- صاحب " الأخوات " -
* هذا المساء ، شرعت - كعادتي - أتصفح كتاب " أخوات ميم " لمحمد الصادق الحاج ، ولدهشتي ، وجدته في ص 101 كأنه كان حاضرا الندوة ، ثم - من بعد - شرع يرد علي من تناولها قدحا أو تقريظا ، أنها ، في ظني ، ذات الحالة التي صرنا فيها وحدس بها هو ! احببت أن أشرك قرائي هذا الفيض النوراني من الشعر الراقي ، وأعهم بنشر الكتابة عن " الأخوات " قريبا !
-------------------------- -
"ما لن يدركه أحَدٌ مُطْلَقاً، ولا حتَّى أنا ـ رغم ما سَلَفَ مِنِّي مِنْ إقرارٍ قَضَى بِأنِّي لَسْتُ أحَداً ـ هو، لِمَنْ؟، ولِمَ هذا العذابُ الإنشائيُّ المطَوَّل، ما نوازِعُه؟، كيف كُلُّ هذه العيونُ مريضةٌ، وأيُّ طِبٍّ سَيَتَوَلاَّها بِرَحْمَانِ المخاليطِ المستحيلِ، وما مِنْ عَشَّابٍ يزرعُ الغَمْضَاتِ الرَّخِيَّةَ وشهقاتِ البراءةِ في هذه الدِّيارِ، كلاَّ!، ولا التُّجَّارُ السَّفَرَةُ يجلبون في رِكَابِهم من البلادِ المجهولةِ نُوَّارَ الأسئلةِ المُعَسَّلَ ومزيجَ الصَّهيلاتِ وخمرَ اللِّحاظِ النَّاهِدَةِ تحت براقِعِها في البراري؟!. أثَانِيَةً هذا الحزينُ أتَى رافعاً قرونَه؟، أوَثانِيَةً يُلَوِّحُ في وَجْهي بقبضتِهِ السَّرديَّةِ هذي؟، ماذا؟، ماذا يقول؟،...، أهْ، سَمِعْتُهُ هذه المرَّة!، ولن أسمحَ لِنَابِيَاتِهِ التَّرْبَوِيَّةِ بِأن تشهدَ صلاحاً وتقوَى داخل هذا المَقْدِسِ الزِّرَاعِيِّ الغالي، ولن يَقِفَ نَقَاؤهُ عائقاً أمامَ نكاتي وقنصي وألعابي، فأخوكَ ياصَاحِ بلا وازِعٍ ولا يَأكُلُ الثَّناءَ، صوتي يعلو هُنَا، ولا أنوي إزاحةَ خِمَارِ الثَّوْرِ عن قلبِك، فكيفَ لِجَنِينٍ مَحْرُوفٍ ومَنْقُوطٍ مِثْلَكَ أن يصطبِرَ على رخاءِ الصَّفْرِ ونعيمِ الصَّاد. أتَمْضَغُ الآنَ عِلْكَةَ البِلَّوْر؟. يَجْدِرُ بك ذلك لِتَحُوزَ شَرْطَكَ الحاسِمَ كجُمْلةٍ مفيدة، وإلاَّ فَلَنْ يَعِزَّكَ اْنتحارُكَ، وسَتَلْقَانِي في سِجِّينَ، أيضاً، أرْعَى سِرْبَ تناقضاتي وسط السَّافِلينَ الكُمَّلِ والحمير. ألَيْسَ العبثُ نَجَّاراً؟، أوَمِنْ رسولٍ خَلاهْ؟. فَمَنْذَا سينشُرُ الجنونَ خشبةً فخشبةٍ إن لم أفعل؟. وأنا صاعِدُ الدَّرَجاتِ الألْفَ التي مِن رنينٍ، أجُزُّ خُضْرَوَاتٍ في نورِيَ الشَّخْصِيِّ أهَاجَها الصَّمْتُ بِإرسالٍ خفيضٍ اْنْطَوَى على ذُرِّيَّةِ المزرعةِ المكتوبةِ بجانبِ الصَّفَحاتِ البيانيَّةِ الظَّليلةِ بِأرْضِ الملامح. أحْزِمُ الجَّوْهَرَ بنظراتٍ متينةٍ مِنْ لِيفِ الانجذاباتِ الـ...، ولكن ما بَالُهُ هذا الخريفُ يرمقني شزراً؟. أغاضِبٌ عليَّ أيضاً أنت يا خريف؟. أنصحُكَ بحليبِ الحزنِ، ولا بأس بملعقةٍ من برميلِ التَّقْوى، كذلك، قد تَفِيدُ مِنْ كلبِ الرَّحْمَةِ لو أنابَ أو دِيكِ العدالةِ لو باعَها أو حريرِ الحُرِّيَّةِ لو ضَحِك. يا خريفُ، أتَدْرِي ما الإصبَعُ الوُسْطَى حين أثْنِيها إلى باطِنِ راحتي، وأهُزُّها أمامَ عينيكَ، مَقْرونَةً بإحدى أهازيجِ السَّمَّاكَةِ في مراكبهم؟. ألا تدري؟. أقولُ لك؟. بِأعْمَقِ الوَطْءِ أثَرَاً على طريقِ الجَّوَّافة، يجوزُ لك أن تبيضَ سواخِطَك!، لكن، فَدَيْتُكَ، لا تُرِنِي جَفْنَكَ المقلوبَ هذا مِنْ بَعْدُ، هَا؟. لستُ أصْلُحُ لأن أكتبَ لك ما تفهَمْهُ من ملابس، وما يصيبُكَ من الفاكهةِ إلاَّ الأسئلة!. لا تُرْسِلُ الفاكهةُ اْستفهامات!. وبما أنَّها لم تُوْكِلْ أحَدَاً بِأنْ يُخَيِّطَ لِلْعُرْيِ إجاباتٍ، ففي هذا من الإبانةِ ما يُخْرِسُ حتى لسان المُمْكِنِ ويجعله على يقينٍ من أنَّ لا كَلْبَةَ في الفِرْدَوْسِ المؤرَّقِ ذا ترتضي لنفسها وظيفةَ عامل الإستعلامات أو حتى المعلِّم. لاشَيْءَ هنا يستحمِلُ عَيْبَ أن يكونَ مفهوماً!، لاتَهْزَأْ!، فهناكَ محلاَّتٌ حقَّاً يُمْكِنُ أن تَفْهَمَ بِوَسَاطَتِها الواصلةِ ما تَوَدُّ مِمَّا أعْضَلَ عليك وبغايةِ الوضوحِ، خْذْ أقْرَبَها إليك مَثَلاً، سُوق الصُّوَر. ليست الجَّوَّافَةُ مُؤرِّخَةً، وهي لا تَنُوءُ بطموحاتٍ خُلُقِيَّةٍ مِنْ مِثْلِ مُعاشَرَةِ الواقعِ والانفعالِ بِهِ أو مَعَه ثُمَّ تقليبِهِ بالجَّرَّافاتِ الحِبْرِيَّةِ بغايةِ العثور على مُسْتَحَاثَاتِهِ الفكريَّةِ وطَرْقِ مَوَاطِنِ الجَّمَالِ أو العناءِ فيه. هذا عملٌ يُؤَدِّيه الأذكياءُ بَحَّاثَةُ العلومِ الإنسانيَّةِِ والهُجَنَاءُ من عبيدِ الحقيقةِ الذين، لا تَخَف، عَمَّا قليلٍ، لن يكونَ هنالك غيرهم في أرضِ التَّسْلِيَاتِ العظيمةِ هذي!. لَقَد ارتَضَى الأثَرُ اللَّوْحِيُّ العظيمُ المسمَّى شِعْرَاً، ضِمْنَ سُرَاهُ الأزَلِيِّ على الأرضِ، أن يكونَ صِفَةً، فأَزْهَدَتْهُ في ما عَدَاها وكَفَتْه!. هو الدَّوَّامَةُ الصِّبْغِيَّةُ الفارغة، هو الثُّقْبُ الأسوَدُ المُسْتَعْصِي على تخطيطاتِ الزمنِ والفضاء، يَرْكَنُ إلى مُسْتَطِيعِيهِ ويَنْغَمِرُ في عارِ التَّعْبِير، فاْلْتَقَطَتْ فِرَاؤهُ العَصَبِيَّةُ المقلَّبَةُ كُلَّ ما لا صِلَةَ له به من جواهرِ الحّيِّ والمُتَبَدِّدِ، فَتَقَسَّمَ أرْفَفَاً وطُسُوتَ ليأخُذَ السَّائحُ ـ حَالَكَ ـ سِلْعَتَهُ المُوَاتِيَةَ وصِفَاتِهِ الوجدانيَّةَ المُجَرَّبة، وتَوَزَّعَ ـ الشِّعْرُ ـ أغراضاً وطِبَاعَاً مُقَدَّرَةً بالقنطارِ والأوقيةِ، واْلْتَحَقَ بِوَظَائف. وهي مُحَدِّداتٌ دقيقةٌ محسوبةٌ، ويَصِحُّ لَوْ عُدَّ أيُّ خروجٍ عنها خروجاً عن الشِّعْر!. فَلِمَن أحْفَظُ هذه الصِّفَةَ وقد اْنْقَطَعْتُ عن طباعِها: شَاعِر!. أ لأتَّخِذَ منها عماداً عليه أسْنِدُ بِئْرِيَ الخائرة؟، أ لأسْتَمِدَّ منه شرعيَّةً وغطاءً لوجود كلّ هذه العَوْرَاتِ في قلبي؟. إذَاً فقد اْحْتَمَى الصَّبِيُّ الخائفُ وهو يمشي في ظلامِ الوجودِ بالشَّرِّ الفاتِكِ يَحْسَبُهُ غريباً عابراً قد يحميه من الشَّرّ!، واْلْتَمَسَ الصَّيَّادُ شرعيَّةَ القَنْصِ في المستحيلِ ـ وهي ليست شرطاً بحالٍ ـ من والدٍ أُحْفُورِيٍّ لم يَعْدْ هو ذاتُهُ شرعيَّاً إلاَّ بحسبانِهِ تاريخاً له ما للأثَرِ من جلالة. لَيْسَ طيِّباً، وإنَّهُ لَيُوْحِي إليَّ بِشَيْءٍ من العَوَارَةِ، ان تُبَارِكَ وَصْفَكَ بِـ«شَاعِر»!، شاعِر!!، شَاعِر!!. ثُمَّ ـ وقد شَحَذْتُ على هُدَايَ الجَّافِّ شفرةَ الصوتِ بيننا بلا هَوَادَةٍ، وبَدَا بيِّناً أنَّ الأمْرَ لَمْ يَعُدْ هُذَاءً كما كان، بل أمْسَى محاضرةً، موعظةً، خُطْبَةً، ذَوْدَاً رشيداً عن البئرِ والجَّوَّافَةِ لا يأتيهِ الباطلُ من جَبَلٍ ولا من بِئْر، يستشهِدُ بي، مِنْ أنِّي لا أنْشِئُ قصيدةً هنا، لذا لا أبدو صارماً في حساب المقادير ومراعاةِ وضع أختام الجَّودة والإقرارِ الضريبيِّ، بل أستنْزِلُ كُلَّ ما يحومُ في الجّوارِ وأُوْتِيهِ الحَقَّ نظيفاً في أن يأوِيَ إلى فجريَ المُعَطَّلِ بلا تَوَثُّقٍ من صحيفةِ أخلاقِهِ، مُتَّخِذَاً من مجاهَرَتي السَّالِفةِ بِشَأنِ عَدَمِ حِرْصِي على رضوانِك عنِّي سَبَباً كافياً لي لأن ألْهُو بِمَكَاييلِ العَدَمِ وأخشَابِهِ العَدْلِيَّةِ الذَّارِيَةِ بلا خَشْيَة ـ إنِّي لَمُزْدَهِرٌ كالعُضَالِ في هذا البَدَنِ هذه المياهِ، بَعْدَ أنْ تَكَشَّفَ لي غيابُ المُمَثِّلاتِ عن تَلٍّ غامضٍ من أجداثِ طيورِ الجَّبَرْكَلِ المُحَطَّمَةِ ينمو في صفاءِ الأفقِ الرَّقميِّ ويَتَضَوَّرُ سُرْعَةَ التَّصْدِيقِ مِن قَوْمٍ يُحْدِثُونَ المعجزاتِ بلا اْنْفِعَالٍ ويصيحونَ مندَهِشِينَ إذْ يَرَوْنَ الزَّهرةَ أو الشَّفَق. أنْعَامُهُم، ثَرِيدٌ جَبَلوهُ من أضَاحٍ مَنَوِيَّةٍ تَفُورُ كَرِغْوَةِ المُسْتَقْبَلِ الزُّخْرُفِيَّةِ الكاملةِ في تَنُّورِ التَّوْحيد. أنعامُهُم الكسيحةُ، بُطُولَةٌ سَعَادِيَّةٌ جَلاَّدةٌ مَطْلِيَّةُ الأحشاءِ بما بَقِيَ من ألواحِ القُزَحِ المذبوحةِ التي لَوَّنوا بِنَجِيعِها صُوَرَ ومصائرَ التَّصْمِيماتِ الدَّقيقةِ لأشراطِ مَنْ يُنْبَغي أن يَمْرُقُوا مِن خيوطِ مشيماتِهم الوجوديَّةِ مُتَّخِذِينَ على سيماهم الباهرةِ شِيَمَ الشُّهَداءِ، وأن يُبْلُوا بِقِياماتِهِم أشِعَّةَ العَدَمِ الهَدَّام بحيثُ تَخْلُصُ أجْرَامُهم الدَّامِيَةُ لِخِدْمَةِ الحُرِّيَّةِ الأرْمَلَةِ التي نَاكَتْها صِيَغُهُم الفِرْدَوْسِيَّةُ ونَظَرِيَّاتُهُم الجَّامِعة. أنعامُهُم الكاسِرَةُ، تماثيلٌ مُنْتَعِظَةٌ مُلَطَّخَةٌ بالشُّرُوقِ، تَعْدُو على السُّهادِ قاطِفةً أقداسَ؛ وَسَامَاتِ؛ أمْكِنَةَ؛ قلوبَ؛ بَكَارَاتِ؛... واْحْتِشَامَاتِ الصّلصالِ الذي أثْقَلَ الخيرَ بِأجِنَّتِهِ اللَّبَنِيَّةِ المُهَنْدَمَةِ وأعْدَى مكانَ المَهْتوكةِ بِزُكامِهِ المشيجِيِّ الخصيب. أمَّا أنعامُهُم السَّائرةُ في الدَّيْنُوناتِ، فَيَقِينٌ عَفْنٌ تَنَاسَلَ داخلَ الآنِيَةِ التي مِن بَيَاضٍ، نَصَّبوه جلاَّداً جَوْفِيَّاً لِيَسُوطَهُم بالحروفِ الجِّلْدِيَّةِ المَسْقِيَّةِ قِطْرَاناً ويُرَبِّيهم. السَّهَرَةُ على التَّرْقِيمِ لا يَمَّحِي، وعلى الطَّبَقِ لا يُمْطِر، وعلى الكمالِ خيفةَ ينجبُ أعضاءَ تناسليَّةً تُبْصِر. سأعْهَدُ إليك بِسِرٍّ غَضٍّ فلا تُمِتْهُ بالورعِ وبَشَاعَةِ الكتمان،... لَقَد أُحِلَّتْ لِيَ الأنعامُ جمعاءَ ذات يومٍ، فأجْفَلْتُ مضطرِباً وبكيت. كنت أعرفُ منذ الأوَّلِ أنَّهم قومٌ ذَوُو خطوةٍ في البئرِ، وأنَّه ما أصابت عيونُ الجَّمَالِ درَجَاتِ الأفقِ الرَّقْمِيِّ إلاَّ بمباركةِ أمثالِ هؤلاءِ المغتبِطينَ بِدِفْءِ حِجَابِ القبول. بكيت. كان أمْسِيَ مضروباً بالفَرْهَدَة، وكان أدنى من الزَّهرةِ والشَّفَقِ للسقوطِ في قُزْحَةِ الشَّهيدِ أو قُزْحَةِ البَطَل، وفي المجالِ فَيْضٌ من الثَّنَاءِ وتسليحاتِ الغَيِّ، ولكنِّي بكيتُ، وأشْهَرْتُ اْنحِلالي لا حُلُولِي، وأوْجَبْتُ على القَوْمِ زُرَّاعِ العصافيرِ المستقبليَّةِ داخلَ الخرائبِ المُعتمةِ يومَ مَطَرٍ، أن يَطْرُدُوا تِلاَلِيَ الغامضةَ متى ما رَأوْهَا تُحَلِّقُ فوق جَنَّاتِهِم، وأن يَسْتَجْلِبوا مِن بَعْدُ فَزَّاعاتٍ مصنوعةً من روحِ التَّراكمِ الأسطوانيَّة فيصيرُ بذلك في مُمْكِنِهِم أن يستشعِروا آلِيَّاً كافَّةَ التَّهَيُّؤاتِ السِّحْرِيَّةِ المُطْبِقَةِ بِيَدِها على أطرافِ قُوَّةِ العمل. السَّرّ؟، ألَمْ تُدْرِك السَّرَّ لِسَّه؟!".
---------------------------------------------------------------------------------
* نرحب جدا بالأراء و التعليقت بصدد كتابة " الأصمعي " ثم ، هذه " الحدوس " من " الأخوات " !
* هذا المساء ، شرعت - كعادتي - أتصفح كتاب " أخوات ميم " لمحمد الصادق الحاج ، ولدهشتي ، وجدته في ص 101 كأنه كان حاضرا الندوة ، ثم - من بعد - شرع يرد علي من تناولها قدحا أو تقريظا ، أنها ، في ظني ، ذات الحالة التي صرنا فيها وحدس بها هو ! احببت أن أشرك قرائي هذا الفيض النوراني من الشعر الراقي ، وأعهم بنشر الكتابة عن " الأخوات " قريبا !
--------------------------
"ما لن يدركه أحَدٌ مُطْلَقاً، ولا حتَّى أنا ـ رغم ما سَلَفَ مِنِّي مِنْ إقرارٍ قَضَى بِأنِّي لَسْتُ أحَداً ـ هو، لِمَنْ؟، ولِمَ هذا العذابُ الإنشائيُّ المطَوَّل، ما نوازِعُه؟، كيف كُلُّ هذه العيونُ مريضةٌ، وأيُّ طِبٍّ سَيَتَوَلاَّها بِرَحْمَانِ المخاليطِ المستحيلِ، وما مِنْ عَشَّابٍ يزرعُ الغَمْضَاتِ الرَّخِيَّةَ وشهقاتِ البراءةِ في هذه الدِّيارِ، كلاَّ!، ولا التُّجَّارُ السَّفَرَةُ يجلبون في رِكَابِهم من البلادِ المجهولةِ نُوَّارَ الأسئلةِ المُعَسَّلَ ومزيجَ الصَّهيلاتِ وخمرَ اللِّحاظِ النَّاهِدَةِ تحت براقِعِها في البراري؟!. أثَانِيَةً هذا الحزينُ أتَى رافعاً قرونَه؟، أوَثانِيَةً يُلَوِّحُ في وَجْهي بقبضتِهِ السَّرديَّةِ هذي؟، ماذا؟، ماذا يقول؟،...، أهْ، سَمِعْتُهُ هذه المرَّة!، ولن أسمحَ لِنَابِيَاتِهِ التَّرْبَوِيَّةِ بِأن تشهدَ صلاحاً وتقوَى داخل هذا المَقْدِسِ الزِّرَاعِيِّ الغالي، ولن يَقِفَ نَقَاؤهُ عائقاً أمامَ نكاتي وقنصي وألعابي، فأخوكَ ياصَاحِ بلا وازِعٍ ولا يَأكُلُ الثَّناءَ، صوتي يعلو هُنَا، ولا أنوي إزاحةَ خِمَارِ الثَّوْرِ عن قلبِك، فكيفَ لِجَنِينٍ مَحْرُوفٍ ومَنْقُوطٍ مِثْلَكَ أن يصطبِرَ على رخاءِ الصَّفْرِ ونعيمِ الصَّاد. أتَمْضَغُ الآنَ عِلْكَةَ البِلَّوْر؟. يَجْدِرُ بك ذلك لِتَحُوزَ شَرْطَكَ الحاسِمَ كجُمْلةٍ مفيدة، وإلاَّ فَلَنْ يَعِزَّكَ اْنتحارُكَ، وسَتَلْقَانِي في سِجِّينَ، أيضاً، أرْعَى سِرْبَ تناقضاتي وسط السَّافِلينَ الكُمَّلِ والحمير. ألَيْسَ العبثُ نَجَّاراً؟، أوَمِنْ رسولٍ خَلاهْ؟. فَمَنْذَا سينشُرُ الجنونَ خشبةً فخشبةٍ إن لم أفعل؟. وأنا صاعِدُ الدَّرَجاتِ الألْفَ التي مِن رنينٍ، أجُزُّ خُضْرَوَاتٍ في نورِيَ الشَّخْصِيِّ أهَاجَها الصَّمْتُ بِإرسالٍ خفيضٍ اْنْطَوَى على ذُرِّيَّةِ المزرعةِ المكتوبةِ بجانبِ الصَّفَحاتِ البيانيَّةِ الظَّليلةِ بِأرْضِ الملامح. أحْزِمُ الجَّوْهَرَ بنظراتٍ متينةٍ مِنْ لِيفِ الانجذاباتِ الـ...، ولكن ما بَالُهُ هذا الخريفُ يرمقني شزراً؟. أغاضِبٌ عليَّ أيضاً أنت يا خريف؟. أنصحُكَ بحليبِ الحزنِ، ولا بأس بملعقةٍ من برميلِ التَّقْوى، كذلك، قد تَفِيدُ مِنْ كلبِ الرَّحْمَةِ لو أنابَ أو دِيكِ العدالةِ لو باعَها أو حريرِ الحُرِّيَّةِ لو ضَحِك. يا خريفُ، أتَدْرِي ما الإصبَعُ الوُسْطَى حين أثْنِيها إلى باطِنِ راحتي، وأهُزُّها أمامَ عينيكَ، مَقْرونَةً بإحدى أهازيجِ السَّمَّاكَةِ في مراكبهم؟. ألا تدري؟. أقولُ لك؟. بِأعْمَقِ الوَطْءِ أثَرَاً على طريقِ الجَّوَّافة، يجوزُ لك أن تبيضَ سواخِطَك!، لكن، فَدَيْتُكَ، لا تُرِنِي جَفْنَكَ المقلوبَ هذا مِنْ بَعْدُ، هَا؟. لستُ أصْلُحُ لأن أكتبَ لك ما تفهَمْهُ من ملابس، وما يصيبُكَ من الفاكهةِ إلاَّ الأسئلة!. لا تُرْسِلُ الفاكهةُ اْستفهامات!. وبما أنَّها لم تُوْكِلْ أحَدَاً بِأنْ يُخَيِّطَ لِلْعُرْيِ إجاباتٍ، ففي هذا من الإبانةِ ما يُخْرِسُ حتى لسان المُمْكِنِ ويجعله على يقينٍ من أنَّ لا كَلْبَةَ في الفِرْدَوْسِ المؤرَّقِ ذا ترتضي لنفسها وظيفةَ عامل الإستعلامات أو حتى المعلِّم. لاشَيْءَ هنا يستحمِلُ عَيْبَ أن يكونَ مفهوماً!، لاتَهْزَأْ!، فهناكَ محلاَّتٌ حقَّاً يُمْكِنُ أن تَفْهَمَ بِوَسَاطَتِها الواصلةِ ما تَوَدُّ مِمَّا أعْضَلَ عليك وبغايةِ الوضوحِ، خْذْ أقْرَبَها إليك مَثَلاً، سُوق الصُّوَر. ليست الجَّوَّافَةُ مُؤرِّخَةً، وهي لا تَنُوءُ بطموحاتٍ خُلُقِيَّةٍ مِنْ مِثْلِ مُعاشَرَةِ الواقعِ والانفعالِ بِهِ أو مَعَه ثُمَّ تقليبِهِ بالجَّرَّافاتِ الحِبْرِيَّةِ بغايةِ العثور على مُسْتَحَاثَاتِهِ الفكريَّةِ وطَرْقِ مَوَاطِنِ الجَّمَالِ أو العناءِ فيه. هذا عملٌ يُؤَدِّيه الأذكياءُ بَحَّاثَةُ العلومِ الإنسانيَّةِِ والهُجَنَاءُ من عبيدِ الحقيقةِ الذين، لا تَخَف، عَمَّا قليلٍ، لن يكونَ هنالك غيرهم في أرضِ التَّسْلِيَاتِ العظيمةِ هذي!. لَقَد ارتَضَى الأثَرُ اللَّوْحِيُّ العظيمُ المسمَّى شِعْرَاً، ضِمْنَ سُرَاهُ الأزَلِيِّ على الأرضِ، أن يكونَ صِفَةً، فأَزْهَدَتْهُ في ما عَدَاها وكَفَتْه!. هو الدَّوَّامَةُ الصِّبْغِيَّةُ الفارغة، هو الثُّقْبُ الأسوَدُ المُسْتَعْصِي على تخطيطاتِ الزمنِ والفضاء، يَرْكَنُ إلى مُسْتَطِيعِيهِ ويَنْغَمِرُ في عارِ التَّعْبِير، فاْلْتَقَطَتْ فِرَاؤهُ العَصَبِيَّةُ المقلَّبَةُ كُلَّ ما لا صِلَةَ له به من جواهرِ الحّيِّ والمُتَبَدِّدِ، فَتَقَسَّمَ أرْفَفَاً وطُسُوتَ ليأخُذَ السَّائحُ ـ حَالَكَ ـ سِلْعَتَهُ المُوَاتِيَةَ وصِفَاتِهِ الوجدانيَّةَ المُجَرَّبة، وتَوَزَّعَ ـ الشِّعْرُ ـ أغراضاً وطِبَاعَاً مُقَدَّرَةً بالقنطارِ والأوقيةِ، واْلْتَحَقَ بِوَظَائف. وهي مُحَدِّداتٌ دقيقةٌ محسوبةٌ، ويَصِحُّ لَوْ عُدَّ أيُّ خروجٍ عنها خروجاً عن الشِّعْر!. فَلِمَن أحْفَظُ هذه الصِّفَةَ وقد اْنْقَطَعْتُ عن طباعِها: شَاعِر!. أ لأتَّخِذَ منها عماداً عليه أسْنِدُ بِئْرِيَ الخائرة؟، أ لأسْتَمِدَّ منه شرعيَّةً وغطاءً لوجود كلّ هذه العَوْرَاتِ في قلبي؟. إذَاً فقد اْحْتَمَى الصَّبِيُّ الخائفُ وهو يمشي في ظلامِ الوجودِ بالشَّرِّ الفاتِكِ يَحْسَبُهُ غريباً عابراً قد يحميه من الشَّرّ!، واْلْتَمَسَ الصَّيَّادُ شرعيَّةَ القَنْصِ في المستحيلِ ـ وهي ليست شرطاً بحالٍ ـ من والدٍ أُحْفُورِيٍّ لم يَعْدْ هو ذاتُهُ شرعيَّاً إلاَّ بحسبانِهِ تاريخاً له ما للأثَرِ من جلالة. لَيْسَ طيِّباً، وإنَّهُ لَيُوْحِي إليَّ بِشَيْءٍ من العَوَارَةِ، ان تُبَارِكَ وَصْفَكَ بِـ«شَاعِر»!، شاعِر!!، شَاعِر!!. ثُمَّ ـ وقد شَحَذْتُ على هُدَايَ الجَّافِّ شفرةَ الصوتِ بيننا بلا هَوَادَةٍ، وبَدَا بيِّناً أنَّ الأمْرَ لَمْ يَعُدْ هُذَاءً كما كان، بل أمْسَى محاضرةً، موعظةً، خُطْبَةً، ذَوْدَاً رشيداً عن البئرِ والجَّوَّافَةِ لا يأتيهِ الباطلُ من جَبَلٍ ولا من بِئْر، يستشهِدُ بي، مِنْ أنِّي لا أنْشِئُ قصيدةً هنا، لذا لا أبدو صارماً في حساب المقادير ومراعاةِ وضع أختام الجَّودة والإقرارِ الضريبيِّ، بل أستنْزِلُ كُلَّ ما يحومُ في الجّوارِ وأُوْتِيهِ الحَقَّ نظيفاً في أن يأوِيَ إلى فجريَ المُعَطَّلِ بلا تَوَثُّقٍ من صحيفةِ أخلاقِهِ، مُتَّخِذَاً من مجاهَرَتي السَّالِفةِ بِشَأنِ عَدَمِ حِرْصِي على رضوانِك عنِّي سَبَباً كافياً لي لأن ألْهُو بِمَكَاييلِ العَدَمِ وأخشَابِهِ العَدْلِيَّةِ الذَّارِيَةِ بلا خَشْيَة ـ إنِّي لَمُزْدَهِرٌ كالعُضَالِ في هذا البَدَنِ هذه المياهِ، بَعْدَ أنْ تَكَشَّفَ لي غيابُ المُمَثِّلاتِ عن تَلٍّ غامضٍ من أجداثِ طيورِ الجَّبَرْكَلِ المُحَطَّمَةِ ينمو في صفاءِ الأفقِ الرَّقميِّ ويَتَضَوَّرُ سُرْعَةَ التَّصْدِيقِ مِن قَوْمٍ يُحْدِثُونَ المعجزاتِ بلا اْنْفِعَالٍ ويصيحونَ مندَهِشِينَ إذْ يَرَوْنَ الزَّهرةَ أو الشَّفَق. أنْعَامُهُم، ثَرِيدٌ جَبَلوهُ من أضَاحٍ مَنَوِيَّةٍ تَفُورُ كَرِغْوَةِ المُسْتَقْبَلِ الزُّخْرُفِيَّةِ الكاملةِ في تَنُّورِ التَّوْحيد. أنعامُهُم الكسيحةُ، بُطُولَةٌ سَعَادِيَّةٌ جَلاَّدةٌ مَطْلِيَّةُ الأحشاءِ بما بَقِيَ من ألواحِ القُزَحِ المذبوحةِ التي لَوَّنوا بِنَجِيعِها صُوَرَ ومصائرَ التَّصْمِيماتِ الدَّقيقةِ لأشراطِ مَنْ يُنْبَغي أن يَمْرُقُوا مِن خيوطِ مشيماتِهم الوجوديَّةِ مُتَّخِذِينَ على سيماهم الباهرةِ شِيَمَ الشُّهَداءِ، وأن يُبْلُوا بِقِياماتِهِم أشِعَّةَ العَدَمِ الهَدَّام بحيثُ تَخْلُصُ أجْرَامُهم الدَّامِيَةُ لِخِدْمَةِ الحُرِّيَّةِ الأرْمَلَةِ التي نَاكَتْها صِيَغُهُم الفِرْدَوْسِيَّةُ ونَظَرِيَّاتُهُم الجَّامِعة. أنعامُهُم الكاسِرَةُ، تماثيلٌ مُنْتَعِظَةٌ مُلَطَّخَةٌ بالشُّرُوقِ، تَعْدُو على السُّهادِ قاطِفةً أقداسَ؛ وَسَامَاتِ؛ أمْكِنَةَ؛ قلوبَ؛ بَكَارَاتِ؛... واْحْتِشَامَاتِ الصّلصالِ الذي أثْقَلَ الخيرَ بِأجِنَّتِهِ اللَّبَنِيَّةِ المُهَنْدَمَةِ وأعْدَى مكانَ المَهْتوكةِ بِزُكامِهِ المشيجِيِّ الخصيب. أمَّا أنعامُهُم السَّائرةُ في الدَّيْنُوناتِ، فَيَقِينٌ عَفْنٌ تَنَاسَلَ داخلَ الآنِيَةِ التي مِن بَيَاضٍ، نَصَّبوه جلاَّداً جَوْفِيَّاً لِيَسُوطَهُم بالحروفِ الجِّلْدِيَّةِ المَسْقِيَّةِ قِطْرَاناً ويُرَبِّيهم. السَّهَرَةُ على التَّرْقِيمِ لا يَمَّحِي، وعلى الطَّبَقِ لا يُمْطِر، وعلى الكمالِ خيفةَ ينجبُ أعضاءَ تناسليَّةً تُبْصِر. سأعْهَدُ إليك بِسِرٍّ غَضٍّ فلا تُمِتْهُ بالورعِ وبَشَاعَةِ الكتمان،... لَقَد أُحِلَّتْ لِيَ الأنعامُ جمعاءَ ذات يومٍ، فأجْفَلْتُ مضطرِباً وبكيت. كنت أعرفُ منذ الأوَّلِ أنَّهم قومٌ ذَوُو خطوةٍ في البئرِ، وأنَّه ما أصابت عيونُ الجَّمَالِ درَجَاتِ الأفقِ الرَّقْمِيِّ إلاَّ بمباركةِ أمثالِ هؤلاءِ المغتبِطينَ بِدِفْءِ حِجَابِ القبول. بكيت. كان أمْسِيَ مضروباً بالفَرْهَدَة، وكان أدنى من الزَّهرةِ والشَّفَقِ للسقوطِ في قُزْحَةِ الشَّهيدِ أو قُزْحَةِ البَطَل، وفي المجالِ فَيْضٌ من الثَّنَاءِ وتسليحاتِ الغَيِّ، ولكنِّي بكيتُ، وأشْهَرْتُ اْنحِلالي لا حُلُولِي، وأوْجَبْتُ على القَوْمِ زُرَّاعِ العصافيرِ المستقبليَّةِ داخلَ الخرائبِ المُعتمةِ يومَ مَطَرٍ، أن يَطْرُدُوا تِلاَلِيَ الغامضةَ متى ما رَأوْهَا تُحَلِّقُ فوق جَنَّاتِهِم، وأن يَسْتَجْلِبوا مِن بَعْدُ فَزَّاعاتٍ مصنوعةً من روحِ التَّراكمِ الأسطوانيَّة فيصيرُ بذلك في مُمْكِنِهِم أن يستشعِروا آلِيَّاً كافَّةَ التَّهَيُّؤاتِ السِّحْرِيَّةِ المُطْبِقَةِ بِيَدِها على أطرافِ قُوَّةِ العمل. السَّرّ؟، ألَمْ تُدْرِك السَّرَّ لِسَّه؟!".
---------------------------------------------------------------------------------
* نرحب جدا بالأراء و التعليقت بصدد كتابة " الأصمعي " ثم ، هذه " الحدوس " من " الأخوات " !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق