Powered By Blogger

السبت، أغسطس 03، 2013

عن موت العفيف أيضا ...

                                                                    - العفيف الأخضر -



موت العفيف ...
---------------

العفيف ، كما البشرىَ ، موت واحد أحد ، لكن له أكثر من حياة . لا ازال في الذهول جراء موته بسبب من أنه – بيده – وضع حدا لحياة جسده ، وترك لفكره أن يكون ضوءا في ضمائرنا ، يشدنا من أعناقنا إلي التفكر والتأمل في مقولاته وتأويلاته وخلاصة تجاربه في الفكر والمعرفة والحياة ، لا أزال في ذهول أن يختار موته بنفسه ويجعله صرخة في الملأ ، من كان يحضنا علي الحياة وعلي التأمل و النضال لأجل غد أفضل وحياة جميلة ! كان يحب الحياة ، ويحب أن يرانا في بهاء جمالها وفي المعرفة . حين أختار – آخريات حياته – أن يبحث ويكتب عن الدين فقد رأي ببصيرته الذكية أن ذلك بالذات هو سبب توقف نمو عقلنا العربي وتكلسه ، سبب تخلفنا المريع عن مواكبة العصر ومنجزاته الفكرية والتقنية الهائلة ، لكأنه ينفذ وصية الشهيد مروة :
" أننا لن نتقدم أبدا للأمام ما لم نحسم قضيتنا مع التراث " ، فلجأ بكل زخمه المعرفي الكبير وأصراره للكتابة عن الدين ، الأسلامي منه علي وجه الخصوص ، فأصدر كتابه الضخم عن نبي الأسلام ، الذي أعده ، مع كتاب " نبوءة محمد " لمحمد محمود من أعظم ماكتب في هذا المجال علي مر تاريخ الأسلام . لقد سعدت أن العفيف أوكل محمد محمود ليطبع وينشر كتابه بمركز " دراسات و نقد الأديان " ، تلك من أشراقات روح الفكر والمعني لدي العفيف ، ومن غير محمد محمود يكون في شرف هذا التكليف الجليل ! أنني أدعو العزيز محمد ليقوم بالسعي المسئول لإصدار عدد خاص من مجلة المركز " تجاوز" ليكون مخصصا عن سيرة العفيف وأعماله ، سيكون ذلك – في ظني – مسرب فرح إلي روحه الحالمة و ... ترانا :

شهدت " الربيع " !
الربيع الدامي هنا وهناك ،
ربيعهم ...
ليس ربيعك
ربيع قبل الآوان ...
متردد ،
براعمه وثماره شكوكا
وريبات
عتمات ... عتمات !
أبدا ما تركت الكتابة
ولن نتركها القراءة !
... ... ...
لن نبك
وسنراك حين نقراءك
وأن أختلفت القراءات
كنت أعلم أنك ستسقط
فقد هرولت كثيرا خلف المعاني
واللغة ...
وخلف الأماني ...
... ... ...
ثمة شئ مفقود في خاصرة الأرض
وسرتها ...
نحن أيضا ينقصنا الكثير حين نحبك :
الوضوح حيال ما نحب
والتفكر في الأديان
... متاهة الإنسان !

أنشر هذه الرسائل ، لأن فيها " رائحة " العفيف عند رحيلة ، ودمع المحبات إليه . لفرط
" ذهولي " ، ودواعي محبتي ، لم أنتظر لإستأذن محمد في نشرها ، فهو خلي وقريني في المحبات ، سلام إليهما : العفيف وناصر بن رجب ومحمد محمود ، و ... المحبات !
وأنشر أيضا المقال الذي وجدته بصحيفة " القدس " ، عن موته ولحظاته الأخيرة .


Fri, Aug 2, 2013 at 9:00 PM
Fri, 9:00 PM
Message starred
From Mohamed Mahmoud

Hide Details
From
Mohamed Mahmoud
To
Jabir Husain
عزيزي جابر
تحية طيبة

كانت هذه الرسالة قد وصلتني من الصديق التونسي ناصر بن رجب
وهو من اللصيقين بالعفيف الأخضر
وقد استأذنته أن أبعثها لك وسمح بذلك

مع تحياتي
محمد

From: nacer.benrajeb@free.fr
To: kassalawi99@hotmail.com
Subject: RE: From Mohamed Mahmoud
Date: Wed, 31 Jul 2013 16:36:56 +0200


أستاذي العزيز محمد،

تحية طيبة

لقد شيعنا هذا الصباح الفقيد العزيز العفيف. وقد ودعته وقبلت جبينه آخر قبلة وهو راقد في نعشه. لقد كان وجهه جميلا مشرقا، وكانت ترتسم على محيّاه ابتسامة خفيفة تشيع السكينة والسلام. كنت وحيدا معه في غرفة الأموات قبل رفع الجثمان والتوجّه به إلى غرفة الفرن، أين التحق بي ثلاثة أصدقاء، لكي يُحرق احتراما لوصيّيه ومشيئته. وبعد الظهر سوف يقع ذرّ رماد جسده في حديقة قرب المستشفى الذي توفّي فيه. عاش العفيف وحيدا ولكنّه كان حرّا شريفا لم يبع ولو مرة ضميره وكان دائما حريصا كل الحرص على استقلالية كلمته ورأيه ثم مات شبه وحيد أيضا ولكن قلوب عشرات الآلاف من قرائه والأوفياء لفكره كانت حاضرة هنا قرب جثمانه.

وأعتقد أن أجمل تكريم له هو اصدار كتابه الأخير عن محمّد ونشره في كل أصقاع الدّنيا.

أبعث لك مرفقا النّص الكامل للكتاب. العفيف كان يشدد على ضرورة اصلاح العربية ولذلك لا داعي لإصلاح العربية (مثلا لقد أصرّ على كتابة كلمة "الإلاه" عوض "الإله" المتعارف عليها). يبقى ضرورة اصلاح التنقيط (الفراغات بعد الفواصل والنقط، إلخ) لكي يصبح النّص سهل القراءة. وكذلك النظر في ترتيب الفصول والعناوين واباه العناوين.

ودمت

ناصر


De : Mohamed Mahmoud [mailto:kassalawi99@hotmail.com]
Envoyé : vendredi 26 juillet 2013 19:58
À-;- : Nacer Benrajeb
Objet : RE: From Mohamed Mahmoud



الأخ الكريم الأستاذ ناصر



ياله من خبر محزن

عندما رأيت رسالتك انقبض قلبي قبل أن أفتحها

كنت كل هذه الأيام في حالة توجس وخوف من

استلام هذه الرسالة

وكنت بالطبع أعلم أنها ستصل

وهاهي تصل



عجيب أنه توفي اليوم الساعة العاشرة

وهي التاسعة بمواعيدنا هنا

وكان من الممكن أن تمرّ كما تمر

الساعات من دون أن انتبه لها

إلا أنه كانت عندي مواعيد مع

طبيبة الأسنان الساعة التاسعة

وكنت أنظر للساعة كل الوقت

وهكذا كانت تاسعة لا تشبه باقي التاسعات

في الرتابة العادية لأيامي

وكانت عاشرة لا تشبه باقي العواشر

وأنتم تفارقون العفيف



لك حار تعزيتي

فأنا أعلم قربك منه

وإعزازك له ولا أشك

أنه كان يبادلك إعزازا بإعزاز

أرجو أن تنقل حار تعزيتي

لأسرته ولأصدقائه



سأوقد له شمعة الآن

كما أفعل عادة كلما يتوفي عزيز عليّ

أما الشمعة الكبيرة قستوقد عندما

يصدر كتابه .

مع مودتي

محمد
-----------------------------------------------
* د . محمد محمود ، مؤسس ومدير " مركز دراسات ونقد الأديان " ، أصدر مؤخرا كتابه الكبير " نبوءة محمد " ، يسعي ليجعله متاحا في النت عما قريب .
* ناصر بن رجب ، كاتب وأديب تونسي ، صديق مقرب جدا للعفيف ، قد رافقه في لحظات موته وبعده .

مات العفيف حقا ...
------------------

باريس ـ من الطيب ولد العروسي: سمعنا كلاما كثيرا حول محاولة انتحار العفيف الأخضر في الآونة الأخيرة، و تتبعت ما كتب عنه في الصحف التي أكدت بأن يده شلت و لم يستطع الكتابة بها، و مل من الاتكال على بعض أصدقائه و معارفه الذين كان يملي عليهم ما يرغب في كتابته، لكن محاولة الانتحار باءت بالفشل فنقل إلى أحد المستشفيات باريس، لكنه توفي يوم السبت 27 تموز (يوليو) 2013.
عرفت الخبر عبر أحد الأصدقاء فاتصلت بالصديق الروائي خليل النعيمي وقلت له بأن العفيف توفي، وأن عملية الدفن ستتم يوم الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013، ضربنا موعدا و ذهبنا لتوديع صديقنا العفيف – الذي اختلفنا معه ولم نعد نلتقي به منذ حرب الخليج الأولى- لما وصلنا إلى المستشفى لم نجد أحدا. طلبنا تفسيرا من المسؤولين فأحالونا إلى المقبرة المقابلة إلى مستشفى «مونفيرماي»، لما دخلنا القاعة التي كان موجودا فيها التابوت، وجدنا الصديق ناصر بن رجب يقف وحيدا ينتظر، فسألناه فقال إنه لم ير أي شخص آخر غيرنا، وينتظر أن يأخذوا جثة العفيف.
و في الأثناء جاء أحد أصدقائه، وهو مهندس مصري، وجد نفس الصعوبات في التنقل لكون الأشغال المقامة في الطريق المؤدي إلى المستشفى هي التي أعاقته عن الحضور في الوقت المناسب ، تكلمنا عن ظروف موته ثم افترقنا نحن الأربعة ولا أحد آخر كان معنا لتشييع جثمان هذا المفكر التونسي الذي كان مثار جدل ونقاش طويلين.
كنت وأنا متوجه إلى المستشفى أفكر بأنني سألتقي مجموعة من الكتاب و الإعلاميين و المفكرين العرب الذين لهم علاقة بالعفيف، أو بفكره، غير أنني لم أجد أحدا، فصرحت بذلك إلى الدكتور خليل النعيمي فقال في حيرة و ألم إنه فكر في الأمر نفسه، و راح يذكر غياب بعض الأسماء التي توقع أن تكون موجودة.
عرفنا بعدها أن الانتحار لم يكن هو سبب موت العفيف، فالسبب هو مرضه بالسرطان في الرئة والذي عم جسمه، ما دفعه للعملية الانتحار التي لم تنجح.
قال لي الدكتور خليل النعيمي:
كيف بالله عليك مفكر و رجل في مستوى العفيف لم يحضر لموته أي شخص؟ تساءلنا كثيرا و نحن عائدان إلى باريس، و راح كل منا يتكلم عن بعض الذكريات التي جمعته مع العفيف ( نعرفه منذ سنة 1975) ، الذي كان يتمنى البعض أن تسنح له فرصة الحديث معه ، أو أن يمنحه لقاء في صحيفة، لذلك افترضت أن يحضر، على الاقل، بعض رجال السياسة، أو الرفاق الذين كانوا معه ، خاصة في السنوات الأخيرة من حياته…
سؤال محير فعلا، ربما يعود ذلك إلى أن الناس ليست على علم، أو ذهبوا في عطلة، أو حمدوا الله على أن عملية الانتحار لم تود بحياته، وبالتالي فهم يفكرون أنه لا زال على قيد الحياة.
لقد مات المفكر العفيف الأخضر بعد صراع مرير مع المرض، تاركا وراءه مجموعة من الكتابات و المواقف، و على الباحثين و المهتمين بالشأن السياسي أو الفلسفي أو الفكري العربي أن يعودوا إليها خصوصا في هذه الفترة فترة ما يسمى بـ «الربيع العربي». مات العفيف وحيدا تقريبا، و حضر جنازته أربعة أشخاص لا غير (هم نحن)، والآن ستبدأ الكتابات، كعادتنا في مثل هذه الاحول، حوله ذكراه مادحة خصال الرجل و محللة أفكاره ومواقفه، وربما متأسفة على رحيل مفكر عربي كبير أصاب و أخطا في الكثير من تحليلالته و مواقفه .
رحمه الله رحمة واسعة.
العفيف الأخضر في سطور
هو مفكر تونسي مثير للجدل انقلب من أقصى اليسار إلى الليبرالية.
ولد سنة 1934، مكثر، تونس.
تلقى تعليمه بجامع الزيتونة في الخمسينات، ثم بمدرسة الحقوق ليعمل بعد ذلك محاميا فيما بين 1957 و1961، وشارك في الدفاع عن صالح النجار الذي حكم بالإعدام بسبب تهمة محاولة اغتيال الحبيب بورقيبة. غادر البلاد بعد ذلك نحو باريس ثم نحو المشرق العربي ليقيم في بيروت، وانخرط هناك بالمقاومة الفلسطينية وشارك في حركة الجدل السياسي والفكري الذي عرفته بيروت وأسس ما يشبه المدرسة الفكرية. ثم عاد إلى فرنسا حيث أقام منذ سنة 1979 حتى رحيله.
انضم في الخمسينات إلى الحزب الحر الدستوري الجديد.
قام بترجمة بيان الحزب الشيوعي، وهو ما جعله يحظى بمكانة خاصة في أوساط اليسار الطلابي التونسي في السبعينات والثمانينات. غير أنه تحول إلى أحد دعاة الليبرالية منذ سقوط الكتلة الشرقية في مطلع التسعينات.
وصف «الثالوث المخيف: طاهران وعفيف» (الطاهر وطار والطاهر بن عيشة، بسبب كتاباتهم المثيرة للجدل في جريدة الثورة والعمل.
تأثر بكتابات عبد الرحمن الكواكبي وشبلي الشميل وطه حسين وقاسم أمين ولطفي السيد وسلامة موسى وأحمد أمين.
قام بمحاولة انتحار فاشلة في منزله بباريس في يوم 27 يونيو 2013. وكان قبل انتحاره بأسابيع قد ترك نصا عن كيفية الانتحار. أما دافعه للانتحار فكان، على الأغلب، بسبب أنه في مراحل متأخرة من مرض السرطان حيث أخبره الأطباء أن لا أمل بشفائه، كما أنه لم يكن حوله من يعتني به في أواخر أيامه.
---------------------------------------------------------------------------
* نقلا عن " القدس " 2/8/2013 .




ليست هناك تعليقات: