Powered By Blogger

الخميس، سبتمبر 27، 2018

عاطف خيري ومحسن خالد، لم يكونوا أبدا في مهارب المبدعين!







عاطف خيري ومحسن خالد، لم يكونوا أبدا في مهارب المبدعين!
* تعقيبا علي مقال سيد أحمد إبراهيم.
------------------------
( أعرف الآلهة
  تلك النصوص التي
  يصبونها في رؤانا
  كما الزئبق المستثار
  كأن النهار هو الليل،
  هل نحن فلك تائهة؟!)...
                      - قاسم حداد -


في الملف الثقافي لصحيفة ( الميدان )، الخميس 30 أغسطس 2018م بالعدد
( 3447 )، نشر الأستاذ سيد أحمد إبراهيم مقالا بعنوان (المبدع السوداني، بين الهروب والهروب المصادم)، تناول فيه، إستنادا، علي ما أظن، إلي بعضا مما أورده النور حمد في كتابه ( مهارب المبدعين، قراءة في السير والنصوص السودانية). النور قال قوله كله تقريبا في وجهة رأها عند بعض مبدعي الجزء الشمالي من سودان وادي النيل، تمظهرت لدي محمد سعيد العباسي ( 1880م-1963م )، والشاعر الناصر قريب الله( 1918م-1953م)، الذين رأي انهما قد توجه هروبهما صوب البادية، ثم محمد أحمد محجوب ( 1908م-1976م ) والشاعر محمد الواثق (1936م-2014م)، وقد رأي عندهما هروبا في وجهة
)الأنثي الأجنبيه)، علي حد ما قال به بشأنهما، ثم جعل من الشاعر محمد المهدي المجذوب ( 1918م-1982م ) هو ( الهارب الأعظم ) وفي وجهات عديدة رأها عنده! ثم تناول في الفصل الثاني من الكتاب، لكن بتركيز أقل، ظاهرة ( الهروب ) لدي التجاني يوسف بشير ( 1912م-1937م )، ولدي معاوية محمد نور(  1909م-1941م) وكذلك لدي إدريس جماع ( 1922م-1980م ) علي تفاوت فيما بينهما مما رأه عندهما، لكنه نظر إلي كل هؤلاء الذين قرأ لديهم ( هروبا )، بهذا القدر أو ذاك، من منظوره الخاص المحصور بنظره إلي الهروب وفقا لمعتقده بالفكر الجمهوري الذي جعل منه مسربا وحيدا لرؤياه تلك، التي أراها أنا، قراءة (ضيقة) ليست في الشمول ولآ في البراح الموضوعي الفسيح. ( الهروب )، أيا ما كانت وجهته، يعد من الأمور غير ( الحميدة ) في سلوكيات الناس ومواقفهم، حتي وأن كان، هذا الهروب، في وجهة ( النجاة ). فالنجاة، من بين بعض وجوهها، لربما قد تكون حياة، برغم إنها، دائما، لا تكون نجاة، ولكن، هل حقا، تكون حياة، وأي حياة!

عن المهارب والهاربين عند النور حمد:

أصدر د. النور حمد كتابه: ( مهارب المبدعين، قراءة في السير والنصوص السودانية ) عام 2010م ط. أولي في 380 صفحة من القطع المتوسط عن دار مدارك- القاهرة/الخرطوم. من المعلوم، والمقروء، في مسار الثقافة السودانية أن هنالك العديد من الكتابات التي تناولت اطروحاتها علاقة النخب السودانية بالواقع اليومي المعيش، و( فشل ) هذه النخب في المساهمة الجادة في إدارة وتشغيل عمليات التغيير في المجتمع وصولا به إلي الغد الديمقراطي الحر وإشاعة العدل والحريات والسلام والسيادة الوطنية. ثيمة كتاب النور جعلها تكمن، في جوهرها بالذات، في مصطلح ( الهروب من الواقع )، تلك سمة وملامح ونسق الكتابة كلها، وفشت فيها، من جميع وجوهها التي تناولها، روح الإنسحاب من مواجهة تحديات القضايا الجليلة لشعوب السودان وللوطن الكبير. وفقا لرؤياه تلك، تناول ما رأه في سيرة وأعمال بعضا من مبدعينا وقد نال منهم إعياء وإرهاق الحياة فجعلهم في تلك المهارب، يذهبون، جراءها، بعيدا عن قضايا وهموم شعوبهم، بل أنهم، إيغالا منهم في تلك المهارب، يلجأون إلي ذواتهم وإلي تلك المخابئ المعتمة لمنابع إبداعهم، يلتمسون منها أضواءا وشروقا يرافق إبداعهم ومواهبهم. ما تناوله النور في كتابه هو، في ظني، نظرات وتأملات، لكنها أيضا، في واقع أمرها الذي بدت عليه، ( إدانات )، بهذا القدر أو ذاك، أرتقت لتكون جراحات ذوات نزيف لأؤلئك اللذين جعلهم النور، وتلك رؤياه، في زمرة الهاربين. والهاربون هنا، كما قراءتهم في اطروحة النور، هم اللذين إبتعدوا وتخلوا، طواعية، عن النضال الواقعي، ثم إلتحقوا بمواكب السلطان وإن ( سكتوا ) عن سوءاته وجرائمه. وهنا أيضا، تلك، مما أراه ( مغالاة ) وشططا في حقهم. لكن، لربما لأجل ( التخفيف ) عن محمولات القول ومدلولاته، يقول النور:( ليس هذا الكتاب مجرد رصد لأحوال الهرب والهاربين، وإنما هو محاولة لمعرفة القوي التي تعوق الطاقات الخلاقة، وتخلق حالات الانسحاب وسط ذوي الطاقات العقلية والوجدانية الكبيرة. )*. ولكن أيضا، برغم ذلك كله نقول، أن النور، حاول واجتهد أن يكون في صف قلقهم الوجودي وحقيقة احاسيسهم الروحية والمادية، بل نقول أيضا، أنه قد تعاطف معهم، ومع مواقفهم وهي في تجليات إبداعهم، ولم ينحاز إلي أي ( إنحراف ) وجده عندهم، لربما لأجل تلك ( القراءة بمحبة )، التي قال بها الطيب صالح يوما! هذا ما عن لنا أن نوضحه في هذا الشأن، ولكن، ماذا عن ما جاء به سيد أحمد إبراهيم في مقاله الذي أشرنا إليه؟
عن غربة عاطف خيري ومحسن خالد:
هي غربة، أينما قلبتها علي جميع وجوهها، هي غربة، توهان في دوامات تكاد لا تستقر علي حال وهي في بلبال دورانها الذي لا ينتهي، دخول، غير واع، إلي حقول الميتافيزيقا التي تمسك بخناق من يكون فيها، تأخذه من عنقه فلا تفلته إلا لتسلمه إلي دوامة أخري، هكذا، بلا أي أمل أو رؤيا للخلاص، تلك مصائرها وصيرورة من تشاء أقداره أن يكون في محاورها ومحارقها! غربة عن الواقع، مفارقة لحقائق الحياة في تجلياتها المادية المحسوسة، وموضوعيتها التي غدت من وجوه العلم والمعرفة التي انتجتها البشرية علي مر تاريخها وسيرها صوب الحقيقة التي يدعمها العلم والتجربة والبرهان. لآ، ليست ( هروبا ) علي أية حال مثل الذي قال به النور أو أسقطه سيد أحمد إبراهيم علي حال عاطف خيري، وهو أيضا، ليس ( تقية ) ينحوا بها صوب السلامة للنفس، ولا هو ( هروب ) من مواجهة الجلاد وعسسه وأجهزة أمنه، ليس خشية من إعتقالات أو سجون أو تضييق علي الرزق، فعاطف عاش كل عمره الشعري مناضلا ومنافحا، بالشعر، لأجل قضايا شعبه كلها. الذي حدث، لعاطف ومحسن، هو جناية التفسير الخاطئ للقرآن، ودخولهما إليه دون أن تتوفر لديهما المعرفة والفكر الذي يعصمهما من هذا الإنزلاق الخطير إلي هوة ليس لها من قرار! نورد، فيما يأتي، تفصيلا لما أوردهما هذا المصير، وليتضح لنا، من واقع ما جري، أنهما، معا، ليسوا من زمرة الهاربين، وليس فعلهما ( إنسحابا ) إلي دواخلهما، كما تصوره سيد أحمد، فهما، بوعي متدن، نشدوا ( خلاصا )، لهما ولأمة المسلمين، فكان اللجوء إلي الدين، بشكله الذي رأيناه عند كل منهما. أما إلي متي؟ ذلك رهينا بمراكمة وإتساع المعرفة عندهما، ورهينا، لربما، بالزمن أيضا!

بداية الوهم/ التوهان، وإعلانه في الملأ:

في يوم الجمعة 23/1/2015م، نشر عاطف خيري علي مدونته في النت بيانا بعنوان:( سيناريو البحث عن الشعر )*، بإشارة إلي عنوان ديوانه المشهور(سيناريو اليابسة ). في ذلك البيان أبدي خيري ندمه وأسفه، بل وأعلن (خيبته) فيما يتعلق بأشعاره في دواوينه التي نشرها في السابق:( سيناريو اليابسة 1995م )، ( الظنون 1998م )، ( تشجيع القرويات 2006م ). يعتذر خيري عن تناول شعره للمقدس ( الديني ) كما جاء به القرآن والحديث، تلك الإشارات الشعرية اللطيفة التي أعلت، من ضمن سياقات أخري بالغة القيمة، من مقام شعره وموهبته العالية. فقال:( عشرون عاماً منذ الكتاب الأول: سار بين الناس وأبلى في صداقتهم، ومن باب تجويد الصحبة القول بأنني ما عدتُ أطرب لرؤية مراكب سيناريو اليابسة ترفع الكلفة بينها وبين سفينة سيدنا نوح عليه السلام، وأرى في تلك الحيلة شعرا قليلا، ولعل ما ظللنا نبحر به لم يكن سوى مراكب الخوف، ذلك رمزها، ولها أن تتوهم، بعيدا عن تلك المباشرة، شبهاً بينها وبين السفينة الأم. وأرى النأي عن ما تفعله أيامُـنا هذه بالدين ورموزه المقدسة بلاغة العارفين.)*!
 
كان خائفا إذ يفعل ذلك، بل كان، علي حد قوله، يتوهم شبها بين تلك الرموز المقدسة وبين إشاراته الشعرية إليها، وعد ذلك مما لا يجوز أن يكون في الشعر، فنأي، بنفسه، وجر معه، شعره أيضا، إلي حيث يكون شعره، الذي سيأتي، إن أتي، متصالحا مع هذه الرموز فيجعلها في النأي عن تلك الرؤي تزري بالدين ورموزه! هكذا، بمحض إرادته، أدخل نفسه وشعره ورؤاه، إلي تلك المفازة بما يكتنفها من تهويمات و ( هلوسات ) و رؤي مفارقة تماما للواقع الماثل في تجلياته المادية التي يسندها ويبرهن علي مقولاتها العلم الذي كرسته البشرية دربا ومسارا لمستقبل العالم وهو يخطو صوب التقدم والإزدهار. يقول خيري:( ولعلها جاهلية واعدة في سيناريو اليابسة كما في الظنون، وما زالا، بعد التنقيح والعناية بالأغصان الزائدة، يرويان طرفا من تلك القيلولة والله المستعان. أعلم عن كرم الشعر أنه يجود بالمهالك، وأعجب لمن يرجو منه خيرا، وأعجب لمن يبالي، عند الطمأنينة، بالتخلي عنه، وأرثى لحالي.
 ........
 لماذا بذلتُ الحذر أثناء استدعاء ما هو مقدس ؟ راقني هذا التقشف، بعد كدح فاتن، جاهلا وغاضبا وباحثا عن ذات: حذفت الذي حذفت غير مشفق على مقصد أو قصيدة.
 ذلك عزم قديم: طموحه الذهاب بسيناريو اليابسة ليأكل ناره بعيدا عن الغابة المأهولة، ولن يبتعد قيد أنملة، ذلك قدره، لكنه يظل يقدح في جدوى الشعر، شعره، يدنو من المقدسات أكثر مما يجب، فإن رأيتني أفعل فلا تتبع من أنفق ما يربو على الأربعين سنة سالكا البعيد والمقفر إلى البديهة.)*! يقول قوله هذا، وهو يقوم بمحو أجزاء واسعة من شعره، ويستبدل مفرداته بتلك التي لها ظلالا دينية وميتافيزيقية، ثم يستغفر الله عما فعله بشعره!
وأما محسن خالد، فقد قذف بإبداعه كله، دفعة واحدة، إلي جب النسيان، نسيانه هو، وهلوساته هو، بعد أن أسرع بالدخول إلي ذات متاهة خيري، لكنه صار في دوامات الطلاسم التي لا يفهمها أحدا غيره. يكتب محسن مثلا:( العاشر من صفر، الموافق 22 ديسمبر، عيد الشهيد نبي السلام، هابيل)*؛ وهي الكتابة التي اعلن فيها رؤية ابوكاليبتكية للعالم (
apocalyptic) تنبأ فيها بنهايات له تبدأ من كنيسة "اللد" في انجلترا. ولم يلبث ان اعلن فيها نبوته وانه النبي الطائر والمهدي المنتظر:(إنّني هِبَة البارئ، المهدي المنتظر، المهدي أي التائب إلى ربّه، والنبي الطائر، المؤيَّد بنار اليشب وبمذراة الحياة والطاقة، وريث السيّد المسيح عليه السلام، المأذون بإحياء الموتى والطيران وفعل الخوارق، من سيؤمُّ المسلمين في المسجد الأقصى. ومَن أسماه السيِّد المسيح بـ(المُدَلَّل عند ربّه) المعجّنو ربّو)*! ثم، من بعد يعلن نفسه يحيي بن زكريا ويعمد نفسه النبي والمهدي المنتظر، فيكتب:
( يحيى بن زكريا هو المهدي المنتظر، جدول قيام الساعة.
احَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏( 2‏)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏( 182‏)
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏( 65‏)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ‏( 46‏)
ما هو القلم؟
هو مقام الرحمن .
مقام ربنا وحبيبنا الرحمن اﻷعلى ‏( 40+1+100+40‏)
أربعة درجات + أربعة درجات، سبع درجات، ست درجات، ست درجات
وفيم تجلَّى مقام الرحمن وهو مقام اﻷعلى، تجلّى في أسماء الرحمن الحسنى
وعددها 54 اسماً، لهذا السبب ارتبطت وراثة اﻷرض والقيامة والساعة بسورة
القمر التي رقمها 54، وما كان لسورة القمر ولكل سور الخلق أن تكون لوﻻ
هذا التجلي لمقام الرحمن في أسمائه الحسنى. التي تجلت بدورها في الرحمة.
فما هو القلم إذن؟
هو شركات اﻻتصاﻻت العالمية التي يديرها حزب الشيطان في أرضنا ‏( ص‏) هذه
كلها، من البلد اﻷمين " ما سموه بالسودان ."
واﻻتصاﻻت في العالمين كلهم 68 أرض تُدار بمقام الرحمن، من اﻷرض ‏( ص‏)
حيث البيت المعمور الذي حكم منه يحيى العالمين.
هذا ما يعرف بمقسم السودان، راجعه في اﻻنترنت وستكتشف أن كل العالم عبدٌ
لمقام الرحمن، الرقم ‏( 40‏) . فبقية اﻷرقام في بقية اﻷراضي، وتتوزع بحسب
أسماء الرحمة التي سأعود لتبيانها إن شاء الرحمن.
سأعود لتبيان اﻷمر، ﻷنهم حينما انقلبوا على الحكام بأمر الرحمن آل عمران
بدؤوا بالإستيلاء على القلم، مثلما كل الإنقلابات تبدأ بالسيطرة على اﻹذاعة
والتلفزيون، وﻷن إعلان النبأ العظيم لن يكون من سودانيز أون ﻻين وإنما للعالم
كله، باسترجاع الرحمن لحُكمه إلى من أوكلهم به، وﻷن حرب الفتح قد بدأت
فعلا، هم يعلمون وطائراتهم "طائف الشيطان" تحلق فوق القلم، البيت الذي
يدَّعون أنه ﻷخي، وهو مركز القلم، لن يعمل من دون سيد اﻻسم - يحيى .
واسترجاع القلم يتلخص في السيطرة على شركتي اﻻتصاﻻت
سوداني -الذكر - يحيى‏( 05‏)، والتي اسمها في كتاب الرحمن يحيى .
وشركة زين -اﻷنثى‏( 09‏) - واسمها في كتاب الرحمن زينب.)*!!

 هكذا، بهذه ( الخطرفات ) التي هي، في ظني، محض هلوسات ورؤي ( مريضة )
تعبث بمخيلته وتشوش عليه وعيه كله فتدخله إلي هذا المقام الذرئ لتجعل من حياته ( عبثا ) لا يستقيم مع واقع حال وطنه وشعبه وأحلامهما في الغد المزهر الذي ينشدانه، فيكون منهما في ( الغربة ) الأسيفة التي لا حياة فيها ولآ أمل!
فمن هو ذا، الذي بمستطاعه الآن، أن يخرجه من هذا الكابوس المريع يا كمال الجزولي ويا فضيلي جماع؟! هذا أمر جلل، وفادحة عظيمة الخطر بحق هذا الإنسان وبحق موهبته وإبداعه الذي كان!
ونمسك، هنا، قصدا،عن الخوض في شأن روايته:( تموليلت المغربية السحاقية )، والأخري:( احداثيات الإنسان – الرجل الكلوروفيل )، التي صدرها بقوله:( أبلغ الأرض حين ينطقها معول، وأبلغ المرأة حين ينطقها عضو الرجل )!، ولا عن مقالته:( أمثالنا السرية ومفاتيح ثانية ) التي حزفتها إدارة موقع سودان فور أوول جراء كلماتها وتعابيرها ( الفاحشة ) وما أحدثته من ردات فعل واسعة مستهجنة ورافضة لمقالته، مناشدة إدارة الموقع بحزفها، وقد فعلت! محسن ترك كل ذلك خلفه وهرول مدخلا نفسه ورؤاه إلي ذلك النفق المظلم متدثرا بأسوأ ما جعلته التفاسير الشائهة من هلوسات حول الإسلام!
ولنا أن نسأل، ما الذي حدث لهما، وما الدافع لكل هذا الإغتراب؟!

غياب الوعي، هاوية للسقوط:
إنها مرحلة كاملة ماتزال مستمرة، من القلقلة والتأزم والتردي والتفكك والإنهيار، تكاد تكون علي مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمفاهيمية والذوقية والأخلاقية وحتي القيمية، وفي مثل هذه الحالة، أخذت تسود فيها حالات اليأس والإحباط والإغتراب وفقدان الإتجاه السياسي والفكري والقومي، حد أن حوصرت إرادات المقاومة والتجاوز والتخطي، وفعلت نفس الشئ لبعض الإتجاهات العقلانية/ العلمية والديمقراطية والتقدمية. في مثل هذا الحال، وفي مثل عصرنا الراهن، الذي أخذت تسود فيه الفوضي والهيمنة الرأسمالية بتجلياتها العديدة في مجالات السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، وتسعي، السعي كله للإمتداد إلي المجال الثقافي بهدف تنميطه وتطويعه لخدمة أهدافها ومصالحها، تستشري الاتجاهات اللاعقلانية المتزمتة والمتعصبة لرؤاها وتصوراتها المعادية للديمقراطية وللتفتح والإزدهار الإنساني، ثم،:( فإننا حين نضع المعرفة الدينية في مقابل المعرفة العقلية، فإن كل ما نفعله هو أننا نضع العقل أمام نفسه. لكن المؤسف هو أن الشطر الأعظم من التعامل مع التعبيرات الدينية في تاريخ الناس إنما جري صرفه لجهة كونه شيئا لا علاقة له البتة بالعقل. وتاريخ تعامل السودانيين مع التعبيرات الدينية والتفاسير التي تهمهم ليس استثناء من ذلك )*. يصبح للشعر، إذن، في حال خيري، وللرواية في حال محسن، بطبيعتهما الزمنية التاريخية الإنسانية، إلي جانب الاشكال والتعابير الأدبية والفنية والثقافية الأخري، دور تاريخي كبير في التوعية والتنوير والمقاومة. بالطبع، لا يتأتي ذلك إلا لمن يمتلك الوعي المعرفي الكافي للدخول في شرف هذه التجارب الإبداعية والمساهمة، بجسارة، في تطويرها لأجل الإرتقاء بالوعي الجمالي والفكري للشعب علي جميع مستوياته. الوعي، إذن، هو( الفقد ) الفادح، بالغ القسوة، الذي قاد كليهما، خيري ومحسن، لكيما يكونا في تلك المتاهة التي، آآمل ملء قلبي، أن يغادراها بأعجل ما يكون، إلي ضفاف الحرية والإبداع، عوضا عن ذلك الملجأ، الذي غدا سجنا ونفقا مظلما، بعيدا عن الحرية والسلام النفسي والرؤيا الإبداعية الخلاقة!
-----------------------------
هوامش:
* ( مهارب المبدعين... )، النور حمد- ص ( 343 ).
* ( سيناريو البحث عن الشعر )، عاطف خيري – مدونته علي النت:
atifkairy.blogspot.com/2015/01/blog-post_23.html  
* المصدر نفسه.
* المصدر نفسه.
* محسن خالد، كتاباته علي هذا الموقع في النت:
sudaneseonline.com/board/85.html
* المصدر نفسه.
* المصدر نفسه.
* د. فتح الرحمن التوم الحسن: مجلة الحداثة، العدد(10) يونيو2018م،
  ص ( 51 ).



( الميدان )*: تحية لأربعة وستين عاما من الحياة.


*الميدان: تحيَّةٌ لأربعةٍ وستين عاماً من الحياة*
جابر حسين
^^^^^^^
باقةُ الإنسانية هذه
غير المسبوقة قط،
الضرورية بالكامل:
(الميدان):
حبرٌ وعرقٌ و... دَم
مزدانةٌ بالبهاء!
مسيرةٌ هادرةٌ صوبَ البحر
تحتَ رايات الشعوب،
صِدقاً ونبلاً وانتماء!
فيا للصحيفة...
تجمع بين التعقيد الحدَاثيّ في السطح،
والوضوح البسيط/ الذكيّ
في الشعار!
في دوزنة أناشيد الراهن،
وتشييد معمارٍ بديعٍ للشعوب
يُدرِجُ المحسوسَ بالمجرَّد الفلسفيّ
بالعاميّ والفصيح،
والرمزيّ بالتصويري...
جسدٌ من الحيوات يُدهِشُ العالم
ويضيءُ القلوب!
أناسٌ يُوقِدُونَ الشموع
يُهرولونَ في الغَسَق،
ميمِّمِينَ صوبَ الصحيفة،
في الدروب العصيّة خلفَ الحقيقة،
وعصر الانتماء...
قالتها،
وكتبتها (الميدان):
بوسعِ الكلمات أن تسقي ظمأ الأرض،
بوسعِهَا أن تَتَأمَّل حَقلَهَا الذي تحبّ،
فيُسَارِعُ سَهلُهَا
إلي إخفاء نقائصنا.
و ...نقائضنا!
حتى تعثُرُ كلُّ الحناجر على البهجة،
في كلِّ ما خَلَّفه الحزب الخالد!
الآن،
في المؤسسة المضاءةِ بالشموع،
وبالسطوع،
بعد 64 عاما على قيامها بتحريرنا،
من الزمن الرديء وعَبَثِهِ!
فما تَرعَاهُ اليوم هو وَجهُنا
الذي أَشرَقَ بضياءِ هذه الشامخة،
المهرة الفتية الجامحة!
تحثُّ الخطى صوبَ خبايا المستقبل،
وتضيء الدروب،
لغدٍ أبهى وأجمل!
والآن ....،
إذ تتبادل الأنخاب مع أوطانها،
نحتفظُ لها بمجد السنوات،
على مدى حُلمِنَا،
على الفقر والعسف،
وزهو الممكنات!
ويتردد صوتها:
نبعاً ونافورةً!
شكراً لكم،
منحتمونا الفرح في الرعويات الحزينة،
والبهجة في محاكاة صوتٍ عظيم،
وفتنة أثيرة!
شكراً لكم،
بعد حينٍ يكونُ الطقسُ في اختيار الولادة،
والحجارة ذات النشيد الممتد،
والأصوات الواعدة،
والرؤية الأكثر أشراقاً،
والنظرة النابهة!
الآن يتسلُّلُ النثر والشعر العظيم إلى ملامحنا،
والنحل الذي شَرِبَ ضوء الشمس،
أمتصَّ الرحيق.
فيا للبريق!
يميطُ الظلام فنسمع ونرى،
نبرات الهتاف،
في البلاد الوسيمة،
ونبصر الضوء في رحاب
تجاربنا الحديثة؛
و...(كأسك) يا وطن،
وآخر نخبٍ إليها،
إليكم
للحزب،
وللبلاد الكبيرة!
------------------------------
* ( الميدان ): صحيفة الحزب الشيوعي السوداني الناطقة بإسمه.

الأحد، سبتمبر 02، 2018

في رحيل حسين عبد الرازق وأمين مكي مدني!



حياتهما كلها نضالا لأجل الإنسان، هناك بالصحافة، وهنا بالقانون.
هما معا في الخلود: حسين عبد الرازق وأمين مكي مدني!
-------------------------------------------------------


يكفيهم،
يكفيهم جدا
أنهم كانوا و يكونوا.
ذلك أبعد وأعمق من الكلمات،
لآ نخاف الظلمات والظلم،
في العتمات
وفي الضوء نراهم
تحت ظلال الرايات.
نسألهم،
اليوم وغدا...
يجيبوننا بالأناشيد السماويات!

يومان حزينان، الخميس الماضي والجمعة، هناك في المستشفي العسكري بالمعادي بالقاهرة، رحل عن عالمنا مساء الخميس 30/8/2018م، الشيوعي الكاتب والصحافي والسياسي حسين عبد الرازق، وفي الغد من يوم الجمعة، 31/8/2018م،بينما كان يواري جثمانه بمقبرة مسجد عمر مكرم، هنا، في الخرطوم، في ذلك النهار الهادي الدبق، رحل أيضا بمستشفي فضيل بالخرطوم عالم الحقوق وداعم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية د. أمين مكي مدني! كلاهما، بوعي وإصرار ومثابرة، كرسا حياتهما لأجل قضايا الإنسان الجليلة في تحقيق الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، في صف الفقراء والكادحين وضد الديكتاتوريات قاهرة الشعوب. حسين جعل نضاله الجسور عبر الصحافة والسياسة، الصحافة التي غدا معدودا من أعمدتها الشاهقة. وأمين، أختار لنضاله أن يكون عبر القانون والحقوق، وقد صار منارة علمية وقانونية ضخمة في النضال ضد الديكتاتورية في وطنه السودان وفي العالم، أبدا لم ينحني لجلاد أو ينكسر حتي وهو يعاني قسوة الأنظمة وقمعها وسجونها، حتي صار في العالمين إشارة وعلامة عالية، علي المستوي المحلي والأقليمي والعالمي. هكذا، في برهة، مالحة وجارحة، في ليلتين متتاليتين، رحلا عنا إلي حيث البياض، فياللمفارقة ذات الدلالة والمعني الكبير!

حسين عبد الرازق.
حسين عبد الرازق عبد الجليل أحمد، ولد في 4/11/1936م لأسرة متوسطة الحال بمحافة أسوان. تعلم في كتاب القرية وحفظ القرآن كاملا، ومنها أنتقل إلي التعليم المدني حتي حصل علي شهادة البكالوريوس في العلوم التجارية ( المحاسبة والإدارة والاقتصاد )عام 1984م من جامعة الزقازيق فرع بنها.
حسين شارك في تأسيس حزب التجمع عام 1976م، وكان أول أمين للقاهرة في الحزب وعضواً بالأمانة العامة، وساهم بدور كبير في ٱنتفاضة الخبز في يناير 1977، واعتقل مع العشرات من القيادات العمالية والطلابية والنقابية والسياسية، وكان كتابه عن تلك الانتفاضة أهم ما كتب عنها لما تضمنه من وثائق ووقائع وأحداث، بما فيها الوثيقة التاريخية لحكم البراءة الذي أصدره القضاء المصري بحق كل المتهمين في القضية، كما اعتقل مرة أخرى في 29 مارس 1981م في قضية الحزب الشيوعي المصري، وصدر له العديد من الكتب المهمة أبرزها كتبه حول تجربة جريدة الأهالي، وحول (الأحزاب المصرية - حزب التجمع نموذجاً) وحول دور اليسار في مقاومة التطبيع.
تولى حسين رئاسة تحرير جريدة الأهالي في فترتها الذهبية من 1982م حتى 1987م، وخاضت الجريدة في عهده معارك صحفية متواصلة ضد الفساد والاستبداد والاستغلال والاحتكار، ودفاعاً عن مصالح العمال والفلاحين وكل الكادحين وحقوقهم في الحياة الإنسانية الكريمة، وعن الحريات السياسية والنقابية والثقافة الوطنية، وشارك في تلك المعارك نخبة من ألمع الكتاب الصحفيين ومجموعة مقاتلة من الصحفيين الشباب، وكان عموده الثابت في الجريدة الذي استمر يكتبه حتى وفاته بعنوان ( لليسار در ) نموذجا للمواقف المبدئية والاستقامة الفكرية والسياسية، وفي عام 1987م أسس مجلة اليسار ورأس تحريرها لتكون لسان حال الماركسيين داخل التجمع وخارجه، لتخوض أيضاً نفس معارك الوطن والشعب.
لعب دوراً بارزاً في تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية، التي لعبت دوراً كبيراً في حشد الشعب المصري ضد التطبيع بعد اتفاقية كامب ديفيد، وفي تأسيس لجنة الدفاع عن الحريات بحزب التجمع، والتي كان لها دور رئيسي في دعم المعتقلين وأسرهم في فترة السبعينات وأوائل الثمانينيات وتنظيم هيئة الدفاع عنهم من كوكبة من المحامين البارزين من داخل وخارج التجمع. كما لعب دوراً رئيسياً في تأسيس لجنة الدفاع عن الديمقراطية مطلع الألفية الثالثة، والتي ضمت الأحزاب الوطنية الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالحريات.
( ظل حسين عبد الرازق حتى اللحظات الأخيرة مشاركاً في كل الفعاليات الفكرية والسياسية لليسار المصري، واستضاف الكثير منها في مؤسسة خالد محيي الدين الثقافية التي كان يرأسها، كما حرص على المتابعة والمشاركة في كل معارك الصحفيين دفاعاً عن حرية التعبير وحقوق الصحفيين واستقلال وقوة ووحدة نقابتهم.
سلاماً لروحك يا رفيق.. وستظل حياً في قلوبنا وعقولنا بما قدمته لوطنك وشعبك من نضالات وتضحيات وإسهامات فكرية وسياسية.
وخالص العزاء لزوجتك ورفيقة عمرك ونضالك الرفيقة والكاتبة الصحفية فريدة النقاش، ولابنيك العزيزين رشا وجاسر، ولقيادات وأعضاء حزب التجمع، ولكل رفاق دربك وأحلامك، وكل زملائك وأصدقائك ومحبيك في مصر والعالم العربي)، كما جاء في نعي الحزب الشيوعي المصري له 30/ أغسطس / 2018م. كتب حسين مؤلفه التوثيقي الهام ( الأهالي، صحيفة تحت الحصار) 1994م، وثق فيه تجربة الصحيفة اليسارية 1978م/1988م، ثم كتابه ( الأحزاب والطريق إلي الديمقراطية )، و حسين كان، في خصيصته أديبا يلامس شعرية السرد حين يكتبها رؤاه، فلديه مجموعة قصصية ( اعترافات زوج مخدوع )، فأما آخر كتاباته فكان بالانجليزية عن جمال مبارك( Gamal Mubarak the Most influential Politician in Egypt ) ، جمال مبارك أكثر السياسيين نفوذا في مصر، لم أحظي بقراءته، برغم أن عنوانه أصابني بالحيرة في فهمه، وانتظر حتي أراه!

د. أمين مكي مدني.
ولد أمين في ود مدني في 1939م،وتخرج من جامعة الخرطوم وحاز علي شهادات علمية من جامعات عريقة مثل جامعة ادنبره وجامعة لندن وجامعة لوكسمبورج. وفي العام 1991م حصل على جائزة هيومن رايتس ووتش لمراقبة حقوق الإنسان. وفي ذات العام حصل على جائزة نقابة المحامين الأمريكية لحقوق الإنسان، نيابة عن نقابة المحامين في السودان.
كان أمين يري أن أوضاع حقوق الإنسان في السودان متدهورة، وأن الإنتهاكات واسعة، وكم مرة صرح وقالها في الملأ أن وثيقة الحقوق والدستور الإنتقالي التي يقولها ويروج لها النظام ما هي إلا حبرا علي ورق. بل وظل يشدد، في حواراته ولقاءاته أنه لا يوجد، أصلا، خيارا بالتراجع عن خيار الإنتفاضة. كان واقعيا في رؤاه، موضوعيا في أحكامه وما يصدر عنه، فيقول: صحيح أمامنا تحديات عديدة، لكننا قادرون علي تجاوزها، فلم يكن، أبدا، في رؤاه التراجع، ولو قيد أنملة، عن خيار الإنتفاضة الشعبية. أمين رأي، بحق، أن الدستور الإنتقاليلسنة 2005م يحتوي علي نصوص جيدة وبه وثيقة حقوق جيدة، بل يتبني المواثيق الدولية التي تحترم حقوق الإنسان، خاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكل الحريات المتعلقة بالرأي والتجمع والتظاهر ومعترفا بها، لكنه، كان يراها، في الواقع المعاش، توجد إنتهاكات ( علي قفا من يشيل )، الحريات معدومة والصحف تصادر والأحزاب تمنع
من مارسة حرية التعبير والمنظمات يتم اغلاقها! بل كان يصدح بقناعته بعدم التراجع عن خيار الانتفاضة حال عدم استجابة النظام لسداد استحقاقات الحوار المنتج الخاصة بتهيئة المناخ ووقف ماثلاُ ، وأن خيار الانتفاضة وارد جداً للقضاء على هذا النظام!
عمل مكي، من واقع تخصصه العالي،  خبيرا في مجال حقوق الإنسان، محامي، ومحلل سياسي، ناشط ومدير إداري، متخصص في التعاون التنموي، قاضي ومحاضر في القانون،وأستاذ للقانون،وظل مكي مدافعا عن حقوق الانسان وناشط في العمل الوطني والنقابي ،ووزير في حكومة الانتفاضة (1985-1986)، ولعب دورا أساسيا في صياغة ميثاقها، حقبة تاريخية كاملة من الخبرة الأكاديمية والقضائية والحكومية وغير الحكومية على المستويات الإقليمية والدولية خبرة مهنية وإدارية في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، والبنك الدولي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، كما عمل عضوا بالمجلس التنفيذي لست منظمات غير حكومية لحقوق الإنسان وجمعيات مهنية قانونية. وعضو خبير في بعثات التقييم الدولي في (كمبوديا) من قبل كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومن خبراته الادارية فقد خدم في مناصب إدارية في عدد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية والدولية،ومحلل للسياسات، بناء علي خبراته المهنية مع المؤسسات الأكاديمية ومنظمات حقوق الإنسان والمناصب الحكومية، يتحدث امين اللغتين العربية والإنجليزية ، ومعرفة بالفرنسية والسواحلية، فهو الي جانب ذلك محام دولي، ومستشار قانوني، وأستاذ قانون، وقاض بالخرطوم، كما عمل بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بيروت، لبنان، وممثل المكتب الإقليمي للمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في المنطقة العربية، بيروت، فبراير 2002، أكتوبر 2004م وبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في أفغانستان ، المستشار القانوني للممثل الخاص للأمين العام في أفغانستان (يوناما) في إصلاح القانون في أفغانستان، في العام 2002م المستشار القانوني للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، 2003م ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، زغرب، كرواتيا،ورئيس البعثة مارس 2001م الي فبراير 2002م ثم عمل بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الضفة الغربية ومكتبه في غزة، المستشار الفني الرئيسي ورئيس المكتب من العام 1997الي مارس 2001م وعمل أمين مكي بالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الكويت، مستشار قانوني(1995م الي 1997) الحكومة الانتقالية الديمقراطية في السودان، الخرطوم، مجلس الوزراء وزير الأشغال والإسكان(1985 الي 1986) المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، الخرطوم، المستشار العام، 1976-1978م مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، جنيف وتنزانيا، المستشار القانوني ونائب الممثل في تنزانيا 1971-1975م.
وأمين، بجانب ذلك كله، هوكاتب تقرير الخلفية للجنة الدولية للحقوقيين عن حالة حقوق الإنسان في السودان، الاتصال والتعاون والدعم لمختلف بعثات حقوق الإنسان وأنشطة منظمة العفو الدولية، لجنة الحقوقيين الدولية. هيومن رايتس ووتش، لجنة المحامين لحقوق الإنسان، والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، صندوق من أجل السلام، المنحة الوطنية للديمقراطية، منظمة المادة 19، وغيرها. رئيس مجلس أمناء مركز الدراسات القانونية، السودان.
ولامين مكي مساهمات علمية وحقوقية حيث كتب العديد من المقالات حول حقوق الإنسان والقانون الإنساني منها: *جرائم انتهاكات القانون الإنساني الدولي في السودان، القاهرة2001م* انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة* المحكمة الجنائية الدولية* عالمية حقوق الإنسان* دور المحامين في تعزيز حقوق الإنسان.وساهم مكي في كتابة العديد من التقارير مثل تقرير الخبراء في اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القانون الإنساني في السودان. كاتب تقرير مفوضية حقوق الإنسان، جنيف، عن حالة حقوق الإنسان في القاهرة، ومن بين المقالات المنشورة في الدوريات والمجلات العربية منها علي سبيل المثال : حالة الطوارئ في العالم العربي- مراجعة العربي لحقوق الإنسان-مبادئ استقلال المهنة - المسؤولية الشخصية والمحكمة الجنائية الدولية-- القضية الفلسطينية التحديات الإقليمية والدولية- المرحلة الانتقالية في السودان- المشاكل التي تواجه السودان فضلا عن تقديمه للعديد من ورش العمل. وله كتابات قانونية عظيمة القيمة حول العدالة الإنتقالية والتحول الديمقراطي، وعقب اختيار الجنوبيين للتصويت لانشاء دولة وليدة لهم في العام 2011م كتب امين مكي مقال بعنوان (ما هكذا تصنع الدساتير) قال من خلاله ان تاريخنا السياسي، منذ الاستقلال، لم يأخذ قضية الدستور مأخذ الجد، كوثيقة (عقد اجتماعي) لا يضعها الحزب الحاكم وحده، فالدستور هو القانون الأسمى الذي يحدد شكل الحكم، رئاسياً أم برلمانياً، وأوضاع السلطة التشريعية، وكيفية انتخابها بحرية ونزاهة، وبعيدا عن القضايا القانونية والتشريعية.

أمين هو أحد المؤسسين للمنظمة العربية لحقوق الإنسان وأبرز رواد الديمقراطية والحريات في السودان والمنطقة العربية، كان أحد أعضاء حكومة الائتلاف الديمقراطي في بلاده ١٩٨٦ عقب الثورة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق “جعفر نميري”، وهي الحكومة التي أطاح لها الانقلاب العسكري في العام ١٩٨٩.
كان محاميا من طراز رفيع وقياديا نقابيا ذو قدرات عالية، حد أن انتخب عضوا بالمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب لدورات عديدة مع رفيق حياته ومسيرته في الفكر والحياة فاروق أبو عيسي. شارك بجهد كبير في تطوير مسيرة المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي شارك في انطلاقها، وانتخب عضوا بمجلس أمناء المنظمة وحظي بثقة سبعة من الجمعيات العمومية للمنظمة لعضوية مجلس الأمناء منذ العام ١٩٩٠م، واللجنة التنفيذية منذ ١٩٩٧م، وتولى موقع رئيس مجلس الأمناء في الفترتين ٢٠٠٤م – ٢٠١١م.
كان لدوره البارز في حركة حقوق الإنسان اثره في اختياره لتولي مواقع بارزة في الأمم المتحدة في المراحل الحرجة، حيث كان المؤسس لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في العام ١٩٩٤، ثم مديرا للمكتب الإقليمي للمفوضية في المنطقة العربية، ومديرا لقسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ٢٠٠٣م، ومديرا لقسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو.
أمين كان وطنا كاملا يعيش الحياة لتكون عدالة تضئ حياة الإنسان، تحقق له الكرامة والسعادة والبقاء، وليكون العالم أجمل ويستحق الحياة، فأي إنسان هذا الذي رحل عنا، لكنه، بكل عطاياه النبيلة تلك، جعلنا في معيته، في حياتنا التي جعلها في رفقته حتي الأبد، ويااا كمال الجزولي، بالله عليك لآ تحزن، أو أحزن قليلا، وأجعلنا نكون في رؤياك إليه، و ... إلينا، في الحياة التي هي يهبها الموت لنا!
( الميدان )، تقدم تعازيها، للحزب الشيوعي المصري، ولقوي اليسار والديمقراطية في مصر، وللرفيقة فريدة النقاش والأبناء والأسرة علي هذا الفقد الكبير. وفي السودان للسيدة نعمات عبد السلام وأبناء الراحل مكي مدني: مكي ووليد ومعتز وبنتيه سماح وسارة، وإلي آل مدني وآل خليفة المهدي، الراحلون هم، لكنهم يعيشونها معنا أيامنا.



.