* كسلا *
الأنقاذ ، أيضا ، قد شوهت المدن !
---------------------------------
* إلي : إيمان صالح ، وقد سألتني : " كيف تري كسلا ؟ " .
---------------------------------
* إلي : إيمان صالح ، وقد سألتني : " كيف تري كسلا ؟ " .
... كسلا
، شوارع تؤدي إلي الجبل
... وأخري إلي غرب القاش
ومبان تتفرع - كعنقود مدهش - إلي شوارع
، وظلال بيوت ، ونساء ، ومآذن تكاد تلامس السماء ، وشمس وحب ، ومجندون صغار يهرولون
في الشوارع الرئيسة ، ومقاه يعلوها الغبار مكتظة بالعاطلين عن العمل ، فنادق باردة
خالية ، وغمام هزيل ...
، أعود إلي كسلا بعد أعوام كثيرة
... يااااااه ، كم تتغير المدن
أزقة تتناسل كالقطط
وآخري تتلاشي كأحلام قديمة
ومحلات تغير لافتاتها بتغيرات المواسم
، ووجوه تغيب ...
... وأخري تشيخ
، وجوه تحييك فلا تعرفها
... وجوه تحدق فيك ولا تعرفك
، كم هرمت ، إذن ، ولا تدري
أم أنه قلبك وقد تيبس
ويبرر إليك النسيان ؟
أم هي المدينة التي تغيرت ، أم هي الذاكرة
؟
" ، ذهبت أفتش عن مكتبة " كباشي
التي تعودت أن أتزود منها بالكتب والمجلات
... والصحف والأحاديث الشوارد
عندما وصلتها ،
، لم أجدها
! وجدت مكانها مطعما بلديا
... تحسرت من كل قلبي
قلت : لأدخل أيضا
... أتغدي ... أكراما لذكرياتي
تأملت الحيطان المزينة بالصور ،
والمرايا التي تعكس الأفواه الماضغة
، تذكرت
، الجدران التي كانت تنوء برفوف الكتب
، هنا كان طه حسين يحتسي قهوته ويدخن مع المعري
هنا كانا يجلسان ، درويش وسعدي يوسف
يتداولان حداثة القصيدة ويمتحنان اللغة ،
علي هذا الرف المائل كان لوركا يصغي بإهتمام وشبق
علي هذا الرف المائل كان لوركا يصغي بإهتمام وشبق
لأراجون وهو يقرأ قصائده عن عيون إلزا
في هذه الزاوية كان ريستوس يغني لنيرودا
أناشيد الآلهة
وفي هذا الركن كان زوربا يرقص
فرحا بالحياة ! ويصدح بالغناء
: غادرت المطعم وأنا أردد
، فئران المطاعم تلتهم المكتبات والمقاهي
إلي أين أمضي يامسافاتي التي غدت
قصيرة بحجم أصابعي ؟
، لاعناوين - الآن - تغريني أن أمشي
... سألوذ إذن ، بالأرصفة التي أنجبتني
. ورحت أجوب الطرقات وحدي
ساعات وأنا في التجوال ورعشات الأفول
آآآه ... ما أوحش المدن بلا أصدقاء
، قلت : لأتصل بخليل بامي
. كان مسافرا إلي ما لست أعرف
، قلت : لأتصل بديشاب
. كان مسافرا إلي وادي حلفا
، قلت : لأتصل بكمال عبد الحليم
. كان مسافرا إلي حلفا الجديدة
" ، قلت : لأتصل بأحمد طه "الجنرال
. كان مسافرا إلي الخرطوم
، قلت : لأذهب وأري حسونة بدوي حجازي
، قلت : لأذهب وأري حسونة بدوي حجازي
! كان حاضرا في الغياب الكثيف
، قلت : لأبحث ، إذن ، عن أبراهيم نايل
... وجدته وقد خاصم الأحاديث والأصدقاء
، حتي كنديو لم يحتمل صحبتها
! فغادر
ما هذا ؟
كأنهم أتفقوا أن يتركوني وحيدا
مع خطاي الهزيلة
! وذكرياتي الأليمة
... جربت الكتابة
سرعان ما أصابني الضجر
! وألتمع - كالضوء - في دواخلي حجر
، تركتها
! تركتهما معا ... المدينة والكتابة
، وعدت إلي السودان
! متلفعا برقا ورياحا وغمام
! متلفعا برقا ورياحا وغمام
، قلت : لأثرثر ...
مثلما يفعل رهطي
، في مناخات الكآبة
، آهات ... وآهات
ولي ، تؤلم القلب لزمان الصحب
... وأنخاب الصبابة
، آخر الآهات
! آآآآه من طول المسافة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق