Powered By Blogger

الاثنين، نوفمبر 26، 2012

الشاعرة سعدية مفرح في فخ المتأسلمين ... !

                                                       


" أيها الشاعر
الناسج بردته من نجوم الكتف ,
لا تخف ...
أرهم في يديك الحجر " !
- ديشاب -

من المعلوم إن لكل إنسان رؤيته الثقافية التي تتجلي وتتجسد في تصوراته ، وفي سلوكياته العملية ومواقفه الأجتماعية . هذه الرؤية ، رغم طابعها الشخصي الذاتي ، ليست مجرد رؤية شخصية ذاتية صنعها الإنسان لنفسه بنفسه ، مهما كانت عبقريته الفردية ، أو مهما كانت مشاركته الإبداعية في إغنائها ، وإنما هو قد " إمتص " هذه الثقافة من الحقل المعرفي الأجتماعي الذي يعيش في بلباله ، فضلا عن موقفه الاجتماعي ، وممارساته وخبراته الحياتية في مجتمعه الخاص ، وفي عصره أيضا . نقول بذلك ، ونحن نتتبع " الأزمة " الناشئة في بلادنا ، من إختلال العلاقة بين السياسات المعلنة ، وبين الممارسات العملية ، كما تنبع من التناقض بين السياسات والممارسات ، وبين ما يحتدم به واقع الحال تحت حكم المتأسلمين من دعاة التخلف والتدين الزائف في السودان ، لأكثر من عقدين ، منذ انقلبوا علي الديمقراطية وأجهضوها بقوة السلاح وأستلوا علي مقاليد الحكم منذ 30 / 6 / 1989 ، حتي يوم الناس هذا ، التناقض بين ذلك ، وبين الإحتياجات والضرورات الموضوعية الملحة للتغيير والتجديد والتطوير ، وهو التغيير الذي بات يطال العالم بأسره ولا يستنثني منه دولة أو شعبا ! هذا الواقع ، فرض علي نظام الحكم أن يفقد مصداقيته ، أمام شعبه ، ثم أمام العالم كله ، ونتيجة لذلك فقد سيطرته علي المجريات السياسية والأجتماعية . لهذا شرع النظام يتصدي لمجابهة وصد هذا الخطر إلي : القمع الايديولوجي ، والقمع الأداري ، والأغراء أو الإغداق المالي لشراء الضمائر والذمم . يقوم النظام بالرقابة الأمنية الصارمة علي الكلمة المكتوبة والمنطوقة ، يصادرون ، بجلافة وقسوة ، الأفكار ، ويقمعون ويسجنون المثقفون ، ويجري تعذيبهم وقتلهم ... يحرمون الجماهير من تشكيل تنظيماتهم السياسية والنقابية والمهنية بحرية ، ومن المشاركة الديمقراطية في صنع وتنفيذ القرار السياسي والأجتماعي الذي يمس حياتهم ويشكل مستقبل بلادهم . إلي جانب ذلك ، هناك كما ذكرنا ، الاغراء المالي ، إغراء المثقفين وشراء كتاباتهم ومواقفهم وتشويه ضمائرهم بمال الشعب المنهوب بواسطة السلطة الحاكمة ، وهكذا فأن إغداق المال بسخاء في جبهة الثقافة غدا أداة فعالة في آليات القمع للنظام .، ولايزال – بفضل هذا المال نفسه – يشكل الوعي الزائف الذي يعمي كثيرا من العقول والقلوب والعيون ، وما أكثر ما يستعين النظام القمئ بمفكرين ومثقفين كأبواق للتضليل والخديعة ، بعضهم عن إقتناع صادر عن وعي زائف ، ورؤية أجتماعية ضيقة وقاصرة ، وبعضهم عن تبريرية ومصلحية وانتهازية رخيصة !
من المعلوم ، وقد بات معلوما الآن علي نطاق واسع أكثر من أي وقت مضي – أن النظام المتأسلم في السودان ، قد مزق البلاد وأشعل الحروب الأهلية ، ودمر الأقتصاد وأشاع الفقر والجوع والمرض ، وتدني التعليم والخدمات الصحية والبئية ، ورهن سياسة البلاد إلي الاحلاف الأسلامية المتطرفة والتنظيمات الأرهابية ، وماحدث بالأمس القريب من الهجوم الصاروخي علي مصنع الأسلحة والذخيرة بواسطة الأسرائيليون في قلب العاصمة الخرطوم ، ما هو إلا دليلا علي تورط النظام في الحلف الأسلامي الأرهابي ، حيث أن المصنع مولته وشيدته أيران بالمشاركة مع نظام الخرطوم ، ويجري تهريب وبيع السلاح لصالح حماس والمنظمات الأسلامية المتطرفة هناك ، وهو ما تسعي أسرائيل ، بمسئولية عالية وبجدية ، وفي صمت ، بتعقبه وتدميره ، وقد أحدثت أكثر من ثلاث غارات جوية من قبل ، واحبطت بها تهريب السلاح للمتأسلمين هناك ، وقبل ثلاثة أيام فقط ، من كتابة هذا المقال ، أجتمع بالخرطوم في المؤتمر الأسلامي كل قيادات الأسلاميين المتطرفين من تونس ومصر وليبيا والصومال وحماس وغيرهم ، لدعم نظام الخرطوم وتنسيق الأعداد للجهاد ونشر الدعوة ! النظام في الخرطوم ، الآن ، يشن أبشع هجمات القمع وأشرسها ، ضد المثقفين والكتاب والصحفيين ، والمسرحيين والفنانين ، والنساء الناشطات في منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ومناهضة قهر وتعذيب النساء ، تعرضوا – رجالا ونساء – لأبشع أنواع الذل والمهانة والسباب والتعذيب بشتي الأساليب البشعة التي يندي من جرائها جبين الإنسانية والشرفاء في العالم كله ... بالأمس القريب – قبل عشرة أيام فقط ، تم إختطاف الصحفية سمية اسماعيل هندوسة من الشارع العام ، عصبوا لها عيونها وقادوها إلي أحد " بيوت الأشباح ( وهي الدور التي إبتدعتها عقلية المتأسلمين المجرمة ليمارسوا فيها التعذيب الجسدي والنفسي للمعارضين ) ، تعرضت الصحفية للتعذيب الجسدي ، من الضرب وحتي الكي بمكواة الكهرباء علي ذراعها أسفل الكتف ، ثم التجويع وجري قص شعرها ، وأمطروها بالشتائم البذيئة والعنصرية ... بعد إطلاق سراحها ، جري تهريبها للقاهرة حيث عقدت مؤتمرا شرحت فيه وكشفت ما تعرضت له من تعذيب ( الفيديو متاح علي اليوتيوب في النت ) ، هكذا يتعاطي النظام الديكتاتوري المتأسلم في السودان مع قضايا الثقافة والمثقفين ، ولكن ، ما علاقة كل هذا الحديث ، بالعنوان و بسعدية مفرح ؟
سعدية مفرح : شاعرة وناقدة وصحفية من الكويت . رئيسة القسم الثقافي بجريدة " القبس " الكويتية ، وكاتبة راتبة في مجلة " العربي " الكويتية ، ومجلة " الكويت " ، وجريدة " الرياض " السعودية .
صدرلها من من الكتب الشعرية :
- " آخر الحالمين كان " .
- " تغيب فأسرج خيل ظنوني " .
- كتاب " الآثام " .
- " مجرد مرأة مستلقية " .
- " تواضعت أحلامي كثيرا " .
- " ليل مشغول بالفتنة " .
- " قبر بنافذة واحدة " .
- " مشية الأوزة " .
- " شهوة السرد " .
- " يقول أتبعيني ياغزالة " .
- " وجع الذاكرة " .
- " حداة القيم والوحشة " .
- " ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين " .
- " سين ، نحو سيرة ذاتية ناقصة " .
- " النخل والبيوت " مجموعة شعرية للأطفال أصدرتها لها مجلة " العربي " .
اضافة لهذا الكم من الكتب ، فقد حصدت العديد من الجوائز ، وحضرت سمنارات ومؤتمرات ومنتديات، ونالت كتبها حظها من الترجمات إلي اللغات الحية ... هكذا ، نراها ، كاتبة وشاعرة مثابرة ، وغزيرة الأنتاج ، وقامة ثقافية عالية ، سواء في بلدها الكويت أو خارجها ، فما الذي يجعل شاعرة ومثقفة بهذا المستوي ، ترمي بنفسها – وهي مفتحة عيونها – في مستنقع المتأسلمين الآسن في السودان ؟
دائما ما يحضرني ، في مثل هذه المواقف ، موقف الشاعر والأكاديمي الامريكي الكبير " أزرا باوند " ، أستاذ ومعلم " ت . س . أليوت " ، في الشعر والثقافة ، ويعتبر باوند ، مؤسس ورائد القصيدة الحديثة في الشعر الاميريكي ، كيف نهض ، ووقف - بكامل وعيه وذكاؤه – خلف ميكرفون اذاعة روما الفاشية ، يمجد موسليني والفاشية ويمدحهما ، ويندد بالديمقراطية وحقوق الإنسان ... لقذ جن من بعد ، حين لفظته – بادي الأمر بلاده وسحبت منه جنسيته - فعاد بعد هزيمة الفاشية والنازية وأنتهاء الحرب ، إلي بلده ليقضي بقية عمرة التعس في أحدي المصحات العقلية هناك ! أتذكر واقعة جنونه وعماه ، وهو الشاعر والمثقف والأكاديمي الكبير ، وأنا أتأمل في حال سعدية مفرح التي رمت بنفسها ، بوعيها وثقافتها وشاعريتها ، في الفخ الأسلامي القمئ ، فتصبح ، في عداد من سقطوا في وحل السلطان ! تحسرت جدا ، علي حال الشاعرة وهي تلبي – كمن لا يعرفها سوءات النظام ، ولا إستدراج وزارة الثقافة ، للمثفقين إلي تلك الفخاخ ، ليجملوا القبيح ، بحضورهم ، ولكن ، هيهات أن يغدوا القبيح جميلا جراء ذلك السقوط ! تقول سعدية : " ... في الفندق الذي لا يبعد عن المطار إلا دقائق معدودة ، أكتشفت حقائق أخري مذهلة بالنسبة لي عن الخرطوم وعن السودان بشكل عام . أولي المفآجات تواجد عدد كبير من الخليجيين ، السعوديون تحديدا ، بملابسهم الشعبية في بهو الفندق ، ولأنني أعرف جميع ضيوف مهرجان " ملتقي النيلين الشعري " ، أكتشفت أن هؤلاء السعوديين ليسوا من الضيوف ... سألت سؤالي الأول لمرافقتي السودانية ، فقالت : إنهم سياح ! لم يعد لسؤالي المندهش أي معني بعد مضي عدة أيام لي في الخرطوم ، فقد أكتشفت ، إنها عاصمة مثالية للسياحة من وجهة نظري " * :
" سواح أيه
يابنت الناس
ماعندك رأس ؟
علماء آثار ...
علماء أيه ،
ما خموها الجونا قبلكم
شن خلولنا بلا حجار !! " ...
كما قال شاعرنا الراحل حميد !
حتي أطفال السودان ، يعلمون تماما ، إنه لا سياحة ، ولا إستثمار في السودان تحت الحكم الديكتاتوري المتأسلم ، وليس لأجلهما يحضر هؤلاء ، بل هم يأتوا لإقتسام المال المنهوب من ثروات البلاد مع النظام الذي بات الفساد المالي ونهب مال الشعب من أهم ملامحه ، والعالم كله يعرف ذلك عنه ، وتقارير الشفافية الدولية ومنظمات ومؤسسات المال الدولية تقول بذلك بشكل راتب ، وتصنفه تصنيفا ، فكيف بهذه الشاعرة النابهة ، تقول " بالسياحة المثالية " يقوم بادارتها " الخليجيون " ويتمتعون بها ، والحروب تندلع ، كما اللهيب والنير ، وتتمدد علي كل أطراف البلاد ، العالم كله ، والميديا العالمية ، تنشر كل يوم ، وتفضح القصف الجوي والأحراق المتعمد لقري كاملة في غرب البلاد ، والجوع والفقر والمرض ينال من جسد الشعب ، والقمع يستشري ، لينال من النساء والأطفال والصحفيون والمثقفون ، كيف ، إذن ، تغض الشاعرة عينيها عن كل هذه المآسي وسوءات وبشاعات النظام ، فتقول " بالسياحة المثالية " ، ألم تعلم ، بعد ، بما يجري حقيقة علي أرض الواقع في السودان ؟ وأنني لأعجب ، كيف للسقوط ، أن يكون سهلا هكذا حين يحدث !! تستطرد سعدية في وصف حالتنا فتقول : " ... لابد إن لهؤلاء – تقصد الخليجيون السواح – وجهة نظر مشابهة لوجهة نظري ، أنا التي أحضر للخرطوم للمرة الأولي في حياتي ، تلبية لدعوة من وزارة الثقافة السودانية ، للمشاركة في مهرجان " ملتقي النيلين للشعر العربي " الذي أنعقد في الخرطوم من 13 إلي 17 أبريل الماضي . في دورة حملت أسم شاعر السودان الكبير التجاني يوسف بشير ، تحت شعار " أنت يانيل ياسليل الفراديس " . هذا المهرجان " المسخ " ، لم تسمع عنه – داخل السودان ناهيك عن خارجه – سوي آذان وأبواق النظام ، و ... المتشاعرين والمتشاعرات ، من الذين لم يسمع لهم شعرا ، و ذكرا في راهن الشعر السوداني ، ولا سمع المجتمع الثقافي في بلادنا ، بأؤلئك " الشعراء العرب " الذين تداعوا للخرطوم " تلبية " لدعوة النظام ، و ... عطاياه ! هكذا ، جعلت سعدية نفسها في معية المهرولون إلي بلاط السلطان ، شكرا لهم ، شكرا ، أيضا ، سعدية ، فقد أعدتم لأذهاننا المتعبة وعواطفنا الظمأي للحرية والعدالة ، ذكري أيام شعراء البلاط في معية السلطان من تاريخنا القديم المزرئ ، شكرا لكم !
هذا المهرجان المسخ ، بشعاره " الجليل " ، حول شاعرنا الفذ التجاني يوسف بشير ، هو – في ظني – قدح سفيه في حق هذا الشاعر الكبير ، الذي وقف شعره كله ، في حياته القصيرة تلك ، مناهضا لوجوه التأسلم المنافق ، والكذبة من المتأسلمين ، حد أن نحي بشعره ، أحيانا ، صوب الصوفية الشفيفة ، تلك الصوفية " الأرضية " كما قال بها البياتي أخريات سنوات حياته ، لقد جرح ذكراه المجيدة ذلك المهرجان المسخ ، والمسوخ المشاركون به ! ثم أنظروا ، للشاعرة التي قالت بأن السودان بلدا " مثاليا للسياحة " ، كيف تعود لتؤكد إندلاع الحروب فيه ، وأنتم ، هل سمعتم بسياحة مثالية تكون في بلد موبوء بالحرب وويلاتها ؟ تقول الشاعرة : " ورغم الظروف " الحربية " التي كان يمر بها السودان في تلك الفترة ، فأن عددا كبيرا من الشعراء العرب حضروا بحماسة للمشاركة الشعرية والوجدانية أيضا . فقد شارك شاعر أو أكثر من كل من مصر وسوريا والكويت والأمارات العربية والعراق والأردن وفلسطين وموريتانيا ولبنان ، بالإضافة إلي ما يقرب من خمسين شاعرا سودانيا ، أغلبهم من الشباب ، شكلوا المفأجاة الكبري لنا ، نحن الشعراء العرب المشاركون . فقد أضفي شعراء السودان الشباب ، علي الملتقي روحا شعرية ساحرة ما بين الفصحي والعامية ، وكانت قصائدهم المتاوجة ، من تموجات أنهار عاصمتهم ، ذهولا مستمرا بالنسبة لي " ! هكذا أسبغت علي الملتقي / جثة القصيدة النتنة ، جمالا ليس فيه ، ورائحة ليست له ، وحضورا ما كان له في برهتنا الثقافية تلك ، فزينته بالحلي الزائفات ما أستطاعت ! لربما ، أيضا ، أخذها بعض الحياء والخجل ، فأبت أن تذكر للقراء ولو بضعة أسماء من كوكبة الشعراء العرب المشاركون ، ولا من شباب الشعراء التي زعمت إنهم حازوا أعجابها حد الدهشة ، ناهيك عن إيراد مقاطع صغيرة ، كنماذج ، ضرورية لأشعارهم من باب التعريف بهذا النتاج الشعري " المذهل " الذي زحم عليها مخيلتها ، وذائقتها ، لم لم تقم بذلك ، أحتراما للقارئ علي الأقل !
ثم ، تأتي ، لوصف مائدة اللئام ، فتقول الشاعرة : " إستضافتنا روضة الحاج ( روضة الحاج هذه شاعرة البلاط ، المحظية بكل أعطياته وهالاته البراقة الزائفة ، كفت شعريتها ، منذ وضعت شعرها ديباجة في صدره تحاول أن تجمله ! ) لاحقا في أحد صباحات الملتقي في مركز المرأة السودانية ( ماما ) ، لنجد في استقبالنا هناك جمعا من سيدات السودان المميزات في كل المجالات . وكان المركز بحد ذاته ، تحفة راقية علي صعيد تصميمه الداخلي الذي قامت به أحدي عضواته ... وأضفت عليه نكهة نسائية من عوالم المرأة والأسرة ، وفقا لتنوعات المجتمع السوداني بأكمله . " ... السيدات المحترمات ، هن عضوات في الحزب الحاكم " المؤتمر الوطني " ، ثلة من النساء الأنتهازيات قد تسلقن أعتاب النظام وأصبحن – في هذا الزمن الموبؤء بالفساد – سيدات أعمال ، تحت مظلة السيدة الأولي حرم الرئيس ، وهي أرملة شابة جميلة لأحد عتاة المتأسلمين المهووسين العسكرين الذي سبق وقضي في حادث تحطم طائرة لا يزال الغموض يكتنفه ، بعد أقل من شهرين علي الحادثة ، هرع الرئيس – كعادتهم – ليتخذها زوجة يغدق عليها المال الطائل بلا أي وازع من ضمير ، وهي الفقيرة ، في محتدها وحياتها حتي وفاة زوجها ... النساء ، اللاتي أحطن بالشاعرة ، هن نساء البلاط ، والمقر الذي قالت الشاعرة أنه شيد بواسطة أحدي العضوات ، هو مشيد ببذخ مهول من مال الشعب ، لينعمن في ردهاته الفارهة ما شاء لهن أن ينعمن ، هن وضيوفهن " المحترمات " مثلما حدث مع الشاعرة ورهطهن ، بينما – في ذات الوقت – كانت نساء السودان الحقيقيات / الرائدات الجسورات ، يذيقهن النظام وكلاب أمنه المسغبة والتعذيب ، بجلدهن أمام الملأ ، وحلق شعورهن وضربهن ، وإغتصابهن ، وشعب السودان يعاني الجوع والبطالة والمهانة ، فيخرج إلي الشارع ليواجه بالقمع المروع الذي تعرف عليه العالم بأسره ، وطالب الرأي العام العالمي ، وألح في طلبه إيقاف التعذيب والقمع والقتل والإغتصاب المشين للنساء ... كان هذا هو حال الوطن ، وذلك حال النساء ، حين كانت الشاعرة تستمتع في ردهات القصور الفارهات مع سيدات الحزب الحاكم ، ينعمن بالمأكل والمشرب من طيبات النظام وعطاياه !
ثم كان أن أتت الشاعرة إلي " تكسير الثلج " ، وهو تعبير دارج إبتدعته ذاكرة شعبنا الشعبية ، يقولونه يريدون به من يصدح بالمديح الذي ليس في محله ، المديح المنافق ، وهو عند الأنظمة الديكتاتورية جميعها يعدونه من الجماليات المصاحبة لأفعالهم ، فلا مديحا حقيقيا يأتيهم ، من أي جهة كانت ، سوي " مكسرو الثلج " هؤلاء ... ، لقد وضعت الشاعرة عنوانا جانبيا لحديثها الذي سأنقله كاملا ، عنوانا يشئ بقدر النفاق والرياء الذي يحيط به من أوله : " السر الإلهي " ، للنظر ما قالته عن هذا السر الإلهي ، فوجدته في نظام الخرطوم المسخ ، تقول : " رغم كثرة الأمسيات واللقاءات الأخري ، فأن المسئولين السودانيين كانوا دائما حاضرين بكل تواضع ، فلا تفرق بينهم وبين الجمهور العادي ، أما الأهتمام كله فقد إنصب علي الضيوف . ولا أظن ، ، إننا كشعراء ، سنلقي من الإهتمام الرسمي والشعبي ، في أي عاصمة أخري ، ما لقيناه من الخرطوم . فقد خصصت رئاسة الجمهورية ، في عز إنشغالها بأزمة مدينة هجليج ، والحرب الدائرة في محيطها هناك ، مواكب رئاسية فخمة يتنقل فيها الشعراء العرب ، من وإلي أمكنة الأمسيات التي توزعت علي مسارح وقاعات الخرطوم بمدنها الثلاث . لكن المواكب الرئاسية لم تكن هي مظهر الضيافة المميزة الوحيد ، فقد كان كل شئ في الضيافة مميزا ، إبتداء من اختيار الفندق الراقي القريب من المطار ، المتوسط لحدائق غناء تبهج النفس " ! ... ولست أدري ، كيف لها أن " تبتهج " نفوسهم ، وهم يعيشون كل النعيم والترف ، بينماء أطفال السودان يموتون كل يوم – بل كل ساعة – بالجوع والمرض والمسغبة ، كيف لهذه القلوب " الشاعرة " أن تعيش في أبهة اللحظة الزائفة ، في " الفرح المختلس " علي قول أمل دنقل ، والبلاد تحيط بها – كما السوار بالمعصم – الويلات والحروب والقمع والدم ، كيف ؟
أعدت السلطة المجرمة ، الجولات " الترفيهية / السياحية " ، ثم جعلتهم في اليخت النهري يطوف بهم علي صفحة النهر ، حد أن بهرت تلك الجولة النيلية قريحة الشاعرة ، فكتبت : " ... كان اليخت يمضي بنا علي مدي النيل الطويل ، وكانت المشاهد تتلاحق ، والإبتسامات المضيئة من البعيد ، تلاحقنا أيضا من علي الضفتين . مررنا بمركب صغير ، يحتفل من فيها ، بعرس غير تقليدي كما يبدو ، وكانت شمس الأصيل قد ذهبت خوص النخيل علي جانبي النيل فعلا ، فتماوجت ألوان الثوب السوداني التقليدي ، الذي ترتديه نساء الحفلة علي ذلك المركب ، بإلتماعات تشبه إلتماعات الشعر ، وتناهت إلي أسماعنا الموسيقي السودانية الطالعة من قلب النيل " ... مشهد شاعري فعلا ، لكنه مصنوع وزائف ، صصمم خصيصا بواسطة سماسرة الضيافة والإحتفالات ، كما صمموا وأعدوا " العرس " في المركب الصغير ، ليبدو وكأنه قد صادفهم مصادفة ، هي أموال الشعب السوداني ، الفقير الجائع ، تنفق بسخاء وسفه ، علي مثل هذه المهرجانات والضيافات ، يسعون من وراءها لتجميل وجه السلطة القبيح !
هكذا ، بهرت " المراسم والحفاوة المصنوعة " ، مخيلة الشاعرة ، وحضور " الملتقي " المسخ من الشعراء العرب ، وما دريت ، حتي اللحظة ، من هم ، وأين هو نتاجهم الشعري ، الذي وجدوا كل هذه الحفاوة ببذخها الكثير ، بسببها كما يدعون ! هكذا ، إذن ، سقطت هذه الشاعرة " المحترمة " في فخ المتأسلمين ، ولا يزال يوجعني السؤال : كيف للشعراء يسقطون – حين يسقطون – بهذه الهشاشة المفجعة ؟ وأرجو أن نقرأ معا ، تقرير المراجع العام الذي أدلي به أمام البرمان ، ونشرته جريدة " الصحافة " السودانية في عددها ( 6924 ) بتاريخ الخميس 22 نوفمبر 2012 الجاري ، عن الفساد الذي جعله النظام ديدنا للمارساته مع المال العام ، فجعل " منظمة الشفافية العالمية " تضع السودان في ذيل الدول التي يسود فيها الفساد ، ويفسد الأقتصاد ويدمره ، فعلت ذلك في تقريرها لهذا العام أيضا ، يقول تقرير المراجع العام :

زيادة الاعتداء على المال العام في الولايات بنسبة 381%
البرلمان : الصحافة: كشف تقرير المراجع العام، ان جرائم المال العام والمخالفات المالية للفترة من سبتمبر 2011 وحتى اغسطس من العام الجاري بلغت اكثر من 175 مليون جنيه، وسط زيادة لافتة للتجاوزات على مستوى الولايات وصلت الى 381%، وحدد التقرير تجاوزات في المنح والقروض، خاصة فيما يلي مبلغ 721 مليون جنيه سحبتها وزارة التعاون الدولي من منحة غير معروف حجمها وجهتها المانحة واوجه صرفها، بجانب منحتين قطرية وجزائرية لا يوجد ما يفيد بأوجه صرفهما ولا تظهر في الحساب الختامي لوزارة المالية، وافاد بأن تكلفة التعاقد الخاص للقطاعات المختلفة بلغت مليار جنيه، من ضمنها فئات غير نادرة.
وشدد المراجع العام الطاهر عبد القيوم لدى تقديمه خطابه حول الاداء المالي للدولة لسنة 2011 امام البرلمان امس علي ضرورة ضبط الاعفاءات الجمركية الممنوحة للمنظمات الخيرية ،موضحا ان هناك 587 منظمة تستفيد من هذه الاعفاءات، وكشف عن وجود تجاوز في الصرف علي مشاريع سد مروي ومشروعاته المصاحبة ومشروع تعلية خزان الروصيرص.
واشار المراجع العام الى استثناء الرئيس عمر البشير شركة الامن الغذائي التابعة للقوات النظامية من قرار سابق بالتصفية،
وانتقد اجراءات تصفية مخالفة للقانون لست شركات تتبع للجيش والشرطة وجهاز الأمن بينما تمت خصخصة شركتين وتصفية 14 شركة اخرى من ضمن 26 شركة صدر قرار رئاسي سابق بتصفيتها وخصخصتها وتم عرض 4 منها للبيع.
ونبه التقرير الى تكرار ظاهرة ارتداد الشيكات والمتأخرات بإدارتي ديوان الضرائب والجمارك كأكبر الوحدات الايرادية وبلغت الشيكات المرتدة الخاصة بإدارة الجمارك 2.7 مليون جنيه فيما بلغت شيكات ديوان الضرائب 12.6مليون جنيه.
وبلغ المال المجنب بالوزارات والوحدات الحكومية 497 مليون جنيه و5 ملايين دولار، وكشف المراجع عن جهود عبر لجنة برئاسة النائب الاول للرئيس علي عثمان محمد طه لحسم الظاهرة.
وقال تقرير المراجع العام ان جرائم المال العام في الولايات التي لم تسترد خلال الفترة من سبتمبر 2011 وحتى اغسطس 2012 بلغت 19.2 مليون جنيه بنسبة زيادة 381% عن جرائم المال العام خلال الفترة السابقة والتي بلغت 5.04 مليون جنيه ولم يتعدَ المبلغ المسترد 1.15 مليون جنيه من الاموال المعتدي عليه بنسبة استرداد 5%.
واضاف ان المخالفات المالية في الولايات وصلت الى 151.4 مليون جنيه استرد منها مبلغ 1.33 مليون جنيه، كما قدمت مستندات ازالة لمبلغ 5.47 مليون جنيه.
وعلى مستوى الاجهزة القومية بلغ صافي جرائم المال العام غير المسترد خلال الفترة من 2011 الى 2012 مبلغ 3.8 مليون جنيه مقارنة بمبلغ 4.9 مليون جنيه في الفترة 2010 وحتى 2011، وبلغت نسبة المال المسترد حتى امس 20%.
واكد التقرير وجود مرتبات تصرف لاشخاص تم انهاء تعاقداتهم فضلا عن 316 موظفا قدموا استقالاتهم لم ترفع اسماؤهم عن كشوفات المرتبات بعد، كما كشف عن تجاوزات بصندوق رعاية الطلاب تتمثل في تقديمه منح لمنظمات في مخالفة لاغراض تأسيسه بالاضافة لمخالفات مالية طرف القضاء والمراجعة بلغ حجمها 2.8 مليون جنيه بينما لم تقدم 25 وحدة حكومية حساباتها للمراجعة حتي اليوم.
وقال التقرير ان نسبة العاملين بالتعاقد ارتفعت خلال الاعوام الخمسة الاخيرة بزيادة مضطردة متجاوزة الفئات المستهدفة من الخبراء والمستشارين لتشمل فئات اخرى كان يمكن استيعابها في وظائف هيكلية واخرى عمالة مدربة وغير مدربة، مشيرا الى ان تكلفة التعاقد الخاص للقطاعات المختلفة بلغت مليار جنيه.
واعلن ارتفاع نسبة العاملين في الدولة بالتعاقد ليبلغ عددهم 1094 متعاقدا بإجمالي امتيازات 53.4 مليون جنيه ونوه الى ان هيئة الطيران المدني تعاقدت مع خبيرين اجنبيين بمبلغ 607 ألف دولار سنويا.وارتفعت مديونية بنك السودان علي الحكومة الى «10.2» مليار جنيه !

هل ، ياتري ، غاب كل ذلك عن بال الشاعرة ، فهرولت إلي الخرطوم ، لتنعم من قوت شعبنا ، وتنعش جسدها وذاكرتها ، فتجمل – كا يتصوروا – وجه النظام القمي ؟ أما عن مظاهر القمع والتنكيل والقتل والحروب ، وإذلال الإنسان ، فدونكم " اليوتيوب " ، وصحيفة " الراكوبة " الليكترونية ، ففيهما الكثير المخزي من سوءات هذا النظام المسخ !
------------------------------------------------------------------------
* حديث سعدية الذي أقتبست مقاطعا بأكملها هنا ، كانت قد نشرته في عدة صحف ومجلات تعمل بها ، ثم أعادت نشره صحيفة " الوطن " السودانية ، الموالية للنظام ، بعددها رقم : 4248 الصادر يوم الخميس 8 نوفمبر 2012 ، ومنه نقلت حديثها هنا !.

ليست هناك تعليقات: