Powered By Blogger

الجمعة، يونيو 01، 2012

أيكون ، حقا ، هو طيفها ... ؟

                                                       - في تمزقه يناديها -
---------------------------
   قبل أسبوع واحد من الآن ، هناك ، في الخلاء البعيد حيث ذهبت لقضاء بعضا من شئون عملي . في أقصي جنوب الولاية ، ولاية سنار المتاخمة لولاية أعالي النيل بدولة الجنوب الوليدة وولاية النيل الأزرق حين تمظهرات الحرب " الأهلية " لا تزال تتري في الولاية والناس ! والوقت ، هو وقت الناس الآن ، بدايات الخريف اللعين ، التي توقفت سحائبه أعلي السماء ، فوق الناس والأشياء والكائنات كلها ، ولم تعد بمطر يأتي في الناس مدرارا خيرا ! يقول الخريف ، أنه لن يهطل في الناس هذا العام ، فقد تعود – هكذا يقول – أن يكون بينهم في مناخات الحرية ، حين لا توجد آليات وأدوات القمع ، فأما الحرية وأما هذا " اليباس " والجفاف و ... سوء الحال حيث تكون سحائبه رهقا وعنتا في الناس و ... حزنا ! هواء بارد – ذلك الصباح – وريح ناعسة تتجول ، بخجل صفيق في أرجاء المدينة ، يااااه ، يدعونها " مدينة " ، لكنها " قرية " كبيرة لم تتجاسر – بعد – لتغدوا صبية في المدائن ... لربما ، هم يدللونها حين يدعونها بالمدينة ! تنام باكرا ، مثل دجاجها وقططها و ... دوابها ، صحبة جارتها الصغيرة التي يسمونها " محبوبة " ، ولم أري منها أيا من صفات المحبوبة ، وكم سألتهم عن أصل التسمية ولماذا ينعتونها بلغة المحبين والعشاق وسط هذا الخلاء الفج ، فما ظفرت منهم إلا بحيرتي و ... دهشتي تلازمني ، فظللت ، في دواخلي ، ساخرا منهم ومنها ، أبتسم بسخرية لها ثم أذهب عنها عند مروري بها ، غاديا أو رائحا ، فالطريق من حيث أقيم وإلي عاصمة الولاية لابد يمر بها ، لكأنها تقسر الناس قسرا أن ينادونها ، كلما مروا بها مجبرين : " محبوبة " !
   كنت قد صحوت – كعادتي – باكرا ذلك الصباح ، قبل أن يبدأ مؤذن الجامع المتاخم لسكني في أول الأذان ! نظفت أسناني ، والفجر بدأ لي أنه لايزال في نعاس الكسل الصباحي وتعب الرهق اليومي جراء سعي المعايش الخشن :
" يهد السواعد
  يفت المواجد
صراع المعايش
غوايش ... غوايش !".
   أستحممت ثم جلست إلي سريري أقرأ في " جدارية " درويش التي ترافقني أينما وليت وجهي . في وسط ذلك الظلام وسكونه اللزج الذي بدأ لتوه ينضوء عنه بعض عتمته لكي يستقبل ضوء الصباح ، فجأة ، أنتبهت : فإذا هي أمامي ، تحيط بها هالة ضوء مشع ، واقفة في مواجهتي بفستانها الكحلي و ... تمد إلي ساعديها وتبتسم ! هي بذاتها حبيبتي الجميلة " السوسنة " ، بملامحها الملائكية التي تمنحني الفرح وتملأ علي روحي ومخيلتي ببهاء طلعتها الوسيمة ! كنت قد فقدت صحبتها ، كانت قد هجرتني ، بأسباب لا أزال أراها صغيرة ليست بذات شأن لتفسد علاقة حب عفية و كبيرة ، وأستعصمت بصمت دبق وهي في هجري ، فأوردتني الحزن والكآبة والشجن المعذب ! بأدلتها تلك النظرات الحري و ... الإبتسام ، فإذا بها تناديني و ... تلوح بيديها وتقول : " تعاااااااال " ! بدأت ، بخطو بطئ ، بثقة ورجاء وأمل كثير ، أخذت أخطو صوبها ، مادا ذراعاي إليها ، وقلبي قد صار شراعا ونافذة مشرعة ، بدأت أقترب كثير إليها و ... أقترب ، لم يكن أمامي من ملامح الدنيا كلها سواها ووجها ! عندما بدأت أشرع في أحتضانها – فجأة – أهتز مني جسدي كله وأرتعش ، رعشات كثيرات متتاليات ثم ذهبت هالة الضوء كلها التي كانت تحيط بها من أمامي ثم حلت ظلمة الليل الحالكة وعتمته أمامي ، لوحة مرعبة ، مليئة بالحسرة والوجع معلقة أمامي !فتحت عيناي ، علي سعتهما ، و ... أنتبهت ! لم تكن " السوسنة " أمامي الآن ، لكني رأيت – بدلا عنها – طائرا صغيرا أبيض في مدي رؤيتي ، يصفق بجناحيه ، لكأنه يودعني ، ويبدأ يذهب عني ، هو الأبيض يذهب الآن في السواد ، في الظلام المحيط ! وجدت نفسي – ويالهول نفسي – مرميا علي وجهي في الخلاء الواقع في مابين برجي الأتصالات الهوائية الضخمة ، ذلك الخلاء الكائن في مدخل المدينة ، وأضواء الصباح بدأت تتسلل ببطء كثير إلي وجه البلة وجسدها ! نهضت من فوري أنفض عن ملابسي ما تعلق بها من التراب وأهرول صوب مسكني ! سمعت المؤذن ينادي في الناس لصلاة الفجر ، وبعضهم يسرع الخطي ليلحق بها ، بينما أنا ، تسرع بي خطاي – وبي دهشة المفجوع جراء تلك الحادثة العجيبة – إلي مسكني ، ولست أدري – بعد – كيف حلت بي " سوسنتي " ذلك الفجر الباكر ، وكيف ذهبت في البعيد ... أيكون ذلك ، حقا ، طيفها ؟

ليست هناك تعليقات: