Powered By Blogger

السبت، يناير 06، 2018

وداعا صلاح عيسي، حلم الثوري وواقعية السياسي والتاريخي!




وداعا صلاح عيسي، حلم الثوري وواقعية السياسي والمؤرخ!
---------------------------------------------------------


( وفى مغيب آخر ايام عمرى ..
سوف أراك وأرى أصدقائى ،
ولن أحمل معى تحت الثرى غير حسرة الأغنية ..
تلك التى لم تتم ..!)
- ناظم حكمت -
صباح الأثنين 25/12/2017م، كان يجري الترتيب لنقل صلاح عيسي من مستشفي السلام الدولي بالقاهرة، التي لجأ إليها منذ خمسة أيام إثر أختلال مفاجئ في جهازه التنفسي، إلي المستشفي العسكري بالمعادي بقرار من وزير الدفاع بحسب بيان رسمي، نقلوه، إذن، أول المساء، كان غائبا عن وعيه تماما، وبالكاد يستطيع التنفس، فور وصوله المستشفي، وقبل أن تبدأ أي إجراءات طبية عاجله له، كان قد أثر الرحيل بعمر 78عاما! ووري جثمانه الثري بمدافن العائلة بطريق الواحات ب 6 أكتوبر عصر الثلاثاء.

و ... هذا اليسار أبد:

صلاح كان قد ولد في 14/10/1939م بقرية بشلا التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، ودرس علم الاجتماع بجامعة القاهرة، وعمل في أول خدمته، لحوالي خمس سنوات، رئيسا لعدد من الوحدات الاجتماعية بالريف المصري. لكنه سرعان ما بدأ يتملكه ذلك الشغف العميق بالقراءة والكتابة، فشرع يكتب القصة القصيرة، لكنه أيضا، سرعان ما توجه، بكلياته، منذ العام 1962م، كاتبا وصحفيا مثابرا، وبوعي ماركسي عميق، كاتبا وباحثا في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي، وفي ذلك العام نفسه أنتمي للحزب الشيوعي المصري. من بعد، كرس جهده كله للعمل في الصحافة بصحيفة ( الجمهورية ) منذ العام 1972م، ومنذ ذلك الوقت المبكر من حياته رهن نفسه، بإرادة وتصميم عميقين، للصحافة والكتابة. فشارك في تأسيس العديد من الصحف والمجلات: الكتاب، الثقافة الوطنية، الأهالي الناطقة بأسم حزب التجمع التي تولي رئاسة تحريرها سبع سنوات بعد إغتيال السادات، ثم مجلة اليسار، ومؤخرا عمل رئيسا للتحريرولمجلس أدارة صحيفة ( القاهرة ) التي تصدر عن وزارة الثقافة حتي تاريخ رحيله. وبسبب من إلتزامه الصارم لخط ومسار اليسار، بدأ يجري اعتقاله منذ العام 1966م، ثم يتكرر اعتقاله أو القبض عليه واخضاعه للتحقيق المتوالي أو محاكمته، جري كل  ذلك خلال السنوات1968م/1981م، ثم كان أن فصل من عمله الصحفي، وكانت جماعة الأخوان أبان عهد الأخواني مرسي، صلاح  كان من أشد مناهضيها، قد أقالته من رئاسة المجلس الأعلي للصحافة حتي أعادته لعمله إنتفاضة 30 يونيو.

ملامجه في اليسار:
 إذا سألتني
  فأنني أختار،
  أختار في مسيرتي اليسار
  القمح واليسار
  الدمع واليسار
  الموت ...
  حتي تنقل الأرض مسارها إلي اليسار!

صلاح، خلال رحلة عمره كلها، ظل ثابتا وملتزما جانب قناعاته الفكرية، مدافعا عنها بالقلم الجرئ وبالحراك السياسي والاجتماعي، صحفيا يضئ الحياة ، معدودا في الرهط الجليل لليسار المصري والعربي. صحيح، أنه كان ( مشاغبا ) في بعض كتاباته، لكنه كان واضحا ونزيها وصارما فيما يخص مبادئه وقناعاته، صاحب مهنية عالية في الصحافة، وفي تناوله للتاريخ، فوضع له أسسا واضحة وجادة، بتلك القدرات الثرة في التعبير والسرد، كما عرف عنه إخلاصه العميق لوطنه ولقضايا الكادحين والفقراء من شعبه. مواقفه هذه، وشجاعته، وصدق توجهاته العملية والشخصية، كلفته ثمنا باهظا علي حساب جسده وصحته ومعاشه وأسرته.
في ( الأهالي )، تلك المؤسسة الصحفية الرائدة، عمل مع حسين عبد الرازق والفنان الراحل أبو العينين، ومع الدكاترة إسماعيل صبري عبد الله وفؤاد مرسي، ولطيفة الزيات، وجلال أمين، وناجي ونبيل زكي، ونوال السعداوي، وشفيق أحمد علي، و الفنانان ناجي وجورج والراحل فيليب جلاب وبنات النقاش فريدة وأمينة وغيرهم. ونذكر له، وهو في رحاب الأهالي، أنه قام بكتابة ونشر دراسات عميقة، راصدا عبرها، بدقة وبمثابرة، للعلاقة  بين المثقف والسلطة، تلك العلاقة الشائكة التي كم جرت العديد من المثقفين إلي بلاط السلطان.

مؤلفاته وكتبه:
- الثورة العرابية/ تباريح جريح/ مثقفون وعسكر/ دستور في صندوق القمامة/ البرنسيسة والأفندي/ رجال ريا وسكينة. هذا أضافة للعديد من المقالات والبحوث في الصحف والمجلات المصرية والعربية، من بينها الأهرام والمصري اليوم، والبيان الأماراتية وغيرها. صلاح شارك في إعداد مسودات كل القوانين الخاصة بالصحافة، ويعد من أكثر المدافعين عن الحريات الصحفية ومناصري حرية الرأي والكتابة والحريات العامة.

عزاءا شعب مصر:
العزاء لشعب مصر في رحيل ( الواد الجميل ) صلاح،هكذا كان ينادي أصحابه، للحزب الشيوعي المصري ولليسار، لزوجته الكاتبة والصحفية اليسارية أمينة النقاش، لأبنته الوحيدة الدكتورة سوسن الأستاذة بكلية الهندسة بجامعة القاهرة وزوجها الصحفي اليساري عبد الواحد عاشور، وإلي الصديق صلاح زكي مراد، فقد كان صلاح صديقا حميما للمناضل الكبير زكي مراد ولأسرته. هكذا، مثلما مباهج الحياة، يرحلون عنا تاركين لنا الفكر والمواقف النبيلة والذكري، وداعا، وداعا يا جميل!
-----------------------------------------------
* نشرت ب ( الميدان ) أمس الأحد 31 ديسمبر 2017م العدد ( 3349 ).
-------------------


ليست هناك تعليقات: