Powered By Blogger

السبت، سبتمبر 29، 2012

درويش ، في ذكراه الحاضرة فينا !

                                                     *درويش وأمه حورية *

حول مرض درويش ،
ولحظاته الأخيرة ... !
-----------------------
ناشدها الحياة :
" علي مهلك ،
  انتظريني إلي أن تجف الثمالة في قدحي !" .


لربما كان يتلفت حوله بين الحين والأخر ليري أن كان نجح في تضليل الموت ، وفي نفس الوقت وفي كل الأوقات كان درويش يواصل ، باصرار راسخ وتكثيف فذ ، ممارسة مهنته الوحيدة في الحياة : كتابة القصائد ! العام 2007 كان قد أجري مراجعات طبية عديدة في بيروت وباريس ، يومذاك ، أدرك بيقين كامل أنه أمام خيارات صعبة وأدرك أكثر حرج حالته الصحية ! كان قد سبق له أن أجري جراحة كبيرة للقلب في باريس بعد أن عاني إنتفاخا وتمددا في القسم الأسفل من الشريان الأبهر ( الأورطي ) ...
أجري الطبيب الفرنسي جان ميشيل كورمييه ، أكبر جراحي الشرايين في فرنسا وطاقمه بنجاح عملية كبيرة للشاعر لإزالة الجزء المصاب وإستبداله . ولكن بعد العملية ، وخلال فترة استيقاظه من التخدير ، حدثت مضاعفات تناثر خلالها الكولسترول الموجود بنسب عالية وغير عادية علي جدران شرايين الشاعر نحو الساقين ، محدثا عدة جلطات . فلجأ الأطباء إلي وقف عملية الإستيقاظ ، وإلي تنويمه إصطناعيا ، وجعلوا الرئة والكلي تعمل علي أجهزة لعدة أيام ، عملوا خلالها علي المراقبة والحد من تأثير الجلطات إلي أن أستعاد عافيته ! خلال المراجعات الطبية لحالته العام 2007 ، أكد له الطبيب الفرنسي حرج وضعه الصحي . كان هناك إنتفاخ وتمدد في القسم العلوي من الشريان الأبهر ، والأرقام والبيانات كانت مقلقة للغاية ، وتقترب من الخطوط الحمراء : خطوط الموت ! وبسبب من الصداقة والمودة الإنسانية التي نشأت وتعمقت بين الطبيب الفرنسي والشاعر ، فقد حذره بوضوح كثير بأنه يحمل في صدره لغما قد ينفجر في أي لحظة !
في مستشفي هيوستن بصحراء تكساس  ، يوم الثلاثاء أجريت للشاعر عملية قسطرة . كان في حالة اعياء علي سريره بعد العملية ، لكن الأخبار كانت مطمئنة : " لم يفرقع الكلوسترول ولم يتناثر "! هنالك شريانان رئيسيان مغلقان بنسبة كبيرة ، لكن هنالك شرايين أخري صغيرة أخذت تتفتح وتعوض عمل الشريانان ، الأمر مطمئن إذن ! ثم أصدر الطبيب قراره : أن القلب جاهز لاجراء العملية الكبيرة غدا !
عندما أبلغه أكرم هنيه أن الياس خوري أتصل من بيروت مبتهجا وسيذهب ليحتفل بنجاح القسطرة ، قال له الشاعر من بين اعيائه : " قل له أن يؤجل الأحتفال إلي ما بعد عملية الغد " ! في المساء كان الشاعر مسكونا بهواجس الخوف من العملية الكبيرة . كانوا يطمئنونه ، أنه أجتاز القسطرة بنجاح ولم ينفجر الكولسترول ، وأنه في أفضل مستشفي في العالم ، وفي رعاية أفضل أطباء العالم أيضا ... قال الشاعر لهم : " القسطرة كانت ذبابة في صحن طعامي ، أما عملية الغد فشئ آخر !" . وعندما قال له أكرم مطمئنا : " ستمر بسلام ، ويمكنك بعدها أن تكتب قصيدة جديدة بعنوان  ذبابة في صحراء تكساس " ، دوت ضحكته العميقة في أرجاء الغرفة ، كانت تلك ضحكته الأخيرة !
صباح الأربعاء، يوم العملية ، كان متعبا إذ لم ينم ليلته جيدا . خلع نظارته وساعته وناولهما لعلي حليلة ، وتحرك به موكب الأطباء والممرضين صوب غرفة العملية ، كان مرافقاه ، أكرم هنية وعلي حليلة يرافقانه ، في المنطقة المحظور دخولها لغير الكادر الطبي المرافق توقف الركب قليلا ، خاطب الشاعر صديقاه : " خلص ، بكفي لحد هون "  ، تلك كانت كلماته الأخيرة !
الأخبار الأولية للعملية ، كانت أيضا مطمئنة . فقد نفذت في وقت قصير نسبيا ، وعملية إزالة الجزء المصاب وإستبداله تمت في زمن قياسي لا يتجاوز 22 دقيقة فقط مما يقلل من احتمال تعرضه للخطر .
صباح الخميس كان محمود لا يحرك أطرافه ، وكان هنالك إحتمال أن يكون ذلك بسبب من التخدير . أمام الغرفة 24 /غرفته في قسم العناية المكثفة ، كانت جمهرة من الأطباء ، الشاعر يحرك أحد أطرافه . ولتحفيزه أدخلوا إليه أكرم وعلي ، نادياه : " محمود ... محمود " ، فتح عينيه وتطلع إليهما دون أن يحرك رأسه! كان يجب الإنتظار 24 ساعة لمعرفة مدي نجاح العملية وامكانية سلامة الشاعر ! في الظهيرة كانت هناك حاجة لأجراء عملية لإستئصال " القولون " بعد أن أصيب بزخات عديدة من الكولسترول ! بعد الظهر أعلن طبيب الأعصاب : لقد تناثرت زخات الكولسترول  وتسببت ببعض الجلطات في الدماغ ، وبعض مناطق أخري من جسم الشاعر ! يااااااه ، بداية العطب ! أستطرد الطبيب ، بعض خلايا الدماغ أصيبت ، وبقية أخري منها لا يزال يعمل وأن نسبة النجاح لا تتجاوز 10% !!!!!
يوم الجمعة كان طويلا طويلا علي الشاعر ، لكنه لم يكن ليشعر بالألم ، ولم يكن أيضا في حالة موت سريري ... لم يكن – علي الأرجح – يسمع لمن كانوا يحادثونه ، الوضع أصبح صعبا ، صعبا جدا ، والأطباء بذلوا ما فوق طاقتهم !  صباح السبت نقل محمود مرة أخري إلي غرفة العمليات . كانت أخبارا مخيفة تأتي : زخات الكولسترول المتناثرة قد ضربت معظم أجهزة الجسم ، ولم يكن هناك الكثير مما يمكن عمله إلا بعمليات إستئصال جديدة ليست بذات نفع ولا جدوي ... تم تشغيل الأجهزة لتقوم بعمل أجهزة الجسم التي تعطلت أو تكاد !
ثم أنتشر – قبل الوفاة – خبر موت الشاعر ، بثته في العالم " الجزيرة " التي تلهث صوب المال والمصالح والسبق الزائف ! كانت الوفاة مساء السبت عند الساعة 35 : 9 ، توقف قلب الشاعر ...
صعق العالم كله لموت الشاعر ، أكبر وأجمل شعراء العرب علي مر تاريخهم ، مات درويش !

ليست هناك تعليقات: