrajeb
Objet : RE: From Mohamed Mahmoud



الأخ الكريم الأستاذ ناصر



ياله من خبر محزن

عندما رأيت رسالتك انقبض قلبي قبل أن أفتحها

كنت كل هذه الأيام في حالة توجس وخوف من

استلام هذه الرسالة

وكنت بالطبع أعلم أنها ستصل

وهاهي تصل



عجيب أنه توفي اليوم الساعة العاشرة

وهي التاسعة بمواعيدنا هنا

وكان من الممكن أن تمرّ كما تمر

الساعات من دون أن انتبه لها

إلا أنه كانت عندي مواعيد مع

طبيبة الأسنان الساعة التاسعة

وكنت أنظر للساعة كل الوقت

وهكذا كانت تاسعة لا تشبه باقي التاسعات

في الرتابة العادية لأيامي

وكانت عاشرة لا تشبه باقي العواشر

وأنتم تفارقون العفيف



لك حار تعزيتي

فأنا أعلم قربك منه

وإعزازك له ولا أشك

أنه كان يبادلك إعزازا بإعزاز

أرجو أن تنقل حار تعزيتي

لأسرته ولأصدقائه



سأوقد له شمعة الآن

كما أفعل عادة كلما يتوفي عزيز عليّ

أما الشمعة الكبيرة قستوقد عندما

يصدر كتابه .

مع مودتي

محمد
-----------------------------------------------
* د . محمد محمود ، مؤسس ومدير " مركز دراسات ونقد الأديان " ، أصدر مؤخرا كتابه الكبير " نبوءة محمد " ، يسعي ليجعله متاحا في النت عما قريب .
* ناصر بن رجب ، كاتب وأديب تونسي ، صديق مقرب جدا للعفيف ، قد رافقه في لحظات موته وبعده .

مات العفيف حقا ...
------------------

باريس ـ من الطيب ولد العروسي: سمعنا كلاما كثيرا حول محاولة انتحار العفيف الأخضر في الآونة الأخيرة، و تتبعت ما كتب عنه في الصحف التي أكدت بأن يده شلت و لم يستطع الكتابة بها، و مل من الاتكال على بعض أصدقائه و معارفه الذين كان يملي عليهم ما يرغب في كتابته، لكن محاولة الانتحار باءت بالفشل فنقل إلى أحد المستشفيات باريس، لكنه توفي يوم السبت 27 تموز (يوليو) 2013.
عرفت الخبر عبر أحد الأصدقاء فاتصلت بالصديق الروائي خليل النعيمي وقلت له بأن العفيف توفي، وأن عملية الدفن ستتم يوم الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013، ضربنا موعدا و ذهبنا لتوديع صديقنا العفيف – الذي اختلفنا معه ولم نعد نلتقي به منذ حرب الخليج الأولى- لما وصلنا إلى المستشفى لم نجد أحدا. طلبنا تفسيرا من المسؤولين فأحالونا إلى المقبرة المقابلة إلى مستشفى «مونفيرماي»، لما دخلنا القاعة التي كان موجودا فيها التابوت، وجدنا الصديق ناصر بن رجب يقف وحيدا ينتظر، فسألناه فقال إنه لم ير أي شخص آخر غيرنا، وينتظر أن يأخذوا جثة العفيف.
و في الأثناء جاء أحد أصدقائه، وهو مهندس مصري، وجد نفس الصعوبات في التنقل لكون الأشغال المقامة في الطريق المؤدي إلى المستشفى هي التي أعاقته عن الحضور في الوقت المناسب ، تكلمنا عن ظروف موته ثم افترقنا نحن الأربعة ولا أحد آخر كان معنا لتشييع جثمان هذا المفكر التونسي الذي كان مثار جدل ونقاش طويلين.
كنت وأنا متوجه إلى المستشفى أفكر بأنني سألتقي مجموعة من الكتاب و الإعلاميين و المفكرين العرب الذين لهم علاقة بالعفيف، أو بفكره، غير أنني لم أجد أحدا، فصرحت بذلك إلى الدكتور خليل النعيمي فقال في حيرة و ألم إنه فكر في الأمر نفسه، و راح يذكر غياب بعض الأسماء التي توقع أن تكون موجودة.
عرفنا بعدها أن الانتحار لم يكن هو سبب موت العفيف، فالسبب هو مرضه بالسرطان في الرئة والذي عم جسمه، ما دفعه للعملية الانتحار التي لم تنجح.
قال لي الدكتور خليل النعيمي:
كيف بالله عليك مفكر و رجل في مستوى العفيف لم يحضر لموته أي شخص؟ تساءلنا كثيرا و نحن عائدان إلى باريس، و راح كل منا يتكلم عن بعض الذكريات التي جمعته مع العفيف ( نعرفه منذ سنة 1975) ، الذي كان يتمنى البعض أن تسنح له فرصة الحديث معه ، أو أن يمنحه لقاء في صحيفة، لذلك افترضت أن يحضر، على الاقل، بعض رجال السياسة، أو الرفاق الذين كانوا معه ، خاصة في السنوات الأخيرة من حياته…
سؤال محير فعلا، ربما يعود ذلك إلى أن الناس ليست على علم، أو ذهبوا في عطلة، أو حمدوا الله على أن عملية الانتحار لم تود بحياته، وبالتالي فهم يفكرون أنه لا زال على قيد الحياة.
لقد مات المفكر العفيف الأخضر بعد صراع مرير مع المرض، تاركا وراءه مجموعة من الكتابات و المواقف، و على الباحثين و المهتمين بالشأن السياسي أو الفلسفي أو الفكري العربي أن يعودوا إليها خصوصا في هذه الفترة فترة ما يسمى بـ «الربيع العربي». مات العفيف وحيدا تقريبا، و حضر جنازته أربعة أشخاص لا غير (هم نحن)، والآن ستبدأ الكتابات، كعادتنا في مثل هذه الاحول، حوله ذكراه مادحة خصال الرجل و محللة أفكاره ومواقفه، وربما متأسفة على رحيل مفكر عربي كبير أصاب و أخطا في الكثير من تحليلالته و مواقفه .
رحمه الله رحمة واسعة.
العفيف الأخضر في سطور
هو مفكر تونسي مثير للجدل انقلب من أقصى اليسار إلى الليبرالية.
ولد سنة 1934، مكثر، تونس.
تلقى تعليمه بجامع الزيتونة في الخمسينات، ثم بمدرسة الحقوق ليعمل بعد ذلك محاميا فيما بين 1957 و1961، وشارك في الدفاع عن صالح النجار الذي حكم بالإعدام بسبب تهمة محاولة اغتيال الحبيب بورقيبة. غادر البلاد بعد ذلك نحو باريس ثم نحو المشرق العربي ليقيم في بيروت، وانخرط هناك بالمقاومة الفلسطينية وشارك في حركة الجدل السياسي والفكري الذي عرفته بيروت وأسس ما يشبه المدرسة الفكرية. ثم عاد إلى فرنسا حيث أقام منذ سنة 1979 حتى رحيله.
انضم في الخمسينات إلى الحزب الحر الدستوري الجديد.
قام بترجمة بيان الحزب الشيوعي، وهو ما جعله يحظى بمكانة خاصة في أوساط اليسار الطلابي التونسي في السبعينات والثمانينات. غير أنه تحول إلى أحد دعاة الليبرالية منذ سقوط الكتلة الشرقية في مطلع التسعينات.
وصف «الثالوث المخيف: طاهران وعفيف» (الطاهر وطار والطاهر بن عيشة، بسبب كتاباتهم المثيرة للجدل في جريدة الثورة والعمل.
تأثر بكتابات عبد الرحمن الكواكبي وشبلي الشميل وطه حسين وقاسم أمين ولطفي السيد وسلامة موسى وأحمد أمين.
قام بمحاولة انتحار فاشلة في منزله بباريس في يوم 27 يونيو 2013. وكان قبل انتحاره بأسابيع قد ترك نصا عن كيفية الانتحار. أما دافعه للانتحار فكان، على الأغلب، بسبب أنه في مراحل متأخرة من مرض السرطان حيث أخبره الأطباء أن لا أمل بشفائه، كما أنه لم يكن حوله من يعتني به في أواخر أيامه.
---------------------------------------------------------------------------
* نقلا عن " القدس " 2/8/2013 .




الجمعة، أغسطس 02، 2013

جديد كجــــــــــــــراي ...



جديد كجراي ...
---------------
مؤخرا ، أصدرت " وزارة الثقافة والفنون والتراث " القطرية بالتعاون مع " وزارة الثقافة السودانية ديوان شعر " في مرايا الحقول " ، لشاعر السودان الكبيرالراحل محمد عثمان صالح الذي شهر في الناس بأسمه الأدبي " كجراي " ، الطبعة " متواضعة " بالحجم المتوسط وتحوي 20 قصيدة سبق نشر بعضها من قبل . الديوان بعدد 59 صفحة ، كتب في مقدمة الديوان كلمتان : حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الثقافة القطري ونظيره السوداني السموأل خلف ، وكلاهما لم يكتبا عن الشاعر بل كتبوا عن انجازات وزارتيهما في نشر الثقافة والشعر ، وهنالك تعريف مبتسر عن الشاعر في آخر الديوان وثبت بعناوين الأصدارت التي سبق ونشرتها الوزارة القطرية ! كجراي كان قد رحل عن عالمنا في 8/9/2004 وليس
2003 كما ورد في التعريف . صدر للشاعر ديوانان في حياته : " الصمت والرماد " 1961
و " الليل عبر غابة النيون " 1987 . وكان قد صدر بعد وفاته بقليل كتاب " كجراي عاشق الحرية والقول الفصيح " لجابر حسين من أصدار ونشر " الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع " بالقاهرة في 359 صفحة من القطع المتوسط  ، وهو – في ظني – الكتاب الوحيد المهم الذي أحاط بحياة الشاعر وشعره . ولا يزال جابر في بحثه عن ناشر يطبع الأعمال الكاملة للشاعر إذ له أكثر من ثلاث دواوين وترجمة رائعة لرباعيات الخيام تنتظر النشر . من أجواء " في مرايا
الحقول " نقرأ :

نافذة الضوء في مرايا الحقول
1 :
تفتح الشمس نافذة لأنبثاق الشروق
يتهادي البهاء
ليغمر كل بساط الطبيعة ، يمتد فوق السهول
فضة البحر تهرق ألوانها في مرايا الحقول
يتجدد في الأرض لون الفصول
قطرات الندي
في شفاه كؤوس الزنابق مثل بريق اللآلي
والعصافير يسكرها العطر
تعلن عن شوقها لعبير الدوالي
أنه العشق يفرزها القلب بين دروب الليالي
هكذا نتمزق بالشوق
يصهرنا الوجد في ذكريات العهود الخوالي !

2 :
مهرجان الفراشات والعصافير

كانت الآرض تعشق خضرتها
والفراشات تكمل دورتها
والعصافير تشرب قهوتها
من رحيق الندي يتناثر فوق البراعم
تكمل نشوتها
حينما أزدهر المهرجان ،
تنهد قلبي
وأعلنت الأرض بهجتها !


فريدا ، خلود الجسد ...










فريدا كاهلو ، حياتها كانت عذابا لجسدها ، لكنها رسمته فخلدته !
-------------------------------------------------------------

فاكهة وأشجار
ضوء ودموع وفقراء ...
وفريدا كاهلو
مثل فراشة مكسورة ومحطمة
مثل دموع مالحة في بحر
ليمون حامض وشهوات ...
دموع في أي طريق
من يقول أن ضربات الفرشاة ستظل خالدة ؟
لكنني سأعمل بكل طاقتي
لكي أتجاوز عالمي هذا " ...
و ... " كان ما سوف يكون " ،
تجاوزته !

عاشت في الزمهرير وتحت الضوء المحرق ، حياتها عذابا لجسدها ، أمرأة مجرحة ، محطمة ، ومعاقة ، حياتها  مثخنة بالألم ، لكنها شغوفة بالحياة ، وتري جمالها . ولدت في 6/7/1907في أحد ضواحي كيوكان بالمكسيك ، في السادسة من عمرها أصيبت بشلل الأطفال ، فضمرت ساقها اليمني . في أحد أيام سبتمبر 1925 ، كانت عائدة إلي منزلها بالبص حين دهم ترامواي " خوشيميلكو " في مكسيكو الباص وجره فضغطه إلي جدار أسمنتي ، أخترقها ساعد المقعد المعدني من الخلف فأنكسر عمودها الفقري ، من بعد ، قالت بلغة الحياة الساخرة : " لقد سلبني باص عذريتي ! " . فأخضعت إلي 32 عملية جراحية ... وأجهضت ثلاث مرات ، وبترت ساقها اليمني ، فأصبحت ، من بعد ، حياتها كلها لكأنها تعيشها في غرفة تمريض في مستشفي يعيش معها الحياة لحظة بلحظة : تخثرات الدم ، والرائحة الحادة للكلوروفورم ، والضمادات والأبروالمشارط والمغارس ... وجسدها مشدودا بمشدات من الجص وقضبان معدنية ، جميعها ، لاشك ، أدوات تعذيب مر لجسدها  ، لكنها أبدا ما أستطاعت أن تنال من روحها ! أصبحت الكنبة والسرير مسرحا لجسدها . في غرفتها في المستشفي كانت أمها قد وضعت لها مرآة علي سقف سريرها لتخرجها من مشهد عنبر المرضي ، من بعد – حين غادرت المستشفي – أخذت لها أمها ذات المرآة الكبيرة فوضعتها في سقف غرفتها المنزلية . في المستشفي ثم في المنزل عاشت وحيدة مع مرضها العضال ، وصورة جسدها المشوه وهواجس روحها التواقة للحياة وبهجتها ... فأخذت ترحل من واقعها المؤلم الشائه إلي الحلم ذو الأجنحة التي تحذق النهوض والتحليق عاليا عاليا ، إلي الرسم ، فكان براحها الوسيع الوسيم ! ثبتت حمالة الرسم إلي حضنها ، وفي متناول يدها الفرش والألوان والأقلام ، وشرعت – بأصرار ورؤي مدهشة – ترسم حياتها ، تكتبها في لوحات ، سيرتها الذاتية ونمط حياتها القاسية ، ومواجد حبها للحياة ، وعواطفها التواقة للحب والعشق والجمال ، تلك كانت مواضيعها في الرسم .
بعد خروجها من المستشفي ، وبعد أن تعافي قليلا جسدها المنهك ، أستطاعت ، بأرادتها القوية ، أن تنهض ( مستطيعة بغيرها علي قول طه حسين ) وأن تشارك في لقاءات الفن ومنتدياته التي كانت مزدهرة تلك الأيام . في أحدي تلك اللقاءات ألتقت " دييغوا ريفيرا " أشهر فناني الرسومات الجدارية المكسيكيين ، فنان ضخم الجسم ، بعضهم يصفونه بالقبح القليل وعدم التناسق الجسدي ، وهي ذات جمال ساحر غريب ، وشخصية حبيبة متفتحة كزهرة يانعة ، كان هو مشهورا جدا بينما هي لاتزال في أسفل سلم الشهرة ، لاتزال في الحبو ، هو في الثالثة والأربعين وهي بنت الثانية والعشرين . العام 1929 تزوجا ، ومنذ ذلك أصبحا ثنائيا فريدا في الفن والحياة معا . عشقته حد الولع المؤلم ، لكنه كان يخونها ، عندما علمت تطلقت منه العام 1939 ... رغم خيانته لها وأنفصالها عنه ، كانت تكتب إليه : " أري نفسي اليوم أنني ما توقفت عن حبك ، وأنني أحبك أكثر من جلدي ، وحتي لو أنك لا تحبني بنفس القدر ، فأنك علي الأقل تحبني قليلا ، أليس كذلك ؟ وإذا لا ، فأنا أحتفظ دائما بالأمل للوصول إلي ذلك ، وهذا يكفيني . أحبني قليلا ، وأنا أعبدك ! " . فكان سرعان ما تزوجا مرة أخري بعد أعترافه بخطيئته وأعتزاره عنها فأقتنع قلبها الملائكي البرئ ، عادا ، وظلا متحابين ، أبدا لم يفرق بينهما إلا موتها من بعد !
عاشا معا في منزل طفولتها في " لاكاسا أزول / المنزل الأزرق " ، الذي تحول من بعد لمتحفها بذات الأسم ، وهو نفس المنزل الذي استضافا فيه الزعيم الشيوعي المنشق علي ستالين ليون تروتسكي عند نفيه إلي المكسيك 1937 ، وزارها العام 1938 أندريه بريتون ، الذي بهرته أعمالها فدعاها لأقامة معرض في باريس ، فلبت الدعوة ، ونجح المعرض نجاحا باهرا هناك ، وهناك أيضا تعرفت إلي بول إيلوار وماكس إرنست ، وأعجب كاندينسكي بأعمالها ، وأبدي إيف تانغي وجون ميرو حماسة كبيرة لأعمالها ... وكبادرة أعجاب وصداقة قدم لها بيكاسو زوجا من أقراط العاج . فريدا لم تنتمي إلي أيا من المدارس الفنية التي كانت سائدة وقتذاك ولها البريق واللمعان ورموزها الكبار ، فظلت تردد : " لم أرسم يوما أحلامي ، إنما واقعي " .  
كانت شيوعية ، وكذلك ريفيرا ، فظلت شامخة لاتنحني ولا تزوي روحها المزهرة أبدا ، لا الخيانات ولا الأنفصامات ولا الأضطرابات التي تداخلت في حياتها وعلاقتها بريفيرا نجحت في التفرقة بينهما ، فظلا طوال 29 عاما يعيشان بحب يظلله الحنان ورفقة الفكر والفن وسط تلك الدوامات المخيفة من عواصف وزمهرير الحياة وشقوتها . ظلت تجد دائما العزاء في الفن ، في الرسم الذي غدا سبيلها في الحياة : مرة ترسم نفسها كأحدي أميرات الإنكا بضفائر مزينة بورود وأشرطة ملونة ونظرة ثاقبة لاتعرف الحيرة والتوهان ، ومرة ترسم بسذاجة طفولية جراحات جسدها المفكك العليل ... كانت تسرف في الشرب ، تخلط الكحول بالأدوية والمورفين – كان الأطباء نصحوها بذلك – للتخفيف من آلامها المبرحة ، لكنها كثيرا ما كانت تضاعف الجرعات وتكثر منها ، فبدأت أوقات الرسم تقل ، وحركة يدها أقل وأثقل ، لكنها – بأصرار غريب – أستطاعت كتابة مذكراتها ، حكت كثيرا فيها ، كتبت عن الفن والسياسة ، عن الحب والجنس وعن الحياة ، وحكت عن وجعها ، أوجاع جسدها وقسوته عليها ، علي روحها الشفيفة المرهفة . لكنها ، وياللمفارقة ، كانت تحبه جدا جسدها ، في لوحاتها أظهرت كثيرا نبضات روحها الأسيانة ، ورائحة بشرتها السمراء ، أحبته حد النرجسية !
كانت فنانة كبيرة ، أمرأة ساحرة و ... مدهشة ...
قال عنها أندريه بريتون : " شريط ملون معقود حول قنبلة " !
بيكاسو قال مخاطبا ريفيرا : " لا أنا ولا أنت بمقدورنا تجسيد البورتريه كما تفعل فريدا " ...
ديغو ريفيرا وصف نتاجها الفني فقال : " المحبوب والرائع والمبتسم والقاسي ، كما هي
الحياة " ...
كارلوس فونتس قال عنها : " لا أحد من فناني القرن العشرين ، نال الألم مثلما نال من فريدا ،
ورسمته " ...

العام 1954 ، ماتت فريدا كاهلو ، غطي نعشها بالراية الحمراء ، وشيعها خلق كثير ...

بعد عام من وفاتها ألتقي ريفيرا مجددا عشيقته دولوريس أولميدا ، التي كان قد تعرف عليها العام 1928 في المكسيك ( المكسيك المزهر الشائك علي قول نيرودا ) بينما كان يرسم لوحات جصية لصالح وزارة التربية ، ثم فقدها ، فلم يلتقيها إلا بعد وفاة فريدا ! ديغو ريفيرا توفي عنها العام 1957 ، وتوفيت هي العام 2002 .
هكذا مضت بهم الحياة ، في مباهجها وقسوتها ، فريدا هي التي خلدت نفسها وجسدها وحياتها في لوحات جميلة وسيرة حياة مضيئة ، لم يبق إلا الفن يحدث عنها وسيرة حياتها ، لكأنها قالت للموت كما درويش :
" فمن أنا لتزورني ؟
  ألديك وقت لاختبار قصيدتي . لا ، ليس هذا الشأن
  شأنك . أنت مسئول عن الطيني في
  البشري ، لا عن فعله أو قوله /
  هزمتك يا موت الفنون جميعها ... ! " ...

فريدا هزمت آلام جسدها وجروحه النازفات ، هزت خيانات حياتها ، فعاشت الحياة ، وهزمت الموت !