-------------
" آه ... ! - جبرا -
أي خوف كبير عانيت من أجله
وما نفع دمي إذا ما مت أنت ؟
أيستطيع عصفور الطيران دون هواء ؟
إذن ... ،
لن أستطيع أبدا أن أقول لك
كم أحبك !! " .
- لوركا -
جبرا إبراهيم جبرا ،( 1920-1994) وتعني جبرا في الآرامية القوة والشدة ، هو في الأصل من السريان ، كان أرثوذكسيا ثم أعتنق الأسلام حتي يستطيع أن يتزوج من " لميعة برقي العسكري " التي أنجبها ولدين ، " سدير وياسر " . ولد جبرا في بيت لحم لكنه أستقر في العراق بعد حرب 1948م ، ومنها إلي لبنان ثم لندن التي قضي بها وقتا خصبا من حياته ! ما يعجبني في مسيرة " جبرا " ثقافته الموسوعية الضخمة وقدراته اللغوية الهائلة في العربية والنجليزية ، ثم – وهذا ما يحببه إلي أكثر ، نظرته ورؤياه حول " الحداثة " ! إذ يعتبرها موضوعا حيويا جادا وجديرا بأن نتدبره ونبحث فيه ، درسا مستمرا وتأملا فيه من جميع جوانبه . فالحداثة ، كما هو معلوم ، تنطوي علي عمليات " الهدم " ثم – من بعد – يأتي البناء ، أي هدم الموروث الثابت السائد وبناء الجديد المتحول . وأما الحداثة في الأدب فهي تلك الأشكال والقوالب الأدبية التي عرفها الأدب الغربي بعد الحرب العالمية الأولي ، وكانت نتيجة لمحصلة الخيبة والأحباط من الأفكار والنظريات الأجتماعية والسياسية التي كانت سائدة قبل الحرب ... وأدت – في ما أدت إليه – إلي القتل والدمار والبشاعة ! ومن أبرز رموزها في الشعر : عزرا باوند وهو من مؤسسي الشعر الحر المتحرر ، لأول مرة ، من قيود الوزن والقافية . و ت.س.إليوت مؤلف القصيدة المطولة المشهورة في تاريخ الأدب العالمي " الأرض الخراب / اليباب " 1980م . وفي النثر جيمس جويس أحد مؤسسي تيار الوعي ومولف " يولسيس – عوليس " 1922م . و وليم فوكنر مؤلف " الصخب والعنف " 1929م . ومعلوم أن الأدب العربي الحديث قد تأثر ، في بداياته الباهرة تلك ، بالحداثة الغربية هذه أواخر النصف الأول من القرن العشرين . فظهر الشعر الحر في العراق لدي السياب ونازك الملائكة وغيرهم أضافة لجماعة مجلة شعر في لبنان !
تمثل أعمال جبرا الروائية والقصصية وترجماته تجليات الحداثة الغربية وتمظهرات الرموز المسيحية في الكتابة العربية . أفاد جبرا جدا من تقنيات الحداثة الغربية في الرواية ، ثم شرع بنفسه في تكسير التابوهات والمسلمات الفنية ، وهذا وحده وجها نيرا وجسورا من وجوه الضمير الحداثوي لدي جبرا ، لكنه حافظ ، في الوقت نفسه ، علي الخصوصية العربية / الفلسطينية ! لقد نظر ، بوعيه العميق ، إلي ظاهرات " التناص " و التهجين وتعالقت نصوصه ، هنا بالذات ، مع النصوص الغربية ... وأجري تلاقحا حميما وشفيفا معها ، علي المستويين ، الدلالي والشكلي . ولم يفته أن يجعل ذلك كله في أطار " العولمة " ، ونعني بها التقدم العلمي والتقني الهائل الحادث ، الآن ، في عالما ، وما صاحبه من تغيرات أجتماعية وأقتصادية وثقافية وسياسية كبيرة ! كما تطلع جبرا ، بثقافته العالية ، إلي مجالات معرفية شتي في علوم النفس والأجتماع والفلسفة والأديان والأساطير والموسيقي والمسرح والسينما والنحت والرسم ... ، تداخلت جميعها وأختلطت لتشكل النسيج الحي لأعماله في الشعر والمسرح والقصة والرواية . لربما ساعدته دراسته نفسها في اثراء وجدانه اللغوي بالأنجليزية ، حيث أن دراسته الثانوية في الكلية العربية في القدس قد أمدته بزاد وفير يكاد لا ينضب من المعرفة في اللغة والأدب الأنجليزيان ، بالذات في مسرحيات شكسبير ، فأستمر تواصله الحميم مع الأدب النجليزي بعد تخرجه ، إذ تم إبتعاثه إلي بريطانيا ليدرس الأدب النجليزي وينال فيه درجة الماجستير ... وكانت انجلترا وقتذاك تعيش في أحضان الحداثة وعلي ذراها العاليات ، وهذا ما شكل مهدا معرفيا غزيرا له حد أن قام بكتابة أعمالا روائية بالأنجليزية منها روايات : صيادون في شارع ضيق 1960م وقبلها كان قد كتب العام 1946 صراخ في ليل طويل ! رأينا الحدثة ، أيضا ، في أجلي مظاهرها في ترجماته أيضا ، إذ ترجم أكثر من ستة وعشرين كتابا ، عرفنا عبرها بأبرز الكتاب الغربيين ومدارسهم الفكرية والأدبية ، وبذلك أسهم ، بجدارة محترمة ، في أثراء الأدب العربي الحديث في الشعر والرواية وتقنيات الترجمة و ... النقد !
وأنا أتابع حالة الكتابات الجديدة في الشعر والرواية والقصة و ... التشكيل والموسيقي ، أنظر ، مجددا ، لأعمال جبرا ، وأسعي لمقاربة مقولاته مع واقع هذه " الحالة " الجديدة و ... تداعياتها ، لربما تضئ تجربته الكبيرة زوايا وأبعاد لا تزال معتمة هنا أو هناك ، لأن الأشواق الثقافية لإنسان الحداثة منابعها ، في مجال التنظير والبحث ، تبدو متقاربة جدا أن لم تتماثل وتتقاطع في بعض دروبها ! رغبت ، وأنا في برهة القراءة هذه ، أن أحييه و ... ذكراه ، فقد كان بحرا عميق الغور ، صخاب في صيرورة الماء وفي الروح نفسها ، روحه التي كانت – إذ تراوغنا – تبدو لنا وادعة هادئة ! سلام إليك ، جبرا ، في الخالدين !
" آه ... ! - جبرا -
أي خوف كبير عانيت من أجله
وما نفع دمي إذا ما مت أنت ؟
أيستطيع عصفور الطيران دون هواء ؟
إذن ... ،
لن أستطيع أبدا أن أقول لك
كم أحبك !! " .
- لوركا -
جبرا إبراهيم جبرا ،( 1920-1994) وتعني جبرا في الآرامية القوة والشدة ، هو في الأصل من السريان ، كان أرثوذكسيا ثم أعتنق الأسلام حتي يستطيع أن يتزوج من " لميعة برقي العسكري " التي أنجبها ولدين ، " سدير وياسر " . ولد جبرا في بيت لحم لكنه أستقر في العراق بعد حرب 1948م ، ومنها إلي لبنان ثم لندن التي قضي بها وقتا خصبا من حياته ! ما يعجبني في مسيرة " جبرا " ثقافته الموسوعية الضخمة وقدراته اللغوية الهائلة في العربية والنجليزية ، ثم – وهذا ما يحببه إلي أكثر ، نظرته ورؤياه حول " الحداثة " ! إذ يعتبرها موضوعا حيويا جادا وجديرا بأن نتدبره ونبحث فيه ، درسا مستمرا وتأملا فيه من جميع جوانبه . فالحداثة ، كما هو معلوم ، تنطوي علي عمليات " الهدم " ثم – من بعد – يأتي البناء ، أي هدم الموروث الثابت السائد وبناء الجديد المتحول . وأما الحداثة في الأدب فهي تلك الأشكال والقوالب الأدبية التي عرفها الأدب الغربي بعد الحرب العالمية الأولي ، وكانت نتيجة لمحصلة الخيبة والأحباط من الأفكار والنظريات الأجتماعية والسياسية التي كانت سائدة قبل الحرب ... وأدت – في ما أدت إليه – إلي القتل والدمار والبشاعة ! ومن أبرز رموزها في الشعر : عزرا باوند وهو من مؤسسي الشعر الحر المتحرر ، لأول مرة ، من قيود الوزن والقافية . و ت.س.إليوت مؤلف القصيدة المطولة المشهورة في تاريخ الأدب العالمي " الأرض الخراب / اليباب " 1980م . وفي النثر جيمس جويس أحد مؤسسي تيار الوعي ومولف " يولسيس – عوليس " 1922م . و وليم فوكنر مؤلف " الصخب والعنف " 1929م . ومعلوم أن الأدب العربي الحديث قد تأثر ، في بداياته الباهرة تلك ، بالحداثة الغربية هذه أواخر النصف الأول من القرن العشرين . فظهر الشعر الحر في العراق لدي السياب ونازك الملائكة وغيرهم أضافة لجماعة مجلة شعر في لبنان !
تمثل أعمال جبرا الروائية والقصصية وترجماته تجليات الحداثة الغربية وتمظهرات الرموز المسيحية في الكتابة العربية . أفاد جبرا جدا من تقنيات الحداثة الغربية في الرواية ، ثم شرع بنفسه في تكسير التابوهات والمسلمات الفنية ، وهذا وحده وجها نيرا وجسورا من وجوه الضمير الحداثوي لدي جبرا ، لكنه حافظ ، في الوقت نفسه ، علي الخصوصية العربية / الفلسطينية ! لقد نظر ، بوعيه العميق ، إلي ظاهرات " التناص " و التهجين وتعالقت نصوصه ، هنا بالذات ، مع النصوص الغربية ... وأجري تلاقحا حميما وشفيفا معها ، علي المستويين ، الدلالي والشكلي . ولم يفته أن يجعل ذلك كله في أطار " العولمة " ، ونعني بها التقدم العلمي والتقني الهائل الحادث ، الآن ، في عالما ، وما صاحبه من تغيرات أجتماعية وأقتصادية وثقافية وسياسية كبيرة ! كما تطلع جبرا ، بثقافته العالية ، إلي مجالات معرفية شتي في علوم النفس والأجتماع والفلسفة والأديان والأساطير والموسيقي والمسرح والسينما والنحت والرسم ... ، تداخلت جميعها وأختلطت لتشكل النسيج الحي لأعماله في الشعر والمسرح والقصة والرواية . لربما ساعدته دراسته نفسها في اثراء وجدانه اللغوي بالأنجليزية ، حيث أن دراسته الثانوية في الكلية العربية في القدس قد أمدته بزاد وفير يكاد لا ينضب من المعرفة في اللغة والأدب الأنجليزيان ، بالذات في مسرحيات شكسبير ، فأستمر تواصله الحميم مع الأدب النجليزي بعد تخرجه ، إذ تم إبتعاثه إلي بريطانيا ليدرس الأدب النجليزي وينال فيه درجة الماجستير ... وكانت انجلترا وقتذاك تعيش في أحضان الحداثة وعلي ذراها العاليات ، وهذا ما شكل مهدا معرفيا غزيرا له حد أن قام بكتابة أعمالا روائية بالأنجليزية منها روايات : صيادون في شارع ضيق 1960م وقبلها كان قد كتب العام 1946 صراخ في ليل طويل ! رأينا الحدثة ، أيضا ، في أجلي مظاهرها في ترجماته أيضا ، إذ ترجم أكثر من ستة وعشرين كتابا ، عرفنا عبرها بأبرز الكتاب الغربيين ومدارسهم الفكرية والأدبية ، وبذلك أسهم ، بجدارة محترمة ، في أثراء الأدب العربي الحديث في الشعر والرواية وتقنيات الترجمة و ... النقد !
وأنا أتابع حالة الكتابات الجديدة في الشعر والرواية والقصة و ... التشكيل والموسيقي ، أنظر ، مجددا ، لأعمال جبرا ، وأسعي لمقاربة مقولاته مع واقع هذه " الحالة " الجديدة و ... تداعياتها ، لربما تضئ تجربته الكبيرة زوايا وأبعاد لا تزال معتمة هنا أو هناك ، لأن الأشواق الثقافية لإنسان الحداثة منابعها ، في مجال التنظير والبحث ، تبدو متقاربة جدا أن لم تتماثل وتتقاطع في بعض دروبها ! رغبت ، وأنا في برهة القراءة هذه ، أن أحييه و ... ذكراه ، فقد كان بحرا عميق الغور ، صخاب في صيرورة الماء وفي الروح نفسها ، روحه التي كانت – إذ تراوغنا – تبدو لنا وادعة هادئة ! سلام إليك ، جبرا ، في الخالدين !