- حين أبكتني الشاعرة فرات أسبر ...
-----------------------------------
أيها الشعراء / الشاعرات ، كفوا قليلا عنا الحزن في العام الجديد !
هذا المساء كنت في تأمل هذا العام الذي يتأهب للرحيل عن عالمنا ، كنت ، أيضا ، أتوجس خشية من عمره الباقي القصير ، ولست حزينا لرحيله ، فقد أدمي قلبي بكوارثه الكثيرة وبالدم الذي سال فيه والمباغتات المرعبة التي نثرها في أيامنا ، أسعي السعي كله أن أكون في الفرح إذ أدلف للعام الجديد ! قلت ، لأدخل فأري ماذا في " الفيس " هذا المساء ، وأعترف ، تجولت وأنا " أتصيد الشعر " ، أكثر ما يعنيني هنا . وجدت أمامي نصا للشاعرة فرات أسبر التي أحب شعرها ويعجبني ، ولا أخفي أعجابي بشخصيتها الهادئة الوقورة في جمال فطنتها وإنتباهتها للحظات الشعر في حياتنا ، فشرعت – بحب – أقرأ النص القصير ، قصير لكنه عميق الدلالة ومبهر في صورته ولغته :
" شبح الموت يؤرّقني
فيا سماء اطلقي سراح النجوم
عابرةٌ أنا بين الكواكب
ألمُّ جراحها . " ....
بكيت ! لقد أصابني بالخوف والرعب ، فبكيت .
لماذا يداهمني الخوف والحزن وأنا أتقمصني فرحا برحيل عام الأحزان ، لماذا يافرات العزيزة ؟
رحت ، مذهولا راعش القلب ، أتأمل – رغما عني – النص العجيب . في تفكر الموت ، وحين يحضر في الذاكرة يلامس القلب و" يؤرقه " ، فمن ذا هو الذي يألفه ويؤانسه ، من هو الذي لا يبالي بسهامه المسمومات وينسي جراحه وآلامه القاتلة والفقدانات فيجرؤ علي مجالسته أو حتي مجرد النظر إليه ولو من بعيد ، ومتي ، في هذه البرهة النادرة في ما بين رحيل عام ملئ بالفواجع والتأهب لرؤية ومعايشة فرح قادم نأمله ونوده ؟ تأخذنا الصورة الشعرية في النص إلي الذري " المهلكات " ، إلي السماء في أعلي أعاليها ، وهي تناديها ، لا تتوسلها بل لتكاد تأمرها ، لفرط ثقتها إنها ستجيبها إلي صيغتها " المرعبة ":
" ... أطلقي سراح النجوم " ، لتكون تلك النجوم في سوحها فتواكب ذلك المشهد الذي أرعبني ، لتكون الشاهدة وفي ذكر ما سيجري ... ستكون " أنا " الشاعرة حاضرة في قلب المشهد التراجيدي ، في حرارة الدوامة الفضائية : " ... عابرة أنا بين الكواكب
ألم جراحها " ! ...
هي الجراح إذن ، هنا لدي الكواكب التي نحبها ويبادلها الشعر الحب والنجوي ، لكنها الآن مجرحة وفي نزيفها ، فهل ستفلح في " لملمة جراحها " ، أم – وهذا علي الأرجح – ستدور معها في الفلك العظيم مجرحة هي الآخري وفي نزيفها ... فيذهبوا ، معا ، في البياض اللانهائي ؟
تذكرت للتو – جراء هذا المشهد – الشاعر السوداني عبد الرحيم أبو ذكري ، الذي ، كثيرا جدا ما هام في خلاء الفضاء في جل شعره الجميل ، ولديه فضائيات " مرعبة " ظلت علي الدوام تشئ بنهايته الشخصية وإن لم يلتفت إليها أحد وهي في دورانها بين الناس ! أبو ذكري كأن أستاذا في جامعة الخرطوم ، مختصا في اللغات والترجمة ، ثم أبتعث إلي موسكو لنيل الدكتوراه ، يقول أبو ذكري في بعض شعره :
" لي سماء غريبة
أتأملها في الخفاء
وأهدهدها ساهما في المساء
وأغني لها أجمل الأغنيات
بصوتي الأجش الذي لا يجيد الغناء
وأقول لها وأتمتم :
آه ... ملاذي من القيظ والزمهرير !
أنت يا مركبات الشروق التي تتحرك
بين السهول الغريبة
والسهوب الفساح التي لا يراها سوانا ! " ...
ثم يمضي أبعد و ... أعلي :
" يا سمائي الدخان الدخان
صار سقفا لنبضي ونبضك
حائطا خامسا في المكان
جيفة في الرياح تفوح ...
السماوات والحب ليست هنا
والهواء المعطر ليس هنا
أنظري !
كلما نمنح الأرض من قلبنا
تصبح الأرض منفي لنا
ولاشواقنا " ! ...
تطلع للفضاء ، نظر إليه وتأمله في حضوره اللانهائي المهيب ، وتاق إليه ، تطلع أن يغادر المنفي الذي هو كائن في الأرض وبدأ برنو إلي السماء ، ليكون في صحبة الكواكب كلها ونجومها اللامعات الفاتنات !
أبو ذكري ( 1943 / 1989 ) ، طار إلي حلمه – حين حان الحين - في الفضاء ، فقذف نفسه من نافذة غرفته في الطابق 13 من مبني الأكاديمية الروسية للدراسات العليا بموسكو ذات ليلة شتوية في 16 أكتوبر 1989 بعد أن أكمل وحاز الدكتوراه بمرتبة الشرف في فقه اللغة ، هبط من ذلك العلو الشاهق كما طائر اسطوري يشق عباب الهواء ويقتحمه اقتحاما مندفعا ، بقوي هائلة ، ليرتطم برصيف الشارع لكأنه يعانق الأرض ، منفاه ، ويعمدها بالدم الحار !
يااااااااه ، لم كل ذلك ونحن في التطلع إلي فرح مرتجي ؟
فرات العزيزة ، لقد أمتعتني شيئا ، لكنك – أيضا – أرعبتني فأبكيتني هذا المساء !
وإن كانت تبقت لي كلمة ، فأنني أجعلها في صيغة " الأرانب " ، برجاء أبلغ به حد التوسل لمن يكتبون الشعر ، أن يبتعدوا قليلا– لأجل هذا القادم الجديد ولأجل نقاء الشعر – عن الفواجع والحزن والجروح النازفة ، وأن يجعلوا من الموت نفسه وجها جميلا في الحياة ، أليست جميلة هي الحياة ، و " تستحق أن تعاش " علي قول الحبيب درويش ؟
فرات ، شاعرتنا المبدعة ، شكرا جميلا إليك ، لكنني – بسبب من هذا النص – بت أخافك / أخاف ، أيضا إليك ، عليك السلام أيتها العزيزة !
-------------------------------------------------------
* من أجمل ما كتب عن فضائيات أبو ذكري وحيثيات وتداعيات حياته ، كتابان لصديقه ورفيقه هنا وهناك الشاعر والكاتب والقانوني والسياسي اليساري الكبير كمال الجزولي هما : " أبو ذكري ، نهاية العالم خلف النافذة " و " تذكارية في جدل التوهج والإنتحار " !
* الصور : الشاعرة فرات / أبو ذكري / كمال الجزولي في مقدمة الصورة وبجانبه أبو ذكري في موسكو.
" يا صوتها فينا كن كما أنت وتوجد مثلما شئت توجد لك في قلبي وقلوب الناس مهد فتوجد و ... توجد "!
الثلاثاء، ديسمبر 31، 2013
الأحد، ديسمبر 29، 2013
وداعا سعاد ، الوجه الشيوعي في نساء السودان ...
---------------------------------------------------------------
" رنانا يجئ الموت ،
كحذاء بلا قدم أو حلة بلا رجل ...
يجئ ضاربا بخاتم دون جواهر ولا أصبع
يصل صائحا بلا فم ،
ولا لسان ، ولا حنجرة .
ومع ذلك ،
لخطاه صدي ...
ويترك حلته صامتة مثل شجرة
فقد أخذ الوردة ! " ...
- نيرودا -
أخذها ، هذا " اللص الجبان " ، أخذ الوردة ، وردة الحزب الشيوعي السوداني وعطره !
صباح هذا اليوم الأحد 29 / 12 / 2013 ، والعالم يلملم أطرافه ليرحل ، لكأنه كان يود أن يأخذها معه ، لكنها ، وهي البصيرة في رؤياه ، آثرت أن تسبق – كعادتها – رحيله بيوم واحد ! رحلت سعاد بمستشفي " تقي " بحي الشهداء في أمدرمان السودانية . وتعد سعاد أحد ألمع القيادات النسائية في الحزب الشيوعي السوداني ، وكانت عضوة لجنته المركزية حتي رحيلها صباح اليوم عن 78 عاما ! تقول سعاد : " أنا ثالث نوبية تزوجت من العرب ، الأولي بنت محمد نور الدين ، برضها كانت بت سياسية ، تزوجت حسن محجوب ، الثانية بت جمال محمد أحمد عرست رباطابي أسمو مصطفي مدني ، كان يعمل في الخارجية ، أسمها عايدة جمال محمد أحمد ، وأنا نمر 3 " .
سعاد ولدت في أمدرمان حيث كان والدها مستقرا بها ويعمل معلما في كلية غردون التذكارية ( جامعة الخرطوم في ما بعد ) في كلية الهندسة . وكانت سعاد ضمن أول دفعة تم قبولها في أول مدرسة ثانوية حكومية للبنات العام 1949 ، دخلت جامعة الخرطوم العام 1955 وتخرجت فيها ، تزوجت بعد تخرجها من الشيوعي حامد الأنصاري الذي تعرفت إليه عن طريق شقيقه الذي كان معها بالجامعة . وكانت قد إنتظمت في عضوية الحزب الشيوعي السوداني عام 1957 ، حين تقدمت بطلبها لنيل عضوية الحزب ذلك العام ، وصدف أن كان قريب الله الأنصاري شقيق حامد الذي توفي مؤخرا ، مع مصطفي خوجلي في قيادة رابطة الطلاب الشيوعيين ، فتمت " تزكية " وقبول طلبها ، ومنذ ذلك التاريخ وحتي رحيلها هذا الصباح ظلت شيوعية في توجهها الفكري والعملي وفي حياتها ، تقول سعاد : " شيوعيتي كانت سابقة لزواجي ، فقد دخلت الحزب الشيوعي سنة 1957 ، وتزوجت في أكتوبر 1964 " ... تزوجت بعد أن أنتصرت ثورة أكتوبر وأطاحت بحكم ديكتاتورية العسكر . دخلت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في أكتوبر 1967 ضمن أربعة من الرائدات في نساء السودان ، فاطمة أحمد إبراهيم ، ومحاسن عبد العال ، ونعيمة بابكر الريح ، وذلك إبان إنعقاد المؤتمر الرابع للحزب ذلك العام . فأصبحن أربعة نساء من ضمن 33 هم جملة أعضاء اللجنة المركزية في ذلك الوقت .
لقد امتلكت سعاد ذاكرة حافظة متوهجة حتي لحظة رحيلها ، وتعد سجلا حيا للأحداث الكبيرة في تاريخ بلادنا ، حيث عاصرت وعايشت العنفوان النوبي ضد التهجير مطالع الستينيات حيث ذهبت إلي وادي حلفا بعد تخرجها لتعمل في الأحصاء الذي كان يجري وقتها تمهيدا لتنفيذ التهجير تحت الحكم العسكري للجنرال عبود الذي أطاحت به ثورة أكتوبر المجيدة . شاركت سعاد في تظاهرات وادي حلفا الشهيرة ، وكشفت صدرها أمام العسكر متحدية إياهم أن يطلقوا الرصاص علي المتظاهرين فأشتعلت جذوة التظاهرات التي كانت للنساء النوبيات دورا بارزا فيها ، أبدا لم تبرح ، من بعد ، ساحة المعارك النوبية في تنوعها المثير ، فكانت في قلبها ، الجسورة ذات الرأي السديد والفكر المنير ، قائدة فذة في النضال النوبي ، وفي نضالات الشعب السوداني قاطبة ، وللنساء كانت لهن عافية النضال التي – كل يوم – تجترح البسالة والصمود ورؤية الغد القادم في جماله ، الغد الديمقراطي للشعب وللوطن .
كنت قريبا منها إبان شرعت أكتب مخطوطة كتابي عن محمد وردي ، فهي – في ظني – أعلم الناس بمساره الفني والتفاصيل المدهشة في حياته الخصبة . كانت قد بدأت ، أواخر العام 2000 تنشر في عدد الثلاثاء المتميز بجريدة الصحافة ، حلقات غنية تحت عنوان " مشوار وردي " ، وهي عبارة عن إفادات سبق وسجلتها في " لوس انجلوس " مع الفنان وردي باللغتين النوبية والعربية في الفترة من 8 إلي 11 فبراير 2000 ، وقام بترجمتها وتحريرها واعدادها للنشر الشاعر والمغني النوبي الكبير مكي علي ادريس بالخرطوم في 9 / 3 / 2000 . سعاد كانت مدركة ، بوعي كثير وقلب محب للشعر والموسيقي ، للمشروع الكبير للفنان وردي ، كان يحبها جدا ، فيقول عنها " يا أخ دي أختي وبتعرفني أكتر من أمي الماشفتها " ، وهي كانت تبادله الحب ، حد أن عشقت تجربته الفذة في الغناء والموسيقي والشعر ، فوردي كان أيضا شاعرا كبيرا في النوبية ، أنا ، لحسن طالعي في الحياة ، قد شهدت ذلك الحب الإنساني الرائع بينهما ، والكثيرون أيضا قد شهدوا به ، علي خلاف ما حاول عبد الله علي إبراهيم أن يشوه – كعادته – نقاؤه وجماله حين راح يردد أن سعادا قد نزعت عن وردي لقب " فنان الشعب " بسبب من " محبة بعض أهل الإنقاذ له " كما ذكر ، وتمادي في غيه الذي غدا من عجائب أيامنا ، فذكر أنه قد سبقها في خلع اللقب عنه " لأن وردي أكثر تعقيدا وأكبر من ذلك الهتاف " كمال قال ! وستظل تلك الحلقات التي أدارتها سعاد وحررها مكي أروع شهادة معاصرة في مسيرة الفنان الكبير . ستظل سيرة حياة سعاد وكتاباتها ومساهماتها الثرة في حقول التعليم والتعليم الجامعي وفي المعرفة والتنوير مجالا رحبا لدرس كثير سيأتي ، فمثل حياتها لا تنطفئ شعلتها جراء موتها ، ستظل في أفئدة شعبها متقدة وفي الضمير النوبي وهجا كثيرا ولدي نساء بلادها الجوهرة ، ولحزبها راية عالية خفاقة في دروب نضاله الجسور .
عزاء حزينا ، مثلما صباح هذا اليوم ، لأسرتها وأولادها وأهلها ، وللحزب الشيوعي السوداني وللشعب السوداني والنوبي العظيم خالص العزاء ، لكن سعاد تبقي تاريخا حافلا وخالدا في ضمير أمتنا .
وداعا سعادنا ، وكما غناك " شرنوبي " أغنيك هذا المساء :
" سعاد أشا
الاستاذة
المحطة الكبيرة
الاستاذة
المحطة الكبيرة
فى خط النضال الطويل
المربية
المعلمة
الانسانة
المدرسة المتفردة
الكنداكة النوبية
لك الانحاء
الحضور
فضلك
محفور فى القلب
دربك واضح
منارات
وشمندورة
بتعاند الموج
البحر
سعاد آشا
يا زول
هى الرمز
النخلة
تقاوم
من حلفا
لاركان الدنيا الاربع
هدت سد كجبار
وكتبت بالنوبية
سطر
فى مجد
الملحمة
وياما غنينا معاك
رددنا
غناك
هناف فى القلب
وسط الشارع
بين الناس
السمر
يا سعاد آشا
" ...
الخميس، ديسمبر 19، 2013
عودة التتار ...
عودة التتار ، تكفير أدونيس ، إهدار دمه وحرق
كتبه !
----------------------------------------------------
كل يوم جديد أكون فيه إزداد يقينا بمقولة الشهيد حسين مروة ، " أن العالم العربي / الإسلامي لن يحوز تقدما مالم يحسم أمره مع التراث " . فلا نزال ، نري من حولنا فتاوي الظلاميون تتري والدعوات تصدر في متواليات هندسية مرعبة تدعو للدم والقتل والذبح تحت دعاوي " الدفاع عن الإسلام " ، ولن تقوم لنا – في ظني أيضا – نهضة نعيشها أو تقدما نحوزه في هذا العالم ما لم يزول هؤلاء المسوخ الإرهابيون عن دنيا الناس هذه . لقد كفروا في زمن قريب طه حسين ونجيب محفوظ وحيدر حيدر وفرج فوده ونصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي ونجيب سرور والشيخ إمام ، وبالأمس سعدي يوسف لأجل قصيدته " عيشة بنت الباشا " ، واليوم أضافوا أدونيس جراء قصيدة لم يكتبها أصلا ، بل أنني أري أنه من جهالة النقد الأدبي وبؤسه أن تنسب إليه ، بسبب من " سطحيتها وركاكة كلماتها وتعابيرها " ، ليست ، أبدا ، يمكن أن تعد ، ولو من باب الإحتمال ، أن تعد من شعر وكتابات أدونيس عالية الإبداع في الرؤي والمعني والدلالة .
أدونيس – غض النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا مع رؤاه السياسية والفكرية – يعد أكبر شاعر عربي علي قيد الحياة الآن ، وقد أستطاع أن يجعل له منهجا مبتكرا في كتابة القصيدة وفي التحليل التاريخي للأمة العربية الإسلامية منذ بواكيرها وحتي يوم الناس . أحتفي به العالم الثقافي في الدنيا كلها وترجمت أعماله لأكثر من ثلاثين لغة ، علاوة علي أنه يحاضر وينتسب لأعرق جامعات العالم . فمن هو ذلك القمئ في الناس الذي أستهدف الآن أدونيس ؟ عبد الفتاح زراوي حمداش ، مسئول " جبهة الصحوة الحرة الإسلامية " الجزائرية السلفية ، أصدر فتوي الأسبوع الماضي يكفر بموجبها أدونيس ويهدر دمه ودعا ، علي الملأ ، الشروع في جمع وأحراق كتبه . وبدأ بالفعل ، بقيادة " الجبهة " ، الإعداد لهذه الجريمة البشعة وتفيذها !
ثم راح يؤكد صحة فتواه ، فقال أن أدونيس كافر ومرتد ويجب قتله وحرق كتبه ودواوينه ومحو أثرها من علي وجه الأرض ! لدي لقاء صحفي أجرته معه زهور.ش لصالح جريدة " الجزائر نيوز " التي تعمل بها قال هذا " المعتوه " ، مدللا علي صحة فتواه :
" لا أعرف إن كنت عاقلا وفهمت قول قصيدته التي يدعو فيها إلى قتل وحرق أهل السنة من المسلمين وتدمير ممتلكات ومزارع ديارهم بأكملها ويتطاول على الصحابة رضي الله عنهم، بقوله:
----------------------------------------------------
كل يوم جديد أكون فيه إزداد يقينا بمقولة الشهيد حسين مروة ، " أن العالم العربي / الإسلامي لن يحوز تقدما مالم يحسم أمره مع التراث " . فلا نزال ، نري من حولنا فتاوي الظلاميون تتري والدعوات تصدر في متواليات هندسية مرعبة تدعو للدم والقتل والذبح تحت دعاوي " الدفاع عن الإسلام " ، ولن تقوم لنا – في ظني أيضا – نهضة نعيشها أو تقدما نحوزه في هذا العالم ما لم يزول هؤلاء المسوخ الإرهابيون عن دنيا الناس هذه . لقد كفروا في زمن قريب طه حسين ونجيب محفوظ وحيدر حيدر وفرج فوده ونصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي ونجيب سرور والشيخ إمام ، وبالأمس سعدي يوسف لأجل قصيدته " عيشة بنت الباشا " ، واليوم أضافوا أدونيس جراء قصيدة لم يكتبها أصلا ، بل أنني أري أنه من جهالة النقد الأدبي وبؤسه أن تنسب إليه ، بسبب من " سطحيتها وركاكة كلماتها وتعابيرها " ، ليست ، أبدا ، يمكن أن تعد ، ولو من باب الإحتمال ، أن تعد من شعر وكتابات أدونيس عالية الإبداع في الرؤي والمعني والدلالة .
أدونيس – غض النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا مع رؤاه السياسية والفكرية – يعد أكبر شاعر عربي علي قيد الحياة الآن ، وقد أستطاع أن يجعل له منهجا مبتكرا في كتابة القصيدة وفي التحليل التاريخي للأمة العربية الإسلامية منذ بواكيرها وحتي يوم الناس . أحتفي به العالم الثقافي في الدنيا كلها وترجمت أعماله لأكثر من ثلاثين لغة ، علاوة علي أنه يحاضر وينتسب لأعرق جامعات العالم . فمن هو ذلك القمئ في الناس الذي أستهدف الآن أدونيس ؟ عبد الفتاح زراوي حمداش ، مسئول " جبهة الصحوة الحرة الإسلامية " الجزائرية السلفية ، أصدر فتوي الأسبوع الماضي يكفر بموجبها أدونيس ويهدر دمه ودعا ، علي الملأ ، الشروع في جمع وأحراق كتبه . وبدأ بالفعل ، بقيادة " الجبهة " ، الإعداد لهذه الجريمة البشعة وتفيذها !
ثم راح يؤكد صحة فتواه ، فقال أن أدونيس كافر ومرتد ويجب قتله وحرق كتبه ودواوينه ومحو أثرها من علي وجه الأرض ! لدي لقاء صحفي أجرته معه زهور.ش لصالح جريدة " الجزائر نيوز " التي تعمل بها قال هذا " المعتوه " ، مدللا علي صحة فتواه :
" لا أعرف إن كنت عاقلا وفهمت قول قصيدته التي يدعو فيها إلى قتل وحرق أهل السنة من المسلمين وتدمير ممتلكات ومزارع ديارهم بأكملها ويتطاول على الصحابة رضي الله عنهم، بقوله:
فلتحترق..
احترقي يا
دمشق.. أبي جهل ومعاوية وعهر يزيد
احترقي يا
حلب.. إجرام صلاح الدين
احترقي يا
حمص المكناة بإجرام إبن الوليد
احترقي يا
درعا.. البداوة والجهالة والثأر والضباع المناكيد..
لتحترق كل
هذه الهياكل..
لو كانت
من الطيبات ما أنتجت كل هذي الرزايا
أيعقل
السكوت على التطاول على خالد ابن الوليد، ما فعلناه هو أننا بين كفر هذا الرجل
وجرمه." ...
وعندما واجهته المحررة بأن هذا الكلام لا يرقي إلي مستوي لغة الشاعر ، إلي جانب أن أدونيس نفسه قد نفي نسبة القصيدة إليه ، تمادي الشيخ " المعتوه " ليقول : " هذا دآب الزنادقة والمنافقين ، يقولون القول في الجرائد والمحاضرات ثم يتملصون ويتبرأون منه ، لأن هذه عقيدة الملاحدة . لكني أعيد وأكرر أن هذا التملص والنفاق ليس جديدا علي أمثال هذا المجرم الشيعي العلوي ، الذي يدعو النظام السوري علنا لحرق السنة ... ، نحن نحترم الأراء المختلفة عنا ما لم يكن صاحبها يسئ إلي ديننا ورسولنا ، وهذا الرجل نحن نكفره ، ونقول بأنه ملحد عدو الله وزنديق ومجرم ، وسنحرق كتبه ، قال القصيدة أو لم يقلها ، لأنها دليل علي إنحراف منهجه وتفسخه " ! ، فتأملوا !!
وعندما واجهته المحررة بأن هذا الكلام لا يرقي إلي مستوي لغة الشاعر ، إلي جانب أن أدونيس نفسه قد نفي نسبة القصيدة إليه ، تمادي الشيخ " المعتوه " ليقول : " هذا دآب الزنادقة والمنافقين ، يقولون القول في الجرائد والمحاضرات ثم يتملصون ويتبرأون منه ، لأن هذه عقيدة الملاحدة . لكني أعيد وأكرر أن هذا التملص والنفاق ليس جديدا علي أمثال هذا المجرم الشيعي العلوي ، الذي يدعو النظام السوري علنا لحرق السنة ... ، نحن نحترم الأراء المختلفة عنا ما لم يكن صاحبها يسئ إلي ديننا ورسولنا ، وهذا الرجل نحن نكفره ، ونقول بأنه ملحد عدو الله وزنديق ومجرم ، وسنحرق كتبه ، قال القصيدة أو لم يقلها ، لأنها دليل علي إنحراف منهجه وتفسخه " ! ، فتأملوا !!
أدونيس ، الآن ، في مأمن حيث يعيش ، منذ
سنوات في باريس ، لكننا نخشي أن يعاد تنفيذ مهزلة حرق الكتب ، كما فعل التتار يوما
في بغداد ، أحرقوها ورموا بالرماد إلي دجلة والفرات ، هذا ما نخشاه ، فذلك ، إن
حدث ، فسيجعلنا – بحق – الجهلاء في الألفية الثالثة من عمر البشرية ، وأضحوكة
ساخرة في نظر العالم . لنقف ، جميعنا ، ضد هذه الدعوي الفاجرة / الكافرة ، نقولها
" لا " في وجه المسوخ تجار الدين ... وأنني لأدعو مؤسسة " الحوار
المتمدن " لتجترح فورا حملة لرفض هذه الفتوي التي سكت عنها النظام الجزائري ،
وتضامنا مع الشاعر !
لنقرأ ماذا قال أدونيس ردا علي هذه الفتوي الجائرة .
لنقرأ ماذا قال أدونيس ردا علي هذه الفتوي الجائرة .
الثلاثاء, 17 ديسمبر 2013 18:40
|
استنكر
الشاعر العربي “أدونيس” ما جاء في البيان الذي وقعه رئيس ما يعرف بـ “جبهة
الصحوة السلفية الجزائرية” عبد الفتاح حمداش، والذي دعا فيه الى إحراق كتب
ورسائل ودواوين أدونيس الشعرية بناء على فرضية أن الشاعر السوري قد كتب قصيدة
سخر فيها من الصحابة، فضلا عن دعوته -حسب قوله- الى إحراق مدن الشام وحمص ودرعا.
ونفى أدونيس أن يكون لديه أي علاقة
بالقصيدة “المنسوبة إليه في البيان” مؤكدا “أن هذا ليس شعرا، ولا أظن أن لغتي من
الممكن أن تهبط إلى هذا المستوى، وكل من يعرف شعري جيدا سيدرك منذ الوهلة الأولى
أن -ما تم نشره على اعتباره قصيدة لي -ذلك محض تزوير واختلاق”.
كما نفى الشاعر العربي الشهير -بشكل
قاطع - علمه بمن كتب تلك الأبيات ونسبها له. لكنه وصف الأمر بأنه جزء من ظاهرة
تاريخية “أقدم عليها المتعصبون في جميع مراحل تاريخنا الإسلامي، إلى جانب
المتشددين في القرون الوسطى والفاشيين والنازيين”. وعبّر أدونيس في تصريح صحفي
صدر أمس، عن أسفه لاستمرار بعض المسلمين بالدعوة إلى ارتكاب مثل هذه الأفعال
-حرق الكتب- التي تتنافى مع جوهر الإسلام، ودعوته السمحة التي حثت على طلب العلم
ولو كان في الصين”.
وأضاف “أتمنى من الأشخاص الذين
يتحدثون باسم الإسلام ويرفعون رايته أن يتعلموا على الأقل قواعد اللغة العربية،
وأن يعرفوا كيف يكتبون وكيف يقرؤون حتى يتمكنوا من الارتقاء إلى المستوى الذي
تتطلبه مهمة الدفاع عن الدين، في زمن لا تأتي الرماح فيه من جهة أعداء الإسلام،
بقدر تلك التي تصيبه من جهة أبنائه”.
واستغرب أدونيس من المعلومات التي
راجت على مواقع التواصل الاجتماعي عن تقدمه بطلب لتأمين سلامته إلى السلطات
الأمنية في مقر إقامته في العاصمة الفرنسية باريس، وقال هذا “غير صحيح بالمطلق”
مؤكدا أنه لا يهتم بهذه الأمور على الإطلاق، “إذ أنني لا أعدها عدوانا على شخصي،
بقدر ما تحمله في مضمونها من عدوان على الإسلام وثقافته وتاريخه”.
وسبق للشاعر السوري علي أحمد
سعيد المعروف بـ “ادونيس” أن أعلن إنه ضد الأديان المسيّسة، نافيا امتلاكه لأي
مشروع طائفي، مؤكدا أن الحرب القائمة بين السنة والشيعة في المنطقة بدأت تتخذ
طابعا عالميا. كما لا يتوانى من إعلان موقفه الواضح من الأنظمة الإسلامية التي
استحوذت على الحكم في بلدان الثورات العربية، موضحا أنه ضد نظام الرئيس التونسي
السابق زين العابدين بن علي والرئيس السوري الحالي بشار الأسد، إلا أنه لا يرحب
بوصول الإسلاميين إلى السلطة.
موضحا موقفه بالقول إن “المجتمع لا
دين له، دين المجتمع هو حقوق الإنسان وحرياته وليس الكنيسة أو الخلوة أو
الجامع”. وهي المواقف التي وضعت في مرمى نيران الجماعات الاسلامية.
وكان عبد الفتاح زراوش حمداش، أحد
زعماء التيار السلفي المتشدد في الجزائر وقائد ما يعرف بـ«الصحوة الإسلامية
السلفية بالجزائر”، قد أصدر الأحد الماضي بيانا دعا فيه “أهل السنة في العالم”
إلى إحراق كتب أدونيس ودواوينه الشعرية، واصفا إياه بـ “الملحد الباطني
المجرم... الذي سبّ واعتدى على الصحابة رضي الله عنهم، ودعا إلى إحراق دمشق
معاوية وحمص ابن الوليد رضي الله عنهما، وتجرأ على الفاتحين كصلاح الدين
الأيوبي، ودعا إلى إحراق حمص ودرعا وأهلها أحفاد الفاتحين والأبطال نخوة وشامة
العرب”. - حسب زعمه -.
|
السبت، ديسمبر 14، 2013
" محطات في حياتي " ، جديد د . كسلا في سيرته وكرة القدم ...
محطات د . كسلا ، مشاهد لعشاق كرة القدم
ولمحبي الحياة ...
------------------------------------------------------------
مدخل في حبها :
المستديرة الساحرة ،
تلك اللعبة الآسرة ...
نجمة كل مكان ،
في الجبال والسهول والشواطي والوديان : كرة القدم !
يقول الشاعر الأنجليزي " كريسن توماس " عن لاعب كرة القدم الشهير " بيكام " ، الذي صدف وتعرض لإصابة قوية غيبته عن الملاعب لأسابيع :
" ... أي أسابيع تنتظرنا ...
أي مأساة ،
يا لضربة القدر وحكمه العجيب
أي كرة سنري ،
وقدم " بيكام " ممددة في الفراش ؟
أنتظروا ،
لا تلعبوا حتي يزول الألم ...
أنني أدعو ،
وأتمني ...
أن أري في " دايف " ولو لمحة هدف ! " ...
ومدخل شخصي في عدم حبها :
أنا لست من محبيها ، ولا معدودا في المتابعين لمبارياتها الشهيرة التي تحوز إعجاب الملايين ، حد الوله بها فتشغلهم عما عداها ، فلم يكن لي يوما إهتماما بها ولا صبرا عليها ! كنت – في زمان مضي – ضابطا إداريا صغير الرتبة حين كلفني كبير ضباط بلدية كسلا أن أتولي مسئولية تحصيل رسوم البلدية بعد كل مبارة تقام من عائد المباراة ، وعلي بموجب ذلك التكليف أن أذهب إلي كل مبارة وألتقي متحصل ومحاسب التذاكر ثم أراجع معه دفتره لأعرف حصيلة المباراة ثم أوقع علي دفتره وأستلم نصيب البلدية .
في يومي الأول – وكانت مباراة ساخنة كثيرة الحضور – أخبرني المحاسب ثم أرشدني لمقعد مخصص في مقاعد الدرجة الأولي في موقع مميز لمندوب البلدية ، وطلب مني الجلوس عليه والإستمتاع بمشاهدة المباراة ، بالمجان طبعا ، فجلست دقائق معدودات ، والجماهير ملء الإستاد في توترها الشديد تتابع المباراة المثيرة ، وسرعان ما غادرت مقعدي إلي الخارج ، فقد مللت الإنتظار ، ولم يكن لإحتمل الإنتظار كثيرا ، فالمباراة لم تكن لتهمني ولا تستحوذ علي ! في الخارج تعجب رجال الشرطة من وحدة " السواري " وهم علي خيولهم حين رأوني أشعل سجارتي وأخبرهم بأنني قد مللت ! عدت للمحاسب لأسأله إن كان قد فرغ من حصر وتسجيل عائد المباراة ، أندهش وتعجب هو الآخر ، وأخبرني إنه أبدا لم يعرض إليه من هو مثلي من ممثلي البلدية ، فجميعهم ، كما ذكر ، كانوا يأتونه بعد إنتهاء المباراة بكثير !
لم أحبها ، ولم تستحوذ ، أبدا ، يوما ما علي أيا من حواسي ، فلماذا أتناول ، الآن ، بعضا من سيرتها في كتابة أحد عشاقها ولاعبيها الكبار؟
القاضي محمد حسين محمد أحمد ، الذي شهر ، من بعد ، في الناس ب : " دكتور كسلا " ، اللاعب المشهور في بلادنا وفي غيرها ، هو شقيق زوجتي ، لكنني عرفته أول أمري به ، طبيبا بمستشفيات كسلا ورئيسا لإتحاد الفنانين بكسلا ، عازفا ماهرا علي آلة الإكورديون ومحبا للموسيقي ، ولست أدري كيف له أغفال هذا المنحي الموسيقي في شخصيته ، فلم يرد لها ذكر في محطاته رغم حبه لها وممارستها أيضا ! وطبيبا ذو تعاملات ووشائج سمحة مع مرضاه والمجتمع الكسلاوي ، عرفت كل ذلك عنه قبل أن أعرفه لاعبا مقتدرا في كرة القدم ، وقبل أن أصاهره في تلك الأسرة المستنيرة من عائلات قبيلة الحلنقا العتيدة . جاء كسلا ( هكذا سأشير إليه في هذه الكتابة ) إلي الخرطوم منتصف يناير الماضي لتدشين كتاب سيرته ، في الحياة والكورة ، لم أحضر التدشين الذي تم علي مستوي رسمي حكومي وبحضور بعضا من الوجوه الرياضية ، لكن – ولأنني معدودا في الأسرة – فقد وجدت نسخة متاحة للقراءة لدي زوجتي ، فشرعت أقرأ – لأول مرة في حياتي – كتابا يتناول بعضا من سيرة ومسيرة كرة القدم في رؤية أحد لأعبيها الأفذاذ ! هكذا قرأته في ليلة واحدة بسبب من تعابيره وسرده الأنيق ولغته الجميلة والأحداث الشخصية ، التي أسماها " محطات " من شخصيته لم يكن لي علما بها من قبل !
عن الكتاب :
" محطات في حياتي " ، هي كما جاء في صدر الكتاب " سيرة حياتي وقصتي مع الكرة " . الكتاب في 383 صفحة من القطع الكبير ، صادر عن " مطبعة الحياة الجديدة " بالخرطوم وفي طباعة أنيقة وورق ذو نوعية جيدة ، تزينه صور عائلية وشخصية ورياضية صاحبت مسيرة حياته ، ولقد عجبت له كيف حاز هذه النباهة المبكرة ليسجل بالصورة تلك المراحل من حياته بدقة كبيرة وحرص ! الكتاب يشتمل علي 15 فصلا ، بدأت من محطته الأولي في كسلا ، التي لم تكن البداية كما جاء في فهرست الكتاب ، ولكن جولاته ، في الواقع ، شملت أروما وبورتسودان والقضارف حتي أنتقاله إلي مدني مع أسرته ، في هذا الفصل حميمية ونقاء العلاقات الإنسانية في وجوهها الوسيمة لرجال ونساء عاش بينهم ولامس قلوبهم ، لم يكونوا من المجتمع الرياضي فقط ، ولكن في تنوعهم الجميل كما في الحياة نفسها . الفصل الثاني من الكتاب " كسلا ... أيام وأحلام " فقد جعله بالكامل لتلك الأيام ، في وجهة أحلامه التي كانت لا تكاد تفارقه ، أيام الكرة في مراحلها المبكرة معه وذكريات الهدف الأول ، وكيف أستمرت ، من بعد ، في سيرها الساحر صوب الشباك . الهدف الأول ، في رؤي لاعب مثله ، مثل القبلة الأولي ، أبدا لا ينسي ، وها هو يستعيده بنفس بريقه وعنفوانه لكأنه حدث الآن ! ثم يمضي فيحكي كيف كانت تجري الرحلات المدرسية وكيف تكون الكورة في ملامح وبرامج الرحلات . رسالة غريبة ، لكنها رياضية المحتوي كانت قد أتته من العاصمة ، وهو في حيرته جراءها ، يأتي الفريق القومي السوداني في زيارة لكسلا ، وياللمفارقة ، علي هامش تلك الزيارة جرت إتصالات مريخية – مريخية لا هلالية – بكسلا لأجل تسجيله للمريخ ومن ثم اللعب له ! الفصل الرابع خصصه لرحيله إلي العاصمة لأجل الكرة ، ولأجل الهلال . في العاصمة جرت أحداث كثيرة في وجهات مختلفة ، لكنها جميعا ذات علاقة وثيقة بالهلال ، وخيوطها تمتد هنا وهناك ، لقد بدأ اللاعب فيه ينهض في الوسط الرياضي العاصمي في اتساعه وتنوعه وإشكالاته العديدة ، الرياضية وغيرها ، وبدأت ، أيضا ، تتبدي إليه سلوكيات لم يعهدها من قبل ولا عرفها ، كان منتبها جدا إليها ، يدقق ويتحقق منها بعد أن يقلبها علي وجوهها كلها ، كان حذرا جدا وبذهن يقظ وقلب ذكي لماح ، مما أبعده ، أحيانا كثيرة ، عن سوءات سلوكيات كانت ، لربما ، ستغير من وجهته وطموحاته إن هو أصغي إليها وسار مجراها ولربما أحبطت من عزيمته للتوقيع للهلال ، لقد نجح وتم تسجيله للهلال في هذا الفصل ! الفصل الرابع خصصه لحكايات اللعب في صف الهلال ، وما يصاحبها من اعدادات واستعدادات فنية وادارية وصحية ، ثم يحكي عن رحلته الأولي مع الهلال إلي القاهرة ، واللعب هناك في مباريات ساخنة وذات حضور كبير ، ثم العودة وقصة شعار الهلال لأول مرة ، والمباريات الدورية والأهداف " الذهبية " في دويها وضجيجها العالي ! الفصل الخامس خصصه لحثيات وتداعيات إنضمامه لاعبا يعتد به في الفريق القومي السوداني ، فسرد ملابسات ومجريات أول مبارة شارك فيها و ... " بشعار المريخ " !
ثم أتي علي ذكر المنافسات شديدة الوهج في ما بين الهلال والمريخ ، ثم تجواله " الكروي " في المباريات الأفريقية ، وجعل فاكهة الفصل في " الضحك واللعب والسفر " ، ألم أقل أنه معني ، في محطاته ، بذكر سيرته الشخصية ، لكن في تداخلها الحميم مع سيرة كرة القدم وهو في حبها الذي يلازمه في كل أطواره تقريبا ، شيئا جميلا ملتصقا بشخصيته و يحبه ، تحت الرفقة الإنسانية التي تجد جدواها تحت ظلال الكرة ، لكأنها الجناح حين يحضن زغبه محلقا بهم في سماوات عاليات ، أغاني وأناشيد في حب الوطن و حب الكرة ، حبها لأجل نهضة الوطن في مضمار الرياضة ليغدو عظيما في العالمين .
في الفصل السادس ، يستطرد كسلا في ذكريات " حادثة المطار " ، لقد أنتبه لما ينبغي أن ينتبه إليه ، فصار بصيرا ، من بعد ، وأكثر حرصا لما يدور حوله ، تلك " الأحداث التي لا تتسم بالغرابة فحسب ، وإنما تعكس خفايا تلك الأنواع من الممارسات غير المحببة في مجال العمل الرياضي " ! ونراه يقول هنا ما كنا نظن أنه مما لا يقال عادة ، لكنه قاله ، لربما – كما نظن – لأجل الحقيقة ولأجل ناشئة الرياضيين ،
لكأنه يقول لنا أن نأخذ الحقيقة ، دائما ، من مظانها نفسها . وكان أن قرر كسلا – بعد تفكير ومراجعة فكرية كبيرة ومعاناة – أن يشرع نوافذه صوب مستقبله الشخصي ، فكان قراره بالسفر وبدء مسيرة مشروعه الدراسي ومواصلة تحصيله العلمي الأكاديمي حتي يصبح مؤهلا فيكون في حياة مهنية من شأنها أن تؤمن له وأسرته الحياة الكريمة والأستقرار العائلي الذي بدأ التفكير فيه منذ صباه الباكر . تلك ، في ظني ، نباهة أتته في وقتها وزمانها بالذات ، فإهتبلها ، بكامل الوعي والحرص ، ونجح فيها إيما نجاح ! بعده سفره وتحديده لمسار مستقبله ، عاد للسودان ليدرس اللغة الروسية ، فقد أستقر عزمه أن يواصل دراسته في روسيا ، فكان أن عاد إلي موسكو ، بعد أتقن اللغة الروسية وأطمأن قلبه لخطة حياته ... وهناك ، في موسكو ، سطر عنها أجمل الصفحات ، تلك الذكريات الشيقة وجمال التواصل في ذلك المجتمع الجديد ، جديدا في رؤاه وفي حياته نفسها . أما الفصل السابع فقد جعله مكرسا بالكامل لرحلته العربية وأستقراره بالأمارات – بعد إكماله دراسة الطب ونيله شهادته - ، فكان أن بدأ مشواره الرياضي مع نادي النصر بدبي ، أحد أهم وألمع الأندية بالأمارات . الفصل فيه من الحكايا والطرائف والإنسانيات في علائقها الودودة وحرارة تواصلها ما يجعلك تحب ، مثلما هو ، ذلك المجتمع الرياضي / الثقافي ، ولربما رأيت – وأنت تلامس تلك اللحظات الحميمة – أيضا رؤياه نفسها التي وجدها في ذلك الوجه العربي . لقد بدأت – هنا في دبي أيضا – نجاحاته وتفوقه وقد صارت الثمار كلها ناضجة شهية بين يديه ... كان ذلك العنفوان قد شرع يحيطه ويدفعه من نجاح إلي آخر في صعوده سلم الشهرة والمجد بعد تخرجه طبيبا في جامعة موسكو ، فيدلف ، كما ذكرنا ، مرة ثانية إلي السودان ، إلي حيث الحبيبتان ، الوطن و ... الهلال ، والثالثة ستأتيه – من بعد – لتكون رفيقته في الحياة ، لكنهما ، في قلبه ، واحدا أحد ، حب واحد و ... أكثر من حبيبة ، ذلك ما حكاه في الفصل الثامن من الكتاب ، أما في التاسع فقد حكي ما رأه عن آخر البطولات الرياضية وتلك الإنتصارات الجليلة للهلال وإحتفاظه بالبطولة بعد جولات وإنتكاسات وإحباطات كادت تذهب عنهم عزائمهم والإرادات ، لكن التجاوز والتخطي ، بدافع من الإصرار والإرادة ، جعلاهما في الإنتصار البهيج ، تلك شواهد الفصل العاشر . الحادي عشر خصصه بالكامل للبراعم ، براعم الهلال الذين رأي فيهم " التجربة والمستقبل " كما قد ذكر . وهي ، حقا ، تجارب ورؤي جديرة بالقراءة والتأمل ، فالكبار الذين هم قد أتقنوا وحذقوا أسرار الكرة ، يضعون كل المدخر عندهم أمام " البراعم " ويحكون إليهم حيثياتها ليصنعوا منها بذور المستقبل في بزوغها المجيد ، تلك رؤيا في الغد الآتي أيضا ! من المعلوم بالطبع ، أن مثل عالم الكرة الفسيح بما فيه من منافسات ساخنة وتزاحم يكاد يصل حد الصراع المرير ، لابد أن تتوفر في ساحته " أزمات " ومعوقات وإحباطات وخصومات لا حد لها ، ترتدي لبوسا شتي وأقنعة كثيرة ، تكاد – أحيانا – تذهب ببهجة ونبالة اللحظة الرياضية ومتعتها الجميلة ، بل إنها تأخذ بالفريق واللاعبين وطاقم الإدارة إلي دواماتها المدمرة ، حدث مثل ذلك كثيرا ، وكان ، كما في كل معركة ، ضحايا مهزومين ومنتصرون في النشوة بالإنتصار . ذلك ما جعله في الفصل الثاني عشر بعنوان " أزمة الإدارة في الكرة السودانية " وفيه حكي عن الكثير ، الكثير الخطر علي قول كابلي في رائعة الحسين !!
الفصل الثالث عشر قد جعله للإنسانيات في علائقه مع الآخر ، تحت عنوان : " من خارج الملعب " أجري جولات بديعة في سوحها فشملت عناوين تشئ بما فيها : ( علاقتي بالطب الرياضي / علاقتي بوسائل الإعلام / علاقتي بقضاة الملاعب / علاقتي بزملائي اللاعبين / علاقتي بالمتفرجين / الزوجة ،
الصدفة ، الحظ والأبناء / شخصيات إلتقيتها / ليف ياشين / ايرا والاكساندر زايتسف / الدكتور منصور خالد / لاعبون في مسيرتي الكروية / الطاهر حسيب / بابكر سانتو / جكسا / يوهانس الإريتري / العصر الذهبي للكرة السودانية ... متي ؟ / نصيحة أخيرة للناشئين .) . هكذا ، من خلال هذه العناوين يمكنك أن تتصور كم هو ممتع ما ستقرأه في هذا الفصل الجميل ، وهو قد كان صادقا وأمينا في سرده هنا ، أبدا لم يجامل أو يحابي أحد علي حساب الحقيقة ، فهي ، وحدها ، التي كانت علي قلبه وهو يكتبه ، أمتعني جدا هذا الفصل حد أن تمنيته ليكون " كتيبا " بذاته قد كتبه قلبه ورؤاه في الحياة والناس والأشياء من حوله!
الفصل الرابع عشر خصص للشهادات التي قيلت في حقه ، في حق مسيرته ، تحدث بها الأساتذة :
كمال طه ، وكمال حامد ، وصديق أبو إدريس ، و ... الصحافة الرياضية التي " أيضا قالت " من خلال ما كتبه المعتصم أوشي ، والدكتور عمر أحمد عبد الحميد ، ومحمد الجوكر ، والزين أحمد محمد ، وهي شهادات مستحقة لمن وهب كثير عمره في حب الوطن والرياضة و ... الحياة !
الفصل الخامس عشر ، وهو الآخير في الكتاب ، فقد عنونه ب " ختام والسلام " ، وفيه يقول :
( ... أخيرا وصل قطاري إلي محطته الأخيرة ... أستطيع أن أقول الآن أن الحمد لله علي أن مكنني من اصدار هذا العمل المتواضع ، عله يكون مفيدا لمن يطلع عليه ، خاصة من الرياضيين المبتدئين ، وعله يكون إضافة للمكتبة الرياضية في عالمنا العربي عموما وفي السودان بصفة خاصة . ) ، ثم تقدم بالشكر ( لكل الذين وقفوا معي مساهمين بآرائهم ومقترحاتهم وجهودهم الفنية في التصحيح والتنقيح والجمع والتصوير والتصميم ) ، ذكر منهم أربعة عشر وأعتذر لمن فاته ، سهوا ، ذكره !
عن اللغة والسرد و التوثيق في الكتاب :
د . كسلا هو أحد مثقفي بلادنا ، طبيبا ولاعب كرة ممتازا وموسيقيا موهوبا ، طاف بلدانا عديدة وتعرف علي شعوب وأمكنة وملامح عالمية في تجلياتها الفنية والثقافية والرياضية وفي الأكاديميات في تنوعها الخصيب ، وله روابط وصداقات حميمة حيثما حل ، فالإجتماعيات في وجهها الودود هي أحدي الملامح التي لازمت شخصيته . هكذا كان ، في الملاعب ، مثقفا يمارس لعب كرة القدم ، ثم هو ، أيضا ، مثقفا حين يكتب . فقد كتب سيرته الشخصية وسيرته الرياضية في كرة القدم باسلوب أدبي رفيع يجعلك مأخوذا بمتعة قراءة هذا السفر في حجمه الكبير . والكتاب ، من قبل ومن بعد ، يوثق لحياتان : حياة كسلا في وجهتها الشخصية ، وحياته مع كرة القدم . بجانب ذلك السرد الذي ينساب ، كما الغمام الخفيف بين طيات الكتابة والذكريات ، التي تضئ جوانب العمر وبرهات الحياة في راهنها ، والحساسية العالية في ملامسة الوقائع والأحداث في سيرها ورفقتها لحياته ، وقدرته الفذة في الإمساك ، باكرا ، بتفاصيل حياته وتقلباته في معمانها الخصيب ، بتلك اللحظات الحميمة حين تقترب من رؤاه وتكون في قلبه الذي سيكتبها ، من بعد ، صفحات بديعات مشوقات في كتاب حياته ، بجانب ذلك كله فأن الكتاب يحتوي علي 179 صورة فتوغرافية شملت كل تلك المراحل التي مرت بحياته في السودان والبلدان العربية ودول العالم ، الأمكنة والحيوات التي ألتقاها وعاش ، برفقة حميمة معها ، أياما ومودات ومحبات ، لحظات الفرح والإنكسارات ووجوه الحياة في فرحها وألقها الجميل ، أدهشتني قدرته " المثابرة " في إلتقاط تلك الصور البديعة النادرة ثم نشرها في الناس عبر هذه " المحطات " من حياته ، ألم أقل أن كسلا مثقف ذو حساسية عالية تجاه الحياة ، وبهذه الملامح الوهاجة عنده دخل بها مضمار الرياضة وكرة القدم وشئونها . من أجمل ما جاء في الكتاب ، تلك الصفحات " السوفيتية " ، فقد حل في موسكو إبان أكتوبر شهر البرد فيها ، ومكث ست سنوات يدرس الطب في جامعتها العريقة ، لكنه – لحساسيته وقلبه المثقف – راح يلبي أشواقه للمعرفة وللثقافة ، في ما بين مسرح البلشوي الشهير ومشاهدته ل " بحيرة البجع " ، الباليه العالمي الشهير أيضا ، والروائع السينمائية للمخرج السوفيتي العبقري " ريزانوف " ، وحيث المكتبات تزهو بأشعلر " بوشكين " وروائع " ليف تولستوي " و " تشيخوف " و " دستويفسكي " في القصة والرواية ، والسيرك العالمي الروسي الذي يقدم عروضه بمركزه الكبير في قلب العاصمة بقيادة " اليج بوبوف " ،
والتلفزيون الذي كان ينقل كل الأحداث العالمية والرياضية ، ثم المعارض والمتاحف والحدائق والمكتبات ... ، يقول كسلا : ( كنت أتابع بشغف مباريات هوكي الجليد ، فالسوفيت كانوا أبطال العالم في هذه الرياضة العنيفة والممتعة لثمان سنوات متتالية بفريقهم الأسطوري آنذاك ، الذي كان يضم " بيتروف " ،
" خرلاموف " ، ميخايلوف " ، " تريتياك " ، " مالتسوف " وغيرهم ، مستمتعا بقفشات المعلق الرائع
" نيولاي أوزيروف " . كما أتحين الفرص للإستمتاع بعروض " إيرينا رودنينا " و " الاكساندور زايتسوف " في التزلج والرقص الإيقاعي علي الجليد ، وأتابع أخبار " اولغا كوربوت " الروسية بطلة أولمبياد ميونخ في الجمباز ، وانجازات رفيقتها " نيللي كيم " في نفس الرياضة ، وأستمتع بنشوة لأغاني " آلا بو قاتشوفا " ، " صوفيا روتارو " ، و " مسلم مقمايف " . كنت أسعد من حين لآخر بتصفح دواوين أشعار تعود بي إلي أجواء بلادي ، ومثال ذلك " غضبة الهبباي " لصلاح أحمد إبراهيم ، و " الصمت والرماد " لكجراي وغيرها ... أتابع حلقات البروفيسور عبد الله الطيب الإذاعية العامرة بتفسير القرآن الكريم وشرح أصول الفقه والشعر والأدب ، أقرأ بوله وعمق وتركيز لأديبنا العالمي الكبير الطيب صالح ... هائما مع أصوات إبراهيم عوض و وردي ومحمد الأمين والكابلي وزيدان والتاج مكي والجابري وحسن عطيه وأحمد المصطفي وأبو داؤود والكاشف وعثمان حسين وأبن البادية وعلي إبراهيم ، وأشعار عبد الرحمن الريح وعوض أحمد خليفة وبازرعة والحلنقي وهلاوي وسيف الدسوقي والسر قدور . لم أكن أؤمن بالتقيد بلونية واحدة في الفن أو الأدب أو الثقافة ، ولم أعود نفسي علي الإكتفاء بنمط واحد في أي مجال ، بل عودتها علي قطف زهرة من كل بستان لأعطر بالكل أجواء حديقتي .) ... فتأملوا كيف كان يري نفسه وهو في مثل تلك الأجواء ، يقلب ذكي وذائقة عالية يقرأ ويري ، و ...
لقلبه أن ينتقي ، من بعد ، ما يلائمه وحياته . لم تفارقه الثقافة ولم يتركها هو ، فظل وفيا لها حتي يوم الناس هذا ! من ما جاء في الكتاب وأعجبتني ، هي ما صوره عن حياته في موسكو وتصوراته عن تلك الحقبة السوفيتية المزدهرة وعن إنطباعاته عنها والحياة فيها ، وتنم ، بجلاء ، عن قدراته الثقافية وحساسيه تجاهها وصوب الحياة نفسها ، أستمتعت جدا أنا بهذا الجانب حد إعادة القراءة فيه عدة مرات ، رغم تحفظي علي بعض مما جاء به عن الدولة السوفيتية وقتذاك ، فهي لم تكن ، علي أية حال ، تحظر التدين كما يشاع ، لكنني أعزو ذلك لقلة إطلاع كسلا علي " السياسة " والأيدولوجيا حين تكون في الممارسة والتطبيق . وهنا ، لأجل قدرات كسلا الثقافية الكبيرة ، فأنني أستميح القراء لأنقل جزءا مما كتبه عن حياته في موسكو ، يقول : ( لقد كان هناك الكثير والكثير جدا من الأمور في مجالات العلم والأدب والفنون والرياضة ، القادرة علي شغل المرء عن قسوة الحياة تحت ظل شعارات يجد الإنسان صعوبات جمة في فهمها وربطها بمفاهيم أزلية راسخة ، كالحرية والإنسانية والعقيدة والطموح ... وتبقي الحقيقة أن السوفيت ، رغم كل شئ ، كانوا قد أنشأوا دولة عظمي لا يستطيع أحد أنكارها ، هذا إذا أردنا الإنصاف في أحكامنا ، وإذا تركنا العاطفة جانبا ، وكذلك ميولنا الذاتية الإنطباعية نحو الغرب وعدله المزعوم !
غصنا في أعماق المجتمع السوفيتي بلغاته ولهجاته وأمثاله وعاداته وخرافاته ومعتقداته ، بكل أشكال موروثاته وتراثه من الأدب والفكر والثقافة . وحظيت مني المرأة السوفيتية ، آنذاك ، بإعجاب خاص ، ليس لجمالها الفائق فحسب ، بل لما تميزت به من السطوة وتطبيق حق المرأة في مشاركة الرجل في العمل والحياة الإجتماعية والحرية من جانب ، والخجل والأنوثة الشرقية المقيدة بدستور أخلاقي متين ، يحظر البغاء العلني في كل صوره وأشكاله ، من جانب آخر . للأمانة أيضا ، يجب أن أقول أن السوفيت وفروا لنا كل وسائل التعليم وعلي أرقي المستويات الممكنة في ذلك الوقت ، ولم نكن نعاني أبدا في سبيل اللقاء بأساتذتنا للإستشارة العلمية ، بل كانت أبواب مكاتبهم ومختبراتهم وعياداتهم مشرعة لنا في أي وقت وأي مكان ، كما وفروا لنا إمكانية التدريب في المستشفيات وتحت أشراف كبار علمائهم من الإختصاصيين في شتي مجالات العلوم الطبية . إزداد وعينا السياسي رغما عن إرادتنا ... كيف لا وقد شهدنا ، ونحن طلبة في تلك المرحلة وبالتحديد في السبعينيات من القرن الماضي ، قمة الصراع الأيدلوجي بين القوتين العظميين ، بين الأشتراكية والرأسمالية ، والذي أسخنه لهيب ألسنة النيران المتصاعدة من مختلف أشكال الحروب السياسية من تجسس وتنصت وإقتتال في مختلف بقاع العالم .ومن توهج أسماء معينة في هذا المجال أرتبطت بأحداث عاشها كل العالم حابسا لأنفاسه ، وأين ؟ في معقل إحدي هتين القوتين ! فمن أصداء إغتيال باتريس لوممبا المناضل الأفريقي في الكنغو ، وما تبع ذلك من حركات ثورية في القارة السمراء ، إلي معاناة نلسون مانديلا وهو يقبع مكبلا بالأغلال في سجون جنوب أفريقيا العنصرية ... ومن نهاية تشي جيفارا وصعود نجم فيدل كاسترو في كوبا ، إلي إغتيال سلفادور الليندي علي أيدي عصابات السفاح بينوشيه في أمريكا اللاتينية ... من ظاهرة إختطاف الطائرات وتفجيرها ، من جورج حبش وليلي خالد الفدائية الفلسطينية مرورا ب " كامب ديفيد " وإنتهاء برحلة السادات إلي القدس ثم إغتياله في يوم إحتفاله بمصر ، إلي إرهاب النازية الجديدة والألوية الحمراء في أوروبا ، ومن " ووتر غيت " وفضيحة التنصت في البيت الأبيض والتي أطاحت الرئيس الأمريكي نيكسون ، وإلي الغزو السوفيتي لأفغانستان ... وهكذا توسعت مداركنا وزادت خبرتنا في الحياة في شتي المجالات ، وتوفرت لنا كل أسباب المتعة ، إلا أن علينا أيضا كانت واجبات ومسئوليات وهموم ، أكبرها ما تغربنا وعانينا من أجله ، ما تكبدنا كل هذه المشاق والصعاب في سبيله ، وكان علينا أن نجد القوة للمقاومة والصمود وتحقيق الذات ) .
لا ، لم يكن مجرد لاعب كرة مشهور ومشهود له عبقريته في فن كرة القدم ، ولا طالب علم عادي جاء لمجرد التحصيل الأكاديمي ليظفر بشهادة الطب ، كان – وسط ذلك الزخم الوهاج والعنفوان – ضاجا بالحياة ، رائيا ومنفعلا بها ويعيش جمالياتها في ذراها العاليات ، إنسان مثقف القلب ، غني الفؤاد وتراوده أشواق الحياة والغد الآتي الجميل ، ملء ثقافته ، جاء بها إلي الملاعب ولعب فيها ، بفنه الراقي الأنيق ، فنونه وعبقريات مهاراته فيها !
" محطات في حياتي " ذاخر بكل هذا التنوع المثير في الرؤي والأخيلة والذكريات ، والذكريات هي ، عند الإنسان ، حنان ، هي بعضنا كثيرا من الوهلة الراهنة .
إذن ، لا وجود أجمل إلا لهذه اللحظة الراهنة ، لحظات قراءتك لهذا الصفحات من عمر الإنسان ، ولهذه المتعة التي لا يمكن إلا أن تكون فيها ، اليقين الذي لا يمكن إدراكه ، بأن كل شئ تحت قبة السماء ، قد كتب باليد ذاتها ، اليد التي تلد الحب ، ليكون المعني في الناس !
ولي ، أنا البعيد عن حبها ، أن أتسأل عن كسلا :
حركاته الفنية البديعة في
تسجيل الأهداف ...
أهي كانت خدعة أم
ومضة فنية ؟
مرت كأوراق الشجر وقد تساقطت
في برهتها ...
كعصا متحركة بسرعة يكاد لا يتابعها
النظر ...
في كل المواسم ،
والمكان ملئ بالناس
يصيبنا ، أيضا ، هدفه بضربة قوية
تهتز لها الشباك،
تهتز الجماهير أيضا ...
وها هو ، الآن ، يهز الوسط الثقافي
والرياضي أيضا ،
بالمحطات !
د . محمد حسن كسلا ، شكرا إليك ، لحياتك المزهرة التي أعطتنا كل هذا الجمال ، جمال المعني ومتعة أن تقرأ كتابا جديرا بالإحترام والتبجيل !
----------------------------------------------------------------
* دكتور محمد حسين محمد أحمد ،الطبيب السوداني والاعب الفذ في كرة القدم الذي شهر في الناس وعوالم الرياضة بأسم دكتور كسلا ، يعمل ويقيم حاليا بدبي بالأمارات العربية المتحدة .
* دكتور محمد حسين محمد أحمد ، " د . كسلا " أسمه الذي أشهره في الناس وعالم الرياضة ، طبيب ومثقف سوداني ، يقيم ويعمل حاليا بدبي بالأمارات .
* من طرائف ما قرأته عن حب كرة القدم ، أن المعلق الرياضي التونسي الشهير عصام الشوالي قد كتب قصيدة شعر في زوجته ، كتبها بطريقة ولغة كرة القدم ، التي يحبها أيضا ، تماما كما يحب زوجته ، يقول في قصيدته الطريفة :
" دعي تصرُفاتك الصبيانية فأنت لست بـ«بالوتيلي».. وعودي لي كما عاد «رونالدينيو» إلى الدوريالبرازيلي, دعك من صديقاتك إيناس المغرورة كـ«رونالدو»، وأماني الممثلة كـ«سيرجيو بوسكيتس»، ولا تستمعي لما يقولونه».
------------------------------------------------------------
مدخل في حبها :
المستديرة الساحرة ،
تلك اللعبة الآسرة ...
نجمة كل مكان ،
في الجبال والسهول والشواطي والوديان : كرة القدم !
يقول الشاعر الأنجليزي " كريسن توماس " عن لاعب كرة القدم الشهير " بيكام " ، الذي صدف وتعرض لإصابة قوية غيبته عن الملاعب لأسابيع :
" ... أي أسابيع تنتظرنا ...
أي مأساة ،
يا لضربة القدر وحكمه العجيب
أي كرة سنري ،
وقدم " بيكام " ممددة في الفراش ؟
أنتظروا ،
لا تلعبوا حتي يزول الألم ...
أنني أدعو ،
وأتمني ...
أن أري في " دايف " ولو لمحة هدف ! " ...
ومدخل شخصي في عدم حبها :
أنا لست من محبيها ، ولا معدودا في المتابعين لمبارياتها الشهيرة التي تحوز إعجاب الملايين ، حد الوله بها فتشغلهم عما عداها ، فلم يكن لي يوما إهتماما بها ولا صبرا عليها ! كنت – في زمان مضي – ضابطا إداريا صغير الرتبة حين كلفني كبير ضباط بلدية كسلا أن أتولي مسئولية تحصيل رسوم البلدية بعد كل مبارة تقام من عائد المباراة ، وعلي بموجب ذلك التكليف أن أذهب إلي كل مبارة وألتقي متحصل ومحاسب التذاكر ثم أراجع معه دفتره لأعرف حصيلة المباراة ثم أوقع علي دفتره وأستلم نصيب البلدية .
في يومي الأول – وكانت مباراة ساخنة كثيرة الحضور – أخبرني المحاسب ثم أرشدني لمقعد مخصص في مقاعد الدرجة الأولي في موقع مميز لمندوب البلدية ، وطلب مني الجلوس عليه والإستمتاع بمشاهدة المباراة ، بالمجان طبعا ، فجلست دقائق معدودات ، والجماهير ملء الإستاد في توترها الشديد تتابع المباراة المثيرة ، وسرعان ما غادرت مقعدي إلي الخارج ، فقد مللت الإنتظار ، ولم يكن لإحتمل الإنتظار كثيرا ، فالمباراة لم تكن لتهمني ولا تستحوذ علي ! في الخارج تعجب رجال الشرطة من وحدة " السواري " وهم علي خيولهم حين رأوني أشعل سجارتي وأخبرهم بأنني قد مللت ! عدت للمحاسب لأسأله إن كان قد فرغ من حصر وتسجيل عائد المباراة ، أندهش وتعجب هو الآخر ، وأخبرني إنه أبدا لم يعرض إليه من هو مثلي من ممثلي البلدية ، فجميعهم ، كما ذكر ، كانوا يأتونه بعد إنتهاء المباراة بكثير !
لم أحبها ، ولم تستحوذ ، أبدا ، يوما ما علي أيا من حواسي ، فلماذا أتناول ، الآن ، بعضا من سيرتها في كتابة أحد عشاقها ولاعبيها الكبار؟
القاضي محمد حسين محمد أحمد ، الذي شهر ، من بعد ، في الناس ب : " دكتور كسلا " ، اللاعب المشهور في بلادنا وفي غيرها ، هو شقيق زوجتي ، لكنني عرفته أول أمري به ، طبيبا بمستشفيات كسلا ورئيسا لإتحاد الفنانين بكسلا ، عازفا ماهرا علي آلة الإكورديون ومحبا للموسيقي ، ولست أدري كيف له أغفال هذا المنحي الموسيقي في شخصيته ، فلم يرد لها ذكر في محطاته رغم حبه لها وممارستها أيضا ! وطبيبا ذو تعاملات ووشائج سمحة مع مرضاه والمجتمع الكسلاوي ، عرفت كل ذلك عنه قبل أن أعرفه لاعبا مقتدرا في كرة القدم ، وقبل أن أصاهره في تلك الأسرة المستنيرة من عائلات قبيلة الحلنقا العتيدة . جاء كسلا ( هكذا سأشير إليه في هذه الكتابة ) إلي الخرطوم منتصف يناير الماضي لتدشين كتاب سيرته ، في الحياة والكورة ، لم أحضر التدشين الذي تم علي مستوي رسمي حكومي وبحضور بعضا من الوجوه الرياضية ، لكن – ولأنني معدودا في الأسرة – فقد وجدت نسخة متاحة للقراءة لدي زوجتي ، فشرعت أقرأ – لأول مرة في حياتي – كتابا يتناول بعضا من سيرة ومسيرة كرة القدم في رؤية أحد لأعبيها الأفذاذ ! هكذا قرأته في ليلة واحدة بسبب من تعابيره وسرده الأنيق ولغته الجميلة والأحداث الشخصية ، التي أسماها " محطات " من شخصيته لم يكن لي علما بها من قبل !
عن الكتاب :
" محطات في حياتي " ، هي كما جاء في صدر الكتاب " سيرة حياتي وقصتي مع الكرة " . الكتاب في 383 صفحة من القطع الكبير ، صادر عن " مطبعة الحياة الجديدة " بالخرطوم وفي طباعة أنيقة وورق ذو نوعية جيدة ، تزينه صور عائلية وشخصية ورياضية صاحبت مسيرة حياته ، ولقد عجبت له كيف حاز هذه النباهة المبكرة ليسجل بالصورة تلك المراحل من حياته بدقة كبيرة وحرص ! الكتاب يشتمل علي 15 فصلا ، بدأت من محطته الأولي في كسلا ، التي لم تكن البداية كما جاء في فهرست الكتاب ، ولكن جولاته ، في الواقع ، شملت أروما وبورتسودان والقضارف حتي أنتقاله إلي مدني مع أسرته ، في هذا الفصل حميمية ونقاء العلاقات الإنسانية في وجوهها الوسيمة لرجال ونساء عاش بينهم ولامس قلوبهم ، لم يكونوا من المجتمع الرياضي فقط ، ولكن في تنوعهم الجميل كما في الحياة نفسها . الفصل الثاني من الكتاب " كسلا ... أيام وأحلام " فقد جعله بالكامل لتلك الأيام ، في وجهة أحلامه التي كانت لا تكاد تفارقه ، أيام الكرة في مراحلها المبكرة معه وذكريات الهدف الأول ، وكيف أستمرت ، من بعد ، في سيرها الساحر صوب الشباك . الهدف الأول ، في رؤي لاعب مثله ، مثل القبلة الأولي ، أبدا لا ينسي ، وها هو يستعيده بنفس بريقه وعنفوانه لكأنه حدث الآن ! ثم يمضي فيحكي كيف كانت تجري الرحلات المدرسية وكيف تكون الكورة في ملامح وبرامج الرحلات . رسالة غريبة ، لكنها رياضية المحتوي كانت قد أتته من العاصمة ، وهو في حيرته جراءها ، يأتي الفريق القومي السوداني في زيارة لكسلا ، وياللمفارقة ، علي هامش تلك الزيارة جرت إتصالات مريخية – مريخية لا هلالية – بكسلا لأجل تسجيله للمريخ ومن ثم اللعب له ! الفصل الرابع خصصه لرحيله إلي العاصمة لأجل الكرة ، ولأجل الهلال . في العاصمة جرت أحداث كثيرة في وجهات مختلفة ، لكنها جميعا ذات علاقة وثيقة بالهلال ، وخيوطها تمتد هنا وهناك ، لقد بدأ اللاعب فيه ينهض في الوسط الرياضي العاصمي في اتساعه وتنوعه وإشكالاته العديدة ، الرياضية وغيرها ، وبدأت ، أيضا ، تتبدي إليه سلوكيات لم يعهدها من قبل ولا عرفها ، كان منتبها جدا إليها ، يدقق ويتحقق منها بعد أن يقلبها علي وجوهها كلها ، كان حذرا جدا وبذهن يقظ وقلب ذكي لماح ، مما أبعده ، أحيانا كثيرة ، عن سوءات سلوكيات كانت ، لربما ، ستغير من وجهته وطموحاته إن هو أصغي إليها وسار مجراها ولربما أحبطت من عزيمته للتوقيع للهلال ، لقد نجح وتم تسجيله للهلال في هذا الفصل ! الفصل الرابع خصصه لحكايات اللعب في صف الهلال ، وما يصاحبها من اعدادات واستعدادات فنية وادارية وصحية ، ثم يحكي عن رحلته الأولي مع الهلال إلي القاهرة ، واللعب هناك في مباريات ساخنة وذات حضور كبير ، ثم العودة وقصة شعار الهلال لأول مرة ، والمباريات الدورية والأهداف " الذهبية " في دويها وضجيجها العالي ! الفصل الخامس خصصه لحثيات وتداعيات إنضمامه لاعبا يعتد به في الفريق القومي السوداني ، فسرد ملابسات ومجريات أول مبارة شارك فيها و ... " بشعار المريخ " !
ثم أتي علي ذكر المنافسات شديدة الوهج في ما بين الهلال والمريخ ، ثم تجواله " الكروي " في المباريات الأفريقية ، وجعل فاكهة الفصل في " الضحك واللعب والسفر " ، ألم أقل أنه معني ، في محطاته ، بذكر سيرته الشخصية ، لكن في تداخلها الحميم مع سيرة كرة القدم وهو في حبها الذي يلازمه في كل أطواره تقريبا ، شيئا جميلا ملتصقا بشخصيته و يحبه ، تحت الرفقة الإنسانية التي تجد جدواها تحت ظلال الكرة ، لكأنها الجناح حين يحضن زغبه محلقا بهم في سماوات عاليات ، أغاني وأناشيد في حب الوطن و حب الكرة ، حبها لأجل نهضة الوطن في مضمار الرياضة ليغدو عظيما في العالمين .
في الفصل السادس ، يستطرد كسلا في ذكريات " حادثة المطار " ، لقد أنتبه لما ينبغي أن ينتبه إليه ، فصار بصيرا ، من بعد ، وأكثر حرصا لما يدور حوله ، تلك " الأحداث التي لا تتسم بالغرابة فحسب ، وإنما تعكس خفايا تلك الأنواع من الممارسات غير المحببة في مجال العمل الرياضي " ! ونراه يقول هنا ما كنا نظن أنه مما لا يقال عادة ، لكنه قاله ، لربما – كما نظن – لأجل الحقيقة ولأجل ناشئة الرياضيين ،
لكأنه يقول لنا أن نأخذ الحقيقة ، دائما ، من مظانها نفسها . وكان أن قرر كسلا – بعد تفكير ومراجعة فكرية كبيرة ومعاناة – أن يشرع نوافذه صوب مستقبله الشخصي ، فكان قراره بالسفر وبدء مسيرة مشروعه الدراسي ومواصلة تحصيله العلمي الأكاديمي حتي يصبح مؤهلا فيكون في حياة مهنية من شأنها أن تؤمن له وأسرته الحياة الكريمة والأستقرار العائلي الذي بدأ التفكير فيه منذ صباه الباكر . تلك ، في ظني ، نباهة أتته في وقتها وزمانها بالذات ، فإهتبلها ، بكامل الوعي والحرص ، ونجح فيها إيما نجاح ! بعده سفره وتحديده لمسار مستقبله ، عاد للسودان ليدرس اللغة الروسية ، فقد أستقر عزمه أن يواصل دراسته في روسيا ، فكان أن عاد إلي موسكو ، بعد أتقن اللغة الروسية وأطمأن قلبه لخطة حياته ... وهناك ، في موسكو ، سطر عنها أجمل الصفحات ، تلك الذكريات الشيقة وجمال التواصل في ذلك المجتمع الجديد ، جديدا في رؤاه وفي حياته نفسها . أما الفصل السابع فقد جعله مكرسا بالكامل لرحلته العربية وأستقراره بالأمارات – بعد إكماله دراسة الطب ونيله شهادته - ، فكان أن بدأ مشواره الرياضي مع نادي النصر بدبي ، أحد أهم وألمع الأندية بالأمارات . الفصل فيه من الحكايا والطرائف والإنسانيات في علائقها الودودة وحرارة تواصلها ما يجعلك تحب ، مثلما هو ، ذلك المجتمع الرياضي / الثقافي ، ولربما رأيت – وأنت تلامس تلك اللحظات الحميمة – أيضا رؤياه نفسها التي وجدها في ذلك الوجه العربي . لقد بدأت – هنا في دبي أيضا – نجاحاته وتفوقه وقد صارت الثمار كلها ناضجة شهية بين يديه ... كان ذلك العنفوان قد شرع يحيطه ويدفعه من نجاح إلي آخر في صعوده سلم الشهرة والمجد بعد تخرجه طبيبا في جامعة موسكو ، فيدلف ، كما ذكرنا ، مرة ثانية إلي السودان ، إلي حيث الحبيبتان ، الوطن و ... الهلال ، والثالثة ستأتيه – من بعد – لتكون رفيقته في الحياة ، لكنهما ، في قلبه ، واحدا أحد ، حب واحد و ... أكثر من حبيبة ، ذلك ما حكاه في الفصل الثامن من الكتاب ، أما في التاسع فقد حكي ما رأه عن آخر البطولات الرياضية وتلك الإنتصارات الجليلة للهلال وإحتفاظه بالبطولة بعد جولات وإنتكاسات وإحباطات كادت تذهب عنهم عزائمهم والإرادات ، لكن التجاوز والتخطي ، بدافع من الإصرار والإرادة ، جعلاهما في الإنتصار البهيج ، تلك شواهد الفصل العاشر . الحادي عشر خصصه بالكامل للبراعم ، براعم الهلال الذين رأي فيهم " التجربة والمستقبل " كما قد ذكر . وهي ، حقا ، تجارب ورؤي جديرة بالقراءة والتأمل ، فالكبار الذين هم قد أتقنوا وحذقوا أسرار الكرة ، يضعون كل المدخر عندهم أمام " البراعم " ويحكون إليهم حيثياتها ليصنعوا منها بذور المستقبل في بزوغها المجيد ، تلك رؤيا في الغد الآتي أيضا ! من المعلوم بالطبع ، أن مثل عالم الكرة الفسيح بما فيه من منافسات ساخنة وتزاحم يكاد يصل حد الصراع المرير ، لابد أن تتوفر في ساحته " أزمات " ومعوقات وإحباطات وخصومات لا حد لها ، ترتدي لبوسا شتي وأقنعة كثيرة ، تكاد – أحيانا – تذهب ببهجة ونبالة اللحظة الرياضية ومتعتها الجميلة ، بل إنها تأخذ بالفريق واللاعبين وطاقم الإدارة إلي دواماتها المدمرة ، حدث مثل ذلك كثيرا ، وكان ، كما في كل معركة ، ضحايا مهزومين ومنتصرون في النشوة بالإنتصار . ذلك ما جعله في الفصل الثاني عشر بعنوان " أزمة الإدارة في الكرة السودانية " وفيه حكي عن الكثير ، الكثير الخطر علي قول كابلي في رائعة الحسين !!
الفصل الثالث عشر قد جعله للإنسانيات في علائقه مع الآخر ، تحت عنوان : " من خارج الملعب " أجري جولات بديعة في سوحها فشملت عناوين تشئ بما فيها : ( علاقتي بالطب الرياضي / علاقتي بوسائل الإعلام / علاقتي بقضاة الملاعب / علاقتي بزملائي اللاعبين / علاقتي بالمتفرجين / الزوجة ،
الصدفة ، الحظ والأبناء / شخصيات إلتقيتها / ليف ياشين / ايرا والاكساندر زايتسف / الدكتور منصور خالد / لاعبون في مسيرتي الكروية / الطاهر حسيب / بابكر سانتو / جكسا / يوهانس الإريتري / العصر الذهبي للكرة السودانية ... متي ؟ / نصيحة أخيرة للناشئين .) . هكذا ، من خلال هذه العناوين يمكنك أن تتصور كم هو ممتع ما ستقرأه في هذا الفصل الجميل ، وهو قد كان صادقا وأمينا في سرده هنا ، أبدا لم يجامل أو يحابي أحد علي حساب الحقيقة ، فهي ، وحدها ، التي كانت علي قلبه وهو يكتبه ، أمتعني جدا هذا الفصل حد أن تمنيته ليكون " كتيبا " بذاته قد كتبه قلبه ورؤاه في الحياة والناس والأشياء من حوله!
الفصل الرابع عشر خصص للشهادات التي قيلت في حقه ، في حق مسيرته ، تحدث بها الأساتذة :
كمال طه ، وكمال حامد ، وصديق أبو إدريس ، و ... الصحافة الرياضية التي " أيضا قالت " من خلال ما كتبه المعتصم أوشي ، والدكتور عمر أحمد عبد الحميد ، ومحمد الجوكر ، والزين أحمد محمد ، وهي شهادات مستحقة لمن وهب كثير عمره في حب الوطن والرياضة و ... الحياة !
الفصل الخامس عشر ، وهو الآخير في الكتاب ، فقد عنونه ب " ختام والسلام " ، وفيه يقول :
( ... أخيرا وصل قطاري إلي محطته الأخيرة ... أستطيع أن أقول الآن أن الحمد لله علي أن مكنني من اصدار هذا العمل المتواضع ، عله يكون مفيدا لمن يطلع عليه ، خاصة من الرياضيين المبتدئين ، وعله يكون إضافة للمكتبة الرياضية في عالمنا العربي عموما وفي السودان بصفة خاصة . ) ، ثم تقدم بالشكر ( لكل الذين وقفوا معي مساهمين بآرائهم ومقترحاتهم وجهودهم الفنية في التصحيح والتنقيح والجمع والتصوير والتصميم ) ، ذكر منهم أربعة عشر وأعتذر لمن فاته ، سهوا ، ذكره !
عن اللغة والسرد و التوثيق في الكتاب :
د . كسلا هو أحد مثقفي بلادنا ، طبيبا ولاعب كرة ممتازا وموسيقيا موهوبا ، طاف بلدانا عديدة وتعرف علي شعوب وأمكنة وملامح عالمية في تجلياتها الفنية والثقافية والرياضية وفي الأكاديميات في تنوعها الخصيب ، وله روابط وصداقات حميمة حيثما حل ، فالإجتماعيات في وجهها الودود هي أحدي الملامح التي لازمت شخصيته . هكذا كان ، في الملاعب ، مثقفا يمارس لعب كرة القدم ، ثم هو ، أيضا ، مثقفا حين يكتب . فقد كتب سيرته الشخصية وسيرته الرياضية في كرة القدم باسلوب أدبي رفيع يجعلك مأخوذا بمتعة قراءة هذا السفر في حجمه الكبير . والكتاب ، من قبل ومن بعد ، يوثق لحياتان : حياة كسلا في وجهتها الشخصية ، وحياته مع كرة القدم . بجانب ذلك السرد الذي ينساب ، كما الغمام الخفيف بين طيات الكتابة والذكريات ، التي تضئ جوانب العمر وبرهات الحياة في راهنها ، والحساسية العالية في ملامسة الوقائع والأحداث في سيرها ورفقتها لحياته ، وقدرته الفذة في الإمساك ، باكرا ، بتفاصيل حياته وتقلباته في معمانها الخصيب ، بتلك اللحظات الحميمة حين تقترب من رؤاه وتكون في قلبه الذي سيكتبها ، من بعد ، صفحات بديعات مشوقات في كتاب حياته ، بجانب ذلك كله فأن الكتاب يحتوي علي 179 صورة فتوغرافية شملت كل تلك المراحل التي مرت بحياته في السودان والبلدان العربية ودول العالم ، الأمكنة والحيوات التي ألتقاها وعاش ، برفقة حميمة معها ، أياما ومودات ومحبات ، لحظات الفرح والإنكسارات ووجوه الحياة في فرحها وألقها الجميل ، أدهشتني قدرته " المثابرة " في إلتقاط تلك الصور البديعة النادرة ثم نشرها في الناس عبر هذه " المحطات " من حياته ، ألم أقل أن كسلا مثقف ذو حساسية عالية تجاه الحياة ، وبهذه الملامح الوهاجة عنده دخل بها مضمار الرياضة وكرة القدم وشئونها . من أجمل ما جاء في الكتاب ، تلك الصفحات " السوفيتية " ، فقد حل في موسكو إبان أكتوبر شهر البرد فيها ، ومكث ست سنوات يدرس الطب في جامعتها العريقة ، لكنه – لحساسيته وقلبه المثقف – راح يلبي أشواقه للمعرفة وللثقافة ، في ما بين مسرح البلشوي الشهير ومشاهدته ل " بحيرة البجع " ، الباليه العالمي الشهير أيضا ، والروائع السينمائية للمخرج السوفيتي العبقري " ريزانوف " ، وحيث المكتبات تزهو بأشعلر " بوشكين " وروائع " ليف تولستوي " و " تشيخوف " و " دستويفسكي " في القصة والرواية ، والسيرك العالمي الروسي الذي يقدم عروضه بمركزه الكبير في قلب العاصمة بقيادة " اليج بوبوف " ،
والتلفزيون الذي كان ينقل كل الأحداث العالمية والرياضية ، ثم المعارض والمتاحف والحدائق والمكتبات ... ، يقول كسلا : ( كنت أتابع بشغف مباريات هوكي الجليد ، فالسوفيت كانوا أبطال العالم في هذه الرياضة العنيفة والممتعة لثمان سنوات متتالية بفريقهم الأسطوري آنذاك ، الذي كان يضم " بيتروف " ،
" خرلاموف " ، ميخايلوف " ، " تريتياك " ، " مالتسوف " وغيرهم ، مستمتعا بقفشات المعلق الرائع
" نيولاي أوزيروف " . كما أتحين الفرص للإستمتاع بعروض " إيرينا رودنينا " و " الاكساندور زايتسوف " في التزلج والرقص الإيقاعي علي الجليد ، وأتابع أخبار " اولغا كوربوت " الروسية بطلة أولمبياد ميونخ في الجمباز ، وانجازات رفيقتها " نيللي كيم " في نفس الرياضة ، وأستمتع بنشوة لأغاني " آلا بو قاتشوفا " ، " صوفيا روتارو " ، و " مسلم مقمايف " . كنت أسعد من حين لآخر بتصفح دواوين أشعار تعود بي إلي أجواء بلادي ، ومثال ذلك " غضبة الهبباي " لصلاح أحمد إبراهيم ، و " الصمت والرماد " لكجراي وغيرها ... أتابع حلقات البروفيسور عبد الله الطيب الإذاعية العامرة بتفسير القرآن الكريم وشرح أصول الفقه والشعر والأدب ، أقرأ بوله وعمق وتركيز لأديبنا العالمي الكبير الطيب صالح ... هائما مع أصوات إبراهيم عوض و وردي ومحمد الأمين والكابلي وزيدان والتاج مكي والجابري وحسن عطيه وأحمد المصطفي وأبو داؤود والكاشف وعثمان حسين وأبن البادية وعلي إبراهيم ، وأشعار عبد الرحمن الريح وعوض أحمد خليفة وبازرعة والحلنقي وهلاوي وسيف الدسوقي والسر قدور . لم أكن أؤمن بالتقيد بلونية واحدة في الفن أو الأدب أو الثقافة ، ولم أعود نفسي علي الإكتفاء بنمط واحد في أي مجال ، بل عودتها علي قطف زهرة من كل بستان لأعطر بالكل أجواء حديقتي .) ... فتأملوا كيف كان يري نفسه وهو في مثل تلك الأجواء ، يقلب ذكي وذائقة عالية يقرأ ويري ، و ...
لقلبه أن ينتقي ، من بعد ، ما يلائمه وحياته . لم تفارقه الثقافة ولم يتركها هو ، فظل وفيا لها حتي يوم الناس هذا ! من ما جاء في الكتاب وأعجبتني ، هي ما صوره عن حياته في موسكو وتصوراته عن تلك الحقبة السوفيتية المزدهرة وعن إنطباعاته عنها والحياة فيها ، وتنم ، بجلاء ، عن قدراته الثقافية وحساسيه تجاهها وصوب الحياة نفسها ، أستمتعت جدا أنا بهذا الجانب حد إعادة القراءة فيه عدة مرات ، رغم تحفظي علي بعض مما جاء به عن الدولة السوفيتية وقتذاك ، فهي لم تكن ، علي أية حال ، تحظر التدين كما يشاع ، لكنني أعزو ذلك لقلة إطلاع كسلا علي " السياسة " والأيدولوجيا حين تكون في الممارسة والتطبيق . وهنا ، لأجل قدرات كسلا الثقافية الكبيرة ، فأنني أستميح القراء لأنقل جزءا مما كتبه عن حياته في موسكو ، يقول : ( لقد كان هناك الكثير والكثير جدا من الأمور في مجالات العلم والأدب والفنون والرياضة ، القادرة علي شغل المرء عن قسوة الحياة تحت ظل شعارات يجد الإنسان صعوبات جمة في فهمها وربطها بمفاهيم أزلية راسخة ، كالحرية والإنسانية والعقيدة والطموح ... وتبقي الحقيقة أن السوفيت ، رغم كل شئ ، كانوا قد أنشأوا دولة عظمي لا يستطيع أحد أنكارها ، هذا إذا أردنا الإنصاف في أحكامنا ، وإذا تركنا العاطفة جانبا ، وكذلك ميولنا الذاتية الإنطباعية نحو الغرب وعدله المزعوم !
غصنا في أعماق المجتمع السوفيتي بلغاته ولهجاته وأمثاله وعاداته وخرافاته ومعتقداته ، بكل أشكال موروثاته وتراثه من الأدب والفكر والثقافة . وحظيت مني المرأة السوفيتية ، آنذاك ، بإعجاب خاص ، ليس لجمالها الفائق فحسب ، بل لما تميزت به من السطوة وتطبيق حق المرأة في مشاركة الرجل في العمل والحياة الإجتماعية والحرية من جانب ، والخجل والأنوثة الشرقية المقيدة بدستور أخلاقي متين ، يحظر البغاء العلني في كل صوره وأشكاله ، من جانب آخر . للأمانة أيضا ، يجب أن أقول أن السوفيت وفروا لنا كل وسائل التعليم وعلي أرقي المستويات الممكنة في ذلك الوقت ، ولم نكن نعاني أبدا في سبيل اللقاء بأساتذتنا للإستشارة العلمية ، بل كانت أبواب مكاتبهم ومختبراتهم وعياداتهم مشرعة لنا في أي وقت وأي مكان ، كما وفروا لنا إمكانية التدريب في المستشفيات وتحت أشراف كبار علمائهم من الإختصاصيين في شتي مجالات العلوم الطبية . إزداد وعينا السياسي رغما عن إرادتنا ... كيف لا وقد شهدنا ، ونحن طلبة في تلك المرحلة وبالتحديد في السبعينيات من القرن الماضي ، قمة الصراع الأيدلوجي بين القوتين العظميين ، بين الأشتراكية والرأسمالية ، والذي أسخنه لهيب ألسنة النيران المتصاعدة من مختلف أشكال الحروب السياسية من تجسس وتنصت وإقتتال في مختلف بقاع العالم .ومن توهج أسماء معينة في هذا المجال أرتبطت بأحداث عاشها كل العالم حابسا لأنفاسه ، وأين ؟ في معقل إحدي هتين القوتين ! فمن أصداء إغتيال باتريس لوممبا المناضل الأفريقي في الكنغو ، وما تبع ذلك من حركات ثورية في القارة السمراء ، إلي معاناة نلسون مانديلا وهو يقبع مكبلا بالأغلال في سجون جنوب أفريقيا العنصرية ... ومن نهاية تشي جيفارا وصعود نجم فيدل كاسترو في كوبا ، إلي إغتيال سلفادور الليندي علي أيدي عصابات السفاح بينوشيه في أمريكا اللاتينية ... من ظاهرة إختطاف الطائرات وتفجيرها ، من جورج حبش وليلي خالد الفدائية الفلسطينية مرورا ب " كامب ديفيد " وإنتهاء برحلة السادات إلي القدس ثم إغتياله في يوم إحتفاله بمصر ، إلي إرهاب النازية الجديدة والألوية الحمراء في أوروبا ، ومن " ووتر غيت " وفضيحة التنصت في البيت الأبيض والتي أطاحت الرئيس الأمريكي نيكسون ، وإلي الغزو السوفيتي لأفغانستان ... وهكذا توسعت مداركنا وزادت خبرتنا في الحياة في شتي المجالات ، وتوفرت لنا كل أسباب المتعة ، إلا أن علينا أيضا كانت واجبات ومسئوليات وهموم ، أكبرها ما تغربنا وعانينا من أجله ، ما تكبدنا كل هذه المشاق والصعاب في سبيله ، وكان علينا أن نجد القوة للمقاومة والصمود وتحقيق الذات ) .
لا ، لم يكن مجرد لاعب كرة مشهور ومشهود له عبقريته في فن كرة القدم ، ولا طالب علم عادي جاء لمجرد التحصيل الأكاديمي ليظفر بشهادة الطب ، كان – وسط ذلك الزخم الوهاج والعنفوان – ضاجا بالحياة ، رائيا ومنفعلا بها ويعيش جمالياتها في ذراها العاليات ، إنسان مثقف القلب ، غني الفؤاد وتراوده أشواق الحياة والغد الآتي الجميل ، ملء ثقافته ، جاء بها إلي الملاعب ولعب فيها ، بفنه الراقي الأنيق ، فنونه وعبقريات مهاراته فيها !
" محطات في حياتي " ذاخر بكل هذا التنوع المثير في الرؤي والأخيلة والذكريات ، والذكريات هي ، عند الإنسان ، حنان ، هي بعضنا كثيرا من الوهلة الراهنة .
إذن ، لا وجود أجمل إلا لهذه اللحظة الراهنة ، لحظات قراءتك لهذا الصفحات من عمر الإنسان ، ولهذه المتعة التي لا يمكن إلا أن تكون فيها ، اليقين الذي لا يمكن إدراكه ، بأن كل شئ تحت قبة السماء ، قد كتب باليد ذاتها ، اليد التي تلد الحب ، ليكون المعني في الناس !
ولي ، أنا البعيد عن حبها ، أن أتسأل عن كسلا :
حركاته الفنية البديعة في
تسجيل الأهداف ...
أهي كانت خدعة أم
ومضة فنية ؟
مرت كأوراق الشجر وقد تساقطت
في برهتها ...
كعصا متحركة بسرعة يكاد لا يتابعها
النظر ...
في كل المواسم ،
والمكان ملئ بالناس
يصيبنا ، أيضا ، هدفه بضربة قوية
تهتز لها الشباك،
تهتز الجماهير أيضا ...
وها هو ، الآن ، يهز الوسط الثقافي
والرياضي أيضا ،
بالمحطات !
د . محمد حسن كسلا ، شكرا إليك ، لحياتك المزهرة التي أعطتنا كل هذا الجمال ، جمال المعني ومتعة أن تقرأ كتابا جديرا بالإحترام والتبجيل !
----------------------------------------------------------------
* دكتور محمد حسين محمد أحمد ،الطبيب السوداني والاعب الفذ في كرة القدم الذي شهر في الناس وعوالم الرياضة بأسم دكتور كسلا ، يعمل ويقيم حاليا بدبي بالأمارات العربية المتحدة .
* دكتور محمد حسين محمد أحمد ، " د . كسلا " أسمه الذي أشهره في الناس وعالم الرياضة ، طبيب ومثقف سوداني ، يقيم ويعمل حاليا بدبي بالأمارات .
* من طرائف ما قرأته عن حب كرة القدم ، أن المعلق الرياضي التونسي الشهير عصام الشوالي قد كتب قصيدة شعر في زوجته ، كتبها بطريقة ولغة كرة القدم ، التي يحبها أيضا ، تماما كما يحب زوجته ، يقول في قصيدته الطريفة :
" دعي تصرُفاتك الصبيانية فأنت لست بـ«بالوتيلي».. وعودي لي كما عاد «رونالدينيو» إلى الدوريالبرازيلي, دعك من صديقاتك إيناس المغرورة كـ«رونالدو»، وأماني الممثلة كـ«سيرجيو بوسكيتس»، ولا تستمعي لما يقولونه».
«عودي وفية لي كوفاء «زانيتي» للإنتر، ولا تبيعيني
كما باع أرسنال«فابريجاس».. قد أكون أخطأت كما أخطأ «جوارديولا» في اختيار«إبراهيموفيتش»،
فأنا قدمت لكي الكثير كما قدم «إبراموفيتش» لتشيلسي».
«لا تنسي صفاتي الجميلة.. فأنا مُبدع مثل «ميسى»،
وجدّي مثل «بيرلو»، وفنان مثل «واين روني»، وشجاع مثل «دروجبا»، وهادئ مثل «أوزيل»،
ولي تاريخي المشرف مثل «ديل بييرو» .«أعطني فرصة أخرى كما فعل الأنتر وروما مع «أدريانو»،
ولا تتركيني وأنتي في قمة حبكِ لي كما ترك «زيدان» كرة القدم وهو في قمة عطائه..عودي
إلي بسرعة «جاريث بيل».. ولا تتباطئي في اتخاذ القرار كما يفعل «الونسو» في التمرير.
«عودي إلي ولن تندمين كما لم يندم «بيرلسكوني» في
شراء «إبراهيموفيتش»، فأنا مخلص لكي مثل «كاسياس» لريال مدريد، وفي النهاية أحبك حب
الشعب العربي لـ«أبو تريكة».
الخميس، ديسمبر 05، 2013
وداعا نجم ، مرحبا الشيخ إمام ...
1 :
" طير يا حمام
ودي* السلام ...
للشيخ إمام و أحمد فؤاد ،
هينين* محبة ...
وحزمتين شتل إحترام " ...
- شاعر الشعب السوداني محجوب شريف -
2 :
آآآآآه ،
كم أنا حزين !
لكن البسمة تمتد علي وجهي ،
كفراشة ...
فلأجلكما ،
يانجم والشيخ الإمام ...
ولأجل من تحبونهم ،
فكانوا الجوهرة في التجربة
وكانت الأغاني والأناشيد
الرايات في المرحلة
لأجل كل هذا ...
لم اتشح الآن بالسواد
لون الحداد !
3 :
" الشعوب
بنت كلب ولئيمه
وممكن ...
تزيح بالعروش
في دقيقة " ...
- أحمد فؤاد نجم -
4 :
" فرحانين .
واللي ماسكين ع المبادئ
فرحانين
واللي شايلين شوق لفكره
فرحانين
واللي حاملين هم بكره
فرحانين
واللي معدتهم جعانة
فرحانين
واللي كلمتهم أمانة
فرحانين !
إحنا ملح الأرض ...
وتراب العجين
كل صناع الوجود والمبدعين
عد موج البحر ونجوم الليالي ...
عد رمل الأرض وأكتر م السنين
كل ثورة ،
وإحنا دايما فرحانين
فرحانين ... فرحانين ... فرحانين " ...
- الشيخ إمام عيسي -
4 :
فجرأول من أمس الثلاثاء 4/12/2013 ، توفي في منزله بالمقطم بالقاهرة شاعر العامية المصرية الكبير أحمد فؤاد نجم عن 84 عاما . وكان نجم في معاناة المرض لعدة شهور جراء تقدمه في السن وتتالي أمراضها عليه ، وبرحيله أنطوت صفح أخيرة في كتاب حياته ، لكن سيظل كتاب شعره في وجدان أمتنا العربية كلها . نجم ، ومنذ صباه الباكر جعلته قسوة الحياة يتقلب في مهن " هامشية " عديدة . في معسكرات الجيش البريطاني عمل مرة في كي الملابس ، ومرة بائعا متجولا فيه للسجائر و " الأناتيك " ، عمل أيضا بناء وحمال
و ... صعلوكا متشردا ، فقد كان من أول أيامه في " شقاوة " وخشونة الحياة ، يقول :
" من صغر سني
شقيان لكني
ما لط غير البصارة ! " ...
في ذلك الزمان ، والآجواء مجللة بشعارات وقيم التحرر الوطني والتقدم والسلام ، هناك ألتقي عمال المصانع من الشيوعيين فإختلطا ، ضميره الشعري اليقظ بفكره الذي يتوق للنهوض بالقيم والمبادئ في السامية ، وأؤلئك الرعيل الجسور من المناضلين ، فأعطوه – بإنسيابية الدم في الجسد والعطر إلي حاسة الشم – قدرة النظر إلي المستقبل والتحديق إليه برؤيا جديدة وبأصرار عنيد ، فكان أن رأي أكثر ، فشارك
في تظاهرات العام 1946 ، وقتذاك ، وهو في قلب العنفوان ، داعبته رؤيا الشعر فيه ، كان قد بدأ " نظما " شعريا في تناول الإجتماعيات و" القفشات " بين الصحاب والأشعار العاطفية في الحب وفي حمي المنافسات الرياضية التي سادت الساحة الشعبية في ما بين الأهلي والزمالك في كرة القدم ! لكن نجما ، وهو يتوغل في تلك الأجواء ، كان صوتا شعريا جميلا في رؤياه و ... بذاكرة متألقة . في عامي 51 و 1954 عمل في مصلحة السكك الحديدية ، التي نقل منها من بعد لوزارة الشئون الإجتماعية ساعيا للبريد . لكنه لم يمكث فيها طويلا حتي تم نقله إلي مصلحة النقل الميكانيكي موظفا في أحدي مكاتبها . وفيها جرت له حادثة غريبة غامضة إذ إتهم – لربما كان الأمر كله تلفيقا – بتزوير بمبلغ 24 ألف جنيه ، فأعتقل وحكم عليه بالسجن في 14/ نوفمبر 1959 ولمدة 33 شهرا قضاها في سجن أرميدان بالقاهرة ،
وهو في حبسه ذاك بدأ فعليا التخلي عن كتابة الشعر في الأغاني العاطفية وشرع في كتابة شعر المرحلة ، الشعر الثوري الذي كان ، بحق ، من ملامح العصر ونشيده العالي ، في تلك الأثناء كان يقرأ ويتأمل في الشعر الشعبي الثوري الجميل لبيرم التونسي ، فراح يستمد منه المدد الذي لون وجه قصيدته من بعد .
العام 1961 صدر ديوانه الأول " صور من الحياة و ... السجن " ، صدر وهو لايزال في السجن ، ذلك كان ما كرس نجما شاعرا ثوريا بإقتدار ، فإذاد لمعانه وتألقه حين حاز الديوان المرتبة الأولي في مسابقة الشعر التي نظمها المجلس الأعلي للثقافة والفنون ، دافع عن إستحاق الديوان من أعضاء اللجنة بيرم التونسي ومحمد فريد و د . سهير القلماوي التي كانت قد كتبت مقدمة للديوان ، ومن المفارقات هنا أن العقاد العتيد كان الوحيد من بينهم من وقف ، بعناد ، ضد الديوان ، فقد كان يرفض بشدة الشعر بالعامية لأنه ، في إعتقاده ، يشوه من اللغة العربية جمالها ! العام 1962 خرج نجم من السجن ، وسرعان ما وفرت له منظمة مؤتمر التضامن الأسيوي الأفريقي فرصة أن يعمل في مكتبها بالقاهرة موظفا . لقد بدأت ملامح الشاعر فيه ومواهبه تتيح له قدرا عاليا من الحضور البهي في المشهد الشعري والثوري .
5 :
العام 1962 كان حافلا وجليلا و ... حاسما في حياة نجم ، من جانبيها ، الثوري والشعري معا ، حيث ألتقي الشيخ إمام العظيم ، ومنذ يوم اليوم الخالد في ضمير الفن والأدب والنضال ، بدأ بزوغ عصرا جديدا في تاريخ الأغنية الثورية ، الأغنية المناضلة ، أغنية الجماهير ، ليس في مصر فحسب ، بل في كل المنطقة العربية علي اتساعها ! كان ذلك اللقاء / الحلم في " خوش قدم " الفقير ، والتسمية فارسية تعني
" قدم الخير " كما تقول عامية أهل السودان . إمام كان في مبتدي أمره " شيخا " بحق ، حيث كان " معمما " وبزي رجال الدين التقليدي ، منتميا ل " الجمعية الشرعية " وفيها حفظ القرآن عن ظهر قلبه الذكي الفطن ، حتي ضبط ذات يوم يستمع للموسيقي من الراديو فطردوه عن الجمعية ! ان منذ يفاعته مولعا حد الشغف البرئ بالموسيقي والطرب ، فأخذ يتخفي قدر استطاعته – وهو الكفيف – بين الجموع ليستمع إلي الموسيقي والطرب ، ليراها بعين قلبه ويبصر جمالها فيزداد إليها ولعا وشغفا . وكم كانت تأخذ بفؤاده ألحان سيد درويش ، بل راح يحفظها فتراقص منه وجدانه الرهيف . بدعم من ذائقته الموسيقية الفذة التي أخذت تتبلور في وجدانه الفني ورؤياه أنضم إلي الشيخ زكريا يساعده علي حفظ الألحان الجديدة بفضل من ذاكرته القوية ، لكن وشاية بلغت الشيخ زكريا إن إمام قد سرب ألحانا جديدة قبل إذاعتها إلي أم كلثوم فتسببت في طرده عنه ! في ذلك اللقاء ، لقاء عمرهما الفني في " خوش قدم " سأل نجم إمام لماذا لا يلحن الأغاني ، فأجابه لأنه لم يجد – بعد – الكلمات المناسبة التي تعجبه ، تلك كانت نقطة التحول لكليهما ، إذ بدأ التعاون الفني بينهما ، وبدأت الإلحان والأغاني تهطل مطرا رشيقا أحمر في الناس ، وبدأ فجر الأغنية الشعبية وأغاني الحياة في شروقه الكبير : " أنا أتوب عن حبك أنا "
و " عشق الصبايا " ، وساعة العصاري " ، ثم تكرست في المشهد الغنائي الجماهيري بعد هزيمة العام
1967 الأغاني / الأناشيد : " بقرة حاحا " و " هم حاجة ونحن حاجة " وغيرها ، تشكلت الآن ، وتحددت ، ملامح الفن الجديد ، وهما راياته الباذخة . عن تلك الأيام ، التي شهدت إنطلاق شعلة مسيرتهما من " خوش قدم " كتب نجم ذات مرة : " كل يوم عن التاني ، كنت أتمكن أكثر من صنع الشعر ، لأني كنت بدأت أفهم أكثر من خلال الإحتكاك بالشباب المثقف في سهرات " خوش قدم " الممتعة . ومن أهم القناعات التي اعتنقتها تلك الفترة أن الفن بشكل عام ، والشعر بشكل خاص ، كائن حي ، أي
أن الشعراء بيخلقوا القصايد زي الناس ما بتخلفوا العيال ! " . لقد كان تأثير إمام فيه عظيما ، فقد شكل
عنده المهد الموسيقي والإيقاع في وجهته صوب البسطاء من الناس ، و جعله في بؤرة الوعي السياسي لقضايا الشعب والوطن ، فأصبح الشعر عنده ، من يومذاك ، هو غناء الثورة ونشيدها ورايات نضالها ، ألبسه إمام ثوب " الثورية " ولازمه ، كظله ، فلا يحيد عنها لطالما هما في الصحبة المبدعة ، يعيشان ،
معا ، لحظة الإبداع فيجعلانها أغنية للجماهير وأناشيد . نجم أعترف بالفضل العميق لإمام عليه ، في تغيير وجهة شعره وأسلوبه في كتابته والإلترام صف الجماهير الكادحة ، فقال عن ذلك : " ... لقد زادت
الغنائية في شعري حين إستمعت إلي إمام ، وحين بدأ يلحن أعمالي ، إزداد بشكل حاد إحساسي بالمسئولية . لأن اللحن ، خاصة من قبل رجل يحمل في أعماقه كل هذا التراث ، يضعان الشاعر في مواجهة جمهوره مباشرة " ، حسب ما نقلته عنه فريدة النقاش في تقديمها لديوانه " بلدي وحبيبتي " .
التجربة الفذة كانت في ذروة إكتمالها حين حدثت هزيمة 67 وموت جيفارا ، عندها ، نهض الحلم ، صار يانعا فتيا وأنتشر عميقا في وجدان الشعوب العربية ، وكان العصر هو عصر النهوض في مناهضة الإمبريالية والحلم بالحرية والعدالة والسلام ، فصارا ، معا ، أيقونة الثورة وشعلتها المضيئة !
توفي الشيخ إمام في السابع من يونيو 1995 ، فلم تهتم لوفاته وسائط الإعلام ، التي جلها " رسمية "
وربيبة للسلطات ، جميعها لم تهتم لهذا الحدث الفاجع لأعظم صناع الموسيقي والطرب البهيج في مصر والعالم العربي كله ، لم يتنالوا نبأ رحيله فأعرضوا عنه ! كان إمام في ال 78 من عمره غداة رحيله ، وسبق أن تواترت عليه أخريات سنينه تداعيات ضربات مرض السكر ، لكن شهرته كانت قد بلغت الآفاق وتكرست قيمته الفنية والسياسية العالية في الحياة حد أن منح " الأسطوانة البلاتينيكة " التي يكرسها الإتحاد الدولي للأغنية للقامات الشامخة ذوات العطاء الكبير في حقول الأغنية والموسيقي . لكن ، وللأسف العميق ، لم يلق إمام التقدير الواجب في رحيله سوي بضع سطور تشرتها " الأهرام " كنعي مدفوع الأجر لمجموعة محدودة من المثقفين ، كان نجم أحدهم ، يقول النعي :
" البقاء لله ...
القوي الوطنية المصرية تنعي للشعب المصري والأمة العربية ، فنان الشعب الشيخ إمام عيسي .
ولد في أبو الفرس عام 1917 ، ومات في " خوش قدم " عام 1995 . وتقام ليلة المأتم في
الثامنة حتي العاشرة في مسجد عمر مكرم اليوم الجمعة " !! .
الله الله يا إمام ، زمرة المثقفين يقيمون إليك مأتما " ثلاث ساعات " كاملة ، فيا لبؤسهم ، وما أعظمك ،
ما أجملك ، فأنت الأعظم من بينهم جميعا والأجمل ولا تزال ! لقد ظلم الشيخ مرتين : إبان حياته الحافلة بالفن الجميل ، ولدي رحيله ، فلم يلق في كليهما ما يستحقه الرواد الكبار من عظماء الأمة من تقدير يليق بهم عند الرحيل ، لكن نجما كان محظوظا ، فما كاد يذاع نبأ رحيله حتي حظي الخبر بتغطيات إعلامية واسعة في كل الميديا تقريبا وكل الأصدارات وفي النت والوكالات ، لربما يرجع الفضل هنا لثورة 25 يناير وما أشاعته من حريات ورؤيا في الراهن وفي المستقبل المأمول فيه خيرا للشعوب وضد الطغاة !
6 :
" يقول الشعر المجروح فؤاده
من الأنوال ومن عشق الصبايا .
غرامي في الحروب يسبق سلاحي
وأملي في الشعوب يخلق غنايا
وعشقي للكلام سابق سكوتي
وكرهي للسكوت جالب شقايا " ...
حقا ، جلب عليهما ذلك الفن ، الذي يقف مدافعا عن الشعوب ، المطاردة والمراقبة والإعتقال والسجن حد أن " لفقت " لهم أجهزة الأمن تهمة تعاطي المخدرات ، لكن – فيما بعد – براءتهما المحكمة فأفرجت عنهما ، لكن كلاب الأمن لم تتوقف ، القانصين ظلوا في أثر الفرسية حتي أحكموا تم التضييق عليهما والحصار ، فكان أن تضافرت مجهودات جمة فتنجح في خروجهما عن مصر ملبين دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية للقيام بجولة فنية كبيرة علي عدد من البلدان ، خرجا ، إذن ، في 7 إبريل 1982 ، وهناك ، في الجزائر ، في الجولة العربية بعد الأوربية ، بدأ ذلك الطارئ الغريب يحل بين الشاعر والفنان،
ذلك الفراق المر الذي لا يزال ، حتي يوم الناس هذا ، " سرا " غامضا يكاد لا يعرفه أحد ، ولم يخلوالمشهد من " تكهنات " هنا وهنا ، فلم تكن أبدا سوي وجها للإحتمالات لا يعتد عليهما عند النظر لهذا الفتور الغريب الذي شاب تلك العلاقة الوثيقة حد أن أصبحت نموذجا لكيف تكون الصداقة الإنسانية والفكرية قادرة علي الإستمرار وإجتراح المعجزات في شأن الفن والنضال والصحبة الرفاقية ! عادا من تلك الجولة لكن ، كان كليهما ، يمشي في درب مغاير ، فياللمفارقة المؤلمة ! حدث أمرا ما غريبا ، ومسكوتا عنه بينهما ، وإنصياعا لنالة في قلبيهما أمسكا عن الخوض في هذا الأمر وصمتا عن البوح بذكر ماجري ، تماما مثلما حدث في السودان بين الموسيقار والمغني الكبير محمد وردي وشاعره حتي منتصف عمره الفني إسماعيل حسن ، لم يفصح أيهما عن سبب الفراق بينهما حتي رحيل إسماعيل . وأنا أكتب مخطوطة كتابي " كلمة في تبجيل الفنان وردي " ، كنت قد سعيت – أنا المعدود في الخلصاء من أصدقائه و" أفضل من كتب عن تجربته " كما زعم – حثيثا لمعرفة ذلك السر والكشف عن غموضه ، أخذت ألح إليه إلحاحا وأنا أناقشه في طبيعة صوته وأداؤه للأغاني وأختياراته الدقيقة في الشعر فيغنيه ، حتي وافقني أن زعمه الذي يقول بأن موهبته الكبيرة التي أشهرت شعر إسماعيل في الناس ، لقد أشرت لذلك في كتابتي ، وهنا ، أظنني أقول بذلك الزعم ، هنا أيضا ، برغم الموهبة الشعرية الكبيرة لدي نجم ، لكن إماما من رفعها إلي أعلي عليين ، ولربما ، نحظي يوما ما ، بدراسة محترمة تبحث وتدقق وتقول قولها في هذا الشأن !
بعد أن تكرس الخلاف وصار فراقا فجعل كل منهما في مسار ، وكل في شأن يعنيه فلا يجتمعان في أي أمر ، إعتكف إمام في منزله ، تباعد عن كل حيوية تلزمه في الزيوع ، لأنه أصيب بصدمة شلت منه فاعلية النمو والإنتشار ، فأصبح يغني – تحت الإلحاح الشديد – في المناسبات الخاصة جدا أو في بيوت الخلصاء إليه من الأصدقاء ، فياللخفوت الأنيق !
أما نجم ، فقد حظي بما لم يكن في حسبان أحد ، إذ قام الملياردير المصري القبطي نجيب سايروس بتنظيم حفل ضخم ، أشبه ما يكون بليالي " ألف ليلة وليلة " لمناسبة بلوغ نجم السبعين ، فتسابقت الفضائيات والإعلام بكل أنواعه يتناولون أعمال نجم وحياته . فإتجه نجم عميقا في كتابة الأشعار للمسلسلات التلفزيونية والإذاعية ، وفوازيرا وحكايات لشهر رمضان كلما يجئ ، وأشعارا لمسرح الدولة ، فتسابق إليه في منزله أصحاب العلية والشأن في الحكومة ووجهاء الدولة والمجتمع ، نال من الحظوة والشهرة ما فاق تصوره ، لكنه أرضاه علي أية حال ، فياللبريق الأسيف !
لم يلبث أن أختارته ، العام 2007 ، المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر " سفيرا للفقراء " ، فهو ، بلا شك ، يستحقها تلك المنزلة الرفيعة ، فقد كان ، بحق ، نصيرا للفقراء ، مؤازرا ومساندا للكادحين في سعيهم ونضالهم في سبيل الحرية والتقدم والعيش الكريم .
العام 1986 كان نجم قد حل ضيفا علي إتحاد كتاب المغرب بدعوة منهم ، وهناك أجري معه الكاتبان حسن نجمي وعبد الكريم الأمراني حوارا مطولا ، جمعاه – من بعد – وصدر في كتاب " الكلام المباح "
العام 1988 يحتوي علي سرد واف لسيرة حياته ومراحله الشعرية وتجربته الفنية ورؤياه حولهما .
كان نجم يوالي كتابة الشعر حتي آخر حياته ، فقد كان الشعر حياة إليه ، فأخرج للناس أشعارا بديعة :
- صور من الحياة والسجن .
- عيون الكلام .
- العنبرة .
- يعيش أهل بلدي .
- بلدي وحبيبتي .
- مصر .
- الطير المهاجر .
ولست أدري إن كانت لديه دواوينا غيرها !
- أنتج وصدر له فيلم " الفاجومي " مستخلص من سيرته .
6 :
من ما حيرني ، حد الدهشة ، في حياة نجم الشخصية ، هو إكثاره " الغريب " في الزواج ، خاصة وأنا أنظر إلي وجهه الفكري التقدمي ومعايشته المستمرة وسط بلبال النضال لأجل أن تنال المرأة حقوقا معترفا بها بشأن كرامتها وعزتها في حيزها ذو الإحترام عند الزواج والطلاق ، لم أجد تفسيرا " يقنعني " بصواب تعدد زيجاته وهو يتقلب ، منذ منتصف عمره تقريبا ، بين الزيجات في تنوعهن المثير الغريب!
- تزوج أول أمره من السيدة فاطمة منصور ، فكان ذلك زواجه الأول ، فأنجب منها إبنته عفاف .
- تزوج من الفنانة الممثلة عزة بلبع ، ولم ينجبا !
- أما حيرتي الثانية ، بشأن تعدد زيجاته ، فكانت في زواجه من الكاتبة والصحفية صافي ناز كاظم ،
أو صافي ناز محمد كاظم أصفهاني كما يقول أسمها كاملا ، وأنجب منها بنته " نوارة " الصحفية اللامعة والناشطة في مجالات الجندر . و صافي ناز هي " السلفية " في رؤاها وفكرها ، رغم
رغم قولها " أنا مسلمة لا منهجية " ، لكنها كانت ، ولا تزال ، تلك السلفية التي خاصمها أمل دنقل
يوما ورفض مجالستها في أي محفل بعد أن قذف في وجهها بكوب " البيرة " أمام من كانوا حضورا
في تلك الجلسة في مكان عام ! تقول صافي ناز : "
" يمكننا أن نعتبر أغنية موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب: "حب الوطن فرض عليّ أفديه بروحي وعنيّه" شاهدا أصيلا على توجهه نحو تحبيذ الدولة "الدينية" وذلك لخلطه "الدين" بالغناء وتكريسه كوسيلة إقناع لدعوة الناس لحب الوطن باعتباره "فرضا" من الفروض الدينية، بل إنه بتأسيسه لهذا الخلط قد أوقع كلا من الشاعر أحمد فؤاد نجم وزميله الملحن والمغني الشيخ إمام عيسى لاقتراف هذا الإستخدام "لتديين الفن والغناء"، المعادي للدولة المدنية، في أغنية "الخط ده خطي والكلمة دي ليا" التي جاء فيها: "واكتب على عيني يحرم عليك النوم، واحبس ضيا عيني بدموعي طول اليوم، قبل الوفا بديني زي الصلاة والصوم.إلخ"، فها نحن نرى الشاعر والمغني يربطان بوضوح، لا لبس فيه ولا مهرب منه، وفاء الواجبات الوطنية بالفرضين الدينيين "الصلاة والصوم" اللذين يكونان ركنين أساسيين من أركان "الدين" الخمسة، ناهيك عن ليّ عنق التاريخ والفن والغناء بردة إلى الوراء، لا تصل والحمد لرب العزة إلى شبهة العودة إلى القرن السابع الميلادى الذي تكررت الإشارة إليه سلبيا في الأدبيات الداعية إلى قطع دابر الدين والمتدينين وهو بالمناسبة قرن بعثة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حين تم إحياء نشيد "إسلمي يامصر إنني الفدا، ذي يدي إن مدت الدنيا يدا، أبدا لن تستكيني أبدا، إنني أرجو مع اليوم غدا، ومعي قلبي وعزمي للجهاد، ولقلبي أنت بعد الدين دين" الذي لم يتحرج مؤلفه، بعد ذكره لعزمه "الجهاد"، من إقحام "الدين" في مقولته لمصر أنها لقلبه بعد الدين "دين"، إلى آخر كل الإختراقات "الدينية" التي لا تعد ولا تحصى والتي تسللت، في غفلة من حراس الدولة "المدنية" ! ،
فتأملوا ، ولي أن أسألها نفسي ، لم ياتري ، فعلها نجم وهو القائل : " من لا يملك علما ولا فنا ، ليس من سبيل أمامه إلا أن يكون من المتدينين " ، قال بذلك لما رأه ضمير الشاعر فيه من جهلهم وإرهابهم !
- تزوج أيضا من صونيا ميكيو الجزائرية ممثلة المسرح الأولي في بلدها ولم ينجبا ، تري ، هل تعرف عليها في الجزائر إبان بدء تسلل الخلاف الملغز إلي علاقته باليخ إمام ثم فيها تكرست القطيعة في قسوتها المرة ،
وهل كانت لهذه العلاقة صلة ما ببدء نشوء الخلاف بين الشاعر والموسيقي والمطرب الكبير ؟ معذرة
للقراءة ، فهو محض تسأول ونحن في حضرة الغياب الفاجع لنجم ورحيله عن عالمنا !
- ثم ، أخيرا ، تزوج من أميمة عبد الوهاب التي مات عنها بالأمس وكان أنجب منها زينب .
ولنجم ثلاثة أحفاد ( مصطفي وصفاء وأمنية ) من إبنته عفاف .
7 :
أخيرا ، رحل عنا أمير الأغنية السياسية ، نصير الفقراء وحادي الثورة بالشعر ، تاركا لنا – في دنيا الناس ، في رؤي أفكارهم وقلوبهم ، وفي أحلامهم عشق الحرية ومجد الشعوب وسعيها ، الذي لا يفتر صوب الحرية والتقدم والسلام ، فتظل أغانيه وإمام ، وأشعاره ملهمة للشباب صناع التغيير والثورة .
عشت ، يانجم ، نجما في سماءنا حين كان إمام قمرا لأيامنا ، فكان الغناء ، و ... كان النشيد .
وداعا ، " شاعر تكدير الأمن العام " علي قول صلاح عيسي ،
وداعا نجم ، مرحبا الشيخ إمام !
-----------------------------------------------------------------------------
* " ودي " بكسر الدال ، تعني " خذ ه إلي " في عامية السودانيين .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)