Powered By Blogger

الأحد، سبتمبر 02، 2018

في رحيل حسين عبد الرازق وأمين مكي مدني!



حياتهما كلها نضالا لأجل الإنسان، هناك بالصحافة، وهنا بالقانون.
هما معا في الخلود: حسين عبد الرازق وأمين مكي مدني!
-------------------------------------------------------


يكفيهم،
يكفيهم جدا
أنهم كانوا و يكونوا.
ذلك أبعد وأعمق من الكلمات،
لآ نخاف الظلمات والظلم،
في العتمات
وفي الضوء نراهم
تحت ظلال الرايات.
نسألهم،
اليوم وغدا...
يجيبوننا بالأناشيد السماويات!

يومان حزينان، الخميس الماضي والجمعة، هناك في المستشفي العسكري بالمعادي بالقاهرة، رحل عن عالمنا مساء الخميس 30/8/2018م، الشيوعي الكاتب والصحافي والسياسي حسين عبد الرازق، وفي الغد من يوم الجمعة، 31/8/2018م،بينما كان يواري جثمانه بمقبرة مسجد عمر مكرم، هنا، في الخرطوم، في ذلك النهار الهادي الدبق، رحل أيضا بمستشفي فضيل بالخرطوم عالم الحقوق وداعم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية د. أمين مكي مدني! كلاهما، بوعي وإصرار ومثابرة، كرسا حياتهما لأجل قضايا الإنسان الجليلة في تحقيق الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، في صف الفقراء والكادحين وضد الديكتاتوريات قاهرة الشعوب. حسين جعل نضاله الجسور عبر الصحافة والسياسة، الصحافة التي غدا معدودا من أعمدتها الشاهقة. وأمين، أختار لنضاله أن يكون عبر القانون والحقوق، وقد صار منارة علمية وقانونية ضخمة في النضال ضد الديكتاتورية في وطنه السودان وفي العالم، أبدا لم ينحني لجلاد أو ينكسر حتي وهو يعاني قسوة الأنظمة وقمعها وسجونها، حتي صار في العالمين إشارة وعلامة عالية، علي المستوي المحلي والأقليمي والعالمي. هكذا، في برهة، مالحة وجارحة، في ليلتين متتاليتين، رحلا عنا إلي حيث البياض، فياللمفارقة ذات الدلالة والمعني الكبير!

حسين عبد الرازق.
حسين عبد الرازق عبد الجليل أحمد، ولد في 4/11/1936م لأسرة متوسطة الحال بمحافة أسوان. تعلم في كتاب القرية وحفظ القرآن كاملا، ومنها أنتقل إلي التعليم المدني حتي حصل علي شهادة البكالوريوس في العلوم التجارية ( المحاسبة والإدارة والاقتصاد )عام 1984م من جامعة الزقازيق فرع بنها.
حسين شارك في تأسيس حزب التجمع عام 1976م، وكان أول أمين للقاهرة في الحزب وعضواً بالأمانة العامة، وساهم بدور كبير في ٱنتفاضة الخبز في يناير 1977، واعتقل مع العشرات من القيادات العمالية والطلابية والنقابية والسياسية، وكان كتابه عن تلك الانتفاضة أهم ما كتب عنها لما تضمنه من وثائق ووقائع وأحداث، بما فيها الوثيقة التاريخية لحكم البراءة الذي أصدره القضاء المصري بحق كل المتهمين في القضية، كما اعتقل مرة أخرى في 29 مارس 1981م في قضية الحزب الشيوعي المصري، وصدر له العديد من الكتب المهمة أبرزها كتبه حول تجربة جريدة الأهالي، وحول (الأحزاب المصرية - حزب التجمع نموذجاً) وحول دور اليسار في مقاومة التطبيع.
تولى حسين رئاسة تحرير جريدة الأهالي في فترتها الذهبية من 1982م حتى 1987م، وخاضت الجريدة في عهده معارك صحفية متواصلة ضد الفساد والاستبداد والاستغلال والاحتكار، ودفاعاً عن مصالح العمال والفلاحين وكل الكادحين وحقوقهم في الحياة الإنسانية الكريمة، وعن الحريات السياسية والنقابية والثقافة الوطنية، وشارك في تلك المعارك نخبة من ألمع الكتاب الصحفيين ومجموعة مقاتلة من الصحفيين الشباب، وكان عموده الثابت في الجريدة الذي استمر يكتبه حتى وفاته بعنوان ( لليسار در ) نموذجا للمواقف المبدئية والاستقامة الفكرية والسياسية، وفي عام 1987م أسس مجلة اليسار ورأس تحريرها لتكون لسان حال الماركسيين داخل التجمع وخارجه، لتخوض أيضاً نفس معارك الوطن والشعب.
لعب دوراً بارزاً في تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية، التي لعبت دوراً كبيراً في حشد الشعب المصري ضد التطبيع بعد اتفاقية كامب ديفيد، وفي تأسيس لجنة الدفاع عن الحريات بحزب التجمع، والتي كان لها دور رئيسي في دعم المعتقلين وأسرهم في فترة السبعينات وأوائل الثمانينيات وتنظيم هيئة الدفاع عنهم من كوكبة من المحامين البارزين من داخل وخارج التجمع. كما لعب دوراً رئيسياً في تأسيس لجنة الدفاع عن الديمقراطية مطلع الألفية الثالثة، والتي ضمت الأحزاب الوطنية الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالحريات.
( ظل حسين عبد الرازق حتى اللحظات الأخيرة مشاركاً في كل الفعاليات الفكرية والسياسية لليسار المصري، واستضاف الكثير منها في مؤسسة خالد محيي الدين الثقافية التي كان يرأسها، كما حرص على المتابعة والمشاركة في كل معارك الصحفيين دفاعاً عن حرية التعبير وحقوق الصحفيين واستقلال وقوة ووحدة نقابتهم.
سلاماً لروحك يا رفيق.. وستظل حياً في قلوبنا وعقولنا بما قدمته لوطنك وشعبك من نضالات وتضحيات وإسهامات فكرية وسياسية.
وخالص العزاء لزوجتك ورفيقة عمرك ونضالك الرفيقة والكاتبة الصحفية فريدة النقاش، ولابنيك العزيزين رشا وجاسر، ولقيادات وأعضاء حزب التجمع، ولكل رفاق دربك وأحلامك، وكل زملائك وأصدقائك ومحبيك في مصر والعالم العربي)، كما جاء في نعي الحزب الشيوعي المصري له 30/ أغسطس / 2018م. كتب حسين مؤلفه التوثيقي الهام ( الأهالي، صحيفة تحت الحصار) 1994م، وثق فيه تجربة الصحيفة اليسارية 1978م/1988م، ثم كتابه ( الأحزاب والطريق إلي الديمقراطية )، و حسين كان، في خصيصته أديبا يلامس شعرية السرد حين يكتبها رؤاه، فلديه مجموعة قصصية ( اعترافات زوج مخدوع )، فأما آخر كتاباته فكان بالانجليزية عن جمال مبارك( Gamal Mubarak the Most influential Politician in Egypt ) ، جمال مبارك أكثر السياسيين نفوذا في مصر، لم أحظي بقراءته، برغم أن عنوانه أصابني بالحيرة في فهمه، وانتظر حتي أراه!

د. أمين مكي مدني.
ولد أمين في ود مدني في 1939م،وتخرج من جامعة الخرطوم وحاز علي شهادات علمية من جامعات عريقة مثل جامعة ادنبره وجامعة لندن وجامعة لوكسمبورج. وفي العام 1991م حصل على جائزة هيومن رايتس ووتش لمراقبة حقوق الإنسان. وفي ذات العام حصل على جائزة نقابة المحامين الأمريكية لحقوق الإنسان، نيابة عن نقابة المحامين في السودان.
كان أمين يري أن أوضاع حقوق الإنسان في السودان متدهورة، وأن الإنتهاكات واسعة، وكم مرة صرح وقالها في الملأ أن وثيقة الحقوق والدستور الإنتقالي التي يقولها ويروج لها النظام ما هي إلا حبرا علي ورق. بل وظل يشدد، في حواراته ولقاءاته أنه لا يوجد، أصلا، خيارا بالتراجع عن خيار الإنتفاضة. كان واقعيا في رؤاه، موضوعيا في أحكامه وما يصدر عنه، فيقول: صحيح أمامنا تحديات عديدة، لكننا قادرون علي تجاوزها، فلم يكن، أبدا، في رؤاه التراجع، ولو قيد أنملة، عن خيار الإنتفاضة الشعبية. أمين رأي، بحق، أن الدستور الإنتقاليلسنة 2005م يحتوي علي نصوص جيدة وبه وثيقة حقوق جيدة، بل يتبني المواثيق الدولية التي تحترم حقوق الإنسان، خاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكل الحريات المتعلقة بالرأي والتجمع والتظاهر ومعترفا بها، لكنه، كان يراها، في الواقع المعاش، توجد إنتهاكات ( علي قفا من يشيل )، الحريات معدومة والصحف تصادر والأحزاب تمنع
من مارسة حرية التعبير والمنظمات يتم اغلاقها! بل كان يصدح بقناعته بعدم التراجع عن خيار الانتفاضة حال عدم استجابة النظام لسداد استحقاقات الحوار المنتج الخاصة بتهيئة المناخ ووقف ماثلاُ ، وأن خيار الانتفاضة وارد جداً للقضاء على هذا النظام!
عمل مكي، من واقع تخصصه العالي،  خبيرا في مجال حقوق الإنسان، محامي، ومحلل سياسي، ناشط ومدير إداري، متخصص في التعاون التنموي، قاضي ومحاضر في القانون،وأستاذ للقانون،وظل مكي مدافعا عن حقوق الانسان وناشط في العمل الوطني والنقابي ،ووزير في حكومة الانتفاضة (1985-1986)، ولعب دورا أساسيا في صياغة ميثاقها، حقبة تاريخية كاملة من الخبرة الأكاديمية والقضائية والحكومية وغير الحكومية على المستويات الإقليمية والدولية خبرة مهنية وإدارية في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، والبنك الدولي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، كما عمل عضوا بالمجلس التنفيذي لست منظمات غير حكومية لحقوق الإنسان وجمعيات مهنية قانونية. وعضو خبير في بعثات التقييم الدولي في (كمبوديا) من قبل كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومن خبراته الادارية فقد خدم في مناصب إدارية في عدد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية والدولية،ومحلل للسياسات، بناء علي خبراته المهنية مع المؤسسات الأكاديمية ومنظمات حقوق الإنسان والمناصب الحكومية، يتحدث امين اللغتين العربية والإنجليزية ، ومعرفة بالفرنسية والسواحلية، فهو الي جانب ذلك محام دولي، ومستشار قانوني، وأستاذ قانون، وقاض بالخرطوم، كما عمل بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بيروت، لبنان، وممثل المكتب الإقليمي للمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في المنطقة العربية، بيروت، فبراير 2002، أكتوبر 2004م وبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في أفغانستان ، المستشار القانوني للممثل الخاص للأمين العام في أفغانستان (يوناما) في إصلاح القانون في أفغانستان، في العام 2002م المستشار القانوني للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، 2003م ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، زغرب، كرواتيا،ورئيس البعثة مارس 2001م الي فبراير 2002م ثم عمل بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الضفة الغربية ومكتبه في غزة، المستشار الفني الرئيسي ورئيس المكتب من العام 1997الي مارس 2001م وعمل أمين مكي بالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الكويت، مستشار قانوني(1995م الي 1997) الحكومة الانتقالية الديمقراطية في السودان، الخرطوم، مجلس الوزراء وزير الأشغال والإسكان(1985 الي 1986) المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، الخرطوم، المستشار العام، 1976-1978م مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، جنيف وتنزانيا، المستشار القانوني ونائب الممثل في تنزانيا 1971-1975م.
وأمين، بجانب ذلك كله، هوكاتب تقرير الخلفية للجنة الدولية للحقوقيين عن حالة حقوق الإنسان في السودان، الاتصال والتعاون والدعم لمختلف بعثات حقوق الإنسان وأنشطة منظمة العفو الدولية، لجنة الحقوقيين الدولية. هيومن رايتس ووتش، لجنة المحامين لحقوق الإنسان، والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، صندوق من أجل السلام، المنحة الوطنية للديمقراطية، منظمة المادة 19، وغيرها. رئيس مجلس أمناء مركز الدراسات القانونية، السودان.
ولامين مكي مساهمات علمية وحقوقية حيث كتب العديد من المقالات حول حقوق الإنسان والقانون الإنساني منها: *جرائم انتهاكات القانون الإنساني الدولي في السودان، القاهرة2001م* انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة* المحكمة الجنائية الدولية* عالمية حقوق الإنسان* دور المحامين في تعزيز حقوق الإنسان.وساهم مكي في كتابة العديد من التقارير مثل تقرير الخبراء في اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القانون الإنساني في السودان. كاتب تقرير مفوضية حقوق الإنسان، جنيف، عن حالة حقوق الإنسان في القاهرة، ومن بين المقالات المنشورة في الدوريات والمجلات العربية منها علي سبيل المثال : حالة الطوارئ في العالم العربي- مراجعة العربي لحقوق الإنسان-مبادئ استقلال المهنة - المسؤولية الشخصية والمحكمة الجنائية الدولية-- القضية الفلسطينية التحديات الإقليمية والدولية- المرحلة الانتقالية في السودان- المشاكل التي تواجه السودان فضلا عن تقديمه للعديد من ورش العمل. وله كتابات قانونية عظيمة القيمة حول العدالة الإنتقالية والتحول الديمقراطي، وعقب اختيار الجنوبيين للتصويت لانشاء دولة وليدة لهم في العام 2011م كتب امين مكي مقال بعنوان (ما هكذا تصنع الدساتير) قال من خلاله ان تاريخنا السياسي، منذ الاستقلال، لم يأخذ قضية الدستور مأخذ الجد، كوثيقة (عقد اجتماعي) لا يضعها الحزب الحاكم وحده، فالدستور هو القانون الأسمى الذي يحدد شكل الحكم، رئاسياً أم برلمانياً، وأوضاع السلطة التشريعية، وكيفية انتخابها بحرية ونزاهة، وبعيدا عن القضايا القانونية والتشريعية.

أمين هو أحد المؤسسين للمنظمة العربية لحقوق الإنسان وأبرز رواد الديمقراطية والحريات في السودان والمنطقة العربية، كان أحد أعضاء حكومة الائتلاف الديمقراطي في بلاده ١٩٨٦ عقب الثورة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق “جعفر نميري”، وهي الحكومة التي أطاح لها الانقلاب العسكري في العام ١٩٨٩.
كان محاميا من طراز رفيع وقياديا نقابيا ذو قدرات عالية، حد أن انتخب عضوا بالمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب لدورات عديدة مع رفيق حياته ومسيرته في الفكر والحياة فاروق أبو عيسي. شارك بجهد كبير في تطوير مسيرة المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي شارك في انطلاقها، وانتخب عضوا بمجلس أمناء المنظمة وحظي بثقة سبعة من الجمعيات العمومية للمنظمة لعضوية مجلس الأمناء منذ العام ١٩٩٠م، واللجنة التنفيذية منذ ١٩٩٧م، وتولى موقع رئيس مجلس الأمناء في الفترتين ٢٠٠٤م – ٢٠١١م.
كان لدوره البارز في حركة حقوق الإنسان اثره في اختياره لتولي مواقع بارزة في الأمم المتحدة في المراحل الحرجة، حيث كان المؤسس لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في العام ١٩٩٤، ثم مديرا للمكتب الإقليمي للمفوضية في المنطقة العربية، ومديرا لقسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ٢٠٠٣م، ومديرا لقسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو.
أمين كان وطنا كاملا يعيش الحياة لتكون عدالة تضئ حياة الإنسان، تحقق له الكرامة والسعادة والبقاء، وليكون العالم أجمل ويستحق الحياة، فأي إنسان هذا الذي رحل عنا، لكنه، بكل عطاياه النبيلة تلك، جعلنا في معيته، في حياتنا التي جعلها في رفقته حتي الأبد، ويااا كمال الجزولي، بالله عليك لآ تحزن، أو أحزن قليلا، وأجعلنا نكون في رؤياك إليه، و ... إلينا، في الحياة التي هي يهبها الموت لنا!
( الميدان )، تقدم تعازيها، للحزب الشيوعي المصري، ولقوي اليسار والديمقراطية في مصر، وللرفيقة فريدة النقاش والأبناء والأسرة علي هذا الفقد الكبير. وفي السودان للسيدة نعمات عبد السلام وأبناء الراحل مكي مدني: مكي ووليد ومعتز وبنتيه سماح وسارة، وإلي آل مدني وآل خليفة المهدي، الراحلون هم، لكنهم يعيشونها معنا أيامنا.



.














ليست هناك تعليقات: