الجلاد يكرم الضحية ، حول مهزلة " تكريم " إبراهيم أسحق ...
--------------------------------
" ليس الإنساني هو من
يشفق فقط علي الضحية البائسة ، ويتحسر علي ان القتل يوجد علي الأرض ... ، وإنما الإنساني
هو من يساعد علي إبعاد يد القاتل ، وإنتزاع إمكانية الإضرار من أرادته " !
- شولوخوف -
1 :
إبراهيم أسحق إبراهيم ، أحد أبرز الوجوه في القصة والرواية في السودان . ولد بقرية
" ودعة " في محلية " كلمندو " بولادة شمال دارفور العام 1946
. هو إذن من أهل دارفور في غرب السودان ، ذلك الأقليم التعيس الذي تقصفه الآن
طائرات النظام الحاكم بصورة وحشية ومنتظمة فتشرد الآلاف منهم في الشتات والمسغبة ،
نفس هذا النظام الديكتاتوري الدموي هو الذي قضي بانقلاب عسكري علي الديمقراطية
العام 1989 ، ولايزال يسوم الشعب السوداني الفقر والجهل والمرض ويقهره بآلة القمع
الرهيبة في سجونه وزنازين أمنه التي سماها الشعب " بيوت الأشباح حيث يمارس
التعذيب فيها بأبشع الصور وأكثرها نذالة وخسة ، ورئيسه هو نفسه المطلوب للعدالة
الدولية بتهمة أرتكاب جرائم حرب في ذات الأقليم ، تلك الجرائم المهولة التي شاهدها
العالم كله ووثقتها تقارير دولية ومنظمات الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية !
نال القاص والروائي أسحق دبلوم المعلمين العالي العام 1980، والماجستير في
الفلكولور العام 1984 من جامعة الخرطوم التي سبق وتخرج فيها . ثم أصبح لفترة
محاضرا بالجامعة الأسلامية بأمدرمان ، ثم هاجر إلي السعودية ليقوم بالتدريس في
الثانويات السودانية هناك ، وصار مسئول الأصدارات في مجلة " عالم الكتب
" ، وعاد للسودان ليصبح رئيس اتحاد الكتاب السودانيين العام 2008 ، تلك
المؤسسة التقدمية المحترمة ذات الدور الثقافي والفكري المشهود في المشهد الثقافي ،
وكان الأتحاد – من ضمن اتحادات ونقابات ومنظمات وأحزاب عديدة – قد حلت ومنعت أنشطتها
وطوردت وعاني أعضائها السجون والمعتقلات ، ومن بعد ،
أصبح أسحق عضوا ب " مجلس تطوير وترقية اللغات القومية " ، وهو ، في
الواقع ، مجلسا لأقرار تصور الأسلاميين الغلاة في حياة وثقافات شعوب السودان ،
ويتبع المجلس لرئاسة الجمهورية !
إبراهيم أسحق ، قاص وروائي مبدع ، وله مؤلفات مرموقة منها :
مؤلفاته في الرواية:[
-
حدْث في القرية، صدرت عن إدارة النشر الثقافي، وزارة الثقافة والإعلام، الخرطوم،
عام 1969م.
- أعمالُ الليلِ والبلدة، عن دار جامعة الخرطوم للنشر، عام 1971م.
- مهرجانُ المدرَسَةِ القديمة، عن إدارة النشر الثقافي، وزارة الثقافة والإعلام،
الخرطوم، 1976.
- أخبارُ البنت مياكايا، نشرت كاملة في مجلة الخرطوم عام 1980، قبل أن تصدر
أخيراً (مايو 2001) عن مركز الدراسات السودانية – الخرطوم / القاهرة.
- وبال في كليمندو، نشرت في جريدة الخرطوم عام 1999، قبل أن تصدر أخيراً (أكتوبر
2001) عن مركز الدراسات السودانية – الخرطوم / القاهرة.
مؤلفاته في القصة القصيرة:
- ناس
من كافا- مجموعة قصص- مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي- العام 2006م- الخرطوم.
- عرضحالات كباشية- مجموعة قصص- هيئة الخرطوم للصحافة والنشر - العام 2011-
الخرطوم.
- حكايات من الحلالات.
هذا أضافة إلي العديد من الدراسات والكتابات النقدية ، أسحق ، إذن ، روائي وقاص
ومثقف فاعل في الحياة الثقافية في بلاده . يقول عنه أديب السودان الكبير الراحل
الطيب صالح :
" إبراهيم اسحق كاتب كبير حقا, رغم أنه لم يعرف بعد على نطاق واسع, وقد
اكتسب سمعته الأدبية بعدد قليل من الروايات الجميلة مثل روايته حدث في قرية
ومهرجان المدرسة القديمة وحكاية البنت مايكايا وهي روايات قدمت لأول مرة في الأدب
السوداني, صورا فنية بديعة للبيئة في غرب السودان, وهو عالم يكاد يكون مجهولا
لأهل الوسط والشمال.صمت إبراهيم اسحاق زمنا طويلا واختفى عن الأنظار, وقد
لقيته منذ ثلاثة أعوام في الرياض في المملكة العربية السعودية, حيث يعمل مدرسا
وجدته إنسانا دمثا طيبا مثل كل من لقيت من أهل غرب السودان, وواضح من روايته هذه
وبال في كليمندو أنه لم يكن خاملا, بل كان يفكر ويكتب طوال فترة صمته
الممتدة.إنني لسوء الحظ, لم أعرف غرب السودان كما يجب, أبعد نقطة وصلت إليها
كانت الأبيض عاصمة إقليم كردفان, وزرت جبال النوبة منذ أمد بعيد. لذلك حين أقرأ روايات إبراهيم اسحق,
وأيضا القصص القصيرة الجميلة للمرحوم زهاء طاهر, أحس بالحسرة لأنني لم أتعرف
أكثر علي ذلك العالم البعيد العجيب".
هذه شهادة كبيرة في حق أسحق ، لا شك يستحقها ، فهو قاص وروائي ممتاز علي أية حال !
2 :
قصدت بهذه المقدمة التعريف بالروائي والقاص لدي من يجهلون قدره الثقافي والمعرفي ،
ولو كان ضئيل الشأن فيهما ما ألتفتنا إليه ! وبعد ، فماذا جري من هذا المثقف
والمبدع الكبير؟ سأحكي ما أحزنني ، وكان مصدر " بلبلة " وتساؤلات شتي في
الوسط الثقافي في السودان :
يوم 32/7/2013 تم بالعاصمة السودانية الخرطوم تكريم إبراهيم أسحق بواسطة رئاسة
الجمهورية في أطار مشروع " تواصل " الذي أبتدرته السلطة الديكتاتورية
لإستمالة المثقفين وتأطيرهم في نهجها الأقصائي العنصري وفق رؤياها للثقافة
والمثقفين المشروع تحت رعاية النائب الأول علي عثمان محمد طه أحد أبشع وجوه المتأسلمين
في النظام ، ويشرف عليه
د . المختار حسن حسين وزير الدولة برئاسة مجلس الوزراء . أما وجهاء النظام من
الحضور ، فقد كان منهم : التجاني السيسي رئيس السلطة الأنتقالية لأقليم دارفور ،
د . عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم ، د . أمين حسن عمر وزير الدولة برئاسة
الجمهورية، محمد بشارة دوسة وزير العدل ، د . محي الدين تيتاوي رئيس أتحاد
الصحفيين السودانيين ، والممثل علي مهدي . أما من تحدثوا في المنصة فهم : شاعرة
النظام بإمتياز
روضة الحاج ، والخادم الصحفي محمد محمد خير الذي كأفاه النظام بأن جعله ملحقا
ثقافيا بأحدي سفارات السودان ، والكاتب المسرحي عبد الله حمدنا الله ، والمهندس
آدم عبد الرحمن ممثلا لأسرة أسحق ! كل هؤلاء هم من الوجوه القميئة للنظام ، مشهود
لهم بالخدمة
" الممتازة " للنظام في الحقل الذي يدعون أنهم منه ، حقل الثقافة
والإبداع ، وهم يحملون إليه نصالا مسمومة يطعنون بها جسد الثقافة ، ويشوهون واقعها
وجديدها الذي هو في النضال ضد الديكتاتورية وتشويهها عقول الشعب بادعائها التدين
الكاذب ، هم نفس أخوان مصر الذين رفضهم الشعب المصرعة وأعلن الثورة ضدهم ، وهم
نفسهم الذي يناضل الشعب السوداني لأكثر من عقدين ضد نظامهم وسلطتهم الدموية
الفاسدة !
أعرب ، في ذلك التكريم ، أسحق عن : " تقديره لما تقوم به الحكومة من تكريم
للمبدعين
والإبداع ، ومشيرا أن وزارة الثقافة كانت قد نشرت له ثلاث كتب ، مشيرا للمساندة
الكبيرة التي وجدها من الشخصيات والمؤسسات في هذا الصدد ، مضيفا إلي أن الإبداع هو
صناعة علم موازي للواقع ويعبر عن وجدان الشعب " ! *
3 :
تري ، ما الذي يجعل مثقفا ، قاصا وروائيا في السابعة والستين من عمره ، بعد هذه
الرحلة الطويلة في الكتابة والإبداع ، أن يضع يده مصافحا الجلاد ، بيديه الملطختين
بالدم والحقارة والأجرام ، ما الذي يجعله يكون وسط هؤلاء الأوغاد فيتلقي منهم
التكريم ؟ لست أدري ما منحوه له ، لكن هذه اللوحة التي يظهر في الصورة يتلقاها من
رئيس النظام ، هي وحدها لتصور كيف كرموه ، ولم كرموه ! هي التي جعلتني في الحزن
علي موقف مثقف كبير يشأ أخيرا أن يضع يده في يد الجلاد ، يتلقي تكريما منه ،
وتجعلهما الكاميرا المحايدة معا ، ومن ذم يمتدح نظام الديكتاتورية الذي "
يكرم المبدعين والإبداع " ، والمعروف لكل شعب السودان ، وللعالم أيضا ، أنه
ما مر ، علي طول تاريخ السودان ، نظاما أجحف في حق الثقافة والمثقفين وأدوات
الثقافة والإبداع بأكثر مما فعل هذا النظام ! نطرح السؤال هنا إلي الملأ ، ولا
نقول في أسحق إلا ما شهاده الجميع وعرفه ، وأحتار منه !
4 :
ليست هنالك وقتا كافيا لنضيعه
المعذرة يا إبراهيم
ليكن الرب معك
وأنا أرجو أن يكون كذلك
عسي أن يكون
أنها ليلة مغلقة بسوادها ،
دبقا كالصمغ ...
ليس فيها قمر
والأشجار تجعل ظلالها سوداء
والسبت أسود
والثقافة في ضمير بعض الناس
سوداء
وذاك المنبر- في حفل التكريم -
أسود
والديكتاتور أسود
و ... يده سوداء ... سوداء !
إبراهيم أسحق إبراهيم :
وداعا !
---------------------------------------------------------
* حديث إبراهيم نشرته : وكالة السودان للأنباء / سونا ، الحكومية يوم
الأربعاء الموافق 24/7/2013 في نشرتها
وفي موقعها بالنت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق