** لمناسبة يوم الشعر العالمي ، كلمات في مقام الشعر !
------------------------------------------------
1 :
" أيها الواقفون علي حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة !
سقط الموت ،
وانفرط القلب كالمسبحة
والدم انساب فوق الوشاح !
المنازل أضرحة ...
والزنازن أضرحة ...
فأرفعوا الأسلحة
وأتبعوني
أنا ندم الغد والبارحة
رايتي :
عظمتان ... وجمجمة ،
وشعاري :
الصباح ! "
= أمل دنقل / من أغنية الكعكة الحجرية =
2 :
بحق نداءاته التي أبدا
لم تكف
لا تغطوه بالسواد ...
فثوب الشعر دائما شفاف
إلتحف به لتبدو عاريا ،
واضحا وغامضا كما الحقيقة ،
و ... لا تخاف !
3 :
كنت ، قبل فترة ليست طويلة ، قد قرأت بيانا يعلن عن أن هنالك ثلاث فعاليات شعرية ناشطة في فضاء الشعر عندنا ( الحركة الشعرية ، منتدي مشافهة النص الشعري و مجلة البعيد الإلكترونية ) قد توحدت تحت مسمي : ( عشب ) ، وإنها ستعمل معا لرفد وإشهار صوت الشعر عاليا في الملأ ، فسعدت به جدا ، البيان وما يستتبعه من فعل وحراك . فمن خلآله حدست ان هنالك حشدا رائعا من المبدعين، شاعرات وشعراء قد تداعو ليكونوا صوب هذا الفيض النوراني للقصيدة ، إحتفاءا بها , تستحقه بلا شك , والتعرف علي راهنها وتعقيداته الكثيرة , وفيها الآشراق الشفيف , وفيها ايضا المعتم الداكن الذي يؤشر لخيبتها وخمودها بدلا من تقديم نماذجها المضيئة التي تضئ الحاضروتؤشر بمقدرات شعرية باذخة للمستقبل الافضل . ظللت ، منذ وقت مبكر من تواجدي في محبة الشعر ، أردد دائما مع شيللر:
" حلق بجسارة فوق عصرك
وليسطع ضوء المستقبل في مرآتك
ولو بشكل خافت ! "
4 :
قال أدوارد سعيد يوما : " النصوص دنيوية " ! نعم ، هي كذلك ، وكذلك أراها أنا ، أنها موجودة في بلبال هذا العالم ، في دنيا الأحداث والصراعات والهيمنات والمقاومات . ودنيوية النصوص هي علة فعاليتها السياسية والتاريخية ، فإذا جردناها من هذه الدنيوية تصبح كائنات خاملة ، يظللها ويدثرها السكون ، بلا حراك وبلا حركة ، تصبح تيها محضا ، لكنه متمترس في نصوصيات مغلقة بلا دلالات موحية ! والحال كذلك ، فاننا نستطيع أن نقول , بإطمئنان كامل ، إن النصوص بصفة عامة ، ويعنينا هنا الشعر بصفة خاصة ، لا ينبغي لها أن تعزل عن ظروفها والأحداث التي جعلت منها شيئا ممكنا ، رائعا وجميلا ، وذلك ببساطة لان النصوص ، هي في ذاتها ، دنيوية ، وهي ايضا ،أحداث بهذا القدر أو ذاك ... وهي فوق ذلك كله ، جزءا حيا من العالم الاجتماعي والحياة البشرية نفسها ! إذن ، نري أنه يجب أن يقرأ شعرنا الراهن وفق هذا المنظور، بفهم كامل لمحيطه واحداثيات الحياة من حوله !
الآن ، الشعر العربي في مفترق طرق خطير ، وللحق نقول : أنه قد اختار أن يخطو خطواته الواثقات بجسارة في طريق مغاير تماما لمألوف الشعرية عندنا ... مغاير لكنه برؤي جديدة وذات فرادة ظاهرة ومتوهجة ، وللجديد – دائما في عرف الناس ومسلماتهم – دهشة تقف كما الأشواك أمام تطور القصيدة ، تنهض – فجأة – أمامها عراقيل شتي ، وهي تعبد طريقا خاصا بها ، جديدا وغير مألوف ، بل يصادم السائد ، فيأخذها إلي حيث ذري الابداع وتخومه وشموسه الساطعات ذات البهاء !
هذا الواقع الملتبس ، يشكل تحديا مباشرا امام الشاعر ، يصدمه بعنف جارح صقيل حتي تهتز من جراءها شعريته وذخائره المعرفية كلها ، هي خضة إذن , وخضة عظيمة الخطر والتأثير عليه : فاما أن يبدع قصيدته فتسير به في محض وجهتها " القديمة " ، أو أن يخرج بها علي الملأ في وجهة حداثتها المفترضة غير المألوفة ، التي تثير الرعشة في جسد الحرس القديم ، تستفزه بقوة وتستنفره في ذات الوقت لكيما يقف امامها يجهد أن يسد عليها مسارب إنطلاقها ودروب سيرها ومنهاج تطورها النامي المتصاعد صوب المستقبل ومستقبلها كقصيدة جديدة ، تطلع باذخة ومضيئة – كما الشهب – في فضاء الشعر العربي الراهن ! وهي ، في ظني ، قادرة تماما أن تتجاوز كل تلك العقبات والعراقيل كلها وتذهب – واثقة وبإقتدار – إلي ذراها وإلي إنتصاراتها الوشيكة .
إن الشعر قد ادرك بشكل جلي ، هذه المرة ، أنه لايوجد شعر حقيقي خارج المحظور ، ولا إبداع خارج الممنوع ، فإلابداع هو " إنتهاك دائم للمألوف ، تعد علي ميراث الأجوبة النهائية ، أنه حالة عصيان فكري ، لذا ، علي من يطمع في إبداع شاهق يخترق سقف الحرية ، أن يكون جاهزا لكل شئ, بما في ذلك الموت مقابل حفنة من الكلمات " كما قالت مستغانمي بحق .
5 :
الشعر، الآن ، في مرحلة تحول عميق ، وهو ليس تحولا في طرائق الاداء واساليب الكتابة وحسب ، لا ، أنه تحولا في الرؤية نفسها ، لكيما يروض العالم المفتت ليجعل منه وجودا متماسكا ، ولكنه ينشط بفعالية تجعل من الوجود نفسه أطروحة فكرية مقذوفة بإتجاه مستقبل مضئ ، يراه ويستشعره ويستغرقه ... وهو إذ يفعل ذلك ، يخرج برؤياه من الأطر الثابتة والجواهر المستقرة / المطمئنة في عرف الناس ... ، وإنتسابا – في ذات الوقت – إلي حيث التاريخ والأعراض المتحولة ! يوجد – الآن ايضا – وعيا جماليا أكاد أراه ، قد بدأ يتكون ويتخلق في الرحم الولود للشعرية لدينا ، وهنالك ، ايضا وايضا ، وعي معرفي آخذ في التكون ، فقد بدأت القصيدة تفزع لتختلط ، إختلاطا ثريا بالحياة المعاصرة بكل تعقيداتها وتناقضاتها وصراعاتها و... ثوراتها ، فتتسع معرفتها بالوجود فتتواجد بكثافة وفاعلية في الحياة وبين الناس !
6 :
كل هذا الحديث ، وكل هذا " الشجن العائلي " ، إستدعاه إلي القلب والذاكرة البيان المضئ " ذلك البيان ( التوحيدي ) ، و ... التوحيد هو نوعا ما من التنظيم والحراك الجماعي ، ثم تلك الفعالية المعلن عنها بجسارة بهيجة إحتفاءا بيوم الشعر العالمي ، بتلك الصورة الفريدة ، نوعيا وحركيا ، إجلالا وتحية في الملأ للقصيدة وللحساسية الطالعة من نفسها ، من ذاتها إلي وجهها ومن ثم إلي جسدها وشرفاتها . فطوبي لكم ايها الرائعون ، الشاعرات والشعراء ، يامن جعلتم للشعر ، عبر هذا الحراك الواعي قضية مضافة ، بجدارة الجدوي ، إلي قضايا شعبنا ووطننا !
أنكم ، جميعا الآن ، في رفقة وعي جديد وحساسية جديدة ، بصيرة وتعي ما فيها وما حولها ، فلا مندوحة من خوض هذا الغمار كله ، بجسارة القول والفعل والإصغاء الرحيم ، وهل ثمة خشية من ذلك الغريب الذي سيجئ ، هل ثمة عتمات في الشعر ؟ لا ... ، ليس هناك مكان لها هنا ، فالمكان برمته للجمال . حيث القصيدة إندغام في مجهول ، يحفر بدأب ولا يتوقف قط ، في تجاويف الجسد ... لا يؤول عزلته الشعرية ، بل يكتبها ، يعيشها ، متنسما – بأريحية ونقاء يتعذر وصفهما – لجسد منخطف ، ومنخرط في ذات الوقت ، في هندسة إنخطافاته ، شأن ساحر نزاع إلي إبتكار معادلاته ، التي هي بين كينونته الشاعرة والكلام ، بين وداعة المراثي وقساوة الشذرات ... مستدعيا الإنصات العميق كحالة ضرورية جدا لمحاورة شعره ومجاورته ، قريبا من القلب ، مندغما في غرائبية الرؤيا ، شعره ذو الوجازة الملغزة ، المحيرة ، الغامضة ، لكنها ، " واضحة ، أو واضحة " علي قول درويش الحبيب ... أظنه حقا ما رأيته هنا ، ف " القبول يضئ الوجه / الرفض يزيده بهاء " ، كما قال رينيه شار . إذن ، دعونا نكون فيه ، في غموضه الواضح ، في غرائبيته أيضا ، ولندع القصيدة تقول – وحدها – قولها فينا ، بلا أية إشتراطات ، وسلاااااام إليك أيها الشعر ، أيها الفرح المختلس علي قول أمل !