Powered By Blogger

السبت، مايو 24، 2014

محجوب شريف نزل مدني بالحزب الشيوعي ...




* الصور : محجوب وأسرته و الأمسية ...
---------------------------------------

أمسية حب في تبجيل محجوب شريف .



( يا أهل مدينتنا

 هذا قولى

 انفجروا أو موتوا

 رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجىء

 لن ينجيَكم أن تعتصموا منهُ بأعالى جبل الصمت.. أو ببطون الغابات

 لن ينجيَكم أن تختبئوا فى حجراتكمو

 أو تحت وسائدِكم.. أو فى بالوعات الحمّامات

 لن ينجيَكم أن تلتصقوا بالجدران

 إلى أن يصبح كل منكم ظلاً مشبوحاً عانقَ ظلاً

 لن ينجيَكم أن ترتدُّوا أطفالاً

 لن ينجيَكم أن تقصر هاماتكمو حتى تلتصقوا بالأرض

 أو أن تنكمشوا حتى يدخل أحدكمو فى سَمِّ الإبرة

 لن ينجيَكم أن تضعوا أقنعة القِرَدة

 لن ينجيَكم أن تندمجوا أو تندغموا

 حتى تتكون من أجسادكمُ المرتعدة

 كومةُ قاذورات

 فانفجروا أو موتوا

 انفجروا أو موتوا . ) ...
                             - صلاح عبد الصبور -

1 :
في يوم الخميس ، الأول من مايو  وفي ذكري عيد العمال العالمي ، استضاف الحزب الشيوعي بمدني أمسية كرنفالية ضخمة مع محجوب شريف بداره بضاحية ... بود مدني . نصبت سرادقات كبيرة أمام الدار حتي كادت تقفل الشارع العريض ، سعة في الحفل وفي المعني الصمود و ... البشارة . أعلام الحزب الشيوعي الحمراء ترفرف عالية وشامخة في الأعالي و محجوب يحتضن المساء في صوره الكبيرة الموزعة بإتقان رائع علي المداخل والممرات وواجهات المكان . الحضور كان حشدا كبيرا من الشباب ، أولاد المستقبل والبنات اليانعات في نشيد الثورة والأغنيات ، جل الحضور كان شبابيا في حمي الوطن البنادي ، في " الحدادي مدادي ...
وطن خير ديمقراطي " ، هكذا ظلت الأناشيد السماويات لمحجوب ووردي وكورال الحزب الشيوعي تصافح الزمان الليلي البهيج وتحلم بالتغيير وبالثورة ، بالغد الجميل الذي سيجئ لا محالة . كم كبير من أشعار محجوب شريف ظلت تجلل المكان ، بالصوت العالي والنبرة الواثقة تصاحبهما لقطات حية لمسيرة حياة محجوب التي هي – أيضا وأيضا – مسيرة الوطن نفسها في مراحل النضال المختلفة . أثنان ، أو هما ثلاثة ، هكذا ظننتهم لوهلتي الأولي ، لكنهم كانوا رعيلا من النجوم ، عصافيرا تغرد في محفل التبجيل ، شباب وشابات في الوداد الأثير لسيرة ومسيرة محجوب : سعد محمود ، ومتوكل الدابي ( كولا ) ، نسرين جكنون ، مجاهد الرفيع وأحمد تلاجة ، كانوا علي يسار المنصة ، يا للروعة ، دائما إلي اليسار :
" إذا سألتني
  فأنني أختار ،
  أختار في مسيرتي اليسار
  القمح واليسار
  الدمع واليسار
  الموت ...
  حتي تنقل الأرض مسارها إلي اليسار ! " ...

أشعلوا شموع الثورة في الحشود ، حكوا التاريخ وابنوا  في الليل مشاعل وأناشيد ، كان محجوب شريف حاضرا ، فاردا ذراعيه ومنشدا في الملأ بالنشيد الطويل .  خفتت الموسيقي وأنصت الشعر قليلا حين صعد سكرتير الحزب الشيوعي بمنطقة الجزيرة والمناقل الأستاذ/ هاشم ميرغني المنصة العالية فقدم التحية للحزب والثورة وللشهداء ، وتعالت الهتافات : ( ماك الوليد العاق / لا خنت لا سراق ) حين قدم التحيات لمحجوب شريف ، التحيات الذاكيات و ... قد كانت زهورا معطرة تلك الليلة . سرد هاشم بعضا من سيرة محجوب وأوضح كيف هي متلاحمة مع نضال الشعب السوداني ومسري نضاله الجسور ، وتلك كانت مأثرة محجوب الخالدة ، حين جعل في الشعر وجها للنضال وجسدا في الشعب . المدهش في رؤية المشهد كان الحضور الطاغي اللافت للشباب ، أولاد وبنات ، ليس حضورا فحسب بل أنهم هم أنفسهم من أداروا الحدث بكاملة ، كانت أمسيتهم ، صنعوها بأيديهم وإبداعهم كأجمل ما يكون ، منحوا محجوبا كامل مودتهم وحبهم فردوا – مثله – إليه الجميل . حضر من الخرطوم وشارك – بجماليات الأغاني والأناشيد – كورال الحزب الشيوعي ، يجلله الأحمر وشعارات الحزب والموسيقي بقيادة المايسترو الرائع ، وعيا وإبداعا ومقدرة ، الأستاذ / الهادي جمعة جابر . حين ذهبت إليه بمعية الشاعر حمزة بدوي نسلم إليه ونشكره قال : " من حق مدني وأقاليم السودان المختلفة أن تكون في اعمالنا ، هذا واجبنا " ! جميلا في الألحان ، في الموسيقي ، في الغناء وفي الأناشيد ، الكورال كان عالما من البهاء ، باقة معطرة بحب الشعب ، قدمها ذلك الرعيل الجميل في حب محجوب شريف ، في حب الوطن والشعب السوداني و ... في الحزب الشيوعي تلك الليلة .  المحامية الجميلة عضوة اللجنة المركزية هنادي فضل كانت واقفة – سامقة في وسامة – منذ بدء الأمسية وراء الكاميرا ذات الحمالات تسجل بالصورة والصوت تلك الليلة البهيجة ، " عشان الشعب السوداني ، وعشان محجوب و ... الناس الجايين " كما كانت تقول وإبتسامة الفرح تضئ وجهها و ... البريق يشي بالفرح ، فقد أطمأن القلب منها ، لكأنها قد رأت أمنية محجوب شريف قد تحققت : " وطن خير ديمقراطي " ، وهي من موجبات الفرح والغبطة كما هو معلوم لدي الشيوعيين والقوي الديمقراطية في صف التقدم .

شعراء ... شعراء علي درب محجوب شريف :

كانوا أربعة ، لكنهم بدو – تلك الليلة – كتيبة كاملة من الشعراء ، من سلالة الشعر النقي الجليل الذي ينضح عطره في الناس ، وتبدو أغانيه جذوة ووردة علي قلب الوطن ، ونشيدا عاليا في الشعب . جاءوا كل يمسك إليه قصيدته ، فيعانقها أمام الملأ و ... يقبلها في حضرة شاعر الشعب ، بادلوه المحبات والهبات كلها ، وغنوه أغاني الشعب والوطن والحزب ، ولم  يكن ليرضي منهم غير ما هم عليه ...
القصيدة لدي محجوب شريف ليست محدودة بمواصفات نهائية ، سواء في أسلوبها أو في شكلها ، بل يراها إمكانية تعبيرية عن الواقع الإنساني بمختلف خصائصه وملامحه وقسماته القومية والنوعية ، تكتشف فيه قوانينه الاجتماعية الأساسية ونماذجه الإنسانية الجوهرية المعبرة عن حركة الحياة وعملياتها النشطة ، وتفاعلاتها الجدلية ، تفعل ذلك كله فترتفع بالأدب إلي مستوي إنساني وتاريخي شامل  ، دون أن ينال ذلك من دلالته المحلية والقومية والاجتماعية ، تلك ، كما رأها شريف ، تنمية لوعينا وشحذ حقيقي لنضالنا ، وفي ذات الوقت تعميق لإنسانيتنا في مواجهة الحياة . كانت وصايا محجوب ترفرف علي قامات الشعراء الأربعة ، أكيد كانوا يستمعون – بالقلب واللغة – إلي وصيته :
" إلي التي ستطلب مني الطلاق من أعلي مكان إذا جئتها بخزائن الأرض ، ثمنا للحظة متخاذلة !
  إلي والدنا ، الشعب ، الذي علمنا معا أن السترة ولقمة العيش الحلال كنز لا يفني ، وأن راحة الضمير أجمل سكن .
 وإلي الأصدقاء من كل حدب وصوب ، من النساء والرجال ...
 من لا يطيب عنهم بعيدا رحيل
 أهدي بعض أنفاسي التي لو لا همو ، لما كانت ولا كنت ! " ...

هكذا قدم لأشعاره ، وتلك هي أنفاسه مبثوثة في الناس ، في الشعراء الأماجد ، الأربعة :
* عاصم الحزين ، ذلك المسكون ، كما محجوب ، بحب الشعب والحزب ، ومهموما بالقصيدة بملامحها في عاميتنا ، وعاميتنا ، كما هو معلوم ، متعددة ومتنوعة وذات مساحات واسعات في أفق قصيدتنا ، عاصم – علي نقيض ما يوحي به اسمه – مجترح  الفرح في  القصيدة ، متجها بها وجهة مغايرة مبتكرة ، وخائضا بها في بلبال الناس وفي اليومي الخشن من حياتهم ، لكنه مطرزها بخيوط الحرير وورق الورد ، ومعطرها بعبق نضالات الناس و ... أشواقهم . وبوجدانه وألق قصيدته ، كان يخالط أنفاس محجوب مع دواخله فيجعلها لأنفاسه الشخصية رفقة في قصيدته ، ويلبسها أثوابا جديدة هي أثوابه التي من صنع موهبته اللامعة . قدم الحزين شهادته كاملة بين أيدي  الشعب والوطن ، بين يدي محجوب وحشد الحضور ، كان جميلا في شعره ، جميلا في حضوره المفاجئ حد الدهشة التي جعلت الشباب يطربون له ويستزيدون . عاصم وعد أن يعود مرة أخري لمدني فقال : " أنا تحت طلبكم في أي وقت تحددونه " ، شكرا عاصم الفرح ، فرح الجميلات في دواخلك النقية أيها الصاحب .
* عمر علي ، كان منشد الحال في الأمسية ، حال البلد وحال الناس ، في يومياتهم الخشنة ، يعيشونها ويتناولون خشونتها بليونة الماء و سخرية الزمان المستعار ، فالبلايا جالبات التعجب الفكه والرؤيا الأنيسة في المجتمع ، كان قد تناول أوجاع الناس " يجملها " فتبدو هينة ومقدورا عليها حين النضال والكر ، وللتعجب عنده مآلات يضفيها علي لغته العامية فتبدو أغنية و ... نشيد خفيض الصوت لكنه بالغ الدلالة ، مبتدع صور ومعان مبتكرة وبأداء محبوب جعله ينال الرضي والقبول ، الحضور ألح عليه ليسترسل لكن البرنامج كان مكتظا بالفقرات الكثار ، شكرا عمر ، فقد أفرحتنا أيضا .
* بدر صالح ، كما الزنبقة في حديقة القصائد ، برع أيضا في الإلقاء وفي اللغة ، كان محبا كبيرا لمحجوب شريف ، وجعل من قصيدته تحية إجلال وحب إليه ، فقد أستحق تقدير الحضور وحبهم ، و ... يستحق شكرنا .
* حمزة بدوي حجازي ، كان – كعادته – متألقا وهو يتلو قصيدته الرائعة " ضي ثوار ، وسيم القافية ، نبض الشعب " ... من بين كل شعراء العامية عندنا لم أعرف من يفوق حمزة حبا لمحجوب شريف ولا من يسير سيره في القصيدة والنضال . لا ، لست أقول عنه أنه يخطو نفس خطواته في لغة القصيدة وفي صورها ومضامينها ، لكنه ، كما قال هو نفسه ، أنه تلميذ في مدرسة محجوب الشعرية . حمزة شيوعي في القصيدة ، وكذلك في النضال وفي تفاصيل حياته ، أبدا لم يتردد ولا مرة واحدة أن يبتعد بقصيدته وموهبته الكبيرة بعيدا عن الشعب والوطن وقضاياه ونضاله صوب المستقبل ، ولا فكر أبدا – مجرد تفكير – أن يبعدها عن الحزب الشيوعي ، لم تراوده أحلام تطور القصيدة بعيدا عن الايدولوجيا ، وهم يعلم تماما أن الايدولوجيا " مهنة البوليس والدول القوية " علي قول درويش. أستطيع أن أقول ، بقلب مطمئن ، أن بدوي هو الوجه الشعري لمحجوب ، يعيش ويجعل قصيدته معلقة علي رايات الحزب ونشيدا في الناس ، شكرا للقصيدة ، تحيتك المبجلة لمحجوب ، ولقلبك الوسيم محباتنا يا رفيق الحزب والثورة و ... شعبك المعلم .
شموع الحزب في أيدي الشباب ، لدي الجميلات البنات والشبان في المهرجان :
فقرتان ، لوحتان دخلت إلي الأمسية – فجأة – من حيث لا يدري أحد ، مثلما الضوء ، بغتة يغمرك فتكون في الرؤية المبدعة .
محجوب كان قد جاء  إلي ود مدني قادما إليها من المدينة عرب ليلتحق بالمدرسة المتوسطة ، مكث إبان دراسته تلك في حي
القبة لدي أسرة عبد الحليم  لقمان . تلك فترة من صباه ظل محجوب ذاكرا لها وحفيا جدا بتلك الأسرة الفاضلة . اللجنة المنظمة ، التي مثلتها في الحفل وخاطبت الحضور باسمها الشابة الفصيحة النابهة / نضال ، كانت نضال حاملة لسيرة محجوب ، لشعره ونضاله ، ولمسيرة الحزب ، فقد جاءت اللوحة الأولي عبارة عن معلومة مهمة عن حياة محجوب ومشهد إنساني كبير : اللجنة المنظمة أتت بالوالدة وأبنتها وأبنها ممثلين للأسرة وأجرت لهم تكريما جميلا ، وكم سألت الدمعات من المآقي عرفانا وتقديرا ووفاء لتلك الأسرة ، كان المشهد رائعا ، وقد رأيت الدموع ، تأثرا ، تطفر من عيني الأم واولادها ، قلدوهم الوشاحات وفي قلوبهم نثروا عطر المحبة والفرح ! أما اللوحة الثانية فقد أخذتنا من عمق هذا المشهد الإنساني إلي حيث شهداء الحزب والثورة والوطن : لوحات كبيرة ملونة يحملها البنات والأولاد عاليا لعبد الخالق والشفيع وقرنق ومحجوب شريف وميرغني محمد شريف أبو شنب ، والعاص وعبد المنعم رحمة و ....أشتد في الناس الحماس ، فنهضوا وقوفا ينشدون ويصفقون والموسيقي تملأ أفق المشهد بكامله ، تلك لوحتان زرعتا أملا وأغنيات في النفوس اليانعة ، تلك كانت ، بحق ، شموع الاحتفالية وضوءها .

في تذكر صورة و ... مشهد :

صورة بديعة ومؤثرة كنت قد عثرت عليها في النت ، وظلت عالقة بقلبي لا تبارحه ، جمعت بين وردي ومارسيل خليفة ومحجوب شريف ، وثلاثتهم في طليعة الغناء والأناشيد وشعر القضية ، في الموسيقي التي تصور وتقول ، وفي الشعر الذي يحكي بما في حياة الناس ، مواجعهم وأشواقهم وأفراحهم وأمانيهم في الغد الجميل الآتي . رأيت تلك الصورة مجسدة أمامي حين شرع الفنان المبدع ربيع عبد الماجد في الغناء . ربيع سجل الموسيقي علي لابتوب بأبدع ما يكون ، ثم جعلها في الميكرفون المهول للأمسية ، ثم رافقها بالغناء وبالنشيد ، وهو – إلي جانب صوته الناصع القوي – قد أمتلك أداء جسديا معبرا يرافق الألحان والشعر والغناء ، يتحرك من تلقاء دواخله ومواجده التي تصاحب الأغنية إلي أن يبلغ موضع الجالسين الرشاق فيطرب هو ويطربهم ويحدث ذلك التفاعل الحيوي بينه والحضور ، تلك هي البرهة المذهلة في عذوبتها البادية التي جعلني فيها ربيع ، فتذكرت الثلاثي " الوردي " في وجداننا الغنائي والموسيقي ، ثم جعلني – أيضا وأيضا – في مشهد لوركا وهو يقول عن تلك القوة الغامضة في الغناء التي يحسها كل فرد ، لكن لم يشرحها أي فيلسوف . تلك القوة التي تفعل بجسم الراقص ما يفعله النسيم بالرمال ، وبقوي سحرية يحول فتاة جميلة إلي شخص يشله القمر ، أو يغمر بحمرة خجل المراهقة عجوزا محطما يستجدي حول الحانات، أو ينقل من خصلات شعر طويل رائحة مرفأ بالليل ، وفي كل لحظة يحرك الأذرع في حركات تستولد – من تلقاء عواطفها – رقصات تتلوها رقصات . غني ربيع وأنشد ، وهبنا ليلية الشجن وجنون الإيقاع ، غني لدرويش ولمارسيل ولمحجوب شريف ، و ... أبدع ، في الفكرة ، وفي الصوت ، أو في الحركة والإيماءات  وهي تقاتله علي حافة البئر ، لكنه ، وهو في قلب الغامض الساحر ذاك ، يقنع بعطايا الكمان وبالإيقاع المحسوب ، هذا الغامض الجميل أحسسته يجرحه ، وفي التئام هذا الجرح الذي أبدا لا يندمل ، يوجد الشئ المذهل في تجربة ربيع الغنائية ، الشئ الأصيل البهي في عمل الإنسان ، ذلك الذي راه ربيع في إبداع محجوب شريف . بوركت أيها الفنان الجميل النبيل ، بوركت !

أنا ، و ... الدينمو / الجبل :

كنت قد أعددت – بطلب من اللجنة المنظمة - ورقة لتقدم في الأمسية ، " في تذكر وتبجيل محجوب شريف " ، عبارة عن لوحات ومشاهد عشتها معه ، فرأيت فيها ، حين رأيتها منه ، جديرة أن تري وتكون محطا للتأمل العميق والدرس بشأن هذه الشخصية الإنسانية الفذة : حياته وموته ، نبالته التي تجعله في حب وعشق الناس ، كل الناس ، قلبه الذي يدفعه دفعا ليكون نصيرا وداعما لفقراء الناس والمرضي والمعوقون ، صلابته وعناده الذي لا يلين طلبا للحق والعدل ، وكبرياؤه الذي جعله لا ينحني لجلاد أو طاغية أو أمنجي ، رفضه القاطع – الحاد أحيانا – لنيل أي مساعدة  ، أيا ما كانت ، ممن يزدريهم ، قصة حملة جمع التبرعات لعلاجه وكيف حولها لمشروع قومي لعلاج مرضي الرئة وقصيدته البديعة " شكرا لهذي الرئة " ، ثم قصة سهي ومشروع فكة سهي ! أعددت الورقة ، فوضعتها أمامي علي درج المنصة وبدأت أسرد – كمدخل – كيف أصيب محجوب بالمرض وكيف مات . لم تمضي علي أكثر من عشرة دقائق حتي أتاني نصر الدين الجبل ينبهني بورقة للزمن ! التفت إليه متسائلا هل أتوقف ، فنزلت لتوي حين أجابني بنعم ! امتثلت ، وما كان لي أن أفعل لو أتتني من غيره . فقد كنت مراقبا لهذا " الدينمو " في كل تحركاته تقريبا ، حيث كان – بحق – هو المحرك  لهذا النشاط المهول في الإعداد والتنظيم والأشراف والاتصالات ، كان الدينمو المحرك الذي أضاء ، من بعد ، كل هذا العنفوان في المهرجان . تجلت براعته في الإمساك بالفكرة ولحظتها ، ثم شرع ، تعاونه شبكة ممتازة من الشبان والشابات يمدونه بالوهج وانجاز الواجبات ، يعد للمهرجان عدته حتي خرج للناس بكل هذا الألق الجميل ! أنتصر الجبل علي كل المعوقات فقد كانت الإرادة أمضي وأكبر . حتي حين ماطل الأمن – كعادة الكيزان – فلم يمنح " التصديق " لإقامة المهرجان إلا بعد عصر الأربعاء وتحدد للأمسية مساء الخميس ، لكن الجبل ورفاقه تخطو ذلك العائق فأوصلوا الدعوات بأساليب مبتكرة للناس . فقد حضر ممثلو أحزاب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والبعث والوطني الاتحادي ، كانت حشودا في درب محجوب شريف ، درب الحزب والوطن ، وغاب الأمن عن تلك الحشود في ليلية الحزب ، يشتد النضال فيتواري البغاث !
أشخاص ومؤسسات عديدة شاركت في إنجاح المهرجان ، من قدموا الصيوانات والكراسي ، من قدموا مالا لتمويل التكلفة ، من بذلوا سواعدهم الفتية تنهض بالكثير ، من أحضروا الوجبات من منازلهم لإطعام مجموعات الشبان والشابات المرابطون في دار الحزب يعدون ويجهزون الأدوات والمكان . كم كان جميلا ورائعا مشاركة المجتمع ودعمه ، فقد صار الحزب في ضمير الناس :

أنشودة الغد
التي تنير المستقبل ،
متألقة ...
غنية بالفكر والأمل
لطيفة التكوين ...
لا تشوبها الأحزان أو العناء
أنشودة تبلغ روح الأشياء
روح الشباب
وروح الرياح ...
وتستقر ، أخيرا ، بهجة في القلب :
في الحزب الشيوعي !

ليست هناك تعليقات: