أنسي الحاج ، وداعا طائر الندي
الرياش ...
------------------------------------------
«لن أكون بينكم ...
لأن ريشةً من عصفور في اللطيف الربيع
ستكلّل رأسي ،
وشجر البرد سيكويني
وامرأة باقية بعيداً ستبكيني
وبكاؤها كحياتي جميل…»
------------------------------------------
«لن أكون بينكم ...
لأن ريشةً من عصفور في اللطيف الربيع
ستكلّل رأسي ،
وشجر البرد سيكويني
وامرأة باقية بعيداً ستبكيني
وبكاؤها كحياتي جميل…»
ولد أنسي الحاج في بيروت في 27 تموز
1937، وبدأ بنشر شعره في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وبدأ العمل في الصحافة
منذ العام 1956. شارك في تأسيس مجلة "شعر" وفي اصدارها، وكان أحد اركانها
منذ 1957 حتى توقفها في عهدها الاول، ثم في عهدها الثاني، وفي العام 1960 ظهرت مجموعته
الشعرية الأولى "لن"، مع مقدمة كتبها بنفسه في موضوع قصيدة النثر خاصة والشعر
عامة. وأصدر بعد ذلك عدة مجموعات شعرية منها "الرأس المقطوع" و"ماضي
الأيام الآتية" و"ماذا صنعت بالذهب؟ ماذا فعلت بالوردة؟" و"الرسولة
بشعرها الطويل حتى الينابيع"، كما أصدر كتاباً بعنوان "كلمات كلمات كلمات"
وهو عبارة عن مجموعة مقالات.
أنسي ، منذ أعوام بدأ في كتابة نثرية في صيغة " وصايا وحكم و ... تعاليم " ، قد جعلها في كتابه البديع الذي أسماه
" خواتم " ، تلك الخواتم التي نسجها – نسج الحائك المفتون بمهنته ، الملعون متقن الغرائبيات – من شقائق النثر الذي كان قد بدأ بها قصيدته في ملامحها الفاتنة في الستينيات من القرن الماضي فغدا واحدا من حملة شعلتها التي لم تبدأ في تمام خفوتها بعد ، أخرج ذاته وحلمه من ذلك الفضاء الأثير فشرع يكتب " خواتم " ، تأملات عميقة في الحياة ومتعلقاتها كلها ، الجمالية والقبيحة معا ، لكأنه بدأ في آخرياته يقتفي أثر " أليوت " الذي كان يقول : (بهذه الشقائق طفِقتُ أدعم خرائبي ) ... أما حين كان يكتب نسق قصائده التي شهرت للناس ، فقد كان له حبا واحدا هو الشعر ، وحبيبة واحده ، تكتبه فيكتب ، فتكون قصيدته ذات البريق الذي يضوع ، كالعطر ، في ملامحها وفي جسدها ،
فيغنيها شعرا لا يشبه إلا شعره بالذات ، فظلت قصيدته في معمدانية النار والجسد ، في حلم المرأة ، معشوقته التي ما عشق سواها فجعلها في قصيدته :
( ... فماذا صنعت بالحب
وأخذت ذهب النساء وردة الذهب فماذا صنعت بالذهب و ماذا فعلت بالوردة؟
انقلوني إلى جميع اللغات لتسمعني حبيبتي
ثبتوها على كرسي وجهوا وجهها إلي
أمسكوا رأسها نحوي فتركض إلي
لأني طويلا و بخت نفسي و يأسي قد صار ماردا.
أطيعي دمعك يا حبيبتي فيطري الحصى
أطيعي قلبك فيزيل السياج
ها هو العالم ينتهي و المدن مفتوحة المدن خالية جائعة أنت و ندمي وليمة
أنت عطشانة و غيومي سود و الرياح تلطمني.
المطر أبيض
الأصوات بيضاء
جسدك أبيض و أسنانك بيضاء
الحبر أبيض
و الأوراق بيضاء
اسمعيني اسمعيني
أناديك من الجبال من الأودية
أناديك من أعباب الشجر من شفاه السحاب
أناديك من الصخر و الينابيع
أناديك من الربيع إلى الربيع
أناديك من فوق كل شيء من تحت كل شيء ومن جميع الضواحي
اسمعيني آتيا و محجوبا و غامضا
اسمعيني اسمعيني مطرودا و غاربا
قلبي أسود بالوحشة و نفسي حمراء
لكن لوح العالم أبيض
و الكلمات بيضاء ! ) ...
أنسي مريضا علي سريره قرابة الشهرين ، حتي غادر عالمنا صباح اليوم الثلاثاء 18/ 2 في بيروت . رحل إذن أنسي ، الحداثوي قبل أن تولد فينا الحداثه ونعرفها فنري ملامحها في قصيدته ، رحل المتمرد كل أيامه في سريالية شيطانية تقولها لغته الوثابة بالحنين ، عاشق اللغة والمرأة والآتي الجميل ، رائد المفردة التي يجعلها كل صباح في ريش طائره المحلق في الأعالي ، أعلي أعالي القصيدة ، أعلي أعالي الجميلات ، حبيبنا في العشق والأماني المجنحات ، نبينا في القول والإشارات ، الذي ظل يدعونا – لمحض الحب – لنكون في الإيمان بنا ، بذواتنا التي ترانا ونراها ، بالمعشوقات التي في رؤانا ، أنسي صاحب الولادات ، وأن بدأت مؤلمة وعسيرة وذوات نزيف ، لكنها في جمال الحياة وبهجتها إذ تولد في الناس وفي الحياة . لقد علمتني ، يا حبيبي ، كيف أقرأ حبيبتي ، وكيف لي أن أكون في عشقها ، وفي عشق الحياة ، لأن " كل عمر يمر هو عمر ضائع " كما كنت تقول ، إلا نصوصك ، هي رياش الطيور في عوالمنا ،
فرح الجميلات ورقصاتهن الرشيقات . أنسي الحاج : يا أجملنا ، وداااااعا !
أنسي ، منذ أعوام بدأ في كتابة نثرية في صيغة " وصايا وحكم و ... تعاليم " ، قد جعلها في كتابه البديع الذي أسماه
" خواتم " ، تلك الخواتم التي نسجها – نسج الحائك المفتون بمهنته ، الملعون متقن الغرائبيات – من شقائق النثر الذي كان قد بدأ بها قصيدته في ملامحها الفاتنة في الستينيات من القرن الماضي فغدا واحدا من حملة شعلتها التي لم تبدأ في تمام خفوتها بعد ، أخرج ذاته وحلمه من ذلك الفضاء الأثير فشرع يكتب " خواتم " ، تأملات عميقة في الحياة ومتعلقاتها كلها ، الجمالية والقبيحة معا ، لكأنه بدأ في آخرياته يقتفي أثر " أليوت " الذي كان يقول : (بهذه الشقائق طفِقتُ أدعم خرائبي ) ... أما حين كان يكتب نسق قصائده التي شهرت للناس ، فقد كان له حبا واحدا هو الشعر ، وحبيبة واحده ، تكتبه فيكتب ، فتكون قصيدته ذات البريق الذي يضوع ، كالعطر ، في ملامحها وفي جسدها ،
فيغنيها شعرا لا يشبه إلا شعره بالذات ، فظلت قصيدته في معمدانية النار والجسد ، في حلم المرأة ، معشوقته التي ما عشق سواها فجعلها في قصيدته :
( ... فماذا صنعت بالحب
وأخذت ذهب النساء وردة الذهب فماذا صنعت بالذهب و ماذا فعلت بالوردة؟
انقلوني إلى جميع اللغات لتسمعني حبيبتي
ثبتوها على كرسي وجهوا وجهها إلي
أمسكوا رأسها نحوي فتركض إلي
لأني طويلا و بخت نفسي و يأسي قد صار ماردا.
أطيعي دمعك يا حبيبتي فيطري الحصى
أطيعي قلبك فيزيل السياج
ها هو العالم ينتهي و المدن مفتوحة المدن خالية جائعة أنت و ندمي وليمة
أنت عطشانة و غيومي سود و الرياح تلطمني.
المطر أبيض
الأصوات بيضاء
جسدك أبيض و أسنانك بيضاء
الحبر أبيض
و الأوراق بيضاء
اسمعيني اسمعيني
أناديك من الجبال من الأودية
أناديك من أعباب الشجر من شفاه السحاب
أناديك من الصخر و الينابيع
أناديك من الربيع إلى الربيع
أناديك من فوق كل شيء من تحت كل شيء ومن جميع الضواحي
اسمعيني آتيا و محجوبا و غامضا
اسمعيني اسمعيني مطرودا و غاربا
قلبي أسود بالوحشة و نفسي حمراء
لكن لوح العالم أبيض
و الكلمات بيضاء ! ) ...
أنسي مريضا علي سريره قرابة الشهرين ، حتي غادر عالمنا صباح اليوم الثلاثاء 18/ 2 في بيروت . رحل إذن أنسي ، الحداثوي قبل أن تولد فينا الحداثه ونعرفها فنري ملامحها في قصيدته ، رحل المتمرد كل أيامه في سريالية شيطانية تقولها لغته الوثابة بالحنين ، عاشق اللغة والمرأة والآتي الجميل ، رائد المفردة التي يجعلها كل صباح في ريش طائره المحلق في الأعالي ، أعلي أعالي القصيدة ، أعلي أعالي الجميلات ، حبيبنا في العشق والأماني المجنحات ، نبينا في القول والإشارات ، الذي ظل يدعونا – لمحض الحب – لنكون في الإيمان بنا ، بذواتنا التي ترانا ونراها ، بالمعشوقات التي في رؤانا ، أنسي صاحب الولادات ، وأن بدأت مؤلمة وعسيرة وذوات نزيف ، لكنها في جمال الحياة وبهجتها إذ تولد في الناس وفي الحياة . لقد علمتني ، يا حبيبي ، كيف أقرأ حبيبتي ، وكيف لي أن أكون في عشقها ، وفي عشق الحياة ، لأن " كل عمر يمر هو عمر ضائع " كما كنت تقول ، إلا نصوصك ، هي رياش الطيور في عوالمنا ،
فرح الجميلات ورقصاتهن الرشيقات . أنسي الحاج : يا أجملنا ، وداااااعا !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق